تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

كارثة اجتماعية... المخدَّرات تجتاح مدارس أبنائكم

إذا كانت السجائر «أوَّلها دَلَع، وآخرها وَلَع» كما يقولون، فإن أوَّل المخدرَّات وَلَع وآخرها نار مُحرقة تُزهق أرواح متعاطيها. وبالرغم من ذلك، تشهد هذه الآفة الخطيرة انتشاراً واسعاً بين طلاب الجامعات والمدارس، وتزداد اعداد المدمنين في أوساط هؤلاء بشكل خطير. فكيف تصل المخدرَّات إلى المدارس؟ ومن هي الفئة التي تتعاطاها وتروِّج لها؟ وفي أي عمر يبدأ الادمان بين التلاميذ؟ وهل من حلٍّ لهذه المشكلة؟ في هذا التحقيق من مصر ولبنان والامارات تحاول «لها» أن تجيب عن هذه الأسئلة.


المخدرات خطر جديد يجتاح المدارس في مصر
مع بداية كل عام دراسي، يظهر العديد من المشاكل التي لم تكن موجودة في السابق في مدارس مصر، وسط علامات استفهام عما آل إليه حال التعليم، من دون أن يتمكن أحد من الإجابة، ويعلق الجميع المشاكل على شماعة الأخلاق، التي باتت ضرباً من ضروب الخيال. فأي أخلاق يتحدثون عنها مع طالب لا يبالي بإشعال سيجارة حشيش وهو يجلس في الفصل، أو آخر ذهب إلى الامتحان متناولاً أقراصاً عدة من «الترامادول» لزوم المزاج!
ومع بداية العام الدراسي الحالي، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورة عبرت عما آل إليه حال التعليم، بعدما التقطها طالب لزميله وهو يشعل سيجارة حشيش داخل الفصل الدراسي، وهي صورة تكررت بأشكال مختلفة في عدد آخر من المدارس، لكنها كلها تصب في إطار واحد، هو أن هناك خطراً جديداً في المدارس اسمه المخدرات. ورغم رفض المسؤولين في التعليم الاعتراف بتحول الأمر إلى ظاهرة، يرصد الواقع حقيقة مختلفة، حيث تؤكد الدراسات أن 24 في المئة من طلاب المدارس يتعاطون المخدرات، خاصة في الفئة العمرية ما بين 11 و16 عاماً.
وبعيداً من صورة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد ألقت الشرطة القبض على طالب داخل مدرسة «الفشن التجارية» في محافظة بني سويف، إحدى محافظات صعيد مصر، أثناء قيامه بحقن نفسه بمخدر الهيروين في امتحان العملي، بناء على بلاغ من مشرف لجنة الامتحان.

حالات واقعية

وفي محافظة الإسكندرية، اتخذت إدارة غرب التعليمية قراراً بفصل طالبة في مدرسة طارق بن زياد الإعدادية، بعدما عثر في حقيبتها المدرسية على 13 سيجارة حشيش، وقام مدير المدرسة بتحرير مذكرة بالواقعة.
وتقدم مهندس يدعى طارق زايد بشكوى رسمية إلى وزارة التربية والتعليم، لتضرره من وجود طلاب يتعاطون المخدرات في مدرسة ابنه الخاصة في منطقة القاهرة الجديدة شرقي القاهرة، وقلقه من تحول ابنه إلى مدمن مخدرات في ظل المناخ السائد حوله، مما يؤكد كارثية الأوضاع في المدارس الخاصة.
وفي منطقة الدقي في الجيزة، استدعى مدرّس الشرطة للقبض على طالب في مدرسة «الأورمان الفندقية»، بعد ضبطه وهو يشعل سيجارة حشيش، وتم تحرير محضر بالواقعة وعرضه على النيابة التي تولت التحقيق معه.

فضيحة أخلاقية
فضيحة للمسؤولين في وزارة التعليم شهدتها حفلة في إحدى المدارس... كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، بعدما سقط 15 طالباً وطالبة من مدرستي، الحي السادس الثانوية (بنين) والحي السابع الثانوية (بنات) في مدينة السادس من أكتوبر، مغشياً عليهم أثناء وجودهم على المسرح للمشاركة بالغناء في حفلة مشتركة، وبتحري الأمر تبين تعاطيهم مادة الحشيش في البروفات.
وكما يرصد الواقع مثل هذه الحالات التي تؤكد انحراف طلبة المدارس، تسجل محاضر الشرطة وقائع لحالات انحراف مماثلة بين المدرّسين. ففي منطقة الساحل في شمال القاهرة تم إيقاف خمسة مدرّسين في مدرسة «السيدة نفيسة» عن العمل وإحالتهم الى النيابة، التي قررت تقديمهم الى المحاكمة التأديبية لقيامهم بلف سيجارة حشيش داخل المدرسة وتدخينها.

مدرّسو الكيف

كشفت تحقيقات النيابة العامة أن اثنين من مدرسي اللغة الإيطالية في المدرسة، ومدرس تاريخ، ومدرسي مجال صناعي، وبينما كانوا مجتمعين في غرفة المجال الصناعي، لفّ أحدهم سيجارة حشيش وتناوبوا على تدخينها، في وقت صوّر أحدهم الواقعة ليتم تسريبها والكشف عن هذه الكارثة.
وفي إطار المنظومة التعليمية، جاءت نتائج حملات عدة شنتها الإدارة العامة للمرور على سائقي الأتوبيسات المدرسية خلال شهر واحد، لتثبت إيجابية 286 حالة من إجمالي 760 حالة تم إخضاعها للفحص، وهي النسبة التي قاربت الـ 40 في المئة، الأمر الذي ينذر بكارثة سيدفع ثمنها في النهاية طلاب ومدرّسون يستقلون تلك الحافلات، مما حدا بصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي إلى تخصيص مبلغ مليون جنيه، في إطار حملة تستهدف الكشف عن 60 ألف سائق حافلة مدرسية، بالتعاون مع وزارتي الصحة والداخلية، للكشف عن مدى تعاطيهم المخدرات من عدمه، مع التشديد على إحالة الحالات الإيجابية إلى النيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية في حقها.

الدكتور عمرو عثمان: نحاول حماية الطلاب من الوقوع في براثن الإدمان
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي ضوء ازدياد حالات التعاطي بين طلبة المدارس الفنية، اتخذت وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر، الدكتورة غادة والي، بصفتها رئيسة مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، قراراً بتشكيل لجنة تتولى الكشف عن تعاطي المخدرات بين طلاب المدارس الفنية، كشرط أساسي للتقديم. يقول الدكتور عمرو عثمان، مدير الصندوق، إن اللجنة تضم ممثلين من وزارة التعليم والأمانة العامة للصحة النفسية في وزارة الصحة والصندوق، ويأتي القرار كهدف تربوي في المقام الأول، إذ يهتم بتوفير الحماية للطلبة من الوقوع في براثن الإدمان والحفاظ على لياقتهم الذهنية والبدنية، حتى يكونوا قادرين على الانخراط في الدراسة والتدريبات. ويضيف أن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، وقّع في إطار اهتمامه بهذه القضية، برتوكول تعاون مع مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية، يهدف الى رفع الوعي بمخاطر التدخين وتعاطي المخدرات وإدمانها بكل أشكالها وصورها بين الطلاب والمدرّسين، في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم.

هاني كمال: من أخطر التحديات
أما هاني كمال، المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم المصرية، فيؤكد أن ظاهرة انتشار المخدارت في المدارس الحكومية من أهم المشاكل والتحديات التي تواجه العملية التعليمية، فهي من أخطر الآفات التي أصابت الطلاب في السنوات القليلة الماضية، حيث لم تكن موجودة في الماضي. ورغم قلة الدعم والإمكانيات المتوافرة للعملية التعليمية، كانت المدارس أكثر التزاماً بالعادات والتقاليد، لكن نظراً الى سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، اضطرت الأسرة المصرية أن تترك التزامها الأساسي حيال أولادها، مما جعلهم عرضة للمؤثرات الخارجية واكتساب العادات السيئة، وصولاً إلى مرحلة الإدمان.
ويوضح أن وزارة التربية والتعليم تقوم حالياً بعمل إحصاءات وحصر للمناطق التي تنتشر فيها حالات الإدمان بين الطلاب، كي تستحدث برامج علاجية مختلفة ومكثفة، تُنفذ على أرض الواقع، بالتعاون مع وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، للقضاء على مثل هذه الظواهر السلبية، التي أصابت أولادنا، وعودة المدارس إلى دورها وممارسة وظيفتها الأساسية في التربية والتعليم، فلا تصبح أوكاراً لتعاطي المخدرات.

فاطمة خضر: التنسيق مع الأمن لمعرفة كيفية وصول المخدرات الى المدارس
وتشير فاطمة خضر، وكيل أول وزارة التربية والتعليم، الى أنها تلقت العديد من البلاغات من الإدارات التعليمية المختلفة، والتي تفيد بضبط حالات لطلبة يتعاطون المخدارت داخل الفصول بخلاف حالات التدخين. وتؤكد أن ارتفاع معدل هذه الحالات حتّم سرعة التحرك، حيث تم عقد أكثر من لقاء مع محافظ القاهرة، الذي أصدر تعليماته لمسؤولي الأحياء بضرورة التنسيق مع الأجهزة الأمنية، للكشف عن كيفية وصول هذه المخدرات الى المدارس، في الوقت الذي حاولت فيه البحث عن طرق للوقاية، من خلال أكثر من ورشة عمل بالتعاون مع المركز القومي للصحة النفسية.
وتضيف فاطمة أنه تم التشديد على ضرورة نشر ثقافة محاربة الإدمان، وتوضيح أضراره على صغار السن، من خلال عقد ندوات في المدارس والنوادي ومراكز الشباب، بالاتفاق مع الأحياء، كما قام المركز الطبي للصحة النفسية بتوفير دليل بأسماء المستشفيات، التي من الممكن أن يلجأ إليها الطالب في هذه الحالة مجاناً، مع الإبقاء على السرية التامة حفاظاً على مستقبل الطلاب... وبالفعل تجاوب العديد من الحالات.

محمد عبدالتواب: درَّبنا اختصاصيين لاكتشاف المدمنين
ويقول محمد عبدالتواب، مدير التعليم العام في مديرية التربية والتعليم في القاهرة، إنه وفي سبيل إيجاد حلول عاجلة، تم تدريب عدد كبير من الاختصاصيين الاجتماعيين، الذين أجرى بعضهم دراسات عليا حول إدمان الأحداث من طلبة المدارس الحكومية، ليتمكنوا من فحص الحالات المشكوك فيها، خاصة تلك التي ظهرت عليها أخيراً بعض التغيرات في السلوك العام، والمحتوى العلمي، وبالفعل نجحوا في الكشف عن حالات تتعاطى البانجو والحشيش، وخضعوا للتدابير العلاجية الصحية والنفسية، وجاءت النتائج إيجابية.

الدكتور أنور محمود: الأسرة مسؤولة
ويرجع الدكتور أنور محمود، مدير إدارة المرج التعليمية، هذه الظاهرة الى العوامل الأسرية والظروف الاجتماعية المحيطة، حيث يكون بين أفراد الأسرة من يتعاطى المخدرات، وهنا يأتي دور وزارة التربية والتعليم للتصدي لهذه الظاهرة السلبية من طريق عقد ندوات توعية للطلاب وتعليق اللافتات على جدران المدارس، لتوضيح خطورة تناول مثل هذه الأنواع من المخدرات، وإظهار أضرار التدخين على الصحة العامة.
ويضيف أنه تم تنبيه المدرّسين المدخنين بعدم التدخين في المدرسة ليكونوا قدوة حسنة للتلاميذ، وذلك طبقاً لقرار وزاري صدر في هذا الشأن. ومن يخالف هذه التعليمات ينال جزاءه، لكن المشكلة تكمن بأن هذه التوعية تأتي بنتائج لكن على المدى البعيد، لذلك يجب معرفة كيفية الحد من هذه الظواهر قبل حدوثها، من خلال زيارة بعض مراكز الإدمان، حتى يرى الطلاب تأثير المخدرات في متعاطيها، وتكون درساً لمن يفكر في الإقدام على مثل هذه الممارسات السيئة والمضرة بالصحة.

صبري كامل: ندوات وأطباء لتوعية الطلاب
ويلقي صبري كامل، مدير إدارة شبرا التعليمية، بالمسؤولية على الأسرة قبل المدرسة، فمن المفترض أن تكون الأسرة هي الرقيب الأول على أبنائها، ورغم هذا فإن المدارس لا تتوانى عن القيام بواجبها، من خلال العديد من الإجراءات الاستباقية التي تؤدي دور التوعية للطلبة من خطورة تعاطي المخدرات، من طريق إقامة ندوات بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والكنائس. كما توفر وزارة الصحة أطباء لتوعية الطلاب، بالتنسيق مع قسم التربية الاجتماعية والنفسية في المدرسة، التي تتولى مراقبة الطلاب والتغيرات التي تطرأ على سلوكهم وتصرفاتهم بصفة عامة، كما يتم التواصل مع أولياء الأمور إذا لاحظوا أي تغيرات في أولادهم.
أما الدكتور تامر زغلول، مدير إدارة التدريب والبحوث في المركز القومي للطب النفسي، فيؤكد أن ظاهرة تعاطي المخدرات في المدارس أصبحت منتشرة بلا حدود، ومن يدّعي خلاف ذلك من المسؤولين يكون مثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، مشيراً إلى أن الأمر بدأ بالتدخين ثم بتعاطي البانجو والحشيش وصولاً الى مخدر الماريجوانا.

ويضيف أن الظاهرة تنتشر بشكل كبير في المناطق التي تشتهر فيها تجارة المخدرات، والتي يكون فيها الطالب معتاداً على رؤية هذه الممارسات، كذلك أولياء الأمور، لذلك وضع المجلس القومي للصحة النفسية بروتوكول تعاون بين المركز ومديرية التربية والتعليم، لتدريب الاختصاصيين النفسيين على كيفية التعامل مع الطلاب المدمنين، بداية باكتشاف الطالب المدمن وطريقة التعامل معه، وتعريفه بخطورة الإدمان وتأثيره في مستقبله. وقد تم تطبيق المرحلة الأولى من هذا البروتوكول في منطقة تعليمية، وبعد نجاح التجربة تم الاتفاق على تعميم البروتوكول على جميع المدارس، علماً أن البروتوكول الجديد سيتضمن التعرف على الطالب المدمن الذي يعاني بعض الأمراض النفسية المعاصرة المصاحبة للإدمان.

الدكتورة نسرين بغدادي: العدوى السلوكية من أبرز الأسباب

ولأن القضية باتت ظاهرة، كان من الضروري عرضها من وجهة نظر علماء الاجتماع والنفس، للوقوف على تداعياتها ومدى جدوى العروض المطروحة.
تقول الدكتورة نسرين بغدادي، رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن قضية إدمان طلبة المدارس من الظواهر الاجتماعية والسلوكية الجديدة على المجتمع، والتي أصبحت أكثر انتشاراً بين الأولاد والفتيات، دون سن الثامنة عشرة، الأمر الذي يفرض علينا ضرورة التصدي لها بشكل جاد، بداية من الأسرة التي تعتبر النواة الأساسية للتنشئة السليمة، ومروراً بالمدرسة التي يجب أن تعود الى سابق عهدها في توفير المعلم القدوة لطلابه.
وتشير إلى أن هذه القضية لها طبيعتها الخاصة، حيث لا يعلن عما يتم ضبطه من حالات، بل يظهرون أن جميع طلبة المدارس وأسرهم يعيشون في بيئة مستقرة، لكن الواقع يؤكد أن عدداً كبيراً من طلاب المدارس، يقعون في براثن الإدمان بسبب سوء اختيار الأصدقاء، ونقل ما يسمى بالعدوى السلوكية، حيث يتناقل طلاب المدارس في ما بينهم العادات السيئة بهدف التجربة والاكتشاف، أو بهدف إشراك الآخرين في كل ما هو سلبي على حياتهم.
وتؤكد الدكتورة نسرين أهمية دور الأسرة، خاصة في ظل تباين البيئات التي ينتمي اليها طلاب المدارس والعوامل التي يتعرضون لها، سواء داخل المدرسة أو خارجها، موضحة أن دور الأسرة لا يقتصر على الرقابة فقط، وإنما يقوم على مواكبة التغيرات الزمنية بما يمكنهم من الوصول الى عقول أبنائهم بطرق غير تقليدية، وهنا يأتي دور الحوار والثقة المتبادلة، لإشعارهم بضرورة إشراك ذويهم في معرفة كل ما يتعرضون له من دون خوف من رد الفعل.
من جانبها، تشير الدكتورة إنشاد عز الدين إلى أن استخدام أساليب الترهيب أو بث الخوف في نفوس الأبناء بصفة مستمرة، يدفعهم إلى احتراف الكذب واللجوء إلى سلوكيات سلبية، من بينها تعاطي المواد المخدرة.
وتؤكد أن ظهور ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي قد شكل نوعاً من الخطر على سلوكيات الأبناء، وخاصةً الفتيات، في ظل غياب رقابة الأهل. وهناك الكثير من الحالات التي تعيش ضمن أسرة سليمة وتتوافر فيها عوامل الثقة المتبادلة، لكن أصدقاء التواصل الاجتماعي كان لهم التأثير السلبي في دفعهم الى تعاطي المخدرات.

الدكتور عبدالمحسن ديغم: الانتباه للمتغيرات الاجتماعية في عالم الطلاب
ويرى الدكتور عبدالمحسن ديغم، أستاذ الطب النفسي وعلاج الإدمان، أن أهم عوامل نجاح علاج الحالات المصابة بمرض تعاطي المخدرات، هو استعادة دور الأسرة الحقيقي، بعيداً من انشغال الأمهات والآباء بمتطلبات الحياة عن متابعة صغارهم، كذلك يجب أن يدرك الأهل طبيعة المتغيرات الاجتماعية من حولهم، فليس من المنطقي أن أمنع فتاة من مهاتفة صديقتها وأتركها تتحدث معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تغيب رقابة الأهل عليها في كثير من الأحيان.
ويؤكد أن الطالب الذي يلجأ الى الإدمان هو شخص يعاني في الأساس خللاً نفسياً يدفعه للهروب من مشاكله الواقعية، واللجوء الى عالم افتراضي تؤمنه له المخدرات، لذا يجب احتواؤه من الأهل ليشعر بتغير العوامل المحيطة به وقدرتهم على مساعدته في مواجهة هذه المشاكل من خلال حلول واقعية.
ويوضح د. ديغم أن من الخطأ تصور أن الطالب الذي يلجأ إلى تعاطي المخدرات، هو فقط من صادق ما يسمى بصديق السوء، أو من ينتمي إلى بيئة سيئة أخلاقياً، فالواقع يشير إلى أن أكثر الحالات عرضة للإدمان تكون لأشخاص لديهم أمهات أفرطن في تدليل صغارهن، أو بالغن في القسوة عليهم، مما خلق نوعاً من الخلل النفسي لديهم.


في لبنان المخدرات موجودة في مختلف المدارس بكل مراحلها ومستوياتها
التقت «لها» عدداً من الشبان في المدارس اللبنانية، واطلعت منهم على بعض التفاصيل عن المخدرات وكيفية انتشارها، كما التقت رئيس جمعية «جاد شبيبة ضدّ المخدرات» وحاورته، وللإحاطة بالموضوع من كل جوانبه، التقت أيضاً نائب مدير إحدى المدارس الثانوية» ربى ضيا واطلعت منها على أجواء الثانوية وأساليب الحماية. وأجرت مقابلة حول مشكلة الادمان على المخدرات لدى الفتيان والشباب مع المدربة والمنشطة الاجتماعية في مجال الادمان على المخدرات في مركز «أم النور» ساندرا شوشاني، ومع مديرة المركز دنيز أبي راشد.

شهادات المدمنين
سمير: تلميذ في المرحلة الثانوية في إحدى المدارس الرسمية، يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وهو شاهد على ما يحصل في المدارس الثانوية، إذ كان أغلب اصدقائه في المدرسة السابقة يروجون المخدرات ويتعاطونها في حرم المدرسة من دون حسيب أو رقيب، وهذا ما دفعه كما يقول، إلى تغيير مدرسته والانتقال إلى مدرسة أخرى. «أشكر الله لأن مدرستي الحالية خالية من المخدرات، ومديرها حازم ومسؤول. أما المدرسة التي كنت فيها فكانت المخدرات منتشرة بين طلابها «على عينك يا تاجر»، إذ تجد في كل صف ما يقارب ستة أو سبعة شبان من بين 16 تلميذاً، يتعاطون المخدّرات. يؤلف هؤلاء عادة مجموعة ويحاولون جذب أكبر عدد من التلاميذ إليهم عبر إغرائهم بعبارات من قبيل «تذوق ولن تندم وستشعر بالسعادة والنشوة». ويكون من بين هؤلاء شخص لا يمكن الشك به أو بأخلاقه، يتقرب من التلاميذ ويصادقهم، وعندما يصبح قريباً جداً من أحدهم يعرض عليه «بضاعته»، فيقدم له الحشيشة أو الحبوب في البداية مجاناً، وينصحه بها ويغريه بـ«ملذاتها»، وعندما يقع التلميذ الضحية في الفخ ويصبح مدمناً يبدأ بابتزازه وسحب المال منه، إذ يراوح سعر «الشمّة» ما بين 13 و20 ألف ليرة. وتنتقل هذه الآفة من تلميذ إلى آخر حتى تصبح المخدرات حديث المدرسة كلها».
«إن انتشار المخدرات في تلك المدرسة ناتج من إهمال مدير المدرسة والمسؤولين» وفق سمير، إذ لا مراقبة  ولا تفتيش، الأمر الذي يشجع كلاً من المروّج والمتعاطي على التمادي في الإدمان، حيث يعمل المروّجون على إغراء ضعاف النفوس من الشباب ويخربون حياتهم وصحتهم. يجري الترويج للمخدرات في المدارس ابتداء من الصف التاسع، وقد تعرض سمير لهذه المغريات، إلّا أن الرادعين الشخصي والديني حمياه من الانجرار وراء هذه الآفة وأصحابها، ودفعاه بعد مشاهدات كثيرة، إلى الانتقال من مدرسته إلى مدرسة أخرى خالية من هذه الظاهرة. يقول سمير: «في البداية يقوم المروج بفتح خط بينه وبين الشباب بعيداً عن الشبهات. وبعد فترة تبدأ شخصيته بالظهور ويباشر في عرض مغرياته. لقد عرض عليّ أحدهم ذلك فلم أتجاوب والحمد لله». ويتابع قائلاً: «المكان الأمثل لتعاطي المخدرات عادة هو الحمّامات خلال الفرصة أو في حصص الفراغ، وأحياناً في الملعب حيث يتخذ عدد من الشباب المتعاطين زاوية خاصة بهم ويبدأون بتبادل «بودرة» المخدر أو سجائر الحشيشة. ولا يقتصر تعاطي التلاميذ المخدر على داخل المدرسة بل يقيمون سهرات في منازلهم، وكنت أسمع بعضهم يتواعدون يومياً على اللقاء في بيوتهم دورياً لعقد حلقات كيف وتحشيش وشمّ، وكانوا يضعون حبوب «القمبز» في النرجيلة، إذ إن له مفعول الحشيشة على ما أظن». حوالى 35% من طلاب تلك المدرسة يتعاطون المخدرات وفق تقديرات سمير، وهي نسبة مرتفعة تستدعي دقّ ناقوس الخطر وتعاون الدولة ومسؤولي المدارس للحد منها. ويؤيد سمير فكرة الفحص الطبي المفاجئ للطلاب لحمايتهم والوقاية من هذه الآفة. 

رامي: يتعاطى المخدرات في المدرسة وخارجها واليوم من علاج إلى آخر...
بغصّة واضحة تتحدث والدة رامي عن ابنها (26 عاماً) الذي يتعاطى المخدرات منذ 10 سنوات قائلة: «لم نكتشف ما يحصل مع رامي إلا من 4 سنوات. لم نرتب من كل ما يحصل معه، لكننا اكتشفنا ذلك وصرنا نلاحظ تصرفاته وطباعه الغريبة. لم يعد هو نفسه. أصبح يختبئ وينعزل عن العالم، كما أصبح عدائياً ولا يحب العائلة ولا ينضم الى جلساتنا. عندما بدأت أشكك في تصرفاته، صرت أحاول منعه من الانفراد بنفسه، ورحت أحتفظ بكل مفاتيح غرف المنزل. كانت مرحلة في غاية الصعوبة، وعندما تأكدت شكوكنا، بدأنا نسعى من مكان إلى آخر ومن علاج إلى آخر لإنقاذه. العلاجات التي خضع لها لا تعد ولا تحصى، وكلها بلا جدوى، إذ يتخذ في المساء قراراً بالإقلاع عن تعاطي المخدرات ليعود إليها في اليوم التالي عندما يعجز عن مقاومة رغبته بها التي تحوّلت إلى إدمان. الأمور خرجت عن سيطرته. كنا في البداية نعطيه مصروف الجيب وكان يستخدمه لشراء المخدرات، ثم صار يأخذ أغراض المنزل ويبيعها». تشعر الأم بوجع كبير حين تفكر بأن ابنها كان يحصل على المخدرات من أيام المدرسة وهو في داخلها من شباب يكبرونه سناً كان يعاشرهم. واللافت أن المدرسة نفسها، وفق الأم، مدرسة جيدة قصدها إخوته الثلاثة الذين يكبرونه سناً، ولم تواجه معهم أي مشكلة. إلا أنها تعترف بأن رامي كان ابنها الاصغر وكان مدللاً من والده الذي لا يرفض له طلباً... وتتابع بالقول: «مررنا بمراحل صعبة جداً، ومرات عدة كاد رامي يموت بجرعة زائدة وكنا ننقذه في اللحظات الأخيرة. بدأت المسألة بالحبوب التي كانوا يمررونها له في البداية في المدرسة ويتم شراؤها من صيدلية معينة، ثم صارت المخدرات أكثر قوة وصار يتعاطى أكثر». ورامي موجود في مركز «أم النور» منذ 9 أشهر، وتلاحظ الأم تحسناً كبيراً في حالته، فقد أصبح أكثر هدوءاً الآن ويتعاطى مع الأمور بعقلانية، ومن المتوقع ان يبدأ بالعمل ويعود للمبيت في المركز لفترة إلى أن يتعافى نهائياً. ويدرك رامي جيداً أن هؤلاء الأشخاص الذين كانوا أصدقاءه هم «خطوط حمر» كما قيل له في المركز ولا يمكن التعامل معهم مجدداً لتجنب الوقوع في الخطأ. 

زاهر وفادي: جرّبنا الحشيشة لنكتشفها فوجدنا أنفسنا بعد فترة وقد أدمنّاها
زاهر وفادي تلميذان في إحدى المدارس الخاصة، لهما من العمر 16 عاماً، وهما في الصف نفسه، تجمعهما قواسم مشتركة كثيرة أبرزها إدمان الحشيشة. هما معيدان في الصف التاسع ولم يستطيعا اجتياز الامتحان الرسمي السنة الماضية، لأنهما يهملان دروسهما وينشغلان بحشيشة الكيف وتأمين المال لشرائها.
يقول زاهر: «كنت متفوقاً في دروسي وكان وضعي جيداً جداً، وكنت أكره السجائر والمدخنين، لكن بعدما تعرفت إلى أحد الزملاء و«جرّني» إلى إدمان حشيشة الكيف تغير حالي كلياً». يعترف فادي بأنه سلك الطريق الخطأ، لكنه يبرر سلوكه هذا بأنه أراد تجربة الحشيشة من باب الاكتشاف، ويضيف أن صديقه فادي انتهج النهج نفسه، إذ جرباها معاً بعد «حفلة تحدّ» بينهما وبين المروّج، الذي راح يقول لهما متحدياً، إنه سيعلّقهما بالسجائر وهما يكابران، إلى أن وجدا نفسيهما مدمنين.
يقول فادي: «حين عرفت الحشيشة منذ سنة تقريباً، قرفت منها لأنني لم أكن معتاداً التدخين، لكن بعد فترة تعلقت بها، وبتّ أطلبها وأسعى إليها، أجد في شربها لذة وراحة نفسية لأنها تنقلني إلى عالم آخر وأجواء أخرى تخرج مني همومي».
أمّا زاهر فلا يوافق فادي كثيراً في قوله، لكنه هو أيضاً مدمن مثله ومتعلّق بها إلى درجة أنه مستعدّ لفعل أي شيء للحصول عليها. علماً أن فادي وزاهر يدّخران كل مالهما لشراء الحشيشة، وقد يضطران أحياناً للعمل من أجل تأمين ثمن الحشيشة، وهما يفكران بوقف الدراسة لأنهما لم يعودا يركزان، فسهرات التحشيش مع الأصدقاء تأخذهما من مستقبلهما وأهلهما وتنقلهما إلى عالم الأنس وفق قولهما. كلاهما يعترف بالندم على هذا السلوك، ولكن بعد فوات الأوان كما يقولان، لأنهما باتا مدمنين ولا يمكنهما الإقلاع عن هذه العادة، وهما غير مستعدّين للعلاج حتى لا ينفضح أمرهما أمام أهلهما ويلقيا تأنيباً وعقاباً وكلاماً هما بغنى عنه. حاول فادي مرة الإقلاع عن الحشيشة ولم يفلح، وقرر زاهر الاستقامة والتوقف عن الإدمان ففشل أيضاً حيث الأجواء المحيطة بهما غير مشجعة والمغريات أكثر من التحذيرات. هما يتمنيان مستقبلاً جيداً وصحة دائمة بعيداً عن الإدمان، لكنهما ليسا جاهزين الآن لهذه الخطوة.

جاد حواط: خسرنا المعركة في الجامعات والمواجهة مستمرة في المدارس
في حوار مع الأستاذ جاد حواط ــ رئيس جمعية «جاد- شبيبة ضد المخدرات»، أكد أن مشكلة إدمان المخدرات على مستوى الطلاب بدأت في العام 2000، حين شهدت الجامعات في تلك الفترة انتشاراً واسعاً لهذه الآفة، فيما كانت نادرة على مستوى المدارس، حيث لم ترصد الجمعية سوى خمس حالات خلال سنتين، مما لا يندرج ضمن الظاهرة اللافتة أو الإدمان، خصوصاً أن أغلب هذه الحالات عرفت المخدرات بالمصادفة. يقول حواط: «تم ضبط ولد يتعاطى الكوكايين ويوزعه على رفاقه في إحدى المدارس، ولما حققنا في الأمر اكتشفنا أن هذا الولد كان قد شاهد والده يتعاطى بودرة الكوكايين، ولما سأله عن المادة التي يتناولها، أجابه الأب بأنها دواء لعلاج «العطس»! فأخذ الولد كمية منها خلسة ومن باب الحشرية والاكتشاف... وتقاسمها مع رفاقه». «أما الحالة الثانية التي ضبطناها»، يتابع الأستاذ حواط، «فكانت مخدرات توزع من طريق عمّال في معمل حجارة مجاور لإحدى المدارس، إذ كانوا يوزّعون المخدّرات على الطلاّب بواسطة شاحنة تمرّ أسبوعيّاً، وتمّ إبلاغ المدرسة وضبط العمال. لم تكن تردنا أخبار عن حالات منظمة في المدارس، أما الآن فاختلف الأمر وباتت هناك شبكات منظمة خاصة بالمدارس».
يأسف حوّاط للوضع الذي وصلت إليه المدارس والجامعات، ويقول: «بالنسبة إلى الجامعات، نعتبر أننا خسرنا المعركة ولم يعد في مقدورنا فعل شيء، فالارقام مخيفة والإدمان متفشّ إلى حدّ كبير. أما في ما يتعلق بالمدارس، ففيها نسبة كبيرة من التلاميذ جربوا المخدرات وهم مؤهلون لأن يصبحوا مدمنين في حال لم يُصر إلى توعيتهم وإنقاذهم». ويفيد حواط بأن طلاب الجامعات من الصعب التواصل معهم ونصْحهم لأنهم في عمر خطر ومزعج، إذ إن الشاب في هذه الفترة لا يردّ على كلام أهله وتوجيهاتهم، فكيف به مع الجمعيات المرشدة والواعظة»، ويعلّق بالقول: «عادة يقول الشباب، إنتو جايين تعلموني؟ أنا بعرف أكتر منكم. ويبدأ بإعطاء أمثلة عن الشباب في هولندا وبعض الدول الأجنبية ليبرر تعاطيه المخدرات».

يزداد الادمان في المرحلة الثانوية

وعن وضع المدارس بالذات، يعترف حوّاط بأنهم بدأوا يعانون حالات إدمان منظّمة وبأعداد كبيرة. وعمّا إذا كانت هناك إحصاءات أو دراسات عن وجود ظاهرة تفشّي المخدرات في المدارس، يقول: «حتى الآن لا إحصاءات جدية، وآخر إحصاء أجري في لبنان كان في العام 2000. تقدّمنا بمشروع إجراء فحوصات مخبرية مفاجئة لجميع الطلاب في الثانويات، ووافقت وزارتا التربية والصحة عليه، إلّا أن إحدى الجمعيات التي تعمل في مجال مكافحة المخدرات اعترضت عليه بحجة أنه يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان وحرّيته، وأن فيه تعدياً على حقوق الإنسان، وبالرغم من ذلك تابعنا الحملة وتجاوبت معنا مدارس خاصة عدة ومؤسسات معنية، وأخذنا موافقة التلاميذ وذويهم منذ بداية السنة على هذا الإجراء، كما أن بعض المؤسسات تجاوبت معنا وباتت تُخضع موظفيها لهذا الفحص دورياً». يتمنى حوّاط أن ينجح هذا الإجراء ويصبح رسمياً عبر وزارتي التربية والصحة، وأن يشمل جميع المدارس والجامعات، لا أن يبقى استنسابياً وفردياً.
وعن نتائج هذا الإجراء في المدارس والجامعات، يوضح حواط: «بعد تجاوب المدارس والجامعات معنا، واجهنا أرقاماً مخيفة لم نكن نتوقعها، ثمّ ظهرت مشكلة أخرى تمثّلت في عدم تقبّل المدرسة أو الجامعة للحالات التي تظهر، على اعتبار أن التلميذ أو الطالب المدمن مرفوض ويمكن أن يعلّم غيره، فلا يمكن إبقاؤه في المدرسة، علماً أنّ هدفنا من المشروع معالجة التلميذ واعتباره شخصاً مريضاً يجب معالجته، لا استبعاده وعزله عن المدرسة والمجتمع الذي يعيش فيه». تتفشى حالة إدمان المخدّرات في المدارس عادة في المرحلة الثانوية، حيث يراوح مستوى الأعمار ما بين 16 و19 عاماً. ووفق حوّاط، قليلاً ما يقع في الإدمان من هم دون هذه السن، فالأرقام المخيفة والنسب الأعلى من التلاميذ المدمنين تنتشر بين تلاميذ المرحلتين الثانوية والجامعية.
ويشدد حوّاط خلال حديثه على أهمية معرفة المصدر الذي يمد التلاميذ بالمخدرات، وضرورة توقيفه لأنه سبب هذه الآفة وليس التلميذ نفسه، فتنظيف البيئة التي تحيط بالطالب «يحذف» المصدر ويمنع الاستمرار في الإدمان.
أما عن دور جمعية «جاد- شبيبة ضدّ المخدرات» في ذلك فيقول: «نحن نعمل على توعية الناس ومعالجة المدمنين، وعادة علاج المدمن مزعج جداً لأن فيه إشكاليات من جوانب عدة ومتشعبة صحياً وقانونياً ونفسياً واجتماعياً مع الأهل والمدرسة، وأيضاً على المستوى الشخصي، ونحن نعمل على جميع «الجبهات». أضف الى ذلك التكلفة المادية التي تغطي وزارة الصحة نسبة منها ويدفع المدمن أو أهله باقي التكلفة للجمعية مقابل الفحوصات المخبرية ومتابعة الطبيب والعلاج على مدى سنة ونصف السنة، وعادة لا تتجاوز قيمة المبلغ 650 ألف ليرة لبنانية».

الأهالي لا يعترفون بإدمان أبنائهم
بالنسبة إلى مدى تجاوب التلاميذ المدمنين وأهاليهم مع الجمعية، يقول حوّاط: «أكثر ما نعاني مع أهالي المدمنين، لأن من الصعب عليهم أن يعترفوا أو يقتنعوا بأن ابنتهم أو ابنهم مدمن، علماً أن التعاطي في أغلب الأحيان يكون بشكل جماعي». ويعطي حواط مثلاً حادثة حصلت مع مجموعة من التلاميذ استأجروا شاليه وتعاطوا فيه حبوباً مخدرة، حيث تعرّض أحدهم لعارض صحّي، ولما عرفت الجمعية بالموضوع وبلّغت أهاليهم أنكروا الموضوع ورفضوه ولم يتقبلوا الحقيقة. في مثل هذه الحالات، وعند رفض الأهل التجاوب أو الاعتراف، تسحب جمعية «جاد» مسؤوليتها، ولا تلاحق الأهل أو الطلاب لأن هذا خيارهم، فهم كجمعية، كما يقول حوّاط، بالكاد يستطيعون مساعدة الأهالي المتجاوبين. ويوضح حواط: «في الماضي كان عملنا عبارة عن 80% علاجاً و20% توعية، أما الآن فـ80% من عملنا يقوم على التوعية والتدريب، و20% مخصّص للعلاج، وقد خفضنا نسبة العلاج بعدما اكتشفنا أن هناك فشلاً من هذه الناحية على جميع الصعد، إذ لا مراكز متطورة ولا مؤسسات جيدة ولا أدوية، خصوصاً أننا لا نتلقى دعماً من وزارة الصحة والجمعية قائمة على التبرعات». ويضيف حوّاط: «عادة تستغرق فترة علاج المدمن سنة ونصف السنة، يمضي ما يقارب الاسبوعين أو أكثر في المستشفى وبعدها تتم متابعته من الجمعية وبالتنسيق مع الأهل، ونتعامل معه على الصعيدين الصحي والنفسي». ان نسبة شفاء المدمن بشكل تام تكون 7% في المئة، وهي نسبة متدنية جداً لعدم توافر الحاجات اللازمة للشفاء من دواء ومراكز... ورغم ذلك، تعمل جمعية «جاد» جاهدة لمكافحة هذه الآفة ومعالجة المدمنين».
وعن انواع المخدرات التي تنتشر بين التلاميذ، يقول حوّاط إن أغلب التلاميذ المدمنين يتعاطون الحشيشة والحبوب المخدرة، ولا وجود لحلوى مخدرة في المدارس كما أُشيع أخيراً، «لقد تحققنا من الأمر واكتشفنا أن احدهم قد وزع البيان من باب الاحتياط بعدما سمع عن انتشاره خارج لبنان». أما عن مدى تجاوب المدارس مع حملات الجمعية فيقول: «في الماضي كنا نرجو المدارس لنقيم حملات توعية فيها، على عكس اليوم إذ أصبح أصحاب المدارس يرجوننا لمساعدتهم بعدما اكتشفوا خطورة الأمر، فمدير المدرسة شخص مسؤول وعليه حماية تلاميذه». ويختتم حوّاط حديثه عن الادمان في المدارس مؤكداً: «نقيم حملات توعية في جميع المناطق اللبنانية ونزور أغلب المدارس، بعض المدراء يتجاوبون معنا والبعض الآخر يتسترون على مشاكلهم ويعتمدون نظرية «حايد عن ظهري بسيطة» فلا يتعاملون مع تلاميذهم بمسؤولية وحزم. لذا من الضروري العمل على التوعية وإجراء الفحوص لحماية الأولاد وإنقاذهم قبل فوات الأوان».

ربى ضيا: أقصى درجات الحيطة والحذر
تفيد نائب مدير إحدى المدارس الثانوية المختلطة ربى ضيا بأن انتشار المخدرات في المدارس بات يشكل آفة، وعلى جميع مدراء المدارس وأصحابها التنبه للأمر وأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، وهذا ما تحاول العمل عليه بالتعاون مع الجسم التعليمي في المدرسة. وتقول: «بما أن ظاهرة تعاطي المخدرات بدأت تنتشر بين الشباب في بعض المدارس، وحفاظاً على طلاّبنا، وضعنا خطة شاملة محكمة للحد من هذه الآفة، ومرتكزة على خطوات ناجحة، بدليل أنه ومنذ تأسيس المدرسة وحتى اليوم، لم تعرف المخدرات طريقاً إليها... إذ نقوم بتوعية الطلاب وتحذيرهم منذ دخولهم المدرسة من عواقب المخدرات والعقاقير التي تؤدي إلى الإدمان بشكل عام، وينطبق هذا التحذير على الدواء الذي لا ينبغي تناوله إلا بأمر من الطبيب.
كما نعقد محاضرات تعليمية بإشراف خبراء في مجال الطب وعلم الأدوية وعلم النفس وعلم الاجتماع، وهذه المحاضرات لا تقتصر على المعلومات الشفهية فقط، بل تتضمن أنشطة يشارك فيها طلاّب المدرسة ويبرزون مواهبهم ومهاراتهم من خلالها، وهي تنمي فيهم ميولاً مضادة للمخدرات، وتغرس فيهم قيماً تحميهم من الوقوع في براثن الإدمان، وتساعد بالتالي الذين يعانون مشكلة التعاطي على الإقلاع عنه إذ يدركون المخاطر المحدقة بهم في حال استمروا في ادمانهم».  «لا يقتصر دور المدرسة على التوعية فقط – تضيف ربى - بل يتعداه إلى تطبيق خطوات عملية عبر فحوص طبية يخضع لها الطلاب بشكل دوري. كما نشغل أوقات الطلاب بنشاطات متنوعة تحقق لهم المتعة وتزيد من فرص تفاعلهم الاجتماعي.
ونتواصل دائماً مع الأهل، وهذا يساعدنا على متابعة الطالب والتعرف على الأمور غير الطبيعية التي قد تطرأ عليه من الناحية الصحية والنفسية والعقلية مما يعيننا على الاكتشاف المبكر لحالات الإدمان وسرعة علاجها».

ساندرا شوشاني: الوقاية من المخدرات ليست سهلة، ولكنها الخطوة الأولى
المدربة والمنشطة الاجتماعية في مجال الإدمان على المخدرات في مركز «أم النور» ساندرا شوشاني حدثتنا عن مشكلة تعاطي المخدرات في المدارس في الحوار الآتي:

- في أي مرحلة عمرية بين الأحداث تحدث حالات الوقوع في فخ المخدرات؟
من الواضح أن المراهق هو الذي يعتبر أكثر عرضة للانزلاق إلى المخدرات، لأن شخصيته لا تكون قد اكتملت بعد، فيكون في فترة ضياع بين الطفولة والرشد والقلق وقلة الثقة بالنفس. هذه العوامل تجعل منه ضحية سهلة المنال. لذلك نصادف بشكل خاص حالات في سن 11 أو 12 سنة يبدأ فيها تدخين الحشيشة.

- هل تعتبر الوقاية سهلة بين الأطفال الذين لا تزال فكرة المخدرات أصلاً غير واضحة بالنسبة اليهم؟ وكيف السبيل إليها؟

الوقاية ليست سهلة ابداً في مرحلة عمرية مبكرة، لكنها تبقى الخطوة الأولى وهي خير من العلاج. نحرص على القيام بجلسات للتوعية ابتداءً من سن 6 سنوات. لكن التوعية في هذه المرحلة لا ترتبط بالمخدرات تحديداً، بل بالتدخين والكحول لحماية الأطفال من هذه العوامل السلبية أصلاً والتي يمكن ان تلعب دوراً مهماً لاحقاً في وقوعهم في فخ المخدرات. لكن سبل التوعية تختلف بين طفل وآخر وفق عمره والمنطق الذي يقنعه. علماً أن عنصر الصراحة بين الأهل والأولاد مهم جداً في الحماية من الآفات الخلقية والاجتماعية، حيث يجب تعويد الطفل على إخبار والديه بكل ما يحدث معه في غيابهما.

- لكن هل يعي الأطفال في هذه السن هذا النوع من المخاطر؟

في هذه السن المبكرة، تبدأ التوعية من دون تفتيح عيني الطفل على المخدرات أو غيرها، بطريقة مبسطة تناسب سنّه وقدرته على الاستيعاب. بهذه الطريقة لا نثير حشرية الطفل، ونجنبه الوقوع في التجريب والاختبار.

- وفق الحالات التي تصادفونها، هل تنتشر المخدرات أكثر في مدارس معينة؟
عندما نتحدث عن المخدرات، لا يمكن أن نفرّق بين المدارس من حيث المستويات الاجتماعية للأطفال أو غيرها من معايير المفاضلة. فهذه الآفات تخترق المجتمعات الفقيرة والغنية على حد سواء. المخدرات مثلاً موجودة في مختلف المدارس بكل مراحلها ومستوياتها. لكن، في المجتمعات الفقيرة عموماً، قد يرتفع معدل الخطر بسبب زيادة أوقات الفراغ لدى الأطفال، خصوصاً مع نقص الوعي وكثرة مجالات التسلية التي تناسب أعمارهم، مما يزيد من حشريتهم واحتمال انحرافهم. 

- إلى أي مدى تلعب الوقاية على مستوى الأهل دوراً في حماية هؤلاء الأطفال من خطر المخدرات؟
للتربية دور مهم وأساسي في حماية الأطفال من خطر المخدرات. لذلك نعمل مع الأهل على التوعية ليعرفوا بالدرجة الأولى كل الإشارات وعلامات (الأعراض الجسدية والسلوكية) الخطر التي تنذرهم باحتمال توجه أطفالهم إلى المخدرات لتدارك الأمر قبل فوات الأوان. وتجدر الإشارة إلى أنه قد يقع أحد الأطفال في العائلة الواحدة في فخ المخدرات دون غيره، وقد يكون السبب في ذلك حالة نفسية معينة أو قد يكون مختلفاً عن إخوته من حيث شخصيته.

- كيف يمكن أن تساعد المدرسة على تأمين الحماية للأطفال؟
من المهم أن تعمل المدارس على الأمن الشخصي والاجتماعي لكل طالب، وعلى تدريب العاملين فيها جميعاً ليحسنوا التعاطي مع هذه الأمور وحماية الأطفال من المخدرات وغيرها من الأمراض الاجتماعية والشخصية.

- في حال حصول حوادث تسرب مخدرات في المدارس، إلى أي مدى تقع المسؤولية على المدرسة؟
مكمن الخطر ليس في المدرسة ولا في الأهل أو الطفل تحديداً، بل هو في التجار أنفسهم الذين يقتحمون حياة الناشئة حيث يستطيعون.

- هل يكون متعاطي المخدرات من الأطفال أكثر عرضة للوقوع مجدداً فيها، حتى في حال معالجته وشفائه؟
طالما أن الطفل قد تعاطى المخدرات فمن الطبيعي أن يصبح أكثر عرضة للوقوع فيها من جديد، إذ يصبح أكثر حساسية وضعفاً أمام إدمان هذه المواد. فيمكن أن تحصل انتكاسة لاحقاً نظراً الى تأثيرها الكبير في الدماغ الذي يحفظ ما فعلته فيه هذه المادة ويعاود الوقوع تحت وطأتها. في هذه الحالة ثمة أماكن تكون أكثر خطورة عليه ومن الأفضل ألا يتواجد فيها.

- عملياً كيف تطبّقون مبادئ التوعية على صعيد المدارس؟
أولاً، نتقدم بطلب إلى المدرسة لنقصدها ونعمل فيها على التوعية من خلال حملات وندوات وجلسات خاصة وفق أعمار الاطفال. نعلّم الكبار والصغار والأهل والمدرّسين كيف يحمون أنفسهم وكيف يقولون لها «لا» عندما تحدثهم بـ «التجربة» أو في حال إغرائهم من أي شخص أو جهة. علماً أننا نعمل مع مختلف المدارس من دون تفرقة. وثمة مدارس تتقدم بالطلب إلينا لنقصدها ونتعامل معها.

- استناداً إلى الحالات التي تصادفونها، هل الفتيات يتعاطين المخدرات أكثر أم الصبيان؟

ليست لدينا إحصاءات دقيقة، لكن في مجتمعنا يخفي الأهل هذا النوع من المشاكل لاعتباره عيباً ولا بد من التستر عليه، خصوصاً بالنسبة إلى الإناث. لذلك قد يقصدنا الصبيان أكثر للمعالجة، لكن هذا لا يعني أن الصبيان يتجهون إلى المخدرات أكثر من الفتيات. قد تكون المسألة مرتبطة فقط بالحالات المعلن عنها، وفي النهاية الفتاة عرضة لذلك كما الصبي.

دنيز أبي راشد: توافر المخدِّر والظروف الصعبة وراء وقوع الفتيان والفتيات في فخ المخدرات


مديرة «مركز أم النور لمعالجة الإدمان والمعالجة النفسية» دنيز أبي راشد: التربية وحوار الأهل مع الطفل عنصران أساسيان في تحصينه ضد المخدرات

- هل من أسباب معينة تلعب دوراً في اتجاه الأطفال في المدارس إلى المخدرات؟
لا يمكن الحديث عن سبب معين، بل هي مجموعة من الأسباب إذا اجتمعت تؤدي إلى هاوية إدمان المخدرات، ويمكن اختصارها بـ3 عوامل:
 توافر المخدّر، ومع الأسف هو متوافر في كل مكان كما نرى.
الظروف الصعبة التي يواجهها الشخص المعني، خصوصاً الطفل لاعتباره أكثر حساسية في ظل تفاقم المشاكل العائلية والأمراض النفسية.
الاستعداد الشخصي، ويعد هذا عنصراً أساسياً في الوصول إلى الإدمان، ويؤدي حكماً إلى ذلك.

- هل يمكن أن تكون الفتاة أكثر عرضة لخطر تعاطي المخدرات؟
تعتبر الفتاة عرضة للوقوع في آفة المخدرات تماماً كما الشاب ولا فارق بينهما. لكن بالنسبة إلى الفتاة، فقد تواجه المزيد من القمع في مجتمعنا، لذلك هي أكثر حذراً في الإقدام على خطوة من هذا النوع. في الوقت نفسه، قد يكون السبب في أن الإحصاءات تظهر عدداً أقل من الفتيات في مقابل الصبيان، على الرغم من ارتفاع عددهن، في أنه يصعب، بل يندر الإعلان عن فتاة تتعاطى المخدرات في مجتمعاتنا بدواعي الضغوط العائلية والاجتماعية. وغالباً ما تنطبق قاعدة «يسمح للشاب ما لا يسمح للفتاة». في كل الحالات تبقى التربية هي الأساس.

- ما الذي قد يساهم في حماية الطفل من هذا الخطر؟
التربية بالدرجة الأولى، والحوار ضمن العائلة. هذا هو الأساس في حماية الطفل أياً كانت المدرسة والمحيط الذي يتواجد فيه الطفل. فمن الضروري أن يكون الأهل على اطلاع دائم بشأن ما يحصل مع الطفل والظروف التي هو فيها. يجب أن يعرف الأهل ما يشعر به الطفل ويحسه، ومع من يخرج وإلى أين يذهب وكل ما يخطر في رأسه حتى يعملوا على تحصينه فلا يقع في الفخ، في جو من الصراحة التامة. ننصح أيضاً بتوجيهه إلى الكشافة للعمل على تنمية قدراته وتحصينه في الوقت نفسه. 

- يقال إن العاطفة، وتحديداً عاطفة العائلة، قد تلعب دوراً في حماية الطفل من هذا النوع من الأخطار، هل هذا صحيح دائماً؟

العاطفة تفيد على مختلف الصعد، فهي تشعر الطفل بالأمان وتقرّبه من أهله، وتوجد جواً رائعاً من الصراحة بين الولد وأهله. لكن وفق الحالات التي نواجهها، قد يكون للعاطفة المفرطة دور معاكس حيث يمكن أن تصبح سبباً في الانحراف.

- هل نقصد بـ «الاستعداد النفسي»، وجود مرض نفسي معين يساهم في اتجاه الطفل إلى تعاطي المخدرات؟
السبب ليس مرضاً نفسياً بل هو استعداد نفسي. قد يكون نوعاً من الضعف في شخصية حساسة لا تعرف المواجهة وتتأثر بالأمور بشكل زائد. في هذه الحالة من المهم العمل على الطفل لتنمية شخصيته وقدراته الفكرية ويكتسب مهارات معينة فتكون لاحقاً عنصر وقاية له، مما يحصنه ويحميه من خطر المخدرات.

- طالما أن وضع الطفل الذي يتعاطى المخدرات يصبح أكثر حساسية إذ يكون أكثر عرضة للوقوع مجدداً في «تجربة» المخدرات، فما هي سبل معالجته بفاعلية لتحصينه بشكل أفضل وتجنيبه الوقوع مجدداً؟
بالدرجة الأولى لا بد من العلاج الجسدي، وفق نوع المخدر، حتى لا يعود المدمن إليه، لكن يبقى من الممكن أن يطلبه دماغه لأنه يبقى في الذاكرة. لذلك يعتبر العلاج النفسي ضرورياً، إلى جانب التأهيل مع المحيط والأهل، خصوصاً أن المشكلة تكون غالباً عائلية. فقد يكون تعاطي المخدرات عارضاً فيما المشكلة الأساسية عائلية والحل مع العائلة. لذلك نشبّه ذلك بجسم الإنسان، عندما نحس بألم في أحد الأعضاء يتألم الجسم كلّه. قد يتابع الطفل حياته بشكل طبيعي، لكن يجب التنبه دائماً لتجنب الوقوع مجدداً لاعتباره أصبح أكثر عرضة. يجب أن يتجنب «المدمن السابق» أماكن معينة وأشخاصاً قد يساهمون في «العودة إليه». ويجب ألا يجرب ذلك ثانية بداعي الثقة المفرطة في النفس. ومع العلاج، يصل إلى مرحلة من النضوج والقوة، لكن يبقى عرضة للوقوع. الأهم أن يتحدث في كل ما يحصل معه وألا يكبت مشاعره حتى لا تتدهور حالته النفسية.

- لماذا تعتبر مرحلة المراهقة دقيقة إلى هذا الحد ويزيد خطر الانحراف فيها؟
طوال هذه المرحلة يشعر المراهق بالقلق النفسي، ولا يحب نفسه بل يؤذيها، ويتساءل عن هويته. كما يلاحظ لديه رفض دائم، ويكون أكثر عرضة للانحراف نحو المخدرات وغيرها. إلا أنه في مختلف الأعمار يبقى الإنسان عرضة للانزلاق، والمهم أن يبقى ذا شخصية قوية وأن يتعلم أن يحب نفسه.

- هل من مشاكل معينة في المنزل أو خارجه، تزيد من احتمال توجّه الطفل إلى المخدرات؟
ليست المسألة في حجم المشكلة، فقد تكون المشكلة صغيرة بالنسبة الى الأهل، إلا أن تأثيرها كبير. يمكن أن تكون المشكلة في وجود غيرة من أخ أو حتى من غياب الأب عن المنزل. لا يمكن تحديد مشكلة معينة وطبيعتها. مشاكل كثيرة قد تساهم في اضطراب الشخصية كالعنف في المنزل مثلاً حيث يصبح الطفل أكثر عرضة للمخاطر السلوكية.

- هل من نصيحة معينة يمكن إسداؤها الى الأهل ليعملوا على حماية أطفالهم؟
الأهم ألا يستخف الأهل بما يحصل مع أطفالهم وأن يتحاوروا معهم بشأن ما يعيشونه وما يحسّون به، وذلك حتى إذا كانوا يؤمّنون لهم كل ما يحتاجونه وما يريدونه، فقد ينقصهم شيء معين. كما أن الانعزال والوحدة من العناصر التي تتطلب حرصاً شديداً من الأهل وعناية كبيرة. يجب ألا يعيش الطفل في عالمه الخاص، بل أن يبقى منفتحاً ومتحاوراً مع أهله الذين يجب أن يبقوا قريبين منه في كل الظروف.

- ما الأعراض التي يمكن أن يلاحظها الأهل على طفلهم إذا كان يتعاطى المخدرات؟
تختلف الأعراض وفق نوع المخدر، لكنها بشكل عام تنقسم إلى تلك، الجسدية كالاحمرار في العينين، وزيادة الأكل أو الإنقاص منه. وثمة أعراض نفسية أيضاً تظهر من خلال عزلة الطفل والعدائية، والنوم الزائد ومحاولة تبرير التصرفات من دون مبرر. قد يغض الأهل النظر عن أعراض من هذا النوع لكنها مهمة جداً.

طلاب مدارس الإمارات خارج مصيدة تعاطي المخدرات
تواجه دولة الإمارات ظاهرة انتشار المواد المخدرة بين طلاب المدارس بشيء من الحزم، هذا فضلاً عن أساليب التوعية والإرشاد التي تنتشر عبر وسائل الإعلام المختلفة، ما يجعل مسألة تعاطي المخدرات في المدارس بعيدة عن أن تكون ظاهرة خطيرة، كما هو الحال في كثير من البلدان.

مصارحة الأبناء
تذكر سهى محمود، أم لثلاثة أولاد، أنها اكتشفت بالمصادفة أن ابنها الذي يدرس في الثانوية العامة يدخن، وذلك حين وجدت «علبة سجائر» في جيب سترته، ففرضت عليه رقابة شديدة خوفاً من أن ينزلق إلى الأسوأ، خصوصاً أن بعض الطلاب الفاسدين من الممكن أن يجرّوا ابنها إلى تعاطي الحبوب المخدرة. كما تبين أنها ظلت تعمل لمدة شهرين على معالجته من التدخين حتى توقف تماماً عن هذه العادة السيئة، لأن التدخين يمكن أن يكون مدخلاً لانحراف الأبناء، فمرحلة المراهقة مهمة وتحتاج إلى رعاية واهتمام ومصارحة بين الأبناء والآباء ليتم تجاوزها بصورة طبيعية.

مناخ صحي
أما إبراهيم المطيري فيوضح أن انتشار تعاطي الحبوب المخدرة بين طلاب المدارس أمر ليس سهلاً، خصوصاً أنه يؤثر سلباً في جيل المستقبل، ويرى أن مثل هذه الظاهرة من الصعب أن تنتشر في الإمارات في ظل الرقابة الشديدة وانتشار سبل التوعية المختلفة، بالإضافة إلى وجود مراكز تُعنى بعلاج الحالات الفردية، مؤكداً أنه حصّن أولاده من الوقوع في شرك المخدرات عبر توعيتهم والتعامل مع مشكلاتهم بشكل حميم، مما أشاع مناخاً صحياً في الأسرة.

أصدقاء السوء
وتعتقد لبنى بسيسو أن المراهق في هذه المرحلة، يقع ضحية للإنترنت وأصدقاء السوء وعدم الرقابة المنزلية، وتؤكد أنها تشعر بالأمان في الإمارات نظراً الى صعوبة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات بين الطلاب، لافتة إلى أن من الممكن وجود حالات فردية وقليلة جداً. ورغم أن أولادها الأربعة في مراحل دراسية مختلفة، لكنها تشعر بالأمان حيالهم، خاصة أنها لم تلاحظ على أحدهم سلوكاً غير طبيعي، أو قد دعاهم أحد الأشخاص إلى مجلس يتعاطى فيه الطلاب مواد مخدرة.

ضربة البداية
يقول الدكتور يوسف التيجائي، استشاري الطب النفسي في مستشفى المزروعي في أبو ظبي «إن التعاطي يبدأ بالسيجارة التي يتداولها الطلاب بين بعضهم بعضاً، وتصبح مدخلاً الى التعاطي إذ تمثل إغراء للطالب فتجعله يفكر في تجريب أنواع أخرى يظن أنها ستعمل بفاعلية على تعديل مزاجه وحالته النفسية. كما أن أصدقاء السوء الذين وقعوا في شرك تعاطي المخدرات، يشكلون خطراً على الطالب الذي لم يجرب هذا النوع بعد، خصوصاً أن المروجين يستخدمون حيلاً كثيرة، كي يغروا الطلاب بتجريبها من دون مقابل مادي حتى يقعوا في الشرك، وتبدأ من ثم عملية الشراء وتتضاعف الأعداد».
ويؤكد التيجائي أن حالات تعاطي المخدرات بين الطلاب تكاد لا تذكر نظراً الى الرقابة الشديدة والتوعية المستمرة بخطورة هذه الظاهرة، مشيراً إلى أنه عالج بعض الحالات القليلة في فترات سابقة حيث أخضعها للعلاج الدوائي ثم النفسي وحقق في النهاية نتائج مذهلة، خصوصاً أن عملية التأهيل تحتاج إلى تعاون أسرة الطالب مع الطبيب.

قسم خاص للمراهقين
دشّن المركز الوطني للتأهيل في أبو ظبي قسماً جديداً للمراهقين (من 13 إلى 18 عاماً). وعن ذلك يقول المدير العام للمركز الدكتور حمد الغافري «أن 95 في المئة من أسباب إدمان المراهقين المخدرات، تعود إلى الخلافات الأسرية، وفق دراسات المركز.
والهدف من استحداث قسم للمراهقين هو منع وصول الإدمان إلى من تقل أعمارهم عن 13 عاماً، وذلك بعد إدمان شريحة واسعة ممن تبلغ أعمارهم تسعة أو عشرة أعوام في بلدان عربية مجاورة، ما يعد خطراً يستدعي الحيطة والحذر».

طالب ومعلم وولي أمر
يؤكد مدير إدارة الصحة في مجلس أبو ظبي للتعليم، الدكتور مبارك الدرمكي «أن المجلس بدأ خطوات فعلية لمنع تفشي الإدمان في المدارس الحكومية، ذلك من خلال زيارة مدربي برنامج «فواصل» العالمي للوقاية من الإدمان، معظم المدارس، وهذه الخطوة ستمهد لتعميم البرنامج في المرحلة المقبلة، بعدما أثبت نجاحه في العديد من الدول. وهذا المشروع لن يقتصر على الطلاب فقط، بل سيشمل أولياء الأمور والهيئات الإدارية والتعليمية، إلى جانب فريق عمل يوزّع كتيبات داعمة، ويقوم بإلقاء المحاضرات التوعوية حول كيفية اكتشاف المدمن من خلال تصرفاته».
ويستهدف مدربو البرنامج طلاب المدارس من سن 11 إلى 13 عاماً، إذ أثبتت الدراسات أن بوادر مشاكل الإدمان تبدأ من سن 15 أو 16 عاماً، ما يستوجب التوجه إلى الشريحة العمرية الأقل لتوعيتها. ويركز البرنامج على دعم امتلاك الطلاب الوعي الكافي لحماية أنفسهم من مخاطر الإدمان، وتعزيز شخصيتهم بالشكل الذي يؤهلها لمقاومة مغريات المواد المدمنة، ومساعدتهم على تنمية مهاراتهم ومعارفهم لاتخاذ القرارات الصائبة في حياتهم العلمية والمستقبلية.

 

حوار شامل

يقول البروفسور حمزة دودين أستاذ القياس النفسي في جامعة الإمارات: «كل المجتمعات في العالم معرضة لمثل هذه الظاهرة، لكن من المهم التعامل معها بأساليب سليمة عبر التوعية والرقابة الصارمة وتتبع المروّجين للمواد المخدرة»، لافتاً إلى «أن الانحراف من الممكن أن يبدأ في سن صغيرة، خصوصاً أن الشبكة العنكبوتية أثرت كثيراً في منظومة القيم في المجتمعات بشكل عام».
ويرى دودين أن مواجهة هذه المشكلة يجب أن تكون من خلال الأسرة عبر بث الثقة في نفوس الأبناء وفتح حوار شامل معهم، خصوصاً في حال تعرض الطالب لمحاولة استقطاب من مروجي المخدرات، فإن هناك مؤشرات تظهر مدى وقوع الطالب في شرك المخدرات من خلال معدل إنفاقه أو اختفاء مبالغ مالية من البيت أو الاستدانة من الأقارب، بالإضافة إلى التغيرات الأخرى التي تظهر على الوجه، أو السلوك الانفعالي الذي يسيطر على المراهق في هذه الحالة. ويؤكد دودين أن لا مؤشر لظاهرة تفشي المخدرات بين طلاب المدارس في الإمارات، خصوصاً في ظل الرقابة الشديدة والتوعية المستمرة. ورغم ذلك، تبقى الأسرة معيار نجاح الأبناء في تخطي مثل هذه الأزمات.

حملات توعية
يؤكد النقيب جمعة البادي مدير فرع الشرطة المجتمعية في أبو ظبي في مركز شرطة خليفة «أن حملات التوعية مستمرة في المدارس، خصوصاً أن طلاب المدارس والمراهقين بشكل عام عرضة لتناول بعض المواد المخدرة، وهو ما يهدد سلامة الجيل الجديد، لذلك فإن حملات التوعية منظمة وتستند إلى طرق علمية مبتكرة، تخاطب العقول وتضع الحلول بشكل إيجابي».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079