تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

صوت قلم الرصاص

صوت قلم الرصاص
أتساءل دوماً عن سبب الدفء الذي يملؤني في المقاهي. لا أجيد تحليل علاقتي المتغيّرة ببيروت إلا بعد الجلوس في مقاهيها. كان المشي في الأحياء متعةً قبل أن تتغيّر شوارع كانت بحُفرها وأبنيتها أجمل قصص أيامنا. الشوارع تغيّرت. في المقهى ما زلنا ندّعي أننا بألف خير. هناك أتذكر أنني نسيت متعة التسكّع مع الأصدقاء. هل ثمة أجمل من علاقات الصداقة خلال أيام الدراسة الجامعية؟ ما زلت أحنّ إلى كل هذا الوهم. بعض الكتب في مكتبتي تعيدني إلى تلك الأيام. وثمة كتب ما زالت تعيش معي وتربطني بتجارب انتهت وأمكنة غادرتها. هذه الكتب الورقية رفيقتي، فكيف أتخلّى عنها؟ ما زالت تعيش على رفوف معلّقة على جدار يمكن أن يُعتبر صدر الغرفة الكبرى في بيتي. أتأمّل الصور الشخصية المبعثرة بين الكتب. أتأمّل ألوان الأغلفة تضيء الرفوف البيضاء. هذا الكتاب اشتريته قبل أن أكتشف كاتبه الذي أصبح ضيفاً رئيساً في عالمي. وهذا قرأته خلال سفر طويل. كنت في الطائرة أحمل رواية ضخمة للبريطانية كايت أتكينسون. أحضن الكتاب الثقيل وأعد نفسي بقراءته خلال الرحلة. «لستِ مضطرة لحمل نسخة ورقية خلال السفر» قال لي جاري في المقعد المجاور. قلت في نفسي إنه لا يعرفني، فكيف يرمي ملاحظة كهذه؟ ابتسمتُ. هل أشرح له علاقتي بصوت قلم الرصاص خلال التدوين أو الرسم به على دفاتر أو أوراق؟ أقرأ نسخاً إلكترونية من الكتب، ولست متحجرة ولا عنيدة. لكن إذا أردت إعادة قراءة عبارة «تردّد إبريل» التي تسكنني منذ اقترب إبريل، أعود إلى ديوان «ورد أقل» للراحل محمود درويش، إلى نسخة كانت أول كتاب اشتريته وحدي وتنقّل معي من بيت إلى آخر ومن زمن إلى آخر. لا تتعلّق المسألة بأوراق الكتاب أو بحجمه بل بالعلاقة به وبزمن قراءته وتجربة اقتنائه.  

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077