فيديو الفراغ
كسبت الصحافة الكثير من التطوّر التكنولوجي. كسب المتلقّي سرعة حصوله على المعلومة. يستطيع أن يعرف في ثوانٍ ما يجري في هذه اللحظة من أحداث مؤثرة وغير مؤثرة في العالم، أحداث هنا وهناك. يمكنه بكبسة واحدة أن يكتشف تاريخ بلد أو إنسان، أن يطلع على صورة مكان تخيّله وحلم به ليقارن بين الحقيقة وخياله. يمكنه أن يدّعي الخبرة في أيّ موضوع. وهنا تضيع الحدود ويسيطر خطر ادعاء المعرفة. ليست معرفة عميقة ما نكتسبه من قراءات سريعة لمعلومات تتدفق بغزارة وتفيض في عقولنا. لا يمكن ادعاء المعرفة الأكيدة من دون الغوص في الموضوع. ولا تسمح أنهار المعلومات بالغوص في أعماق المعرفة. كنا نقصد المكتبات في الجامعات الكبرى للبحث عن المعلومة. نجلس بين الكتب والبطاقات التي دوّنت عليها معلومات محددة. نتعب لنكتشف هذه الجملة المفيدة أو تلك. الآن تلاحقنا الجمل، تركض خلفنا ونعجز عن الاختباء منها. كما سمح لنا التطوّر التكنولوجي بالتحوّل إلى مصوّرين فوتوغرافيين ومصوّري فيديوات ومخرجين أيضاً. أن يستقبل أشهر البرامج التلفزيونية في الولايات المتحدة مراهقَين اثنين لأنّ الفيديو الذي عرضاه على وسائل التواصل الاجتماعي حقّق 45 مليون مشاهدة أمر لا يمكن فهمه. دلّني ابني الذي يقف على عتبة المراهقة، على الفيديو «الظاهرة». وفيه يظهر مراهق وسيم في أزياء مختلفة ولقطات عادية من تحرّكاته خلال يوم عادي. أما التعليق الوحيد الذي جذب الملايين فمؤلف من كلمتين تعتبر إحداهما شتيمة: «اللعنة دانيال». لم يكن ثمة ما يمكن أن يقال في المقابلة التلفزيونية. ما الذي سيحكيه ولدان في الرابعة عشرة غير موهوبين، إلا أنهما لأسباب مجهولة نجحا في جذب ملايين «المشاهدات» بكلمتين؟ لقد تغيّر عالم الإعلام. ما عادت الحدود واضحة. الصور على وسائل التواصل متاحة للجميع. المعلومات والمقالات والمقابلات متاحة للجميع أيضاً. وما عاد تناقلها سرقة معيبة أو مستنكرة. ليس واضحاً المسموح به والممنوع والمسكوت عنه. ليس المطروح هنا تنظيراً ولا ادعاءً أو اتهاماً هو اعتراف بالحاجة إلى النقد، انطلاقاً من نقد الذات.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024