هوس قصَّات الشعر الغريبة يثير جدلاً دينياً!
مع انتشار قصَّات الشعر الغريبة، خاصة بين نجوم الفن والرياضة من الرجال، وتقليد الشباب لهم، طرح أحد الأشخاص سؤالاً على دار الإفتاء المصرية حول الحكم الشرعي في تلك القصَّات، ولم يتردد الدكتور شوقي علاّم مفتي مصر في الرد عليه باستفاضة. فماذا قال له؟ وما هي آراء علماء الدين في هوس قصَّات الشعر الغريبة، التي انتقلت من النجوم إلى معجبيهم؟
بدأت القضية عندما وجّه أحد الأشخاص سؤالاً إلى دار الإفتاء المصرية قائلاً: «شاهدت العديد من المسلمين ممن لديهم شعر طويل للغاية أو يتم حلق جزء منه وترك الباقي أو اعتمد قصات غريبة تقليداً لنجوم الفن والغناء، سواء العرب أو الأجانب، فما حكم هذه القصّات الغريبة للشعر؟
رد الدكتور شوقي علام قائلاً إن اتخاذ الشعر وإطالته في أصله فعل مباح بالنسبة الى الرجال، لأنه من العادات والأمور الجِبلِّية، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ». وعن أنس رضي الله عنه «كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وسلّم) مَنْكِبَيْهِ»، لكن مع هذا فقد تتغير الأعراف والأحوال الملابسة لهذا الفعل، فيخرج حكمه عن أصل الإباحة إلى الكراهة أو التحريم. وأوضح الدكتور شوقي علام، أنه لو أصبح في زمان معين أو مكان معين قص الشعر بشكل ما علامة دالة على الفسق أو التخنث أو الشذوذ، صار التلبس به ممنوعاً، ولهذا قال العلماء بأنه إذا اختص أهل الفسق بلباس معين، يتم منع غيرهم من لبسه، ولذلك قال رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وسلّم): «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، وأيضاً لأن في التشبه بأهل الفسق تعريض النفس للتهمة وظن السوء، ولهذا فإن إطالة الشعر للرجل إذا صار فيها تشبّه بغير الأسوياء، سلوكياً أو أخلاقياً، فهي مرفوضة شرعاً.
ودعا الدكتور شوقي علام إلى احترام الأعراف الخاصة بكل مجتمع حتى لا يصبح الإنسان نشازاً، فقد فسر بعض العلماء قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «من تشبّه بقوم فهو منهم»، وفي رواية: «حُشر معهم»، فقيل من تشبَّه بهم في أفعالهم، وقيل من تشبَّه بهم في هيئاتهم.
وحث الدكتور شوقي علام الشباب على الاقتداء بهدى من الصالحين على أي حال كانوا، والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئاً، وإنما تكون المجازاة على النيات والأعمال، فرب محلوق خير من ذي شعر، ورب ذي شعر رجل صالح، ومذهب الحنابلة أن اتخاذ الشعر سنّة، وأنه لا بأس بأن يجعله الرجل ذؤابة «ضفيرة»، ولهذا ينبغي تقييد الحكم بألا تترتب عليه شهرة، أو نقص مروءة، أو ازدراء بمن فعله مخالفاً لعرف المجتمع الذي يعيش فيه. وأشار مفتي مصر، إلى أن أمور الهيئة والثياب تخضع للأعراف والتقاليد، وتحكمها قواعد عامة: كوجوب ستر العورات، وتحريم التشبّه بأهل الفسق والفجور، وتحريم تشبّه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، وتحريم التكبر والخيلاء والإسراف، فمتى روعيت الأعراف والقواعد العامة، جاز للرجل إطالة شعره أو قصّه كما يريد وإلا لزم مراعاة العرف. وعن حكم قصّات الشعر الحديثة لدى الرجال، خاصة تلك المُبتكرة والمستنسخة عن الغرب، يقول الدكتور شوقي علام: «نهى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) عن «القزع»، وهو حلق بعض الشعر وترك بعضه الآخر، وقد حمل بعض أهل العلم النهي على الكراهة، ويتأكد النهي وتشتد الحرمة إذا كان في ذلك تشبه بالعصاة لله وميل إليهم، فمثلاً لا يجوز قص الشعر للأطفال القصّات الجديدة الغريبة عن مجتمعاتنا، لأن هذا الحكم ينطبق على الصغير والكبير، فعن عبدالله بن عمر أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) نهى عن القزع، قال: «قلت لنافع: ما القزع؟ قال: يُحلق بعض رأس الصبي ويترك البعض. ولهذا أجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة، إلا أن يكون لمداواة ونحوها، وهي كراهة تنزيه، والحكم في هذا شامل للصغير والكبير على السواء، وعلة النهي أن هذه القصّات الغريبة للشعر تقبيح للصورة وتشبُّه بغير المسلمين، وبالتالي إذا كان هذا المنع عن القزع للصبي، فإن هذا الحكم ينطبق على البالغ».
تشويه
يؤكد الدكتور طلعت عفيفي، العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، أن العلة في كراهة القصات الغريبة للشعر، سواء القزع أو غيره، أن فيها تشويهاً للخلق وتشبُّهاً بغير المسلمين، مما يكون مدعاة لتقليدهم في مثل هذه الأمور وغيرها، بالتالي يكون هذا تعبيراً عن حبهم وموالاتهم، وهذه مسائل في غاية الخطورة على هوية الشباب الناقم على أعراف مجتمعه وتقاليده وتعاليم دينه، لهذا نجد نفوراً من عامة الشعوب العربية ممن يقصّون شعرهم قصّات غريبة، سواء القزع بحلق بعض شعر الرأس وترك بعضه، أو بحلق مواضع متفرقة من الرأس بشكل غريب وترك أجزاء أخرى بشكل ممسوخ للفت الأنظار. ويشير الدكتور طلعت إلى اتفاق جمهور الفقهاء على كراهة العبث أو التشويه للشعر عما هو سائد من أعراف المجتمع، ولهذا فقد كان النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يطيل شعره، لأن هذا عرف مجتمعه آنذاك ولم يكن ذلك مستغرباً، بل هو المألوف، وكما يقال: «الإنسان ابن بيئته ومجتمعه». ويحذر الدكتور طلعت عفيفي من قيام بعض الشبان بإزالة شعر الحاجبين تشبهاً بالنساء، رغم نهي الشرع للمرأة عن ذلك، إلا إذا كان هذا الشعر مشوهاً للوجه أو غير طبيعي، كأن يكون الشعر منفصلاً عن الحاجبين وليس متصلاً بهما، أما لو كان العكس فلا تجوز إزالته أبداً.
عادة قبيحة
تعجبت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية- جامعة الأزهر، من انتشار القصّات الغريبة بين الشباب، قائلة: «من الأمور المستفزة هذه الأيام انتشار عادة قبيحة أنكرها الإسلام والفطرة السوية والأعراف الاجتماعية، وهي حلاقة بعض أجزاء الشعر وترك بعضه، بل وعمل رسومات وكتابة حروف وكلمات، أو تخفيف بعضه وترك الكثافة في بعضه الآخر، وهذه الحلاقات الغريبة المستوردة مستنكرة من عامة شعوبنا العربية والإسلامية».
وتضيف الدكتورة آمنة: «للأسف، فإن هذه القصّات الغريبة ليست مقصورة على الشباب، وإنما يحاول البعض غرسها في نفوس أطفالنا منذ الصغر، فنجد الآباء يحلقون شعر أولادهم تشبُّهاً بالنجم الفني أو الرياضي العالمي أو المحلي كنوع من الجمال، ولا يعلمون أنهم بهذا يجعلون من أولادهم قروداً ممسوخة، لأن هدي الإسلام في التعامل مع الشعر، تركه كله أو حلاقته كله بمستوى واحد، وعدم حلاقة بعضه وترك بعضه الآخر بشكل مستفز وغريب».
قصّات محرّمة
يحاول الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، حصر بعض أشكال قصّات القزع التي نهى عنها النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، مثل أن يحلق من رأسه مواضع ويترك مواضع أخرى، أو أن يحلق جوانبه ويترك وسطه بفارق كبير بينهما، أو يفعل العكس بأن يحلق وسطه ويترك جوانبه بفارق كبير، أو أن يحلق مُقَدِّمه ويترك مُؤَخِّره، أو أن يحلق مُؤَخّره ويترك مُقَدّمه، أو أن يحلق أحد الجوانب ويترك بقية الرأس، أو أن يحلق الناصية فقط ويترك الباقي... فهذه الأنواع من القصات مرفوضة شرعاً، لنهي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عنها.
ويستشهد الدكتور مبروك عطية على نهي الإسلام عن هذه القصّات المستفزة، بما ورد في السنّة النبوية من أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، رأى صبياً قد حُلِقَ بعض شعره وتُرِكَ بعضه الآخر، فنهى أهله عن ذلك، قائلاً: «احلقوه كله أو اتركوه كله».
تحفظ
أما الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات- جامعة الأزهر، فتتحفظ على تعميم التحريم للقصّات الغريبة، قائلة: «رغم رفض الإسلام للقصات الغريبة، إلا أنه لا ينبغي تعميم الحكم لمجرد الشكل الخارجي للإنسان فقط، لأنه ربما يكون مصاباً بمرض جلدي في الرأس ونفّذ هذه القصة الغريبة بأمر من الطبيب، ولهذا فإن حساب كل إنسان على ذلك يأتي وفق نيته من قصة الشعر هذه، ولهذا قال (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». وتشير الدكتورة إلهام إلى تحفظها على تعميم الحكم الشرعي بالتحريم دون الوقف على سبب هذه القصة الغريبة للشعر، وهل المبرر مقبول شرعاً واجتماعياً أم لا، وبالتالي ينبغي أن يكون الحكم على كل حالة على حدة، مع التأكيد أن الإسلام يرفض أن يكون أتباعه من فئة «إمّعة»، يقلدون غيرهم تقليد القرود، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا يكن أحدكم إمعة؛ يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، لكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أحسنتم، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم». وتكشف الدكتورة إلهام عن جوانب أخرى من القضية، مؤكدة أن بعض الفقهاء اجتهد في حلق بعض الشعر وترك بعضه الآخر، فجعلوه مراتب، أشدّها أن يحلق وسطه ويترك جوانبه، ويليه أن يحلق جوانبه ويدع وسطه، ويليه أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخّره، وهذه الصور الثلاث هي الأشد تشويهاً لخلق الله ومنافية للفطرة السوية التي خلق الله الناس عليها، فقال الله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (آية 4) سورة «التين».
المغلوب والغالب
تحلل الدكتورة نبيلة تاجر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، القضية مؤكدة أن الإنسان الطبيعي– أياً كان نوعه أو سنّه – ابن بيئته، ويكون أكثر اندماجاً مع المجتمع كلما كانت طباعه وشكله الخارجي من حيث الملابس وقصّات الشعر، مألوفة من المحيطين به. أما إذا شذّ عنهم فإنه يكون مثار سخرية واستهجان من المحيطين به، مما يخلق عنده شعوراً بأنه منبوذ منهم فيعدل عن نشوزه عنهم، وهذا هو الإنسان السوي. أما من يصر على غير المألوف في بيئته، أو يصر على تقليد غيره من أبناء المجتمعات الأخرى، فهو إنسان غير سوي نفسياً، يحرص على لفت انتباه الآخرين حتى لو سخروا منه ونبذوه.
وتوضح الدكتورة نبيلة تاجر، أن ثورة الاتصال ساهمت في انتشار هذه القصّات الغريبة، حيث أصبح العالم قرية صغيرة يرى الجميع فيها بعضهم ويقلدون الآخرين من دون مراعاة لخصوصية وهوية ودين كل مجتمع أو بيئة، وهذه كارثة، حيث يقلد أبناء المجتمعات المختلفة أو النامية أبناء الدول المتقدمة في كل شيء «تقليد القردة»... وهذه مصيبة قد حذر منها ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، حين أخبرنا بأن المغلوب مولع بتقليد الغالب في كل شيء، مما يعرض هويته للضياع حين يصبح صورة طبق الأصل من العالم، ظناً منه أنه بذلك أصبح متقدماً ومتحضراً. وتختتم الدكتورة نبيلة تاجر حديثها مؤكدة أن ظاهرة لفت الانتباه عادة ما نراها بين نجوم الفن والرياضة أكثر من غيرهم، وتقليد محبيهم من الأطفال والشباب المراهق لهم في قصّات الشعر يخلق جيلاً بلا هوية ويضر بالتآلف والتماسك، بل إنه مخالف لقيمة الرجولة والذكورة التي ترسخت في مجتمعاتنا عبر عادات وتقاليد عن شكل معين للرجال بقصّات شعر طبيعية ومألوفة من الجميع، وللأسف فإن جزءاً كبيراً من القضية مرتبط بالفراغ الذي يسيطر على عقول الشباب الذين يسعون إلى تقليد من يعتقدون أنهم مثل أعلى أو طريقة حياة مثالية يعيشها الإنسان الغربي.
تحذير
يشير الدكتور شرف الدين أحمد آدم، أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية الدعوة الإسلامية- جامعة الأزهر، إلى أن الحكم الشرعي في قصّات الشعر الغريبة يشمل الصغير والكبير على السواء، لأن أهل العلم أكدوا أن العلة في الكراهة، حسب رأي بعض الفقهاء، أو التحريم، حسب رأي فقهاء آخرين؛ أن فيها تشويهاً للخلقة السوية وتشبهاً بغير المسلمين، وتقليدهم في مثل هذه الأمور، مما يعد تعبيراً عن حبهم وموالاتهم، أو تشبّهاً بالنساء في إطالة الشعر بشكل غير طبيعي، على عكس أعراف المجتمع. ويذكر الدكتور شرف الدين أن الفقهاء يرون أن حلاقة الشعر بالموسى من دون سبب «مكروهة»، بل ومن صفات الخوارج، لأن النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، وصف الخوارج بقوله «سِيمَاهُم التَّحْلِيق»، فلما كان تحليق الشعر سمة وعلامة لأهل البدع، فعلينا أن نبتعد عن مشابهة أهل البدع وعدم حلق الشعر بالموسى إلا لحاجة ضرورية، كالمرض أو لنسك كأداء الحج والعمرة، وبالتالي فلا يجوز للإنسان أن يحلق شعره بالموسى، لأن ذلك منهيٌ عنه ومخالف لاحترام الإنسان لذاته، وللبقاء على الجمال الذي وهبه الله له من الشعر، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الله جميل يحب الجمال». ويحذر الدكتور شرف الدين الشباب من أن يتخذوا من ذوي القصّات الغريبة للشعر، سواء من النجوم العالميين أو المحليين، قدوة لهم، لأنهم يخالفون بهذا الفعل أحكام الشرع، بل إن الأمر قد يصل إلى حد اللعن الذي يعني الطرد من رحمة الله عز وجل، لعموم قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال».
وينهي الدكتور شرف الدين كلامه مشدداً على نهي الشرع عن لباس الشهرة، وهو أن ترتدي أو تفعل بجسمك أو شعرك أموراً تجعلك شاذاً أو نشازاً وسط المجتمع، وهذا يشمل الملابس والهيئة العامة وطريقة المشي والكلام، لأن الدين لم يترك للشيطان مساحة لينفذ منها إلى عقل المسلم وشكله وهيئته من خلال ثقافة الشذوذ والصيحات الغريبة، ولهذا لن تجد إنساناً ملتزماً يعرف الحلال والحرام همّه الأول والأخير الجري وراء أحدث صرخات الموضة وتقاليع الوجه والشعر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024