تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

عايدة صبرا: نحن شعب مدعٍ ومغرور

عادت إلى إحياء شخصية «نجاح» التي غابت عن الشاشة لنحو 20 عاماً، لأنها تلامس وجع الناس، ولا تزال تعيش في ذاكرتهم. تقول الممثلة والكاتبة المسرحية عايدة صبرا ان «نجاح» من أقرب الشخصيات إلى قلبها، وتعتبر أن المسرح هو حياة المدينة، وأن الجمهور بحاجة لأن يشاهد عملاً يبكيه ويضحكه في آن. في هذا الحوار تتحدث عايدة صبرا عن مسرحيتها، وواقع المسرح والدراما اللبنانية.


- بعد غياب عشرين عاماً عن الشاشة، لماذا أعدت إحياء شخصية «نجاح»؟
لأنها لا تزال راسخة في أذهان الناس، ففي المنطقة التي أسكن فيها، ينادونني «مرت عمّي نجاح»، سواء أكان الحلاق أم الخضرجي أم الجزار، وحتى الناس الذين ألتقي بهم في الشارع، يذكرون هذه الشخصية جيداً، متناسين أعمالاً أخرى قدمتها. ذلك أن هذه الشخصية كانت تعني لهم الكثير، وعبّرت عن طموحاتهم وآمالهم وأحلامهم بمضامين الحلقات. وهي من أحب الشخصيات إلى قلبي، لأنها صادقة وعفوية وتقول كلمة الحق، وتعبّر عن مشاعر وتناقش قضايا. في المسرحية استعدت هذه الشخصية كرمز للمدينة، ولكشف مدى معاناتها من أهلها، إذ يجب أن نلوم أنفسنا قبل أن نلوم الدولة، لأننا مسؤولون عما تتعرض له مدينتنا. واجهت «نجاح» مشكلة، فوصفتُ حال الجيران وكيفية تصرفهم حيال مشكلتها، فلا أحد اكترث بها أو مد يد العون لها، بل على العكس كان هناك من استغل مشكلتها... فلا تعاون ولا انتماء، مثلاً: المصريون لا يسمحون لأحد بأن يتناول بلادهم بالسوء، لأنهم متماسكون ويوحّدهم انتماؤهم القوي إلى وطنهم، والأمر نفسه ينطبق على الدول الأوروبية. لكن في لبنان إذا طرأت حادثة أو موقف معين، تنتشر النكات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما «فايسبوك»، لأنه نموذج لـ «عينة» من الناس، فنحن للأسف شعب مدّعٍ، لا نتقبل النقد ومغرورون بأنفسنا.

- لماذا اتجهتِ إلى المسرح بشخصية «نجاح»؟
لأنني كتبت النص، ولأن عملي يرتكز على المسرح الذي أعتبره أهم من التلفزيون، علماً أن جمهوره أقل بكثير للأسف، ولم يُسلط الضوء عليه كثيراً، بالإضافة إلى أن التلفزيون موجود في كل بيت. وأدرك أننا خسرنا جمهورنا في مكان ما، لأن كثراً لم يعلموا بموعد عرض المسرحية. طبيعة العمل في المسرح أهم من حيث البحث. مثلاً في كتابة الكلمة والموقف والإخراج، أجد متعة في المسرح، وتتحداني ولادة الأفكار، وكممثلة يمكنني أن أقدم أكثر. حتى أن الذين لا يتابعون المسرح، يُفاجأون بالعمل والجهد المبذول فيه. نتحمل مسؤولية كبيرة، وممنوع الغلط، إلى جانب المسؤولية الملقاة على عاتق كاتب العمل والرسالة التي سيتوجه بها الى الجمهور من خلال عمله. مثلاً في التلفزيون باتت الدراما كارثة، لأن الناس يودون مشاهدة عمل يتحدث عن معاناتهم بصوت عالٍ، ويحاكي البيئة التي يعيشون فيها. الجمهور بحاجة لأن يشاهد عملاً يبكيه ويضحكه في آن... بحاجة إلى «خضة» تحفّزه على التفكير، وعسانا ننعش ذاكرته فيعود إلى تقييم الأمور بطريقة مختلفة، لأن هذا هو هدف المسرح في النهاية.

- شهدنا أخيراً تراجعاً في مستوى الدراما اللبنانية، في وقت باتت تستعين بوجوه معروفة كالمذيعات وملكات الجمال، بعيداً من التركيز على خريجات المسرح والأكاديميين.
تراجع الدراما يرتبط أيضاً بتراجع النص، ولا توجد نصوص قوية تحاكي البيئة والمجتمع. يصورون فقط طبقة الأغنياء في المجتمع، وبات الجمهور يضحك علينا، علماً أنهم يشاهدون ما يُعرض، ولكنهم لا يحبونه لعدم اقتناعهم به. في موسم رمضان الماضي، عُرض مسلسل «غداً نلتقي»، وهو عمل يتناول معاناة اللاجئين السوريين، ويمثل حالة إنسانية، تجلّت بواقعية في التمثيل والإخراج والنص رغم قساوتها. ليس صحيحاً أن ما يُعرض على الشاشات يلبي طموحات المشاهدين. كفانا استغباءً للناس، وأتحدى أن يقدم المنتجون عملاً واقعياً وقريباً من الناس. عندما نشاهد التلفزيون اليوم، لا نرى إلا سيليكون... لكن «الحلونجي»، وقبله «الدني هيك» و«أبو سليم»، عندما تُعرض هذه المسلسلات مجدداً، يتهافت الناس على مشاهدتها.

- لماذا لم تعودي إلى الشاشة؟
القرار في يد المحطات التلفزيونية والكاتب، ومدى استعداده للتفرغ للكتابة. أعرف طريقة أحمد قعبور في الكتابة، فهو لا يكتب في أسبوعين فقط ولا يكتب للكتابة فقط، بل يبحث عن الحدث والشخصيات والمعنى والحالة. والأمر ليس سهلاً إذا أردنا الظهور في برنامج مختلف ويحمل قيمة، من ناحية الجودة والنوعية. لا أشارك في مسلسلات تؤدي دور البطولة فيها ملكات جمال وعارضات، وذلك ليس انتقاصاً من شخصياتهن، وإنما لأنني ضد الفكرة. يجب أن تكون هناك أعمال لكل الفئات والأعمار، وقصص أكثر واقعية، تحمل مضامين مقنعة.

- ماذا عن العروض، وكيف كان الإقبال؟
الإقبال كان جيداً جداً، والناس كانوا بالتأكيد متشوقين للشخصية، خصوصاً أنني جسّدت شخصية واقعية باعتراف كثيرين.

- ما هي القضية التي تناولتها في مسرحيتك؟
تروي المسرحية قصة «نجاح» التي كانت متوجهة إلى عملها، لكنها تواجه مشكلة إذ يتعطل المصعد وتُحتجز في داخله، مما يحتم على الجيران استخدام السلم... لقد شاهد الجميع ما حلّ بها، لكن أحداً لم يفكر بجلب المفتاح، أو حتى يكلّف نفسه عناء الاتصال بخدمة صيانة المصاعد. ركزت على المشكلة التي يتطلب حلّها مفتاحاً، لأن المفتاح رمز العقل والوعي والإدراك... إذ لم يحاول نجدتها إلا الناطور لكنه لم يفلح وكأنه يعيش على كوكب آخر، بينما جارتها استغلتها، فأرسلت لها «آيباد» لكي تنقل لها وصفة الطعام، وأخرى كانت في المول التجاري وكانت ترغب في أن تريها مشترياتها. رئيس اللجنة في البناية يكرر على مسامعها أنه ذاهب للبحث عمن يُصلح المصعد، والسلطة علمت بحالها فارتأت أن تحولها إلى حقل اختبار، لتدرك مدى قدرتها على الصبر... وهذا ما نعانيه في بلدنا.

- لماذا اخترت المصعد؟
شعرت بأن المصعد هو مشكلة بحد ذاته، فيتعطّل ويتوقف كثيراً لارتباطه بالكهرباء، ويعرّض بالتالي المواطن اللبناني للضغط والاختناق... وجدته مكاناً مناسباً لطرح هذه القضية.

- ما سبب النهضة المسرحية التي نشهدها أخيراً؟
أعتقد بأن الناس ملّوا من مشاهدة التلفزيون، لأن ما يُقدم على الشاشة قد وصل إلى الحضيض. لم أشاهد التلفزيون منذ فترة طويلة، لكن ثمة من أخبرني عن برنامج the Voice kids ولذلك تابعته. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مسلسل «غداً نلتقي». نحاول أن نبحث عن أشياء جديدة، خصوصاً أن المسرحيات التي تُعرض في منتهى الجدية وتحترم عقول الناس. العروض المسرحية الكثيرة التي نشاهدها في الحالات الطبيعة، يجب أن تستمر على مدار السنة.

- ما الذي اعجبك في برنامج the Voice kids؟
ثمة أصوات مذهلة، الجميل أنهم أطفال عفويون وصادقون بأحاسيسهم ويمتلكون ثقة كبيرة بأنفسهم. أدعو الفنانين إلى التعلم من هؤلاء الأطفال، لأن فناني اليوم باتوا في مكان غير مقبول. فوجئت باختيار الأغنيات، وأعتقد أن هذا يعود إلى التربية البيتية، فمن المؤكد أن أهاليهم يستمعون إلى أغنيات الزمن الجميل.

- هل توقعت أن تستمعي إلى أصوات مماثلة عندما تم الإعلان عن البرنامج؟
لا أبداً، لم أتوقع تأدية هذه الأغنيات ولا سماع هذه الأصوات. انتظرت أن نستمع إلى أغنيات خاصة بالأطفال. الطفل بطبعه صادق في نظرته إلى الأشياء، وأحكامه عليها. للأسف نخسر هذه العفوية عندما نكبر، لكن ثمة من يحافظ عليها، يجب أن يحافظ كلٌ منا على الطفل الموجود في داخله لنتعلم منه.

- هل لا يزال هذا الطفل موجوداً في داخلك؟
لو لم يكن موجوداً في داخلي، لما كنت «مجنونة»، بالمعنى الإيجابي. إذ يساعدني في التعامل مع أولادي، بحيث يجب أن تتميز علاقتي بهم بالفرح والمرح واللعب معهم والاستماع إليهم، بالإضافة إلى تأثير هذا الطفل في أعمالي، وكيفية تقبلي للأشياء برحابة صدر. والشخص المتصالح مع نفسه تترسخ في داخله معاني الصدق والعفوية وبراءة الطفولة.

- هل يمثل المسرح الوجه الثقافي للمدينة؟
ليس الوجه الثقافي فقط، وإنما حياة المدينة ككل. فالمدينة التي لا تشهد حركة ثقافية نشعر بها وكأنها ميتة. المسرح يعيد إليها الاعتبار، كما أنه يبلور الأفكار ويجوهرها، ويقدمها إلى الناس بوعي أكبر، وعين ناقدة لما يدور حولنا. عند اليونان، كانت الاحتفالات التي تُقام تعادل المسرح، لقد رافق الإنسان منذ بداياته.

- كيف ستحافظون على الاستمرارية؟
سنواظب على العمل، رغم أننا ننفق من مدخولنا الخاص. لكن في الدول الأخرى تشكل الدولة والمؤسسات الداعم الأكبر للمسرح.

- ماذا عن وزارة الثقافة اللبنانية؟
إذا تقدمنا بطلب يساعدوننا، لكن بعد نحو سنة تقريباً. يحاول أساتذة المسرح التواصل مع الوزارة ليتزامن الحصول على المساعدة مع انطلاق العمل المسرحي، لا بعد سنة. لكن تقديمات الوزارة لا تكفي، فماذا لو تقدم كثر لعروض مسرحية؟ أتمنى أن يصدروا قانوناً ينص على أن تُعفى كل مؤسسة تساهم في ازدهار الحركة الثقافية من الضريبة أو تدفع جزءاً بسيطاً منها، كما أن المسارح تتحمل بعضاً من المسؤولية. 

- لماذا لا تحملين هذه الشخصية إلى السينما؟
هي فكرة جيدة، وحتى أن أحمد قعبور كان يود أن يكتب عملاً للسينما، ربما لا يحق لي التصرف بمفردي، إذ استأذنت أحمد قبل أن أعيد شخصية «نجاح» إلى المسرح. من الممكن أن تكون السينما فكرة قيد الدرس.

- هل ثمة إقبال على الدراسة المسرحية؟
تركت التدريس منذ عام 2007، ولكن من خلال ورشات العمل التي أنظمها، صادفت العديد من الطاقات الشبابية، ولكنهم بحاجة إلى أن نمسك بيدهم. في مسرحيتي، الممثلون ستة ويصبحون معي سبعة، ومن بينهم سهى نادر التي علّمتها سنة واحدة في الجامعة، وإيلي نجيم لم أعلمه ولكنني سمعت عنه. سهى مثقفة وذكية جداً وتعمل أكثر في مسرح الأطفال، وأعلم أنها مبتكرة وأدرك قدراتها جيداً، وقد أبهرت الجمهور بأدائها، والجميع يسأل عنها. المسرح كما قال الممثل والكاتب كميل سلامة هو فرصة للمنتجين لكي يشاهدوا المواهب، ولكنهم لا يريدون. فسهى أهم من 100 ممثلة تظهر على الشاشة، لأنها ذكية. حتى أن عدداً كبيراً من الفنانين انبهروا بأدائها، وبما أنهم أُعجبوا بأدائها، تحدثوا عنها. وعندما يظهرون على الشاشة يلمس الجمهور الفارق بين المحترف ومن يستظهر دوره.

- أنت نشيطة جداً على مواقع التواصل الاجتماعي، ما الذي تلمسينه من خلالها؟
أتعرف إلى المستوى الفكري للناس، وأحياناً يضيئون على مواضيع ربما لم تكن تلفتني، حتى أنني أتابع تفاعلاتهم وتعليقاتهم على كل حدث. لكننا لا نزال نحتاج إلى الكثير لتقبّل الآخر. والواضح انه مهما حدث، عليك أن تحمي رأسك عند المصالح. فلنكن في الموقع السليم، ونبتعد عن البغضاء، ونتنزّه عن الانتماءات السياسية، ونقدم الأفضل لبلدنا. وثمة أشخاص «مهضومون» نستعير منهم النكتة لنثري بها عملنا. كما أسجل ملاحظات وأطرح قضايا لأرى كيفية التفاعل معها. ولذلك أقول بعد متابعتي لمواقع التواصل الاجتماعي: كفى استغباءً للناس.   

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077