تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

لبكاء الطفل أسباب... ولكنْ لحبس الصبي دموعه أسباب أخرى

من المعلوم أن دموع الطفل حتى سن السادسة سهلة الحضور، فهو لا يزال في هذه السن غير قادر على التعبير عما يزعجه بالكلمات التي يجب أن تحلّ مكان الدموع، وفي المقابل تشعر الأم بالارتباك والتوتر، وأحيانًا بعدم القدرة على تحمّل نوبات البكاء والذي قد يصل إلى حدّ الصراخ في وجه الطفل. في حين أن الطفل في حاجة إلى مساعدة لا إلى فقدان الأم أعصابها.


 فماذا يجدر بالأم أن تفعل لوقف نوبة البكاء هذه؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل، أنه في البداية على الأم أن تسيطر على توتّرها الناتج من نوبة بكاء طفلها وتبقى هادئة. فمن الطبيعي أن تتأثر بدموع طفلها، بل عليها أن تشعر بذلك.
فدموعه تشير الى أمر ما يزعجه، وعليها أن تتنبه إلى إشارة التحذير هذه، فإذا كانت متوتّرة ومرتبكة فلن تتمكن من مساعدته، وبالتالي لن تعرف ما يزعجه.
لذا من الأفضل أن تحافظ على مسافة بينها وبين طفلها، فلا تسارع إلى حمله واحتضانه، بل تتحدث إليه وتسأله بهدوء عن سبب انزعاجه وتحاول فهم ماذا يريد. فأحيانًا لا يكفي أن تحضن الأم طفلها خلال نوبة بكائه، بل عليها أن تطرح الأسئلة عما يمكن أن يكون سبباً لإزعاجه.

 ولكن ألا يساعد البكاء أحيانًا الطفل في الفرج عن كربه؟
يعتمد ذلك على سبب البكاء. فإذا بكى الطفل مثلاً لأنه أضاع لعبته المفضّلة أو لأن والده خرج إلى العمل أو لأن قطته ماتت، فهذا يشير إلى حزن عميق يشعر به وسببه خسارة شيء أو شخص عزيز إلى قلبه.
ومن المفضل أن يُسمح للطفل بالبكاء ليقبل الخسارة التي مُني بها. فالدموع أحيانًا تكون علاجًا شافيًا، ويجب السماح للطفل بذرفها. لذا على الأم أن تُجلس طفلها في حضنها وتحفّزه على البكاء كأن تقول له: «ابكِ فسوف تشعر بالراحة». وعليها تجنّب القول له: «كفى بكاءً فليس الأمر خطيرًا إلى هذه الدرجة».
أي عليها أن تضع نفسها مكان طفلها، ألن تشعر بالأسى إذا خسرت شخصًا عزيزًا؟ ألن تشعر برغبة في البكاء؟

ماذا لو بكى الطفل لأن والدته رفضت طلبًا له؟
في هذه الحال لا يُعتبر بكاءً بل نوبة غضب لأنه يرفض الخضوع لها. ولكن غالبًا ما يختلط الأمر على الطفل ولا يعرف ماهية مشاعره الحقيقية، فيعبّر عن غضبه بالدموع.
لذا على الأم مساعدته على التمييز بين الغضب والحزن. كأن تقول مثلاً: «من حقك أن تغضب» ومن ثم يمكنها إعطاؤه وسادة صغيرة يلكمها فبذلك يفرّغ غضبه ويتوقف عن البكاء لأنه عرف كيف يعبر بالطريقة الصحيحة عن غضبه.

لماذا يخجل معظم الصبية من دموعهم ولا سيّما بدءًا من سن السابعة وما فوق؟ ما هي أسباب ذلك؟
يرى اختصاصيو علم نفس الأطفال أن ليس هناك دراسة نفسية تثبت أن الصبي يخجل من دموعه بدءًا من سن معيّنة. فهناك صبية يخجلون وآخرون لا.
غير أن المجتمع يرى أن من المعيب على الصبي أن يبكي لأنه رجل، أمّا إذا بكت البنت، فهذا أمر طبيعي. وهذا الرأي غير صائب لأن البكاء دليل على صعوبة يعانيها الطفل، سواء كان بنتًا أم صبيًا.
وفي المقابل للأسلوب التربوي الذي ينشأ عليه الطفل دور رئيسي في تكوين شخصيته، بل للسنوات الأولى من العمر دورها في علاقة الطفل مع دموعه. فعندما يكون رضيعًا تتحدث إليه أمه وكأنه رجل، فإذا بكى تناغيه بقولها: «حبيبي يبكي، أنت رجل والرجال لا يبكون، ولوْ أنت قبضاي مثل البابا».
وهكذا مع الوقت يربط الصبي بين عدم البكاء والذكورة والقوة. فمن المعلوم أن الصبي يتماهى بوالده ويحاول تقليده في كل ما يقوم به، وعدم البكاء هو أحد هذه الأمور.
ويعزّز الأهل، سواء عن قصد أو غير قصد، تفكير الصبي في أن البكاء للبنات. ولاحقًا، يكبت الطفل «الذكر» دموعه لأنه لا يريد أن يخيّب أمل والديه، خصوصًا أن شخصية هذا الرجل الصغير هي في طور النمو، وطموحه أن يصبح مثل والده القوي الذي نادرًا ما يراه يبكي إلا في أوضاع دراماتيكية .

قد يكبت الصبي دموعه رغم تعرّضه لموقف صعب. فماذا على الأهل أن يفعلوا؟
إذا لاحظ الأهل التوتر أو الحزن على طفلهم نتيجة تعرّضه لموقف صعب، يمكنهم تشجيعه على التعبير عن ذلك، ولا ضير في أن يبكي، فالدموع تحرّره من الحزن وتبلسم جروحه.
ومن الأفضل أن يلجأ الصبي إلى والده، فذلك يشعره بالأمان لأن الوالد هو المثال الذي يتماهى به وصورة الرجل التي يبحث عنها. وعلى الوالد بدوره أن يطمئنه كأن يقول له: «ابكِ فهذا سوف يشعرك بالراحة».
ومن الممكن أن يحدثه عن طفولته: «أنا أيضاً كنت أبكي أحياناً عندما كنت في مثل سنّك حين أتعرض لموقف حرج أمام أصدقائي». ومن المهم جدًا أن يحمل ابنه على التحدث عن سبب حزنه، فالبكاء يصبح صحيحاً إذا ما رافقه الكلام. ويجب تعليم الطفل أن يقول «أنا حزين لأنني...».

لماذا هناك أطفال يبكون عند أول مشكلة يواجهونها فيما بعضهم الآخر لا؟
يرى الاختصاصيون أنه إذا كان النمو النفسي عند الطفل سليمًا، سواء كان أنثى أو ذكرًا، ويعرف كيف يعبّر عن مشاعره في شكل صحيح، ويعرف كيف يدافع عن نفسه في المواقف الصعبة، فمن الطبيعي ألا يبكي إلا في مواقف قليلة، أي إذا تعرض لموقف حرج أو قال له أحدهم كلامًا جارحًا لا يعرف كيف يرد عليه.
مثلاً إذا قال له صديقه: «أنت سمين»، يرد عليه: «أنظر إلى نفسك». أما الطفل الذي لا يعرف كيف يدافع عن نفسه فقد يشرع في البكاء بمجرد أن توجه إليه ملاحظة. كما أن تعامل الأهل مع طفلهم بقسوة كالضرب أو العقاب أو توجيه الإهانات وما شابه، يفقده الثقة بنفسه، ويجعله مضطربًا في سلوكه لا يستطيع التعبير عن مشاعره.
أما إذا كان الطفل يبكي من دون سبب منطقي، فمثلاً إذا كان يبكي كل يوم عندما يرجع من المدرسة، على الأم أن تعرف سبب ذلك وأن تسأل عما يحدث معه. والمعلوم أن كثيرًا من الأطفال يعانون ظاهرة «التنمّر» في المدرسة.
وعندما يلاحظ الأهل أن الطفل تفيض دموعه بأكثر مما يُتوقّع، يجدر بهم التحرّي من الطفل والمدرسة عن وجود أتراب يفرضون إرادتهم عليه.
وإذا لم يتبين وجود مشكلة، على الأم أن تتحرّى الأمر في البيت، فربما كان هناك أمر أو حدث طارئ يحمله على البكاء. وإذا لم يتبين وجود مشكلة، عليها استشارة اختصاصي.


ابنتي بكّاءة

سؤال        
صارت ابنتي (سنتان ونصف السنة) أخيرًا تبكي في شكل متواصل، فعندما أقول لها «لا»، تجهش بالبكاء، وعندما تحاول أختها الصغرى الاقتراب منها تبكي، وحين ينتهي فيلم الفيديو المفضل لديها تبكي.
أحضنها وأقبّلها ولكن بكاءها يجعلني أبتعد عنها. هل من نصيحة عن كيفية مساعدتها في  التخلص من التوتر الذي تشعر به؟

جواب
بداية عليك تعليم ابنتك التعبير عن توترها بالكلمات عوضًا عن البكاء. فعندما تبكي لأنك رفضت أن تعطيها المزيد من الحلوى، هدّئيها وقولي لها بلطف: «أنت غاضبة لأن الماما لن تعطيك المزيد من الحلوى! يمكنك أن تبكي لكن لا يمكنك الحصول على الحلوى». وافعلي الأمر نفسه عندما ينتهي فيلمها المفضل.
طمئنيها إلى أن تتوقف عن البكاء وقولي لها بحنان: «أنت حزينة لأن الفيلم قد انتهى... أليس كذلك؟». وحين تبكي لأن أختها الصغرى اقتربت منها، قولي لها: «أنت لا تحبين أن تقترب أختك منك؟».
وحين تهدأ يمكنك أن تشرحي لها لماذا لم تعطها المزيد من الحلوى أو تسمحي لها بمشاهدة الفيلم مرة ثانية، أو لماذا أختها تحب الاقتراب منها. فعندما تعبّر عن مشاعرها ستكون قادرة على فهم الأسباب. ولكن عليك تجنب الآتي:

  • لا تعزليها أو تتركيها لأنها تبكي.
  • لا تحاولي التحدث إليها أثناء نوبات بكائها كأن تقولي لها مثلاً: «لا يوجد سبب لبكائك».
  • لا تتوقعي أن تعود الضحكة إلى وجهها فور توقفها عن البكاء. اسمحي للوقت بمسح حزنها.
  • لا تستسلمي لبكائها. لا توجد ضرورة لمشاهدة الفيلم مرة أخرى أو إبعاد أختها أو تحويل «لا» إلى «نعم». فأنت لا تريدينها أن تتعلم أن البكاء يجعلها تحصل على كل ما تبغيه.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078