الأمومة في عصر «واتساب»
لم أكن أعرف أنها صعبة إلى هذا الحد. عرفت طبعاً أن هويتي تغيّرت، أن أنانيتي ضعفت. خفت في البدء، في لحظة ما، لم أستطع التنفس. مرّت سريعة لحظة الشك تلك. بعد أيام من ولادة ابني البكر. نظرت إليه وأنا أفكر. هذا الكائن الجميل يعتمد عليّ تماماً. وجوده مرتبط بوجودي. ليست الأمومة بتأمين الغذاء والحفاظ على الحياة فقط. الأمومة أكثر تعقيداً. كلّ أمّ تجيد إغراق طفلها أو طفلتها بالعواطف. والحنان أهم من الغذاء. ثم تزداد الأمومة صعوبة مع اقتراب الابن أو الابنة من سنّ المراهقة. لا يعود حسن التصرّف جزءاً من غريزة الأمومة، يصبح التخطيط حاجة. والأهم أن تقبلي بانفصال «طفلك» عنك... فها هو يختار ما لا تريدينه أن يختار، ها هو يتقرّب من أصدقاء حاولت منعه من التقرّب منهم. ها هو يستبدل بالقراءة الألعاب الإلكترونية. والآن أصبح يعيش مع شلّة الأصدقاء معظم الوقت عبر هاتفه الصغير. يبتعد عالمه عن عالمك، وعليك أن تقبلي بالأمر وأن تصادقيه. تحاولين ثم تفشلين. تحاولين مرة أخرى. يبدو الأمر سهلاً، لكنه ليس كذلك. تكتشفين أنك ما زلت تكتشفين الأمومة. تعرفين أن أمك أذكى منك. ها أنت الآن تتأكدين من ذكائها وحكمتها. أبقتك ضمن حدود غير مرئية، حدود أمومتها العميقة والذكية. لكننا لم نعش يومها في هواتفنا، لم نبحث عن قتل الوقت بالتكنولوجيا، بألعاب لا بكلمات، بصور عنيفة قبيحة. تغيّرت الهوايات وما عاد عشق قراءة الكتب «على الموضة». لم نعش «صراع أجيال» مع أهلنا، كنا قريبين منهم. كنا نشبههم. أحاول أن أقفز إلى ابني، أن أصل إليه. أفهم شروط العصر تماماً ولا أفهم تأثيرها فيه وفي أبناء جيله. ينتمون إلى عصرهم أكثر من انتمائهم إلينا. الأمومة أصعب في عصر «الواتساب». الأمومة أسمى العلاقات. يجب أن تكون الصداقة أهم ركائزها، خصوصاً في ظل تحكّم وسائل التواصل الاجتماعي في حيوات أولادنا، كي نبقى معهم في عالم واحد.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024