تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الابن المدمن يستعين بصديقه ليقتل والدته

حسن

حسن

مصطفى

مصطفى

حالة من الذهول والصدمة سيطرت عليها، فقدت معها القدرة على النطق، وهي ترى والدتها التي ذهبت للاطمئنان إليها جثة هامدة تسبح في بركة من الدماء، فعقدت المفاجأة لسانها، لكن سرعان ما انهمرت دموعها التي تحولت إلى صرخات تطلب الاستغاثة، من دون أن يخطر في بالها ولو للحظة أن الجاني هو شقيقها، الذي انتُزعت الرحمة من قلبه فخطط لإنهاء حياة والدتهما بهذه الطريقة البشعة.


كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءً، عندما أوقفت «بسمة» محرك سيارتها عقب يوم عمل طويل وشاق قضته في أحد المؤتمرات الدولية، حيث تعمل مترجمة.

اختفاء مفاجئ
صعدت إلى منزلها في منطقة المعادي، حيث تعيش بصحبة زوجها، وقبل أن تبّدل ملابسها، أسرعت إلى حقيبتها وأخرجت هاتفها لتتصل بوالدتها حتى تطمئن إليها، فلم تسمع صوتها طوال اليوم على غير العادة. «الهاتف الذي طلبته ربما يكون مغلقاً أو خارج نطاق الخدمة»، رسالة صوتية تتلقاها في كل مرة تحاول فيها الاتصال، ليسري في داخلها شعور بالقلق على الأم التي لم تعتد أبداً على إغلاق هاتفها، بل على العكس كانت تعنّف ابنتها إذا اتصلت بها ووجدت هاتفها مغلقاً، حيث تخاف أن يكون مكروه قد أصابها، فكيف طاوعها قلبها أن تنقل اليها هذا الإحساس؟ أدركت بسمة شعور أمها وهي تحاول جاهدة الوصول إليها بلا فائدة، فسارعت الى الاتصال بهاتف المنزل، على أمل أن تكون في جواره وترد عليها، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل. مثل المجنونة انطلقت في الشارع تقود سيارتها متوجهة إلى منطقة الزيتون في غرب القاهرة للبحث عن والدتها، إذ إن اختفاءها بهذه الصورة ينبئ بوجود كارثة.

كارثة
توقفت بسمة وهي تجول بنظراتها على شرفات المنزل، علّها تجد والدتها تقف على إحداها وتشرب الشاي كالعادة مع إحدى صديقاتها أو جيرانها... لم تر إلا ظلاماً يخيم على المنزل وقد زرع في داخلها خوفاً شديداً جعل قلبها لا يتوقف عن الخفقان، وهي تصعد السلّم قبل أن تفتح الباب وتجد كارثة تنتظرها في الداخل. كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة مساءً، عندما دخل أمين الشرطة على رئيس المباحث يبلغه بوقوع جريمة قتل وتلقيه إشارة بالانتقال لمعاينة الجثة، ليجمع متعلقاته وهو يحاول جمع ما لديه من معلومات عن الجريمة، التي علم أن فاعلها مجهول.
منزل فخم يمتلئ بالتحف والأنتيكات مثل الكثير من منازل المنطقة، حيث تسكن طبقة من المجتمع المخملي أطلقوا عليها «بقايا الزمن الجميل»، تتموضع أشياؤه في مكانها منذ سنوات، في ما عدا غرفة كانت الضحية تحتفظ في داخلها بكل متعلقاتها، وقد وجدت فيها جثة هامدة ممددة على الأرض.

القتيلة
عفاف عبداللطيف «68 سنة» مشرفة دار الطالبات في الجامعة الفرنسية، تعيش بمفردها وتحظى بعلاقات طيبة مع الجميع... كانت تلك البيانات التي دوّنها ضابط الدورية الذي جاء للاستماع الى بلاغ ابنتها بسمة، 26 سنة، بمقتلها وسلّمها الى رئيس المباحث فور وصوله. بعثرة في محتويات الغرفة واختفاء هاتف القتيلة رسما انطباعاً بأن الجريمة وقعت بدافع السرقة، لكن معاينة الجثة دفعت الى الشك بأن تكون الجريمة بدافع الانتقام، حيث وجدت القتيلة ممددة على الأرض وهي مكبّلة اليدين من الخلف وقد تلقت طعنات عدة في رقبتها. حالة الانهيار التي أصابت الابنة جعلت من الصعب استخلاص أي معلومة منها، فهي لا تدرك سوى أن أمها قد فارقت الحياة، ليبدأ رجال المباحث في جمع المعلومات من الجيران الذين لم يكن لديهم أي معلومة تدل على الجاني، الذي بدا شخصاً من المحيطين بالضحية، بعدما وجدت جميع المنافذ سليمة، مما يعني أن القتيلة هي من سمحت له بالدخول.

السايس
بينما كان رئيس المباحث منهمكاً في جمع المعلومات عن القتيلة وعلاقاتها بمن حولها، علّها تكون سبباً في كشف الجاني، وجد شاباً يطلب الحديث إليه بعدما أبلغه بأنه يملك من المعلومات ما سيساعده في مهمته. «عمران ظريف، 29 سنة، سايس كاراج»... بيانات ذكرها الشاب عن نفسه قبل أن يبدأ في سرد ما يملك من معلومات كانت مفتاح اللغز، الذي قاد الى الإيقاع بالجاني وكشف دوافعه لارتكاب الجريمة. لم يكن عمران إلا شاباً صعيدياً جاء للعمل في الكاراج المجاور لمنزل القتيلة منذ ثلاث سنوات، حيث كانت تركن سيارتها يومياً لديه، وتغدق عليه المال، الأمر الذي جعله مقرباً منها، ويلبي كل طلباتها.

قبل الحادث
قال السايس إن القتيلة عادت من عملها في الجامعة الفرنسية وتركت له كعادتها مفتاح السيارة ليركنها، وأبلغته بوجود حقيبة تحوي متعلقاتها في السيارة، وطلبت منه إحضارها لها عقب ركن السيارة في الكاراج وشراء بعض احتياجاتها من السوق. بدأ رئيس المباحث يدقق في كلمات السايس، بعدما أدرك أنه سيقدم له حلاً لهذه القضية، ليضيف: «نفذت كل ما طلبته مني، وذهبت إلى منزلها، وبعد خمس دقائق قضيتها في الطرق على الباب من دون أن تفتح على غير عادتها، فوجئت بشخص غريب لم أشاهده من قبل يفتح لي الباب، وعندما سألته عن القتيلة أبلغني بأنها في الداخل، فطلبت منه الدخول لأُسلّمها الحقيبة، لكنه رفض وأخذها مني وأغلق الباب في وجهي، فعدت أدراجي، لأُفاجأ في المساء بخبر قتلها». كلمات السايس كانت تعني أن هذا الغريب هو قاتل السيدة بلا جدال، لذا أسهب في الحديث عن أوصافه وملامحه والملابس التي كان يرتديها، لينهي قوله بأنه يبدو أحد أقاربها، حيث يشبهها في الملامح، ليتوقف رجال المباحث عند هذه الجملة التي حملت الإجابة عن سؤالهم: «من قتل مشرفة دار طالبات الجامعة الفرنسية؟».

ألبوم صور
بدت بسمة الخيط الأخير بعد هذه الكلمات، فهي الوحيدة القادرة على كشف هوية هذا الشخص الذي يشبه والدتها، فأرسلوا في طلبها لتسمع رواية السايس. وقبل أن يفرغ السايس من روايته، مرة أخرى طلبت الذهاب إلى منزل والدتها علّها تجد ما قد يساعدهم في مسعاهم.
ذهبت بسمة بصحبة أحد رجال الشرطة، وفور وصولها توجهت إلى «دولاب» أنتيكات، فتحت فيه درجاً وأخرجت مجموعة من ألبومات الصور، التقطت بعضها وعادت مسرعة إلى قسم الشرطة.
وضعت بسمة الصور أمام السايس وهي تشير الى شخص فيها، وتسأله عما إذا كان هو من فتح الباب له، ليرد على سؤالها بالإيجاب مؤكداً أنه يشبهه كثيراً، لكنه يبدو أشد قسوة من ذلك الشخص المهذب الذي يظهر في لقطات تجمعه بالقتيلة، لتنهار مرة أخرى وهي تقول: «يا ما حذرتها منه».

الشقيق المدمن
 لم يفهم الجميع شيئاً، الى أن خرجت كلمات الفتاة بعدما هدأت، لتبلغهم بأن هذا الشخص هو شقيقها الذي انقطعت علاقته بالأسرة منذ سنوات طويلة، بسبب إدمانه المخدرات، حيث ضاقت والدتها بأفعاله وطردته من المنزل. «مصطفى خ. «39 سنة»، عاطل من العمل، سابق اتهامه في ثلاث قضايا سرقة، وصادر ضده حكم بالحبس عاماً واحداً في قضية ضرب»... تفاصيل كان من الصعب معها تصور أن هذا الشاب هو ابن السيدة الثرية التي قضت نحراً. إجراءات تم اتخاذها لإصدار أمر ضبط وإحضار، قبل أن يتوجه رجال المباحث لإلقاء القبض على الابن، في الاتهام الموجّه اليه بقتل والدته بناءً على شهادة السايس وأقوال شقيقته، ليسقط في أحد الأكمنة وفي حوزته ما يقرب من مئة قرص مخدر، كان واضحاً من ملامحه أنه ابتلع مجموعة منها، ليسهّل على رجال المباحث مهمتهم ويكشف عن شريكه في الجريمة.

الحل الخاطئ
قسوة شديدة لجأت إليها الأم في محاولة فاشلة منها لإعادة ابنها من طريق الإدمان الذي تاه فيه وأضحى يستولي على ما غلا ثمنه وخفّ وزنه، حتى لو كانت الضحية أمه، من أجل الحصول على كيفه الذي ذهب معه عقله. لم يستوعب الابن سر قسوة والدته التي انتهت بطرده من المنزل منذ سنوات، فاتخذ قراره بالتخلص منها ليحصل على أموالها، وفي سبيل ذلك استعان بحسن أحمد، 26 سنة، عامل، ذلك الصديق الذي يشاركه في إدمان المخدرات وتمتلئ صحيفة سوابقه بالعديد من قضايا السرقة، وقد صدر في اثنتين منها حكم بحبسه. بدأت الخطة التي رسمها الابن بذهاب صديقه إلى الأم للسؤال عنه، وعندما تبلغه بعدم إقامته معها، يصارحها بأنه جاء ليرد مبلغ 250 جنيهاً، هو قيمة تأمين حجرة كان قد استأجرها والده، ولأن الأم تدرك جيداً ماذا يفعل الابن بأي أموال يحصل عليها، فإنها ستسارع لأخذها قبل أن تصل الى يده، ليطلب منها هذا الشاب كتابة إقرار بتسلّمها المبلغ.

الفخ
بلا تردد توافق المسكينة وتذهب لإحضار ورقة وقلم من الداخل، بعد أن تدعو الشاب للدخول حتى تفرغ من كتابة الإقرار، فيدخل ويترك الباب مفتوحاً للابن الذي كان يتحين الفرصة للدخول، حيث كان من المستحيل أن تسمح له هي بذلك لعلمها بأنه بات لصاً. قبل أن تصرخ المرأة في وجه ابنها متسائلة عن كيفية دخوله، كان الأخير قد تمكن منها وقام بتوثيقها من الخلف، ليسدد لها حسن طعنات عدة بالسكين من دون أن يلقى أي مقاومة منها، بعدما شلّ ابنها حركتها لتسقط جثة مضرجة بالدماء.
«نعم خططت للتخلص منها بسبب سوء معاملتها لي وطردي من المنزل، قررت قتلها وسرقة أموالها وعقد شقة تملكها في الإسكندرية لأبيعها وأستولي على ثمنها، لكنني لم أجده، فسرقت هاتفها وثلاثة آلاف جنيه كانت في حقيبتها وبطاقة ائتمان سحبت منها مبلغ 50 ألف جنيه، صرفتها أنا وحسن على شراء المخدرات»... اعترافات أدلى بها المتهم بقتل والدته وسط ذهول رجال المباحث، قبل أن يتم ضبط شريكه الذي رافقه في خطة التخلص من والدته انتقاماً من طرده من المنزل منذ سنوات عدة، من دون أن يبدي ندماً على فعلته الشنعاء.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079