تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هل أنصف قانون العمل المرأة السورية؟ الواقع شيء والقانون شيء آخر

من خلال الاطلاع على القوانين التي تنظم أحوال العمل في سورية، نجد أنها لم تفرق بين المرأة والرجل في العمل، فكلاهما يحصلان على المراتب الوظيفية والرواتب والحوافز ذاتها... لكن لا تزال هناك أسئلة تنغّص حياة المرأة السورية العاملة... فهل الواقع الذي تعيشه هذه المرأة مطابق للقوانين ومنسجم معها؟ وهل الزوجة العاملة متساوية في الحقوق مع الزوج والأب العامل ضمن الأسرة الواحدة؟ وهل أنصف قانون العمل المرأة السورية، خاصة في ما يتعلق بإجازة الأمومة؟ وما هي المقترحات لتحقيق أكبر مقدار من العدالة للمرأة السورية في مجال العمل؟ «لها» استطلعت آراء مجموعة من السيدات السوريات، وعرضت وجهات نظر بعض الرجال، والتي رغم اختلافها وتعارضها، جاءت في مجملها في مصلحة المرأة.


«يقع على كاهل المرأة العاملة عبء كبير»
أعربت السيدة عدلة محمود عن رأيها في قانون العمل وإن كان عادلاً بحق المرأة في سورية، بالقول: «نعيش في مجتمع شرقي... فإذا ساوى قانون العمل بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات كل في موقع عمله، فإن المجتمع لن يعدل بينهما. يقع على كاهل المرأة العاملة عبء كبير حيث تعمل خارج البيت، وعندما تعود اليه، تقوم بكل الأعمال المنزلية، بالإضافة الى تربية الأطفال، خصوصاً أن الرجل يأتي إلى البيت ويريد أن يجد كل شيء جاهزاً، فأغلب الرجال لا يساعدون المرأة في أعمال البيت، ومن هنا يقع الظلم على المرأة العاملة، لذلك أقترح أن يكون عدد ساعات عمل المرأة  أقل من عدد ساعات عمل الرجل. أما في ما يخص إجازة الأمومة، فهذه مسألة شائكة، فمدة إجازة الأمومة قليلة بالنسبة الى ما يحتاج اليه الطفل من رعاية في مراحل عمره الأولى، لذا تتحمل المرأة مسؤولية وتعاني تعباً وتبذل جهداً طوال الوقت. وأتمنى لو تمتد إجازة الأمومة الى عام كامل، حتى يشتد عود الطفل وتستطيع الأم إيداعه مطمئنة في روضة للأطفال».

تبدأ العمل من لحظة صحوها حتى نومها
أما ميادة أحمد فتقول في هذا الخصوص: «تعمل المرأة في البيت وخارجه، ورغم ذلك فهي لم تحصل حتى اليوم على كل حقوقها. تركض الأم بمولودها الى دار الحضانة وتتركه فيها الى حين عودتها، ثم تُسرع إلى مكان عملها لئلا تتأخر على دوامها، وإن حصل وتأخرت، تعاقب كأي رجل في العمل. كما أن كل ما تنجزه المرأة العاملة في الصباح، من تحضير الأولاد للذهاب الى المدرسة، وترتيب أمور البيت والإسراع إلى العمل... أمور لا يفكر بها الرجل، حتى أنه قد لا ينتبه الى آلية حدوثها في الفترة الصباحية. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فعند عودة المرأة الى البيت مساءً تنال نصيباً إضافياً من العمل، كتحضير الطعام لأولادها وزوجها، والقيام بمختلف الأعمال المنزلية، وإحاطة عائلتها بالرعاية والاهتمام».

منى حاتم: على المرأة أن تتحمل ضريبة تحررها
لكنّ لمنى حاتم رأياً مختلفاً عن كل ما سبق، إذ تقول: «بما أن المرأة نصف المجتمع ووصلت في سورية الى اعلى المناصب، ونافست الرجال في القضاء والسياسة وكل مراكز الدولة، لذا عليها تحمل ضريبة تحررها. أؤيد المرأة وأقف في صفها، ولكن مجرد تميزها يعني أنها ما زالت في نظر البعض ضعيفة ولا تستطيع القيام بمهامها، وهذا يحد من قدراتها... لقد طالبنا بالمساواة وحصلنا عليها، فلنقم بواجبنا على أكمل وجه من دون مساعدة. إجازة الأمومة كافية، ومن لم تكفها فلتأخذ إجازة غير مدفوعة الأجر. وإذا كان الطفل بحاجة إلى أمه في السنوات الخمس الاولى من عمره، فهل يُعقل أن تقضي المرأة كل هذه المدة في المنزل؟ أرى أن إجازة الأمومة كافية، وعلى المرأة أن تتدبر أمورها، مع ضرورة أن تؤمّن الدولة دور حضانة لأطفال النساء العاملات تكون ضمن مكان عملهن، ومن لا تستطيع ذلك فلتستقل من عملها وتتفرغ لتربية أطفالها وتدبير شؤون منزلها».

«إجازة سنويّة طويلة مدفوعة»
وتقول منى درويش: «نالت المرأة السورية حقها في العمل، ودخلت معترك الحياة العملية بمختلف اختصاصاتها. أما بالنسبة الى الحق الوظيفي وخصوصاً الأمومة، فللأسف كلنا نشعر بالغبن في ما يتعلق بهذا الأمر. لذا أطالب كأي أم أو مربية لجيل جديد، بأن تحصل المرأة- الأم على إجازة سنوية لمدة شهر كامل وتكون مدفوعة الأجر، على أن تختار هذا الشهر بما يناسبها».

«أقترح مضاعفة إجازة الأمومة إذا كان المولودان توأمين»
وترى رشا قدار أن قانون العمل قد أنصف المرأة في كل شيء ما عدا إجازة الأمومة، وتقول: «أنصف قانون العمل المرأة وأعطاها حقها كالرجل في كل شيء من العلاوات والرواتب وغيرها من الأمور الوظيفية، ولكنه ظلمها في ما يتعلق بإجازة الأمومة. والمشكلة الكبرى في إجازة الأمومة، أنها تتقلص بزيادة عدد الأبناء. فعن الولد الأول، تعطى الأم أربعة أشهر إجازة، وتتراجع تلك المدة مع الولد الثاني والثالث، وهكذا دواليك... لذا أقترح أن تكون إجازة الأمومة موحدة، أي 120 يوماً، حتى لو كان ترتيب الولد هو الخامس بين إخوته، كما أقترح أيضاً أن تكون الإجازة مضاعفة لمن تنجب توأمين، لأن العبء هنا يكون مضاعفاً، وخاصة في ما يتعلق بالساعة التي تمنح للمرأة لمدة عام وهي ساعة الرضاعة، وأطالب بأن تصبح ساعتين إذا كان المولودان توأمين».


مواقف أهل الاختصاص

سميرة ماوردي: بعض المدراء لا يرغبون بالعاملات في سن الإنجاب بسبب طول إجازة الأمومة
تقول الاختصاصية الاجتماعية سميرة ماوردي: «بشكل عام، لا تتضمن قوانين العمل السورية مواد تمييزية على أساس الجنس من حيث الأجور وساعات العمل والتعويضات. وفي حال وجود تمييز قانوني، فهو إيجابي خاص بفترة الأمومة والرضاعة لمراعاة الصحة الجسدية للأم وأهمية الرضاعة للطفل. لكن في الواقع، فإن ما تعيشه المرأة العاملة لا ينسجم مع طبيعة القوانين، بحيث لا تتساوى الزوجة العاملة فعلياً مع الزوج العامل حتى ضمن نطاق العمل نفسه، حتى الأم السورية لم تتساو مع الأب العامل ضمن الأسرة الواحدة. وقد منح قانون العمل في سورية المرأة إجازة أمومة مدفوعة الأجر، لكن تختلف مدتها وفق ترتيب الأولاد: حيث تُمنح الأم 120 يوماً عن الولادة الأولى، و90 يوماً عن الولادة الثانية، أما الولادة الثالثة فتمنح عنها 75 يوماً... على أن تبدأ الإجازة خلال الشهرين الأخيرين من الحمل. فقانونياً لا تمييز ضد النساء في قطاع العمل، لكن المعيقات متشعبة وكثيرة، وأهمها وضع دور الحضانة من حيث تأهيل الكوادر، وتناسب دوامها مع دوام عمل الأم، الأمر الذي دفع الأمهات الى التخلف عن العمل أو الإكثار من الإجازات أو شغل تفكيرهن بينما يمارسن عملهن بالأبناء الذين ينتظرون عودة أمهاتهم بفارغ الصبر. كما أن دخول المرأة مجال العمل ومسألة الإنجاب إلى جانب عدم قدرتها على القيام بالواجبات المنزلية... أمور ترهق المرأة العاملة كثيراً وتقلل من إمكانية عطائها في العمل، فلذلك نجد غالبية المديرين يصرّحون بعدم رغبتهم بقبول موظفات في سن الإنجاب، متذمرين من طول إجازة الأمومة، رغم أنها في بلادنا قصيرة مقارنة ببلدان العالم، هذا الى جانب ساعة الأمومة التي تشجع على الرضاعة الطبيعية والاهتمام بصحة الطفل في عامة الأول. أما عن الحلول اللازمة، فهي تبدأ أولاً بدراسة جديدة للقوانين التي تحدد عمل المرأة، والتوجه من ثم الى الأسرة والوقوف على المساهمة الفعالة من المحيطين بالمرأة العاملة، ما من شأنه أن يخفف الضغوط الملقاة على عاتقها ويجعلها منتجة وفعالة في مجتمعها»...

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079