المرأة العاملة في الإمارات: تفاوت بين موظفات القطاع العام والقطاع الخاص وإجازة الرضاعة والأمومة... أبرز همومها
تتفق غالبية نساء دولة الإمارات على أنهن حظين بامتيازات وحقوق وظيفية، ربما تفوق ما حصلت عليه غيرهن في أسواق العمل الخليجية والعربية، في ظل دعم واهتمام حكومي بهن في مجالات العمل المختلفة والحياة الاجتماعية والسياسية، إذ يؤكدن أن قوانين العمل لا تفرّق بين الجنسين في الترقية والقيادة والأجر. وعلى الرغم من ذلك، ترى المرأة العاملة أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدعم والمساندة في مواجهة الأعباء الإضافية الملقاة على عاتقها مثل الزواج والإنجاب ورعاية الأطفال وتنشئتهم، والاهتمام بمتطلبات الأسرة بالشكل المتوقع منها، وفق الصورة النمطية للمرأة في المجتمع. وتثبت تقارير محلية ازدياد معدل توظيف الإناث في الإمارات خلال السنوات الماضية، إذ بلغ عدد النساء العاملات في القطاع الحكومي نحو 22 ألف امرأة، من بينهن 16 ألفاً و437 موظفة جامعية، و5384 موظفة لديهن مؤهل فوق الثانوي ودون الجامعي.
وتشكل ساعات العمل الطويلة وتدني الرواتب عقبة رئيسية في طريق العاملات في القطاع الخاص، في حين تطالب المرأة العاملة في القطاع الحكومي بإعادة النظر في التشريعات ونُظم العمل المتعلقة بإجازة الوضع والرضاعة والسن المحددة للتقاعد.
ولا تزال هناك صعوبات أخرى تواجه النساء الإماراتيات في مجال العمل، ومنها عدم القدرة على التوفيق بين متطلبات العمل الوظيفي والحياة الأسرية. وهذه مواقف وشهادات وآراء حول واقع المرأة العاملة في الإمارات.
مريم الأحمدي: إنجازات لا تتوقف
في البداية، تقول الناشطة الحقوقية والمجتمعية مريم الأحمدي «إن دولة الامارات وفّرت للمرأة مناخاً مشجعاً ومؤمناً بقدراتها الإبداعية. وتحترم قيادة الإمارات المرأة وتضحياتها إذ ترى أنها تشكل نصف المجتمع الإماراتي، وتحظى بالنموذج الأمثل في التمكين الاجتماعي والثقافي. ولا بد من أن تواصل الدولة الارتقاء بدورها المميز في دعم المرأة لجعلها مكوناً أساسياً في جهود التنمية، وذلك بتذليل التحديات والطموحات في كل المجالات المتعلقة بالمرأة، تقديراً للجهود المتأصلة بإقرار الـ 28 من آب/أغسطس من كل عام يوماً للمرأة الإماراتية، وتكريماً لإنجازاتها المشرّفة التي تفوق التوقعات».
وتتابع: «في الحقيقة، فإن إنجازات المرأة الإماراتية تتوالى بلا توقف، لكن المطلوب زيادة مؤشرات الريادة ومساندة حضورها الفاعل لحصد الإنجازات على الصعد: المحلي والإقليمي والعالمي، إلى جانب منحها فرصتها الكاملة، مثل تبوّئها مناصب مرموقة في رئاسة المجالس المجتمعية والثقافية وجمعيات ذات النفع العام في الدولة، ودعمها لتلعب دوراً بارزاً كتوليها مناصب قيادية في المجال الإعلامي، فضلاً عن تذليل الصعوبات وإيجاد فرص العمل المناسبة وتأمين بيئة عمل جاذبة للكوادر النسائية الوطنية في القطاع الخاص (الشركات)، لاكتساب المهارات المتعددة، التي تخوّلها الخوض في ميادين العمل كافة، بما فيها الوظائف المتخصصة، تعزيزاً لدورها الفاعل في تنمية بلدها والنهوض به».
وتشير الأحمدي الى أنه واتساقاً مع ما سبق، «نأمل من المشرّع الإماراتي دراسة وتعديل مواد القانون التي تمس تفاصيل حياة المرأة، وعلى سبيل المثال مسألة إجازة الوضع والرضاعة والأمومة، خاصة في حال ولادة توأم، وتقليص عدد ساعات العمل في القطاع الخاص، وتحديد سن أبكر لتقاعد المرأة مشروط بموافقتها ورغبتها لئلا تتم إحالتها الى التقاعد وهي في أوجّ عطاؤها الفكري والنفسي، مما يسبب لها أزمة نفسية بعد ذلك، إذ لا نرغب أن يتم التعامل مع المرأة كالآلة التي توضع في مستودع بعد انتهاء مدة صلاحيتها».
أمل المرزوقي: ضرورة المساواة بين الوظائف الحكومية والخاصة
وتطالب أمل عبدالله المرزوقي خبيرة التميز المؤسسي، بضرورة مساواة المرأة العاملة في القطاع الحكومي بنظيرتها العاملة في القطاع الخاص، وذلك بتعديل التشريعات وقوانين العمل المتعلقة بالراتب وعدد ساعات العمل وإجازات الوضع والرضاعة وسن التقاعد، وترى أن تدني الامتيازات والحقوق الوظيفية في القطاع الخاص، دفع الكثير من النساء إلى ترك العمل والبحث عن بدائل في الجهات الحكومية.
وتعتقد أمل أن هناك انفراجة تلوح في الأفق مع الإعلان عن توجهات حكومية لدراسة تنفيذ خطط لتحسين مستوى الامتيازات الوظيفية، وتقليل الفروق بينها في القطاعين الحكومي والخاص، لتشجيع المواطنين والمواطنات على العمل في القطاع الخاص، مؤكدةً أن عمل المرأة في الإمارات لم يعد ترفاً، وإنما أصبح ضرورة في ظل تراكم متطلبات الحياة والأعباء المالية، وهناك الكثير من النساء العاملات ممن يُعلْن أسراً وأطفالاً، الأمر الذي يجعلهن أكثر حرصاً على التفوق والتميز لمواجهة المنافسة بين الكوادر الوطنية والتحديات التي تواجهها، خاصة أن المرأة الإماراتية قد أثبتت نجاحها وتفوقها في كل مجالات العمل، وفي المواقع التي ترأسها أو تقودها، وظهر ذلك جلياً في القطاع الحكومي، ويبقى أن تحقق وجودها الفاعل في القطاع الخاص.
ولا تخفي المرزوقي سعادتها بما حققته المرأة الإماراتية، وبالنماذج النسائية الناجحة في مختلف الميادين، الى جانب أن المجال مفتوح حالياً لإثبات قدراتها أكثر، لا سيما أن أمثلة رائعة قد ضُربت بالمرأة الإماراتية بعدما تولت مناصب عدة، وهو ما أهّلها بجدارة لخوض تنافس قوي مع الرجل، حتى أصبحت ركناً أساسياً في منظومة العمل الجماعي.
مريم عبدالله بوميان: للإنصاف في الاجازة
تقول مريم عبدالله بوميان (موظفة حكومية) إن هناك تحديات تواجه المرأة في عملها، وإن كانت تختلف من عمل الى آخر، حيث تحصل المرأة التي تعمل في جهة حكومية اتحادية على إجازة سنوية 60 يوماً، في حين تحصل نظيرتها التي تعمل في جهة حكومية محلية على 30 يوماً تقريباً، فلا بد من مراعاة هذا الأمر، وتوحيد عدد أيام الإجازات، وتسهيل حصول المرأة على إجازات دورية لرعاية أطفالها، خصوصاً عندما يكونون في سن الرضاعة. وترى أن الدولة قد سنّت العديد من القوانين والتشريعات التي وفرت بيئة صحية لتشجيع المرأة على العمل، كإنشاء حضانات ضمن مراكز الدوائر الحكومية لرعاية أبناء الموظفات، وإن كنا نتطلع إلى تحسين مستوى هذه الحضانات والعمل على إنشائها في كل الدوائر الحكومية والخاصة التي تحتضن نساء عاملات.
وتشير بوميان إلى أن أهم ما يشغل بال المرأة العاملة، هو إطالة إجازة الوضع وساعات الرضاعة، إضافة إلى خفض سن التقاعد، مع حصولها على حقوقها الوظيفية كافة، فضلاً عن تقليل ساعات العمل، خصوصاً بالنسبة الى المرأة العاملة في القطاع الخاص، ومراعاة المرأة التي تعيل أطفالاً صغاراً، وكذلك التي تقيم في مناطق بعيدة عن مقر عملها.
وتطالب بضرورة توفير وسائل نقل للنساء اللواتي لا يحملن رخصة قيادة، بغية تسهيل وصولهن إلى أعمالهن، حيث تجد المرأة أحياناً عملاً مناسباً ويكون مقره بعيداً عن مكان إقامتها، لكن عدم قدرتها على قيادة السيارة، يجعلها ترفض هذا العمل.
منى محمد: تعميم الحضانات لرعاية الأطفال
أما منى محمد، وهي موظفة في شركة خاصة فتقول: «إن أبرز التحديات التي تواجهها في العمل تتعلق بطفلها الذي يبلغ من العمر 5 سنوات إذ تضطر إلى تركه مع الخادمة في المنزل وهي متخوفة من أن يتعرض للأذى، وقد فكرت أكثر من مرة في ترك العمل بسبب هذا الأمر، لذا تطالب منى بضرورة تعميم إنشاء الحضانات لرعاية أطفال النساء العاملات في القطاع الخاص، ليبقى الطفل تحت نظر أمه الموظفة».
وتضيف منى «أن من أهمّ ما تعانيه المرأة العاملة في القطاع الخاص، تدنّي الرواتب مقارنة بالقطاع الحكومي، وزيادة عدد ساعات العمل، إضافة إلى قلة الإجازات التي تصل إلى 22 يوماً في السنة، فضلاً عن صعوبة الحصول على إجازات مرضية أو طارئة». وترى منى أنه لا بد من إعادة النظر في قوانين العمل بالنسبة الى المرأة العاملة في القطاع الخاص، مع الأخذ في الاعتبار ما تقوم به من دور كزوجة وأم، وسوى ذلك من المتطلبات الأسرية.
خلود راشد: مع إعادة النظر في سن التقاعد
وتطالب خلود راشد، موظفة حكومية، بتعديل قانون سنوات خدمة المرأة العاملة، وإعادة النظر في سن التقاعد وعدم تحديده بسن الخمسين، مؤكدة أهمية مراجعة قانون الموارد البشرية بالنسبة الى المرأة العاملة، بحيث يصار إلى زيادة إجازات الأمومة والرضاعة، وإضافة إجازة استثنائية للمرأة الحامل أو من لديها طفل مريض، ودراسة كل احتياجات المرأة التي تمكّنها من أن توزان بين ظروف عملها وواجباتها الأسرية.
سلوى الحوسني: مشاكل المرأة العاملة محدودة وتكاد تنحصر في القطاع الخاص
وتلفت سلوى الحوسني، مديرة الاتصال الحكومي في المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، الى أنها واجهت بعض التحديات في بداية مشوار عملها، وأهمها كيفية المواءمة بين عملها وبين المتطلبات الزوجية ورعاية أطفالها، خصوصاً أنها كانت تتابع دراستها في الوقت ذاته، لكنها استطاعت أن تتغلب على هذه المصاعب، وكانت التسهيلات الكبيرة التي توفّرها الحكومة للمرأة العاملة في مختلف الوظائف عاملاً مساعداً لها.
وتضيف: «إن المغفور له الشيخ زايد أولى المرأة الإماراتية اهتماماً كبيراً منذ بداية قيام الدولة، وسار على نهجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، إذ حظيت المرأة العاملة في الإمارات بامتيازات وحقوق وظيفية، غير مطبّقة في كثير من الدول العربية، وهو ما شجعها على الانخراط في سوق العمل، والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني».
وترى الحوسني أن التحديات التي تواجه المرأة الإماراتية العاملة محدودة للغاية، وتبرز بشكل رئيس في القطاع الخاص، حيث ساعات العمل الاضافية وقلة الإجازات وتدنّي الراتب مقارنة بالعمل الحكومي، لكنها تتوقع أن تزول هذه العقبات وتتحسّن الحوافز في القطاع الخاص، بما يشجع المواطنين والمواطنات على الإقبال على العمل فيه.
ونوّهت الحوسني بما تقوم به الحكومة حالياً من دراسة عدد من القوانين لتحسين بيئة عمل المرأة من حيث إنشاء حضانات لرعاية أبنائها أثناء ساعات العمل، وكذلك فتح المجال لتولي المناصب الوزارية والقيادية في الدولة، وغيرها.
نظام مرن لعمل المرأة
أوصـى المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، بتفعيل آلية تسمح لمن ترغب من المواطنات العاملات في القطاع الحكومي بالعمل في النظام الجزئي أو المرن، والتأكيد على الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية، بضرورة توفير حضانات في مقار العمل، والنظر في زيادة مدة إجازة الوضع، أسوة بأفضل الممارسات العالمية. وأوصى أيضاً بربط الحصول على المعاش التقاعدي للمرأة بانتهاء مدة الخدمة المحددة في قانون المعاشات والتأمينات الاجتماعية الرقم «7» لعام 1999 وعدم ربطه ببلوغ سن الخمسين.
إلزامية الوجود بمجالس الإدارات
أصدرت الحكومة الإماراتية سلسلة من التشريعات والقوانين على المستويين الاتحادي والمحلي، كان لها أثر ملحوظ في تواجد المرأة الإماراتية في كل القطاعات، سواء كان ذلك القطاع الحكومي أو الأهلي أو الخاص، وأصدر مجلس الوزراء قراراً بضرورة إنشاء حضانات ملحقة بالوزارات والمؤسسات الحكومية لرعاية أطفال الأم العاملة، وكذلك إلزامية تواجد المرأة في عضوية مجالس الإدارة في الهيئات والأجهزة الاتحادية.
كما صادقت دولة الإمارات على اتفاقيات دولية تصون حقوق المرأة، منها اتفاقية «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة».
حظر تشغيل المرأة ليلاً
حظّر قانون العمل الإماراتي الرقم (8) لعام 1980 وتعديلاته تشغيل المرأة ليلاً، حيث نصت المادة 27 من القانون أنه لا يجوز تشغيل النساء ليلاً خلال الفترة من العاشرة مساء إلى السابعة صباحاً.
ويأتي حظر تشغيل المرأة لأسباب صحية أو أخلاقية حماية لها بحيث لا يحق لصاحب العمل تكليفها بما لا تطيق صوناً لها ولأسرتها، ويجوز تشغيل النساء خلال هذه الفترة لأسباب حددها القانون، فيما حظّر القرار الوزاري الرقم (6 / 1) لعام 1981 في مادته الأولى عمل النساء في بعض الأعمال مثل المحاجر والمناجم وجميع الأعمال المتعلقة باستخراج المعادن والأحجار والأفران، وصناعة المفرقعات والفحم والسماد والشحن والتفريغ، وغيرها من الأعمال التي يرى المشرّع أنها تتعارض مع الأسباب الأخلاقية والصحية الموجبة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024