تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

قانون العمل في مصر ينصف المرأة على الورق فقط!

هل ينصف قانون العمل في مصر المرأة المصرية؟ وهل يمنحها حقوقها كاملة؟ أم يشتمل على ثغرات كفيلة بظلمها والتمييز بينها وبين الرجل وتهميشها أيضاً؟ أسئلة طرحناها على أهل الاختصاص فكشفوا عن الكثير من المفاجآت حول وضع المرأة العاملة في مصر.


المستشارة تهاني الجبالي: المشكلة ليست في مواد القانون وإنما في تطبيقها
في البداية، تؤكد المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية السابق، وأول امرأة مصرية تدخل سلك القضاء في مصر، أن الدساتير المصرية بوجه عام تؤكد المساواة بين المواطنين من دون تفرقة بحسب الجنس، بل إنها لا تميز بين الرجل والمرأة في حق العمل، فمثلاً كان دستور 1971 يقر حق العمل للمواطنين جميعاً، رجالاً ونساءً، على أساس المساواة التامة بينهم بلا أدنى تمييز، وكفلت الدساتير الحق نفسه لكن بمواد مختلفة، بعضها صريح منصف، وبعضها الآخر معيب وتتخلله ثغرات قد تمكّن أعداء عمل المرأة من الاستفادة منها.
وتضيف الجبالي: «كل الدساتير تلزم الدولة باتخاذ التدابير التي تساعد المرأة على دخول مجالات العمل كافة، مع وجود نصوص صريحة تضمن لها التوفيق بين واجباتها الأسرية ودورها في خدمة المجتمع، من خلال ما تنص عليه قوانين العمل، مثل إجازات الوضع ورعاية أطفالها الصغار، مع إعطائها مزيداً من الحقوق في العمل، إذا كانت تعاني ظروفاً خاصة أو استثنائية يقدّرها مسؤولو الشؤون القانونية في عملها».
وتهاجم الجبالي بعض صور التمييز المخالفة للقوانين في مجالات العمل أو الوظيفة العامة، فمثلاً نجد بعض الوظائف تشترط «الذكورة»، فالمشكلة ليست في القانون، لكن في التطبيق الحقيقي له بعيداً من النصوص المنمّقة في كلماتها، فالمهم الممارسات الفعلية التي ما زالت في حاجة ماسة إلى تغيير في ثقافة المجتمع ليصبح أكثر تعاطفاً مع حق المرأة في العمل وقدرتها على العطاء مثل الرجل، إن لم تتفوق عليه، خاصة إذا كانت تتمتع بالكفاءة من حيث المؤهلات العلمية وحب العمل، والقدرة على الموازنة بين دورها كامرأة عاملة وبين واجباتها الأسرية والاجتماعية.
وتنهي المستشارة تهاني الجبالي كلامها، مؤكدة أنها تتعاون مع بعض المنظمات التي تهتم بحقوق المرأة في التحرك الإيجابي تجاه هذه القضية الحيوية، بحيث يتم رصد بعض الثغرات القانونية التي يستغلها أصحاب العمل لتبرير تهميشهم للمرأة أو تفضيل الرجل عليها، وسيتم الدفع بتلك الثغرات إلى مجلس النواب للعمل على معالجتها بنصوص أكثر صراحة وإلزاماً وواقعية، لمنع التحايل عليها.

نهاد أبو القمصان: القوانين المصرية لا تلبي طموحات المرأة العاملة
أما المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، فتقول: «رغم أن المواثيق الدولية تقرر حق المرأة في العمل على أساس المساواة الكاملة مع الرجل، خصوصاً المادة الثالثة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة العاشرة من العهد ذاته، إلا أن القوانين العربية – بما فيها القوانين المصرية - لا تلبي طموحات المرأة في المساواة الكاملة والحقيقية في ميدان العمل، حيث يفضل كثير من أصحاب شركات القطاع الخاص تحديداً الرجال على النساء في الوظائف، لسهولة تحرك الرجال، وبالتالي لانتفاء معاناتهم الظروف الخاصة بالمرأة، من حمل ووضع ورضاعة ورعاية، مما يراه هؤلاء نوعاً من الخسارة لهم».
وتضيف نهاد أبو القمصان: «المادة الحادية عشرة من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة باسم «السيداو»، تلزم الدول الموقعة عليها – بما فيها الدول العربية - باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل. ورغم أن الغالبية العظمى من القوانين ليس فيها ما يتعارض مع ما تقرره المواثيق الدولية والدساتير المحلية، من تدابير لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، حيث تضمن حقها الفعلي في العمل، فإن الواقع يكشف لنا كثيراً من الثغرات الفعلية، وقد قام المركز المصري لحقوق المرأة برصدها وتقديمها إلى العديد من عضوات مجلس النواب، لطرحها في الدورة الحالية، ونأمل أن يتم تعديلها في ضوء التعديلات التشريعية المنتظرة، خاصةً أن نسبة تمثيل النساء في مجلس النواب غير مسبوقة، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة تمثيل الشباب المتفهم لطبيعة عمل المرأة».

بثينة كامل: قانون العمل الجديد ينصف المرأة وأتمنى إقرارها
تقول بثينة كامل الإعلامية والناشطة الحقوقية: «قانون العمل الجديد الذي تجرى مناقشته حالياً في مجلس الشعب، يحمل انتصارات كبيرة للمرأة، وأتمنى مثلاً أن أرى على أثره النشرة الجوية تقدمها مذيعة حامل وتظهر على الشاشة من دون أن اعتراض من أحد... فحملنا ليس عاراً ينبغي أن نختفي عن الشاشات بسببه كما هو جارٍ حالياً.

وتتابع: «حينما كنت حاملاً في ابنتي، لم أتنحَّ يوماً عن عملي، لأنني كنت حينها مذيعة في الإذاعة المصرية، ولكن بعدما لم تتوافر لديَّ حجة الشكل اللائق، تم استبعادي على الفور، لكنني وقتها لم أكن معيّنة رسمياً في الإذاعة، بل أعمل بعقد ثانوي، وبالتالي لم أحصل على حقي كاملاً في إجازة الوضع وساعات الإرضاع ورعاية الرضيع».
وتفيد بثينة كامل بأن مشروع تعديل قانون العمل الجديد المقدم إلى مجلس الشعب انتصر للمرأة العاملة، حيث منحتها التعديلات الحق في إجازة وضع مدتها ثلاثة أشهر بتعويض مساوٍ للأجر الكامل، تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه، فضلاً عن استحقاق المرأة العاملة إجازة الوضع ثلاث مرات بدلاً من مرتين فقط.
وتتابع: «انتصر القانون أيضاً للمرأة الحامل، حيث نص على تخفيض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل، اعتباراً من الشهر السادس للحمل، ولا يجوز تشغيلها ساعات عمل إضافية طوال مدة الحمل حتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الوضع للعاملة. كما حظرت التعديلات فصل الأم العاملة في أثناء الوضع، كما منحت التعديلات المرأة العاملة في منشأة تضم خمسين عاملاً فأكثر الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز العامين من أجل رعاية طفلها، على ألا تستحق هذه الإجازة أكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها».
وفي نهاية حديثها، تقول بثينة كامل: «هذه التعديلات على قانون العمل تثبت أن حمل المرأة ليس قبحاً، فضلاً عن تولي الدولة التدابير اللازمة لتمكين المرأة اقتصادياً، وهذا ما كنت أنادي به دائماً، حيث أقول إن وضع المرأة لن يتحسن إلا بقوانين منصفة تنصرها ولا تمنّ عليها بحقوقها».

الدكتورة عزَّة كامل: بعض أصحاب العمل يتحايلون على ثغرات القانون
تؤكد الدكتورة عزة كامل، مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، أن قانون العمل الحالي منصف للمرأة العاملة وليست في حاجة إلى قانون جديد. وتضيف: «أما بالنسبة الى حقوق المرأة العاملة فيكفلها القانون الحالي، لكن أصحاب العمل يتحايلون على ثغرات القانون. فعلى سبيل المثال، يلزم القانون صاحب العمل بتأسيس حضانات لأطفال الأمهات العاملات إذا وصل عددهنّ إلى مئة امرأة، كما تنص المادة 96 من قانون العمل... وبناء عليه لا يعيّن صاحب العمل أكثر من 99 عاملة، حتى يتنصل من بناء دار حضانة.
وتتابع: «في ما يخص إجازات الأمومة وتنظيم ساعات العمل، فالقانون الحالي واضح، مثلاً المادة 90 من قانون العمل المصري تفرض على وزير القوى العاملة إصدار قرار بتحديد الأعمال الضارة صحياً أو أخلاقياً، وكذلك الأعمال الشاقة وغيرها من الوظائف التي لا يجوز تشغيل النساء فيها، مما يسمح للحامل بتغيير طبيعة عملها في فترة الحمل إذا كان الأمر شاقاً عليها حتى الانتهاء من فترة الحمل والرضاعة. وبمجرد إكمال المرأة عشرة أشهر في العمل، يحق لها إجازة وضع مدفوعة الأجر مدتها 90 يوماً، هذا ما تنص عليه المادة الرقم 91 من قانون العمل».

انتصار السعيد: المرأة المصرية تعمل في ظل ظروف صعبة
في المقابل، تلفت المحامية انتصار السعيد رئيسة مركز القاهرة لحقوق الانسان، إلى أن تحايل أصحاب العمل على تنفيذ القانون يجعل المرأة المصرية تعمل بلا حقوق وفي ظل ظروف صعبة. وتوضح قائلة: «رغم أن أكثر من 30 في المئة من الأسر المصرية تعولها نساء في الأساس، إلا أن المرأة المصرية تعاني مشكلات جمة في العمل في الكثير من المؤسسات، خاصة القطاع الخاص. على سبيل المثال، تعاني الأم العاملة في الكثير من المؤسسات عدم توافر الحضانات في مقار أعمالهن، وعدم الحصول على إجازة لرعاية الطفل، بالإضافة إلى معاناتهن الشديدة من انعدام وسائل المواصلات التي تقلّهن إلى مراكز عملهن».
وتتابع: «المرأة المصرية تعمل في ظروف صعبة للغاية، خاصة في الكثير من مؤسسات القطاع الخاص التي تحرمها من المساواة في الحقوق والأجور. ولا يتم توفير الظروف المناسبة لها للعمل والإنتاج، رغم أن الدستور المصري ينص على الحق في المساواة بين الرجال والنساء ومراعاة تعدد الأدوار التي تقوم بها النساء في المجتمع، حيث إنها تعمل وتتحمل مسؤولية أسرتها ورعاية زوجها وأولادها في الوقت نفسه، ورغم ذلك لا تحصل على حقوقها في المساواة، خاصة في في ما يتعلق بالأجر».
وتضيف السعيد قائلة: «ما زالت الحكومة تتعامل مع الدور الاقتصادي للنساء بلا إجراءات تخفِّف من الضغوط التي تعيش تحت وطأتها. وللأسف الشديد، ما زالت المرأة العاملة تواجه مشكلة التحرش في مركز عملها، من زملائها أو من مديرها، وإن حدث أي رد فعل قانوني من العاملة ضد المتحرش تكون عقوبتها الفصل من العمل».

وفي الختام، تلفت انتصار السعيد الى تعنت أصحاب العمل في معاملة الأم، وتقول: «للأسف الشديد أيضاً، ما زال بعض أصحاب العمل يرفضون تشغيل المرأة التي لديها أطفال، نظراً الى ما يحتاجه العمل من ساعات طويلة، وأحياناً قد يتطلب القيام بمأموريات خارج البلاد وفي غير أوقات العمل الرسمية».

جيهان عطا: سوق العمالة غير الرسمية يظلم المرأة
أما جيهان عطا، وهي ناشطة سياسية ومرشحة سابقة في انتخابات مجلس النواب، فتعترف بالتجاهل المتعمّد لحقوق النساء العاملات في القطاع الخاص، بحيث لا تربطهن بصاحب العمل أي عقود، وإنما يكون العمل بنظام «اليومية»، وهن في غالبيتهن من النساء البسيطات اللواتي يخضعن للابتزاز والاستغلال من أصحاب العمل، لعدم توافر قوانين تحميهن في مثل هذه الظروف الصعبة.
وتوضح جيهان عطا، أن نساء كثيرات لا يجدن أمامهن سوى سوق العمالة الخاصة، فضلاً عما يتعرضن له من أشكال العنف والتحرش بمختلف درجاته، لأنهن بلا حماية أو ضمانات تكفل لهن حقوقهن الضائعة، حيث يتم تشغيلهن بأجور زهيدة ويُستغنى عنهن حتى لو تعرّضن لأدنى ظرف صحي أو اجتماعي طارئ، هذا فضلاً عن أن انقطاعهن أيام الولادة عن العمل قد يعرضهن للفصل.
تعديلات قانونية
حصلت «لها» على التعديلات القانونية الخاصة بحقوق المرأة العاملة، والتي يتضمنها قانون العمل الجديد، الذي يناقشه حالياً مجلس النواب، وهي كالآتي:

1 - تم تضمين كل حقوق المرأة في الفصل الثاني من الباب الثاني في القانون تحت بند «تشغيل النساء»، حيث أكدت المواد من 53 وحتى 56 ضرورة تخفيض ساعات العمل لمدة ساعة للمرأة العاملة الحامل، بدايةً من الشهر السادس للحمل.
2 - عدم تشغيل المرأة أي ساعات إضافية أثناء فترة الحمل.
3 - زيادة مدة الراحة للأم ساعة إضافية من أجل إرضاع طفلها.
4 - تحصل المرأة على إجازة وضع ثلاث مرات، وعلى إجازة رعاية للطفل غير مشروطة حيث تم إلغاء كل الشروط التي تضمنها القانون الرقم 12 لعام 2003 والتي كانت تؤكد ضرورة عمل المرأة لدى صاحب العمل لمدة عشرة أشهر لكي تستحق إجازة وضع.
5 - تضمنت المادة 51 حظر فصل المرأة العاملة أو إنهاء خدمتها أثناء إجازة الوضع.
6 - تضمنت المادة 55 من قانون العمل الجديد ضرورة أن يُصدر صاحب العمل الذي تعمل لديه أكثر من خمس عاملات لائحة تشغيل خاصة بالمرأة.
7 - على صاحب العمل الذي لديه أكثر من مئة عاملة أن يُنشئ دار حضانة لرعاية أطفال هؤلاء العاملات، أو أن يعهد إلى إحدى دور الحضانة برعاية أطفالهن.

الدكتورة هدى الصدة: مطلوب عقوبات رادعة لمن يمارسون التمييز ضد النساء العاملات
تطالب الدكتورة هدى الصدة، رئيسة مؤسسة المرأة والذاكرة، الحكومات ومؤسسات التشريع في الوطن العربي، وليس في مصر فقط، بقوانين عمل أكثر إنصافاً، بحيث تتضمن عقوبات رادعة في حق كل من يمارس أي شكل من أشكال التمييز ضد النساء العاملات، أو يعمد إلى عدم مساواة الإناث بالذكور في الحصول على فرص العمل، أو التفرقة بينهما في الأجر، أو ممارسة أنواع من التضييق على المرأة.
وتدعو الدكتورة هدى إلى استثمار ما أسفرت عنه انتخابات مجلس النواب الأخيرة، من وجود أكبر تمثيل للمرأة في تاريخ البرلمان، حيث تحتل 89 مقعداً من أصل 596، بنسبة حوالى 15 في المئة، وهذا إنجاز هو الأهم في المنطقة، وخطوة في سبيل السعي إلى التمثيل العادل للمرأة بما يتناسب مع وجودها العددي وتأثيرها في المجتمع كمربية للأجيال، ولها طموحات لا تقل عن تطلعات المرأة في الدول المتقدمة، مما يعطيها فرصة أكبر في صياغة القوانين المنصفة للمرأة العاملة وتغيير القوانين غير المنصفة، فضلاً عن الإسهام في تطوير بيئة عمل المرأة وتحسين ظروفها، حتى تكون أكثر استقراراً في عملها وأسرتها ومجتمعها.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078