هدايا الذاكرة
لا تتخلّص من الأشياء المرتبطة بالأيام الماضية، بل يسكنها هوس جمعها. حوّلت شقتها متحفاً. كأنّ أورهان باموك تعرّف إليها قبل أن يكتب روايته «متحف البراءة» ثم يفتتح في اسطبنول المتحف الذي تُركّب أغراضه تفاصيل الرواية. أخبرتُها عن المتحف المبني على مخيّلة روائي.
يبحث كثيرون عن التمسّك بزمن معيّن عبر الاحتفاظ بأشياء ارتبطت به. يرفضون التخلّي عن جسورهم إلى عالم يعرفونه جيداً، عاشوه أو قرأوا عنه. غالباً ما نحنّ إلى أزمنة مضت. وتسمح «تذكارات» يحتفظ بها البعض أو يجمعونها، باستحضار القصص التي لم تتغيّر في زمن سريع التغيّر. تحملهم هذه الأشياء إلى الماضي، بل تعبّر عنه، مثلما تفعل نغمات موسيقية ولدت في زمن آخر ولم تمت بعد. «الموسيقى لا تموت»، تقول لي، «تبقى على الموضة». تبدو مشغولة في متحفها. تبحث عن التحكّم في ذاكرتها. تلعب معها ألعاباً. تروح وتجيء في البيت، ترافقها أصوات مسلسل إذاعي تستمع إليه. «أما زالوا يقدّمون هذه المسلسلات؟» أسأل. لا أستطيع رؤية الراديو الصغير. تخفيه. تحمل الراديو وأصواته في جيبها وتنهمك في تلميع الأثاث في الصالون. تعمل برشاقة متابعة الأحداث التي تسردها الأصوات. وفي زاوية قريبة في الصالون نفسه تستمع إلى موسيقى جاز خافتة. تقول إن هذه الموسيقى ترميها بين قصص عالم تعشقه. «هذه الموسيقى تجعلني أغرم بالحياة. أريد أن أبقى على مسافة قريبة من الماضي».
تقول إنها تمثّل من يكدّسون أغراضاً هي هدايا الذاكرة. وثمة نموذج آخر، يمثّله من يبحثون عن التخفّف من «تذكارات» الحياة، يرمون ما جمعوه في طريقهم إلى الحاضر. يتحرّرون من زحمة الأغراض، من تبجيل العواطف ومن ألعاب الذاكرة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024