تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

تعمل داخل البيت وخارجه...المرأة في مواجهة نفسها ومجتمعها وقوانين العمل

كانت المشكلة في توفير فرص عمل للمرأة. وها هي الأبواب تنفتح أمامها لتشارك الرجل في مختلف ميادين العمل. وهنا تبرز مشكلة ثانية تتعلَّق بقانون العمل الذي عجز عن أن ينصف المرأة العاملة في مختلف بلداننا العربية، لجهة احتلالها مواقع متقدمة في المؤسسات التي تعمل فيها، ولجهة إساءة تطبيق مواد القوانين الخاصة بها، خصوصاً في القطاع الخاص، ولجهة سن التقاعد في بعض البلدان، وأخيراً، وهو الأهم، لجهة إجازة الأمومة التي لا تُطبَّق بشكل صحيح، وتختلف مدتها بين بلدٍ وآخر وبين مؤسسة وأخرى، وتكون في كثير من الأحيان سبباً في عدم تشغيل المرأة في العديد من المؤسسات الخاصة. تعالج «لها»، في هذا التحقيق موضوع «المرأة وقانون العمل» من خلال مواقف وآراء وشهادات من مصر والإمارات وسورية ولبنان، ونبدأ من مصر.


قانون العمل في مصر ينصف المرأة على الورق فقط!
هل ينصف قانون العمل في مصر المرأة المصرية؟ وهل يمنحها حقوقها كاملة؟ أم يشتمل على ثغرات كفيلة بظلمها والتمييز بينها وبين الرجل وتهميشها أيضاً؟ أسئلة طرحناها على أهل الاختصاص فكشفوا عن الكثير من المفاجآت حول وضع المرأة العاملة في مصر.

المستشارة تهاني الجبالي: المشكلة ليست في مواد القانون وإنما في تطبيقها
في البداية، تؤكد المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية السابق، وأول امرأة مصرية تدخل سلك القضاء في مصر، أن الدساتير المصرية بوجه عام تؤكد المساواة بين المواطنين من دون تفرقة بحسب الجنس، بل إنها لا تميز بين الرجل والمرأة في حق العمل، فمثلاً كان دستور 1971 يقر حق العمل للمواطنين جميعاً، رجالاً ونساءً، على أساس المساواة التامة بينهم بلا أدنى تمييز، وكفلت الدساتير الحق نفسه لكن بمواد مختلفة، بعضها صريح منصف، وبعضها الآخر معيب وتتخلله ثغرات قد تمكّن أعداء عمل المرأة من الاستفادة منها.
وتضيف الجبالي: «كل الدساتير تلزم الدولة باتخاذ التدابير التي تساعد المرأة على دخول مجالات العمل كافة، مع وجود نصوص صريحة تضمن لها التوفيق بين واجباتها الأسرية ودورها في خدمة المجتمع، من خلال ما تنص عليه قوانين العمل، مثل إجازات الوضع ورعاية أطفالها الصغار، مع إعطائها مزيداً من الحقوق في العمل، إذا كانت تعاني ظروفاً خاصة أو استثنائية يقدّرها مسؤولو الشؤون القانونية في عملها».
وتهاجم الجبالي بعض صور التمييز المخالفة للقوانين في مجالات العمل أو الوظيفة العامة، فمثلاً نجد بعض الوظائف تشترط «الذكورة»، فالمشكلة ليست في القانون، لكن في التطبيق الحقيقي له بعيداً من النصوص المنمّقة في كلماتها، فالمهم الممارسات الفعلية التي ما زالت في حاجة ماسة إلى تغيير في ثقافة المجتمع ليصبح أكثر تعاطفاً مع حق المرأة في العمل وقدرتها على العطاء مثل الرجل، إن لم تتفوق عليه، خاصة إذا كانت تتمتع بالكفاءة من حيث المؤهلات العلمية وحب العمل، والقدرة على الموازنة بين دورها كامرأة عاملة وبين واجباتها الأسرية والاجتماعية.
وتنهي المستشارة تهاني الجبالي كلامها، مؤكدة أنها تتعاون مع بعض المنظمات التي تهتم بحقوق المرأة في التحرك الإيجابي تجاه هذه القضية الحيوية، بحيث يتم رصد بعض الثغرات القانونية التي يستغلها أصحاب العمل لتبرير تهميشهم للمرأة أو تفضيل الرجل عليها، وسيتم الدفع بتلك الثغرات إلى مجلس النواب للعمل على معالجتها بنصوص أكثر صراحة وإلزاماً وواقعية، لمنع التحايل عليها.

نهاد أبو القمصان: القوانين المصرية لا تلبي طموحات المرأة العاملة
أما المحامية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، فتقول: «رغم أن المواثيق الدولية تقرر حق المرأة في العمل على أساس المساواة الكاملة مع الرجل، خصوصاً المادة الثالثة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المادة السادسة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة العاشرة من العهد ذاته، إلا أن القوانين العربية – بما فيها القوانين المصرية - لا تلبي طموحات المرأة في المساواة الكاملة والحقيقية في ميدان العمل، حيث يفضل كثير من أصحاب شركات القطاع الخاص تحديداً الرجال على النساء في الوظائف، لسهولة تحرك الرجال، وبالتالي لانتفاء معاناتهم الظروف الخاصة بالمرأة، من حمل ووضع ورضاعة ورعاية، مما يراه هؤلاء نوعاً من الخسارة لهم».
وتضيف نهاد أبو القمصان: «المادة الحادية عشرة من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة باسم «السيداو»، تلزم الدول الموقعة عليها – بما فيها الدول العربية - باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل. ورغم أن الغالبية العظمى من القوانين ليس فيها ما يتعارض مع ما تقرره المواثيق الدولية والدساتير المحلية، من تدابير لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة، حيث تضمن حقها الفعلي في العمل، فإن الواقع يكشف لنا كثيراً من الثغرات الفعلية، وقد قام المركز المصري لحقوق المرأة برصدها وتقديمها إلى العديد من عضوات مجلس النواب، لطرحها في الدورة الحالية، ونأمل أن يتم تعديلها في ضوء التعديلات التشريعية المنتظرة، خاصةً أن نسبة تمثيل النساء في مجلس النواب غير مسبوقة، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة تمثيل الشباب المتفهم لطبيعة عمل المرأة».

الدكتورة عزَّة كامل: بعض أصحاب العمل يتحايلون على ثغرات القانون
تؤكد الدكتورة عزة كامل، مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، أن قانون العمل الحالي منصف للمرأة العاملة وليست في حاجة إلى قانون جديد. وتضيف: «أما بالنسبة الى حقوق المرأة العاملة فيكفلها القانون الحالي، لكن أصحاب العمل يتحايلون على ثغرات القانون. فعلى سبيل المثال، يلزم القانون صاحب العمل بتأسيس حضانات لأطفال الأمهات العاملات إذا وصل عددهنّ إلى مئة امرأة، كما تنص المادة 96 من قانون العمل... وبناء عليه لا يعيّن صاحب العمل أكثر من 99 عاملة، حتى يتنصل من بناء دار حضانة.
وتتابع: «في ما يخص إجازات الأمومة وتنظيم ساعات العمل، فالقانون الحالي واضح، مثلاً المادة 90 من قانون العمل المصري تفرض على وزير القوى العاملة إصدار قرار بتحديد الأعمال الضارة صحياً أو أخلاقياً، وكذلك الأعمال الشاقة وغيرها من الوظائف التي لا يجوز تشغيل النساء فيها، مما يسمح للحامل بتغيير طبيعة عملها في فترة الحمل إذا كان الأمر شاقاً عليها حتى الانتهاء من فترة الحمل والرضاعة. وبمجرد إكمال المرأة عشرة أشهر في العمل، يحق لها إجازة وضع مدفوعة الأجر مدتها 90 يوماً، هذا ما تنص عليه المادة الرقم 91 من قانون العمل».

انتصار السعيد: المرأة المصرية تعمل في ظل ظروف صعبة
في المقابل، تلفت المحامية انتصار السعيد رئيسة مركز القاهرة لحقوق الانسان، إلى أن تحايل أصحاب العمل على تنفيذ القانون يجعل المرأة المصرية تعمل بلا حقوق وفي ظل ظروف صعبة. وتوضح قائلة: «رغم أن أكثر من 30 في المئة من الأسر المصرية تعولها نساء في الأساس، إلا أن المرأة المصرية تعاني مشكلات جمة في العمل في الكثير من المؤسسات، خاصة القطاع الخاص. على سبيل المثال، تعاني الأم العاملة في الكثير من المؤسسات عدم توافر الحضانات في مقار أعمالهن، وعدم الحصول على إجازة لرعاية الطفل، بالإضافة إلى معاناتهن الشديدة من انعدام وسائل المواصلات التي تقلّهن إلى مراكز عملهن».
وتتابع: «المرأة المصرية تعمل في ظروف صعبة للغاية، خاصة في الكثير من مؤسسات القطاع الخاص التي تحرمها من المساواة في الحقوق والأجور. ولا يتم توفير الظروف المناسبة لها للعمل والإنتاج، رغم أن الدستور المصري ينص على الحق في المساواة بين الرجال والنساء ومراعاة تعدد الأدوار التي تقوم بها النساء في المجتمع، حيث إنها تعمل وتتحمل مسؤولية أسرتها ورعاية زوجها وأولادها في الوقت نفسه، ورغم ذلك لا تحصل على حقوقها في المساواة، خاصة في في ما يتعلق بالأجر».
وتضيف السعيد قائلة: «ما زالت الحكومة تتعامل مع الدور الاقتصادي للنساء بلا إجراءات تخفِّف من الضغوط التي تعيش تحت وطأتها. وللأسف الشديد، ما زالت المرأة العاملة تواجه مشكلة التحرش في مركز عملها، من زملائها أو من مديرها، وإن حدث أي رد فعل قانوني من العاملة ضد المتحرش تكون عقوبتها الفصل من العمل».

وفي الختام، تلفت انتصار السعيد الى تعنت أصحاب العمل في معاملة الأم، وتقول: «للأسف الشديد أيضاً، ما زال بعض أصحاب العمل يرفضون تشغيل المرأة التي لديها أطفال، نظراً الى ما يحتاجه العمل من ساعات طويلة، وأحياناً قد يتطلب القيام بمأموريات خارج البلاد وفي غير أوقات العمل الرسمية».

بثينة كامل: قانون العمل الجديد ينصف المرأة وأتمنى إقرارها
تقول بثينة كامل الإعلامية والناشطة الحقوقية: «قانون العمل الجديد الذي تجرى مناقشته حالياً في مجلس الشعب، يحمل انتصارات كبيرة للمرأة، وأتمنى مثلاً أن أرى على أثره النشرة الجوية تقدمها مذيعة حامل وتظهر على الشاشة من دون أن اعتراض من أحد... فحملنا ليس عاراً ينبغي أن نختفي عن الشاشات بسببه كما هو جارٍ حالياً.

وتتابع: «حينما كنت حاملاً في ابنتي، لم أتنحَّ يوماً عن عملي، لأنني كنت حينها مذيعة في الإذاعة المصرية، ولكن بعدما لم تتوافر لديَّ حجة الشكل اللائق، تم استبعادي على الفور، لكنني وقتها لم أكن معيّنة رسمياً في الإذاعة، بل أعمل بعقد ثانوي، وبالتالي لم أحصل على حقي كاملاً في إجازة الوضع وساعات الإرضاع ورعاية الرضيع».
وتفيد بثينة كامل بأن مشروع تعديل قانون العمل الجديد المقدم إلى مجلس الشعب انتصر للمرأة العاملة، حيث منحتها التعديلات الحق في إجازة وضع مدتها ثلاثة أشهر بتعويض مساوٍ للأجر الكامل، تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه، فضلاً عن استحقاق المرأة العاملة إجازة الوضع ثلاث مرات بدلاً من مرتين فقط.
وتتابع: «انتصر القانون أيضاً للمرأة الحامل، حيث نص على تخفيض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل، اعتباراً من الشهر السادس للحمل، ولا يجوز تشغيلها ساعات عمل إضافية طوال مدة الحمل حتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الوضع للعاملة. كما حظرت التعديلات فصل الأم العاملة في أثناء الوضع، كما منحت التعديلات المرأة العاملة في منشأة تضم خمسين عاملاً فأكثر الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز العامين من أجل رعاية طفلها، على ألا تستحق هذه الإجازة أكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها».
وفي نهاية حديثها، تقول بثينة كامل: «هذه التعديلات على قانون العمل تثبت أن حمل المرأة ليس قبحاً، فضلاً عن تولي الدولة التدابير اللازمة لتمكين المرأة اقتصادياً، وهذا ما كنت أنادي به دائماً، حيث أقول إن وضع المرأة لن يتحسن إلا بقوانين منصفة تنصرها ولا تمنّ عليها بحقوقها».

جيهان عطا: سوق العمالة غير الرسمية يظلم المرأة
أما جيهان عطا، وهي ناشطة سياسية ومرشحة سابقة في انتخابات مجلس النواب، فتعترف بالتجاهل المتعمّد لحقوق النساء العاملات في القطاع الخاص، بحيث لا تربطهن بصاحب العمل أي عقود، وإنما يكون العمل بنظام «اليومية»، وهن في غالبيتهن من النساء البسيطات اللواتي يخضعن للابتزاز والاستغلال من أصحاب العمل، لعدم توافر قوانين تحميهن في مثل هذه الظروف الصعبة.
وتوضح جيهان عطا، أن نساء كثيرات لا يجدن أمامهن سوى سوق العمالة الخاصة، فضلاً عما يتعرضن له من أشكال العنف والتحرش بمختلف درجاته، لأنهن بلا حماية أو ضمانات تكفل لهن حقوقهن الضائعة، حيث يتم تشغيلهن بأجور زهيدة ويُستغنى عنهن حتى لو تعرّضن لأدنى ظرف صحي أو اجتماعي طارئ، هذا فضلاً عن أن انقطاعهن أيام الولادة عن العمل قد يعرضهن للفصل.

تعديلات قانونية
حصلت «لها» على التعديلات القانونية الخاصة بحقوق المرأة العاملة، والتي يتضمنها قانون العمل الجديد، الذي يناقشه حالياً مجلس النواب، وهي كالآتي:

1 - تم تضمين كل حقوق المرأة في الفصل الثاني من الباب الثاني في القانون تحت بند «تشغيل النساء»، حيث أكدت المواد من 53 وحتى 56 ضرورة تخفيض ساعات العمل لمدة ساعة للمرأة العاملة الحامل، بدايةً من الشهر السادس للحمل.
2 - عدم تشغيل المرأة أي ساعات إضافية أثناء فترة الحمل.
3 - زيادة مدة الراحة للأم ساعة إضافية من أجل إرضاع طفلها.
4 - تحصل المرأة على إجازة وضع ثلاث مرات، وعلى إجازة رعاية للطفل غير مشروطة حيث تم إلغاء كل الشروط التي تضمنها القانون الرقم 12 لعام 2003 والتي كانت تؤكد ضرورة عمل المرأة لدى صاحب العمل لمدة عشرة أشهر لكي تستحق إجازة وضع.
5 - تضمنت المادة 51 حظر فصل المرأة العاملة أو إنهاء خدمتها أثناء إجازة الوضع.
6 - تضمنت المادة 55 من قانون العمل الجديد ضرورة أن يُصدر صاحب العمل الذي تعمل لديه أكثر من خمس عاملات لائحة تشغيل خاصة بالمرأة.
7 - على صاحب العمل الذي لديه أكثر من مئة عاملة أن يُنشئ دار حضانة لرعاية أطفال هؤلاء العاملات، أو أن يعهد إلى إحدى دور الحضانة برعاية أطفالهن.

الدكتورة هدى الصدة: مطلوب عقوبات رادعة لمن يمارسون التمييز ضد النساء العاملات
تطالب الدكتورة هدى الصدة، رئيسة مؤسسة المرأة والذاكرة، الحكومات ومؤسسات التشريع في الوطن العربي، وليس في مصر فقط، بقوانين عمل أكثر إنصافاً، بحيث تتضمن عقوبات رادعة في حق كل من يمارس أي شكل من أشكال التمييز ضد النساء العاملات، أو يعمد إلى عدم مساواة الإناث بالذكور في الحصول على فرص العمل، أو التفرقة بينهما في الأجر، أو ممارسة أنواع من التضييق على المرأة.
وتدعو الدكتورة هدى إلى استثمار ما أسفرت عنه انتخابات مجلس النواب الأخيرة، من وجود أكبر تمثيل للمرأة في تاريخ البرلمان، حيث تحتل 89 مقعداً من أصل 596، بنسبة حوالى 15 في المئة، وهذا إنجاز هو الأهم في المنطقة، وخطوة في سبيل السعي إلى التمثيل العادل للمرأة بما يتناسب مع وجودها العددي وتأثيرها في المجتمع كمربية للأجيال، ولها طموحات لا تقل عن تطلعات المرأة في الدول المتقدمة، مما يعطيها فرصة أكبر في صياغة القوانين المنصفة للمرأة العاملة وتغيير القوانين غير المنصفة، فضلاً عن الإسهام في تطوير بيئة عمل المرأة وتحسين ظروفها، حتى تكون أكثر استقراراً في عملها وأسرتها ومجتمعها.
المرأة العاملة في الإمارات: تفاوت بين موظفات القطاع العام والقطاع الخاص وإجازة الرضاعة والأمومة... أبرز همومها
تتفق غالبية نساء دولة الإمارات على أنهن حظين بامتيازات وحقوق وظيفية، ربما تفوق ما حصلت عليه غيرهن في أسواق العمل الخليجية والعربية، في ظل دعم واهتمام حكومي بهن في مجالات العمل المختلفة والحياة الاجتماعية والسياسية، إذ يؤكدن أن قوانين العمل لا تفرّق بين الجنسين في الترقية والقيادة والأجر. وعلى الرغم من ذلك،
ترى المرأة العاملة أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدعم والمساندة في مواجهة الأعباء الإضافية الملقاة على عاتقها مثل الزواج والإنجاب ورعاية الأطفال وتنشئتهم، والاهتمام بمتطلبات الأسرة بالشكل المتوقع منها، وفق الصورة النمطية للمرأة في المجتمع.  وتثبت تقارير محلية ازدياد معدل توظيف الإناث في الإمارات خلال السنوات الماضية، إذ بلغ عدد النساء العاملات في القطاع الحكومي نحو 22 ألف امرأة، من بينهن 16 ألفاً و437 موظفة جامعية، و5384 موظفة لديهن مؤهل فوق الثانوي ودون الجامعي.
وتشكل ساعات العمل الطويلة وتدني الرواتب عقبة رئيسية في طريق العاملات في القطاع الخاص، في حين تطالب المرأة العاملة في القطاع الحكومي بإعادة النظر في التشريعات ونُظم العمل المتعلقة بإجازة الوضع والرضاعة والسن المحددة للتقاعد.
ولا تزال هناك صعوبات أخرى تواجه النساء الإماراتيات في مجال العمل، ومنها عدم القدرة على التوفيق بين متطلبات العمل الوظيفي والحياة الأسرية. وهذه مواقف وشهادات وآراء حول واقع المرأة العاملة في الإمارات.

مريم الأحمدي: إنجازات لا تتوقف
في البداية، تقول الناشطة الحقوقية والمجتمعية مريم الأحمدي «إن دولة الامارات وفّرت للمرأة مناخاً مشجعاً ومؤمناً بقدراتها الإبداعية. وتحترم قيادة الإمارات المرأة وتضحياتها إذ ترى أنها تشكل نصف المجتمع الإماراتي، وتحظى بالنموذج الأمثل في التمكين الاجتماعي والثقافي. ولا بد من أن تواصل الدولة الارتقاء بدورها المميز في دعم المرأة لجعلها مكوناً أساسياً في جهود التنمية، وذلك بتذليل التحديات والطموحات في كل المجالات المتعلقة بالمرأة، تقديراً للجهود المتأصلة بإقرار الـ 28 من آب/أغسطس من كل عام يوماً للمرأة الإماراتية، وتكريماً لإنجازاتها المشرّفة التي تفوق التوقعات».
وتتابع: «في الحقيقة، فإن إنجازات المرأة الإماراتية تتوالى بلا توقف، لكن المطلوب زيادة مؤشرات الريادة ومساندة حضورها الفاعل لحصد الإنجازات على الصعد: المحلي والإقليمي والعالمي، إلى جانب منحها فرصتها الكاملة، مثل تبوّئها مناصب مرموقة في رئاسة المجالس المجتمعية والثقافية وجمعيات ذات النفع العام في الدولة، ودعمها لتلعب دوراً بارزاً كتوليها مناصب قيادية في المجال الإعلامي، فضلاً عن تذليل الصعوبات وإيجاد فرص العمل المناسبة وتأمين بيئة عمل جاذبة للكوادر النسائية الوطنية في القطاع الخاص (الشركات)، لاكتساب المهارات المتعددة، التي تخوّلها الخوض في ميادين العمل كافة، بما فيها الوظائف المتخصصة، تعزيزاً لدورها الفاعل في تنمية بلدها والنهوض به».
وتشير الأحمدي الى أنه واتساقاً مع ما سبق، «نأمل من المشرّع الإماراتي دراسة وتعديل مواد القانون التي تمس تفاصيل حياة المرأة، وعلى سبيل المثال مسألة إجازة الوضع والرضاعة والأمومة، خاصة في حال ولادة توأم، وتقليص عدد ساعات العمل في القطاع الخاص، وتحديد سن أبكر لتقاعد المرأة مشروط بموافقتها ورغبتها لئلا تتم إحالتها الى التقاعد وهي في أوجّ عطاؤها الفكري والنفسي، مما يسبب لها أزمة نفسية بعد ذلك، إذ لا نرغب أن يتم التعامل مع المرأة كالآلة التي توضع في مستودع بعد انتهاء مدة صلاحيتها».

أمل المرزوقي: ضرورة المساواة بين الوظائف الحكومية والخاصة
وتطالب أمل عبدالله المرزوقي خبيرة التميز المؤسسي، بضرورة  مساواة المرأة العاملة في القطاع الحكومي بنظيرتها العاملة في القطاع الخاص، وذلك بتعديل التشريعات وقوانين العمل المتعلقة بالراتب وعدد ساعات العمل وإجازات الوضع والرضاعة وسن التقاعد، وترى أن تدني الامتيازات والحقوق الوظيفية في القطاع الخاص، دفع الكثير من النساء إلى ترك العمل والبحث عن بدائل في الجهات الحكومية.
وتعتقد أمل أن هناك انفراجة تلوح في الأفق مع الإعلان عن توجهات حكومية لدراسة تنفيذ خطط لتحسين مستوى الامتيازات الوظيفية، وتقليل الفروق بينها في القطاعين الحكومي والخاص، لتشجيع المواطنين والمواطنات على العمل في القطاع الخاص، مؤكدةً أن عمل المرأة في الإمارات لم يعد ترفاً، وإنما أصبح ضرورة في ظل تراكم متطلبات الحياة والأعباء المالية، وهناك الكثير من النساء العاملات ممن يُعلْن أسراً وأطفالاً، الأمر الذي يجعلهن أكثر حرصاً على التفوق والتميز لمواجهة المنافسة بين الكوادر الوطنية والتحديات التي تواجهها، خاصة أن المرأة الإماراتية قد أثبتت نجاحها وتفوقها في كل مجالات العمل، وفي المواقع التي ترأسها أو تقودها، وظهر ذلك جلياً في القطاع الحكومي، ويبقى أن تحقق وجودها الفاعل في القطاع الخاص.
ولا تخفي المرزوقي سعادتها بما حققته المرأة الإماراتية، وبالنماذج النسائية الناجحة في مختلف الميادين، الى جانب أن المجال مفتوح حالياً لإثبات قدراتها أكثر، لا سيما أن أمثلة رائعة قد ضُربت بالمرأة الإماراتية بعدما تولت مناصب عدة، وهو ما أهّلها بجدارة لخوض تنافس قوي مع الرجل، حتى أصبحت ركناً أساسياً في منظومة العمل الجماعي.

مريم عبدالله بوميان: للإنصاف في الاجازة
تقول مريم عبدالله بوميان (موظفة حكومية) إن هناك تحديات تواجه المرأة في عملها، وإن كانت تختلف من عمل الى آخر، حيث تحصل المرأة التي تعمل في جهة حكومية اتحادية على إجازة سنوية 60 يوماً، في حين تحصل نظيرتها التي تعمل في جهة حكومية محلية على 30 يوماً تقريباً، فلا بد من مراعاة هذا الأمر، وتوحيد عدد أيام الإجازات، وتسهيل حصول المرأة على إجازات دورية لرعاية أطفالها، خصوصاً عندما يكونون في سن الرضاعة. وترى أن الدولة قد سنّت العديد من القوانين والتشريعات التي وفرت بيئة صحية لتشجيع المرأة على العمل، كإنشاء حضانات ضمن مراكز الدوائر الحكومية لرعاية أبناء الموظفات، وإن كنا نتطلع إلى تحسين مستوى هذه الحضانات والعمل على إنشائها في كل الدوائر الحكومية والخاصة التي تحتضن نساء عاملات.
وتشير بوميان إلى أن أهم ما يشغل بال المرأة العاملة، هو إطالة إجازة الوضع وساعات الرضاعة، إضافة إلى خفض سن التقاعد، مع حصولها على حقوقها الوظيفية كافة، فضلاً عن تقليل ساعات العمل، خصوصاً بالنسبة الى المرأة العاملة في القطاع الخاص، ومراعاة المرأة التي تعيل أطفالاً صغاراً، وكذلك التي تقيم في مناطق بعيدة عن مقر عملها.
وتطالب بضرورة توفير وسائل نقل للنساء اللواتي لا يحملن رخصة قيادة، بغية تسهيل وصولهن إلى أعمالهن، حيث تجد المرأة أحياناً عملاً مناسباً ويكون مقره بعيداً عن مكان إقامتها، لكن عدم قدرتها على قيادة السيارة، يجعلها ترفض هذا العمل.

منى محمد: تعميم الحضانات لرعاية الأطفال
أما منى محمد، وهي موظفة في شركة خاصة فتقول: «إن أبرز التحديات التي تواجهها في العمل تتعلق بطفلها الذي يبلغ من العمر 5 سنوات إذ تضطر إلى تركه مع الخادمة في المنزل وهي متخوفة من أن يتعرض للأذى، وقد فكرت أكثر من مرة في ترك العمل بسبب هذا الأمر، لذا تطالب منى بضرورة تعميم إنشاء الحضانات لرعاية أطفال النساء العاملات في القطاع الخاص، ليبقى الطفل تحت نظر أمه الموظفة».
وتضيف منى «أن من أهمّ ما تعانيه المرأة العاملة في القطاع الخاص، تدنّي الرواتب مقارنة بالقطاع الحكومي، وزيادة عدد ساعات العمل، إضافة إلى قلة الإجازات التي تصل إلى 22 يوماً في السنة، فضلاً عن صعوبة الحصول على إجازات مرضية أو طارئة». وترى منى أنه لا بد من إعادة النظر في قوانين العمل بالنسبة الى المرأة العاملة في القطاع الخاص، مع الأخذ في الاعتبار ما تقوم به من دور كزوجة وأم، وسوى ذلك من المتطلبات الأسرية.

خلود راشد: مع إعادة النظر في سن التقاعد
وتطالب خلود راشد، موظفة حكومية، بتعديل قانون سنوات خدمة المرأة العاملة، وإعادة النظر في سن التقاعد وعدم تحديده بسن الخمسين، مؤكدة أهمية مراجعة قانون الموارد البشرية بالنسبة الى المرأة العاملة، بحيث يصار إلى زيادة إجازات الأمومة والرضاعة، وإضافة إجازة استثنائية للمرأة الحامل أو من لديها طفل مريض، ودراسة كل احتياجات المرأة التي تمكّنها من أن توزان بين ظروف عملها وواجباتها الأسرية.

سلوى الحوسني: مشاكل المرأة العاملة محدودة وتكاد تنحصر في القطاع الخاص
وتلفت سلوى الحوسني، مديرة الاتصال الحكومي في المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، الى أنها واجهت بعض التحديات في بداية مشوار عملها، وأهمها كيفية المواءمة بين عملها وبين المتطلبات الزوجية ورعاية أطفالها، خصوصاً أنها كانت تتابع دراستها في الوقت ذاته، لكنها استطاعت أن تتغلب على هذه المصاعب، وكانت التسهيلات الكبيرة التي توفّرها الحكومة للمرأة العاملة في مختلف الوظائف عاملاً مساعداً لها.
وتضيف: «إن المغفور له الشيخ زايد أولى المرأة الإماراتية اهتماماً كبيراً منذ بداية قيام الدولة، وسار على نهجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، إذ حظيت المرأة العاملة في الإمارات بامتيازات وحقوق وظيفية، غير مطبّقة في كثير من الدول العربية، وهو ما شجعها على الانخراط في سوق العمل، والمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني».
وترى الحوسني أن التحديات التي تواجه المرأة الإماراتية العاملة محدودة للغاية، وتبرز بشكل رئيس في القطاع الخاص، حيث ساعات العمل الاضافية وقلة الإجازات وتدنّي الراتب مقارنة بالعمل الحكومي، لكنها تتوقع أن تزول هذه العقبات وتتحسّن الحوافز في القطاع الخاص، بما يشجع المواطنين والمواطنات على الإقبال على العمل فيه.
ونوّهت الحوسني بما تقوم به الحكومة حالياً من دراسة عدد من القوانين لتحسين بيئة عمل المرأة من حيث إنشاء حضانات لرعاية أبنائها أثناء ساعات العمل، وكذلك فتح المجال لتولي المناصب الوزارية والقيادية في الدولة، وغيرها.

نظام مرن لعمل المرأة
أوصـى المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، بتفعيل آلية تسمح لمن ترغب من المواطنات العاملات في القطاع الحكومي بالعمل في النظام الجزئي أو المرن، والتأكيد على الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية، بضرورة توفير حضانات في مقار العمل، والنظر في زيادة مدة إجازة الوضع، أسوة بأفضل الممارسات العالمية. وأوصى أيضاً بربط الحصول على المعاش التقاعدي للمرأة بانتهاء مدة الخدمة المحددة في قانون المعاشات والتأمينات الاجتماعية الرقم «7» لعام 1999 وعدم ربطه ببلوغ سن الخمسين.

إلزامية الوجود بمجالس الإدارات
أصدرت الحكومة الإماراتية سلسلة من التشريعات والقوانين على المستويين الاتحادي والمحلي، كان لها أثر ملحوظ في تواجد المرأة الإماراتية في كل القطاعات، سواء كان ذلك القطاع الحكومي أو الأهلي أو الخاص، وأصدر مجلس الوزراء قراراً بضرورة إنشاء حضانات ملحقة بالوزارات والمؤسسات الحكومية لرعاية أطفال الأم العاملة، وكذلك إلزامية تواجد المرأة في عضوية مجالس الإدارة في الهيئات والأجهزة الاتحادية.
كما صادقت دولة الإمارات على اتفاقيات دولية تصون حقوق المرأة، منها اتفاقية «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة».

حظر تشغيل المرأة ليلاً
حظّر قانون العمل الإماراتي الرقم (8) لعام 1980 وتعديلاته تشغيل المرأة ليلاً، حيث نصت المادة 27 من القانون أنه لا يجوز تشغيل النساء ليلاً خلال الفترة من العاشرة مساء إلى السابعة صباحاً.
ويأتي حظر تشغيل المرأة لأسباب صحية أو أخلاقية حماية لها بحيث لا يحق لصاحب العمل تكليفها بما لا تطيق صوناً لها ولأسرتها، ويجوز تشغيل النساء خلال هذه الفترة لأسباب حددها القانون، فيما حظّر القرار الوزاري الرقم (6 / 1) لعام 1981 في مادته الأولى عمل النساء في بعض الأعمال مثل المحاجر والمناجم وجميع الأعمال المتعلقة باستخراج المعادن والأحجار والأفران، وصناعة المفرقعات والفحم والسماد والشحن والتفريغ، وغيرها من الأعمال التي يرى المشرّع أنها تتعارض مع الأسباب الأخلاقية والصحية الموجبة.

هل أنصف قانون العمل المرأة السورية؟ الواقع شيء والقانون شيء آخر
من خلال الاطلاع على القوانين التي تنظم أحوال العمل في سورية، نجد أنها لم تفرق بين المرأة والرجل في العمل، فكلاهما يحصلان على المراتب الوظيفية والرواتب والحوافز ذاتها... لكن لا تزال هناك أسئلة تنغّص حياة المرأة السورية العاملة... فهل الواقع الذي تعيشه هذه المرأة مطابق للقوانين ومنسجم معها؟ وهل الزوجة العاملة متساوية في الحقوق مع الزوج والأب العامل ضمن الأسرة الواحدة؟ وهل أنصف قانون العمل المرأة السورية، خاصة في ما يتعلق بإجازة الأمومة؟ وما هي المقترحات لتحقيق أكبر مقدار من العدالة للمرأة السورية في مجال العمل؟ «لها» استطلعت آراء مجموعة من السيدات السوريات، وعرضت وجهات نظر بعض الرجال، والتي رغم اختلافها وتعارضها، جاءت في مجملها في مصلحة المرأة.

«يقع على كاهل المرأة العاملة عبء كبير»
أعربت السيدة عدلة محمود عن رأيها في قانون العمل وإن كان عادلاً بحق المرأة في سورية، بالقول: «نعيش في مجتمع شرقي... فإذا ساوى قانون العمل بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات كل في موقع عمله، فإن المجتمع لن يعدل بينهما. يقع على كاهل المرأة العاملة عبء كبير حيث تعمل خارج البيت، وعندما تعود اليه، تقوم بكل الأعمال المنزلية، بالإضافة الى تربية الأطفال، خصوصاً أن الرجل يأتي إلى البيت ويريد أن يجد كل شيء جاهزاً، فأغلب الرجال لا يساعدون المرأة في أعمال البيت، ومن هنا يقع الظلم على المرأة العاملة، لذلك أقترح أن يكون عدد ساعات عمل المرأة  أقل من عدد ساعات عمل الرجل. أما في ما يخص إجازة الأمومة، فهذه مسألة شائكة، فمدة إجازة الأمومة قليلة بالنسبة الى ما يحتاج اليه الطفل من رعاية في مراحل عمره الأولى، لذا تتحمل المرأة مسؤولية وتعاني تعباً وتبذل جهداً طوال الوقت. وأتمنى لو تمتد إجازة الأمومة الى عام كامل، حتى يشتد عود الطفل وتستطيع الأم إيداعه مطمئنة في روضة للأطفال».

تبدأ العمل من لحظة صحوها حتى نومها
أما ميادة أحمد فتقول في هذا الخصوص: «تعمل المرأة في البيت وخارجه، ورغم ذلك فهي لم تحصل حتى اليوم على كل حقوقها. تركض الأم بمولودها الى دار الحضانة وتتركه فيها الى حين عودتها، ثم تُسرع إلى مكان عملها لئلا تتأخر على دوامها، وإن حصل وتأخرت، تعاقب كأي رجل في العمل. كما أن كل ما تنجزه المرأة العاملة في الصباح، من تحضير الأولاد للذهاب الى المدرسة، وترتيب أمور البيت والإسراع إلى العمل... أمور لا يفكر بها الرجل، حتى أنه قد لا ينتبه الى آلية حدوثها في الفترة الصباحية. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فعند عودة المرأة الى البيت مساءً تنال نصيباً إضافياً من العمل، كتحضير الطعام لأولادها وزوجها، والقيام بمختلف الأعمال المنزلية، وإحاطة عائلتها بالرعاية والاهتمام».

منى حاتم: على المرأة أن تتحمل ضريبة تحررها
لكنّ لمنى حاتم رأياً مختلفاً عن كل ما سبق، إذ تقول: «بما أن المرأة نصف المجتمع ووصلت في سورية الى اعلى المناصب، ونافست الرجال في القضاء والسياسة وكل مراكز الدولة، لذا عليها تحمل ضريبة تحررها. أؤيد المرأة وأقف في صفها، ولكن مجرد تميزها يعني أنها ما زالت في نظر البعض ضعيفة ولا تستطيع القيام بمهامها، وهذا يحد من قدراتها... لقد طالبنا بالمساواة وحصلنا عليها، فلنقم بواجبنا على أكمل وجه من دون مساعدة. إجازة الأمومة كافية، ومن لم تكفها فلتأخذ إجازة غير مدفوعة الأجر. وإذا كان الطفل بحاجة إلى أمه في السنوات الخمس الاولى من عمره، فهل يُعقل أن تقضي المرأة كل هذه المدة في المنزل؟ أرى أن إجازة الأمومة كافية، وعلى المرأة أن تتدبر أمورها، مع ضرورة أن تؤمّن الدولة دور حضانة لأطفال النساء العاملات تكون ضمن مكان عملهن، ومن لا تستطيع ذلك فلتستقل من عملها وتتفرغ لتربية أطفالها وتدبير شؤون منزلها».

«إجازة سنويّة طويلة مدفوعة»
وتقول منى درويش: «نالت المرأة السورية حقها في العمل، ودخلت معترك الحياة العملية بمختلف اختصاصاتها. أما بالنسبة الى الحق الوظيفي وخصوصاً الأمومة، فللأسف كلنا نشعر بالغبن في ما يتعلق بهذا الأمر. لذا أطالب كأي أم أو مربية لجيل جديد، بأن تحصل المرأة- الأم على إجازة سنوية لمدة شهر كامل وتكون مدفوعة الأجر، على أن تختار هذا الشهر بما يناسبها».

«أقترح مضاعفة إجازة الأمومة إذا كان المولودان توأمين»
وترى رشا قدار أن قانون العمل قد أنصف المرأة في كل شيء ما عدا إجازة الأمومة، وتقول: «أنصف قانون العمل المرأة وأعطاها حقها كالرجل في كل شيء من العلاوات والرواتب وغيرها من الأمور الوظيفية، ولكنه ظلمها في ما يتعلق بإجازة الأمومة. والمشكلة الكبرى في إجازة الأمومة، أنها تتقلص بزيادة عدد الأبناء. فعن الولد الأول، تعطى الأم أربعة أشهر إجازة، وتتراجع تلك المدة مع الولد الثاني والثالث، وهكذا دواليك... لذا أقترح أن تكون إجازة الأمومة موحدة، أي 120 يوماً، حتى لو كان ترتيب الولد هو الخامس بين إخوته، كما أقترح أيضاً أن تكون الإجازة مضاعفة لمن تنجب توأمين، لأن العبء هنا يكون مضاعفاً، وخاصة في ما يتعلق بالساعة التي تمنح للمرأة لمدة عام وهي ساعة الرضاعة، وأطالب بأن تصبح ساعتين إذا كان المولودان توأمين».

 

مواقف أهل الاختصاص

سميرة ماوردي: بعض المدراء لا يرغبون بالعاملات في سن الإنجاب بسبب طول إجازة الأمومة
تقول الاختصاصية الاجتماعية سميرة ماوردي: «بشكل عام، لا تتضمن قوانين العمل السورية مواد تمييزية على أساس الجنس من حيث الأجور وساعات العمل والتعويضات. وفي حال وجود تمييز قانوني، فهو إيجابي خاص بفترة الأمومة والرضاعة لمراعاة الصحة الجسدية للأم وأهمية الرضاعة للطفل. لكن في الواقع، فإن ما تعيشه المرأة العاملة لا ينسجم مع طبيعة القوانين، بحيث لا تتساوى الزوجة العاملة فعلياً مع الزوج العامل حتى ضمن نطاق العمل نفسه، حتى الأم السورية لم تتساو مع الأب العامل ضمن الأسرة الواحدة. وقد منح قانون العمل في سورية المرأة إجازة أمومة مدفوعة الأجر، لكن تختلف مدتها وفق ترتيب الأولاد: حيث تُمنح الأم 120 يوماً عن الولادة الأولى، و90 يوماً عن الولادة الثانية، أما الولادة الثالثة فتمنح عنها 75 يوماً... على أن تبدأ الإجازة خلال الشهرين الأخيرين من الحمل. فقانونياً لا تمييز ضد النساء في قطاع العمل، لكن المعيقات متشعبة وكثيرة، وأهمها وضع دور الحضانة من حيث تأهيل الكوادر، وتناسب دوامها مع دوام عمل الأم، الأمر الذي دفع الأمهات الى التخلف عن العمل أو الإكثار من الإجازات أو شغل تفكيرهن بينما يمارسن عملهن بالأبناء الذين ينتظرون عودة أمهاتهم بفارغ الصبر. كما أن دخول المرأة مجال العمل ومسألة الإنجاب إلى جانب عدم قدرتها على القيام بالواجبات المنزلية... أمور ترهق المرأة العاملة كثيراً وتقلل من إمكانية عطائها في العمل، فلذلك نجد غالبية المديرين يصرّحون بعدم رغبتهم بقبول موظفات في سن الإنجاب، متذمرين من طول إجازة الأمومة، رغم أنها في بلادنا قصيرة مقارنة ببلدان العالم، هذا الى جانب ساعة الأمومة التي تشجع على الرضاعة الطبيعية والاهتمام بصحة الطفل في عامة الأول. أما عن الحلول اللازمة، فهي تبدأ أولاً بدراسة جديدة للقوانين التي تحدد عمل المرأة، والتوجه من ثم الى الأسرة والوقوف على المساهمة الفعالة من المحيطين بالمرأة العاملة، ما من شأنه أن يخفف الضغوط الملقاة على عاتقها ويجعلها منتجة وفعالة في مجتمعها».

 

المرأة العاملة في لبنان: سعيدة بحضورها في ميادين العمل المتنوعة وشكاوى مستمرة من القوانين

منذ أن دخلت المرأة اللبنانية سوق العمل وهي تعيش في صراع دائم مع مجتمعها ومع نفسها ومع القوانين التي تنظّم حياتها. فهي حين طالبت بحريتها وبمساواتها مع الرجل لم تكن تقصد إضافة أعباء أخرى إلى أعبائها المنزلية بقدر  ما كان هدفها تحقيق ذاتها وطموحاتها وكسر الصورة النمطية التي فرضها عليها المجتمع. واستطاعت إثبات نفسها بجدارة في مختلف المجالات والاعمال. لقد تغيرت أوضاع المرأة وطوّرت كثيراً من نفسها، لكن نظرة المجتمع إليها لم تتبدل وبقيت على حالها، كما لم يعمد الرجل الى مشاركتها مسؤولياتها، فباتت تعمل خارج المنزل وداخله وتلهث وراء مستقبلها من دون أن تشعر بالرضا التام عما تقوم به.  التقت «لها» نخبة من السيدات اللبنانيات العاملات وغير العاملات ووقفت على أحوالهن وهواجسهن تجاه موضوع عمل المرأة.

سونيا شعيتو ياغي: أطالب بدوام يلحظ الانتاجية وليس عدد ساعات العمل
سونيا شعيتو ياغي امرأة متزوجة منذ عشرين عاماً ولديها ثلاثة أولاد، عملت لمدة عشر سنوات في مؤسسة وأسست من ثم شركة خاصة بها تُعنى بتأمين عمّال تنظيفات للشركات والفنادق والمستشفيات. تقول ياغي: «أشعر بارتياح كبير لأنني أعمل، ولأنني استطعت التوفيق ما بين متطلبات البيت والعمل. لقد حرصت منذ البداية على ألا يتعارض دوام عملي مع متطلبات عائلتي، وجعلت دوام عملي في الفترة الصباحية التي يكون فيها أولادي في المدرسة، إذ أقلّهم في سيارتي كل صباح إلى مدرستهم، وأتوجه بعدها إلى عملي، وأحرص خلال فترة وجودهم في المدرسة على إنهاء كل أعمالي المكتبية. ومع الوقت، استطعت فرض هذا النظام والدوام على الزبائن والعملاء، إذ بات الجميع يعرفون دوامي ويتواصلون معي خلال الفترة الممتدة من السابعة والنصف صباحاً وحتى الثانية والنصف ظهراً. وقد لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات، لكنها حالات نادرة جداً. كما أخصص فترة بعد الظهر للاهتمام بأولادي فنتناول طعام الغداء معاً، وبالتالي أعمد الى متابعة دروسهم، وفي حال كان لديهم نشاطات خارجية أرافقهم إليها».
وتتابع شعيتو: «أنا راضية عن نفسي مئة في المئة كامرأة عاملة، ولا يشغلني الأمر كثيراً، لأنني نجحت في التوفيق بين  عملي وإدارة بيتي. فأنا لا أعتمد على ذاكرتي أبداً، وأضع برنامجاً أسجّل فيه كل مهماتي، وهذا يساعدني كثيراّ في عملي ويسهّل عليّ القيام بواجباتي بطريقة منظمة وعملية، إضافة إلى أنني لا أؤجل عمل اليوم إلى الغد، وأنجز كل عمل في الوقت المحدد له لئلا تتراكم عليّ المسؤوليات فأعجز عن تنفيذها، وأعتبر هذا الأسلوب سراً من اسرار نجاحي». لا ترى ياغي أن المراة قد جنت على نفسها عندما طالبت بالدخول الى مجال العمل، فمن حق المرأة أن تعمل وتختار العمل الذي يناسبها. وتفيد بأن عمل المرأة خارج البيت موغل في القدم، فجدّاتنا كن يعملن في زراعة الأرض التي تستنفد طاقاتهن، ويعدن في المساء لتدبير شؤون بيوتهن، وكن مع ذلك ناجحات جداً في إعالة أُسرهن وفي نتاجهن. وتضيف ياغي: «للمرأة مطلق الحرية في الاختيار ما بين العمل خارج بيتها أو عدمه، وتسأل: لماذا نتعلم اذاً ونعلم بناتنا؟ وهل يعقل أن تدرس الفتاة الطب وتحصر مهمتها في النهاية في أعمال المنزل وتربية الاولاد؟». لا ترى شعيتو أن المرأة تهدف من العمل الى الكسب المادي فقط، بل تستثمر من خلاله طاقاتها العلمية والعملية، مما يمنحها شعوراً بالسعادة، خصوصاً عندما تحقق ذاتها وتنجح في عملها. كما تعزز وظيفة المرأة ثقتها بنفسها وتمدّها بالطاقة التي تجعلها تتفاعل بإيجابية مع أفراد أسرتها».
وعن حقوق المرأة وفيما إذا أنصف القانون المرأة اللبنانية، تقول ياغي: «لا يموت حق وراءه مطالب، وعلينا أولاً أن نطالب بحق المرأة في العمل، ومن ثم يبقى لكل منا خيارها... وأن نطالب بدوام خاص للسيدات يعتمد على مبدأ الإنتاجية وليس على عدد ساعات العمل، مما يمكنهن من الاهتمام بعائلاتهن ويسهل عليهن حياتهن... الى جانب دور للحضانة في المؤسسات لتسهيل عملية الإرضاع والاهتمام بالأطفال، بحيث تطمئن الأم العاملة إلى صغارها ولا تعود تشعر بأنها مشتتة الفكر. فمن حق المرأة الاهتمام بنفسها والمطالبة بقوانين تحفظها وتحفظ عائلتها». سونيا ياغي امرأة سعيدة ومرتاحة في عملها ولم تتمنَّ يوماً أن تمكث في المنزل بلا عمل، فهي كما تقول لا تحب الأعمال المنزلية لأنها ليست من صلب اهتماماتها ولا تتوافق مع شخصيتها. ولا تجد ياغي سعادتها إلا بالخروج من المنزل وممارسة عمل تحقق من خلاله ذاتها ويلبي طموحاتها، إذ تؤكد: «أتاح لي العمل الاستقلال المادي، وهذا بالنسبة إلي أمر مهم جداً، لأن الاستقلال المادي يعطي ثقة كبيرة بالنفس، ويساعد على اتخاذ القرارات الشخصية والعائلية التي تستوجب مشاركة مادية. ومن خلال العمل نعزز أنفسنا وننسج علاقات واسعة ونتعرف على ثقافات مختلفة ونتطور فكرياً وعملياً... وكل ذلك يخدم مصلحة العائلة والبيت والاولاد الذين يفخرون بأمهم ونجاحها ويتعلمون منها أسلوب العمل الجيد».

بسيمة حيدر: القانون والمجتمع لم يُنصفا المرأة
بسيمة حيدر سيدة غير متزوجة اختبرت العمل لفترة من الزمن اضطرت بعدها الى تركه والتفرغ لشؤون المنزل. وهي اليوم تمضي أغلب وقتها مع اصدقائها وإخوتها، وتحاول إشغال وقتها بأشياء مفيدة تحبها، ورغم ذلك، لم تستطع تحمّل البقاء بلا عمل. تقول حيدر: «أتمنى القيام بأي عمل، لأنه أفضل بكثير من المكوث في البيت، فالمرأة العاملة تشعر بالاستقلالية والحرية  والقدرة على العطاء. كما أجد راحتي في العمل خارج المنزل، لكن ظروفي لم تساعدني على الاستمرار في الوظيفة».  وتؤكد حيدر أن المجتمع والقانون لم يُنصفا المرأة، بل إنهما يظلمانها سواء أعملت أم لم تعمل. فلا المرأة العاملة مرتاحة بسبب كثرة الأعباء الملقاة على عاتقها، خصوصاً إذا كانت متزوجة ولديها أولاد، ولا تلك غير العاملة إذ تعاني من نظرة المجتمع المتطرف إليها. نحن اليوم بحاجة إلى قوانين حديثة تتناسب مع وضع المرأة وطاقتها وأسلوب حياتها، وليس إلى قانون مبتور لا يراعي احتياجاتها وعواطفها. أتمنى أن يأتي اليوم الذي تنصف فيه المرأة، لأنها تشكل نصف المجتمع والمدماك الأساسي في نشوئه وتطوره، فإن كانت المرأة مرتاحة في حياتها، تقدم جيلاً جيداً وقوياً، وإن كانت تعاني ضغوطاً فسيؤثر ذلك سلباً في عائلتها وفي مستقبل أولادها».

سهير حبوب: بقائي في المنزل قضى على طموحي
سهير ربّة منزل، متزوجة منذ 21 سنة ولديها ولدان، عملت قبل الزواج وبعده بفترة وجيزة، واضطرت الى ترك العمل لظروف الحمل والإنجاب وتراكم الواجبات العائلية عليها. تقول حبوب: «لم أشعر بالسعادة وتحقيق الذات إلا في الفترة التي كنت أعمل فيها. فقد عملت كثيراً وساعدت زوجي في بداية زواجنا وكنت مسرورة بذلك، ولكنني اضررت الى ترك العمل من أجل التفرغ لتربية ولديّ. اليوم، وبعدما كبرا، أشعر بحنين وبرغبة قوية للعودة الى العمل... ومكوثي في البيت أبعدني عن الناس والمجتمع ولم أعد أُدرك ما يدور حولي. بصراحة، بقائي في المنزل قضى على طموحاتي وحدّ من علاقاتي الاجتماعية، إذ شعرت بالعجز عن ممارسة الأعمال التي أحبها. لذا، أنوي حالياً تأسيس عمل جديد، كما أعمل على تطوير نفسي لأكون على قدر المسؤولية. وأرى أن العمل ليس عيباً، حتى وإن كان يُمارس في عمر متقدم، فالإنسان يجب أن يثبت وجوده على الدوام ويتعلم حتى آخر يوم في حياته. أبلغ من العمر اليوم 40 عاماً، وأرغب في تحقيق أهداف لطالما حلمت بها، كما أشعر بأنه سيأتي يوم أحقق فيه ذاتي من خلال عمل يرضي طموحاتي، خصوصاً أنني لست من النساء اللواتي يهوين الصبحيات وتمضية الوقت في الزيارات والمقاهي». تطمح سهير الى ممارسة عمل يسليها ويحقق لها ذاتها وبالتالي يفيد المجتمع، ذلك أنها قادرة على العطاء ولا تريد استنفاد طاقتها في أعمال غير مجدية. كما تتوق سهير إلى اليوم الذي تحقق فيه حلمها، وتقول: «سأعمل وأفيد نفسي وكذلك المجتمع. وحتى لو تعبت فسأشعر بالسعادة لأنه تعب لذيذ أحقق بنتيجته حلم حياتي. لن يدهمني الوقت لأنني سأنظمه بحيث لا يتعارض مع الاهتمام بشؤون عائلتي، فولداي أصبحا اليوم شابين وهما في طريقهما الى الاستقلال عني والاعتماد على نفسيهما».

روندا بعلبكي: ربة الأسرة العاملة تنوء بأعباء عملها
روندا بعلبكي عازبة تحب العمل ولا تستطيع العيش من دونه، فهي ومنذ تخرجها في المدرسة لا تزال تمارس أعمالاً تحبها إلى ان أستقرت أخيراً وأسست عملاً خاصاً تهواه وتحلم به منذ أن كانت طفلة. تقول روندا: «بالنسبة الى المرأة العاملة، لا بد من التمييز ما بين المرأة التي تُجبر على العمل من اجل إعالة أسرتها ومساعدة زوجها، وتلك التي تحب العمل وتسعى اليه من أجل تحقيق ذاتها. فأنا مثلاً، كنت أحلم بممارسة العمل بينما كنت على مقاعد الدراسة، إلا ان والدي عارضني وطلب مني انهاء دراستي اولاً والتفرغ من ثم للعمل. ورغم ذلك، كنت أتابع دراستي الجامعية وأعمل في الوقت نفسه. وبعد تخرجي في الجامعة، مارست وظيفة ولكنها كانت تتعارض مع طموحاتي، فقد درست الحقوق، لكنني كنت شغوفة بتصميم الأكسسوارات والمجوهرات». مارست روندا وظيفة طوال خمس سنوات، وأنشأت من ثم مؤسسة خاصة بها «روندا هاند ميد أكسسوري» حققت من خلالها حلمها، وهي اليوم تديرها وتحاول قدر الامكان تطويرها وتحقيق ذاتها عبرها. توضح روندا: «أرى أنني فرحة جداً بما حققت، وقد أثبتُّ نفسي في هذا العمل أكثر من غيره، لأنه ليس مجرد عمل، وإنما هواية مفضّلة وحلم حياة. أعمل برضا ولا أشعر بالتعب مهما بذلت من جهد، وهذا يحفزني على الإنتاج والتطوير». لا تعتقد روندا أن من الممكن أن تستغني عن العمل يوماً ما، فهي لا تستطيع العيش من دونه، إلى درجة أنها عندما تحصل على إجازة من العمل، تشعر بأن شيئاً ينقصها.

وترى أن المجتمع والقانون لم ينصفا المرأة، سواء أكانت عاملة أم عاطلة من العمل... فإن كانت ربّة أسرة، تنوء بالأعباء التي تُثقل كاهلها، مع العلم ان الأمر بسيط ويتطلب حلّه القليل من التنظيم والتعاون من الزوج، أي من خلال تطبيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في العمل والحقوق والواجبات، بحيث يتوجب على الرجل ان يساعد زوجته داخل المنزل كما تساعده هي خارجه... «أنا لست متزوجة، وحتى لو تزوجت فسأنظم وقتي وأتشارك المهمات والاعباء مع زوجي». وتختتم روندا حديثها بأن العمل يقوّي شخصية المرأة ويحفّزها على الاهتمام بمظهرها، ويشعرها بثقة كبيرة بنفسها وقدراتها. «المرأة العاطلة من العمل تشعر بالروتين والتعب والملل، وقد تهمل نفسها أحياناً وتنأى عن مجتمعها، أو تتجه نحو أمور غير مفيدة كالصبحيات والزيارات وغيرها... وهذه الطريقة في الحياة لا تستهويني أبداً، وأفضل العمل ثم العمل ثم العمل».

عبدو قاعي: على المرأة اللبنانية أن تعود إلى النضال لنيل حقوقها
يرى الدكتور والأستاذ المحاضر في علم الاجتماع عبدو قاعي ان المرأة العاملة تواجه صعوبات كبيرة في حياتها بسبب الشروط الصعبة والأعباء الحياتية التي تُثقل كاهلها، فهي تشعر بالضغط والتعب بسبب كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقها داخل البيت وخارجه، إذ إنها تتحمل وحدها حوالى 70 في المئة من مسؤوليات العائلة، كما أصبحت وتيرة العمل تزداد تعقيداً، بدءاً بساعات العمل الطويلة وصولاً إلى صعوبة المواصلات وغيرها مما يعوّق تحركها ويزيد تعبها. تمضي المرأة اليوم أغلب وقتها خارج المنزل وعلى الطرقات، كما أصبحت الأنماط والعلاقات الاجتماعية الحالية مغايرة للسابق، فبدل ان تميل الى العصرنة، عادت وتبنت نمط العلاقات التقليدية التي يعتريها الكثير من التعقيد، فدخلت المرأة في حال من الضياع، ولم تعد تستطيع السير على نمط واحد.
تواجه المرأة العاملة اليوم مرحلة صعبة جداً لأنها لم تعد تستطيع المطالبة بحقوقها كالسابق، خصوصاً أن القضاء بات مسيساً وغير جدّي في بحثه في قضاياها. فالنصوص القضائية التي تعطي المرأة حقوقها موجودة، إلا أن هناك صعوبة في الوصول إليها بسبب العوائق التي تفرضها بعض المؤسسات غير الملتزمة والمجحفة بحق المرأة.
ويرى قاعي ان المرأة لم تعد اليوم مناضلة وجدية في المطالبة بحقوقها، لأنها لم تعد تصرّ عليها كالسابق، بل تراجعت عنها وقبلت بالشروط التقليدية التي فرضها عليها المجتمع. ولأنها صاحبة حق، عليها مواصلة الطريق الى نهايته وحتى تنال كامل حقوقها، ولكن على ما يبدو، فقد خفت حماستها وتنازلت عن بعض حقوقها رضوخاً للتقاليد والعادات، مما أضر بها وبقضيتها.

إقبال دوغان: بعض المؤسسات لا تلتزم بإجازة الأمومة
أما المحامية إقبال دوغان فترى ان المرأة كانت تلتزم قديماً منزلها فيما الرجل يخرج الى العمل، وعندما نُص قانون العمل اللبناني عام 1943 لم يبحث في قضيتها ولم يفرّق بينها وبين الرجل. وتقول دوغان: «بما أن المرأة مصدر للإنجاب والأمومة، فقد أصبحت هذه المهمة محصورة بها، ولكن لا بد من تدابير حماية لها وخصوصاً في ما يتعلق بالأولاد، لأن المرأة تمد الدولة بالعنصر البشري، وهذه المهمة بحد ذاتها يجب أن تُعد وظيفة اجتماعية وليست خاصة بالمرأة. فالأم لا تنجب اولاداً لنفسها فقط، بل للعائلة والمجتمع والوطن بأكمله، وهؤلاء الاولاد سيكونون في المستقبل بُناة البلد وحكامه، وهي إن ربت تربية صالحة فستُخرج جيلاً صالحاً مفيداً للبلد والمجتمع. وانطلاقاً من هذا المبدأ، يجب ان تُعطى المرأة إجازة أمومة كافية من أجل التفرغ لتربية طفلها بأسلوب جيد وسليم. فقضية المرأة يجب أن تصبح قضية اجتماعية، وهذا ما نحاول البحث به مع المعنيين بالأمر».
كان قانون العمل قد أعطى المرأة العاملة 40 يوماً اجازة أمومة مدفوعة الأجر، وتم تعديلها حتى أصبحت شهرين ونصف شهر. ولبنان وافق على قوانين منظمة العمل الدولية والتزم بتطبيقها كاملة، وهذه القوانين جعلت إجازة الأمومة ثلاثة أشهر، إلا أن أغلب المؤسسات لا تلتزم حالياً بالنصوص القانونية ولا تطبّقها بشكل جيد. لقد تم تعديل القانون اللبناني مرات عدة ليتناسب مع وضع المرأة الخاص والمختلف عن الرجل، وحاول مساواتها بالرجل في ما يتعلق بالحقوق والواجبات، فعدّل سن التقاعد، وألغى التمييز في العمل ما بين الرجل والمرأة، لكن كان عيب هذا القانون انه لم يفرض عقوبات على المؤسسات المخالفة. كذلك عُدّل القانون في ما يتعلق بالمرأة الحامل وحظّر على رب العمل صرفها من العمل. كما أن إجازة الأمومة الطويلة تدفع أصحاب العمل إلى رفض توظيف النساء المتزوجات، أو الى صرف النساء الحوامل أو عدم الالتزام بإعطاء الاجازة كاملة، مما دعانا كهيئات نقابية نسائية إلى المطالبة بأن تكون فترة الامومة مدفوعة الأجر من الضمان الاجتماعي باعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية، وبهذه الخطوة يرتاح رب العمل ويوفر على نفسه وعلى النساء عناء الصرف من العمل، كما يوفر الدفع مرتين واستقدام موظفة بديلة. وتختتم دوغان حديثها مؤكدة: «يجب ألا نعاقب المرأة على حملها وإنجابها، بل على العكس نساعدها في تربية جيل صالح، كما علينا المطالبة بتوفير دور للحضانة في جميع مراكز العمل لكي يتسنى للمرأة العاملة ارضاع طفلها والاهتمام به من وقت الى آخر».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078