تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

كريم دكروب: مسرح الدمى كان جزءاً من النضال السياسي والثقافي وبات الآن احترافياً مؤسساتياً

 

ينطلق من تساؤلات الأطفال، ليترجمها على مسرح أسسه منذ أن عاد من روسيا حاملاً معه هدفاً بأن يقدم أعمالاً لا تموت. يعتبر المخرج المسرحي كريم دكروب أن الدمى وسيلة فعالة للتخفيف من حدّة المشاكل الداخلية التي نواجهها في حال تم استثمارها بشكل صحيح، ويشير إلى السبب الذي دفعه لدراسة العلاج النفسي الذي يتكامل مع الإخراج والمسرح. في هذا الحوار يتحدث كريم دكروب عن جمعية «خيال» وأهم أهدافها، بالإضافة إلى العصر الذهبي للفن والمسرح، وواقع مسرح الدمى اليوم.


- عرضت أخيراً مسرحية «يا قمر ضوّي عالناس»، حدثنا عنها؟
منذ سنتين لم نعرض مسرحية جديدة، عرضت «يا قمر ضوي ع الناس» في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2015. تنطلق المسرحية من وحي التساؤلات التي نعيشها اليوم، وبات الأطفال وحتى الكبار يطرحون الكثير من الأسئلة، إلا أن لا إجابات واضحة لتساؤلاتهم. كما أن الكبار لا يملكون الجواب الشافي عن هذه الأسئلة. حتى أننا لم نكن نعرف أن الأطفال يفكرون بهذا العمق في الواقع المتعلق بالقتل والذبح والضرب. لماذا يقتل الإنسان؟ ويذبح؟ لماذا هو بهذا الشر؟ كل هذه الأسئلة جعلت الأطفال يشعرون بالقلق، وحاولنا من خلال المسرحية أن نفتح هذه الصفحة، علماً أنها صفحة صعبة جداً في مجال مسرح الأطفال، ووجدنا أن هناك ضرورة لفتحها.
- كيف استطعتم أن توصلوا هذه الفكرة الى الأطفال؟
المسرحية تتحدث بلسان الذئب، وهو يخاطب نفسه: «لماذا يتناقل الناس الحكايات عني، بطريقة غريبة؟» ويقول الذئب: «أنا حيوان أصطاد لآكل وأُطعم أولادي، وعندما أشبع أتوقف عن الصيد، وأكمل حياتي الطبيعية مع عائلتي، كما أنني حيوان مخلص ووفي لعائلتي». ويسأل الذئب نفسه، لماذا يملك الإنسان هذا القدر من الوحشية؟ لماذا عندما يأكل لا يشبع؟ لماذا يقتل؟ ونبدأ من فكرة، الإنسان لماذا يقتل؟...

- من دفعك لتقديم هذا العمل؟
فضلاً عن أنني مخرج، أنا معالج نفسي، وأواجه هذه الأسئلة يومياً في العيادة، وهي تثير قلقاً كبيراً عند الأطفال. وشعرت بأنه إذا أردت أن أقدم مسرحية مختلفة، فلا شيء يمكنني تقديمه في هذه المرحلة، فكيف سأتحدث عن الفصول الأربعة والفراشات في المسرحية ونحن نشهد في الخارج القتل وأعمال العنف؟ لا أدري إلى أي مدى ستكون مهمة لهم تلك الأفكار!

- كنت أكثر واقعية؟
لا بل حاولت أن أرد على الهواجس التي تواجه الأطفال حالياً. بالإضافة إلى هواجسي أنا كفنان، فريق العمل الذي أتعاون معه لديه أيضاً هواجس ومواضيع نتناقش بها، وأوجاع نود أن نوصلها، وتساؤلات نحاول أن نطرحها. مسرح الأطفال هو مسرح قبل أن يكون للأطفال، حيث هناك عدد من الفنانين الذين يقدمون هذا العمل، والفنان لديه عادةً أفكاره التي يحاول إيصالها الى الناس.

- درست الإخراج وعلم النفس والعلاج النفسي، هل هذان الاختصاصان مرتبطان ببعضهما بعضاً؟
مرتبطان جداً، في البداية درست إخراج الدراما ثم تخصصت بمسرح الدمى، وأكملت الدراسات العليا بالمسرح. بعدها درست التنشيط النفسي الاجتماعي في مجتمعات الحروب، وتخصصت في العلاج النفسي، وهذا مسار دراستي، لأنني وجدت أن هذه الاختصاصات مترابطة جداً. ومنذ أن بدأت العمل في مجال الدمى، لمست أن الدمى وسيلة فعالة جداً للتخفيف من المشاكل الداخلية التي تواجهنا.

- كيف؟
الدمى في الأساس تشبه الشكل الأول من أشكال الألعاب عند الناس، ونلمس من خلالها التطور العاطفي عند الإنسان، فأول ملكية للإنسان هي اللعبة التي تخفف عنه قلق الانفصال عن والدته، من هنا يبدأ تعلق الإنسان بالغرض أو الدمية، وتتطور علاقته بالدمية إلى اللعب فيبدأ بتحريكها ويعطيها شخصية ويتحدث إليها... هذا النوع من اللعب يرافق النمو العاطفي والفكري للطفل، ويكبر معه ويصل إلى الراشدين، لأن للدمى تأثيراً كبيراً فيهم في حال تم استثمارها بشكل مناسب. ولذلك، منذ أن بدأت العمل بالدمى، اكتشفت هذه الأشياء، ومع قراءاتي لمست أهمية الدمى، وقررت أن أدرس علم النفس ليتكامل الاختصاصان.

- من يرتاد مسرح الدمى؟
بما أن مسرح «الدمى» والذي تديره جمعية «خيال» التي أديرها، مسرح دائم للأطفال، نعرض على مدار السنة المسرحيات الجديدة والقديمة. لدينا برنامج سنوي، اعتاد عليه الناس، فباتت هناك مجموعة كبيرة من العائلات تتابعنا بشكل دائم، وتنتظرنا وتنتظر أعمالنا، ونحن نبني هذه العلاقة مع الجمهور منذ 23 عاماً. مسرحية «يا قمر ضوي ع الناس» بالذات، مخصصة للأطفال والكبار، وعندما أعلنا عن المسرحية، ذكرنا أنها مخصصة للكبار والصغار على حد سواء.

- كيف استطعت أن تقدم عملاً مشتركاً للكبار والصغار؟
أخبر طلابي في الجامعة دائماً، أن مقياس النجاح في مسرح الأطفال، هو استمتاع الكبار بمشاهدة العمل، وأن يجد الطفل أنه معني بهذه المسرحية. في «يا قمر ضوّي ع الناس» أردنا أن يكون الكبير معنياً أكثر بالعمل، وفي الوقت نفسه عملنا على أن تجذب المسرحية الأطفال. هذا النوع من المسرح صعب جداً، ومن النادر أن نراه في لبنان.

- تعيدون عرض المسرحيات القديمة، ما هي هذه المسرحيات؟
نعيد سنوياً عرض ثماني مسرحيات تقريباً منذ 23 عاماً. وهي: «يلا ينام مرجان»، «شتي يا دنيا صيصان»، «شو صار بكفرمنخار»، «كراكيب»، «ألف وردة ووردة»، «بيتك يا ستي» و «فراس العطار».

- لماذا تعيدون باستمرار عرض هذه المسرحيات؟
منذ أن أنهيت دراستي في روسيا، وضعت أمامي هدفاً بأن أعمل على مبدأ البرمجة السنوية، وهذا النوع من العروض معروف في أوروبا، وخصوصاً في أوروبا الشرقية، وأطمح لئلا تتوقف مسرحياتي عن العرض، طالما هي ناجحة. قدمت نحو 25 مسرحية، ولكن المسرحيات الثماني التي نعيدها سنوياً لمسنا تجاوباً من الجمهور معها.

- ماذا عن جمعية «خيال»؟
أسسنا جمعية «خيال» في العام 2004، بعدما شعرنا بأنه يجب أن ننصّ صيغة قانونية لفرقتنا المسرحية. في لبنان لا يوجد أي صيغة قانونية لفرقة مسرحية، بحثنا في القوانين، ووجدنا أن الجمعية التعاونية هي أفضل صيغة لذلك، وبناءً عليه أسسنا جمعية تعاونية اسمها «خيال للتربية والفنون». أهم أهداف الجمعية هو إدخال الفنون في مجالات العمل المختلفة مع المجتمع، أي الفنون بالتربية والعمل الاجتماعي والفنون بالدعم النفسي الاجتماعي والعمل النفسي. نحاول أن نحقق هذه الأهداف في «خيال» منذ أن انطلقنا. ونسعى إلى إيجاد فرص عمل للفنانين، في العمل الإبداعي نفسه وبالعمل الابداعي في المجتمع، أي استثمار العمل الإبداعي بالتربية، بالدعم النفسي الاجتماعي والتوعية الاجتماعية وبمجالات أخرى.

- ما الذي يميز مسرح الدمى عن مسرح الأطفال؟
مسرح الأطفال هو مسرح تمثيلي يتوجه الى الأطفال، بينما مسرح الدمى لغة مسرحية مختلفة، مثل الأوبرا والباليه والسيرك والرقص والمسرح التمثيلي. فمسرح الدمى يعتبر لغة فنية مستقلة عن اللغات الفنية المسرحية الأخرى، وممكن أن يكون للكبار. إذ إنه منذ انطلق في التاريخ، قد خصص للكبار لا للأطفال، لكن في نهاية القرن التاسع عشر بات من أهم الفنون الموجهة الى الأطفال. مسرح الدمى أُسّس قبل الميلاد، منذ أيام الفراعنة، وكان منتشراً في الهند والصين واليونان منذ العصور القديمة.

- متى التحقت بمسرح الدمى؟
كنت ضمن مجموعة مهى نعمة في النادي الثقافي العربي في الثمانينات، ثم التحقت بالدفاع المدني والعمل الاجتماعي في فترة المراهقة. قدمت نشاطاً مسرحياً في المسرح الثقافي الروسي في أواسط الثمانينات، وعلى أساسها حصلت على منحة لأدرس المسرح في موسكو.

- أُطلق على هذه المرحلة «العصر الذهبي»، في أي عصر تعيش الدمى اليوم؟
العصر الذهبي لم يكن للدمى فقط، وقد تزامن مع انطلاقة الحرب الأهلية بين الـ1975 و1982. هذه المرحلة شهدت نشاطاً ثقافياً استثنائياً، بشكل خاص في المنطقة التي أُطلق عليها في السابق بيروت الغربية، فازدهرت الأشعار والفنون التشكيلية والنحت والمسرح والدمى، بالإضافة إلى الأغنية الوطنية والسياسية. شهدنا نهضة في كل هذه المجالات، ومسرح الدمى كان جزءاً من هذه النهضة، لذلك أُطلق عليه «العصر الذهبي». وكان مسرح الدمى أيضاً جزءاً من النضال السياسي والاجتماعي، اذ اعتبر صانعو مسرح الدمى أن ما يقدمونه جزء من مساهمتهم في الحركة السياسية والثقافية في ذلك الوقت.

- ماذا عن واقع مسرح الدمى اليوم؟
نحن اليوم في عصر مختلف، فبالنسبة إلينا في «خيال»، بات مسرح الدمى عملاً احترافياً أكاديمياً ومؤسساتياً.

- هل تحضّر عملاً جديداً؟
نحاول أن نحضر عملاً جديداً. أستقي المواضيع عادةً من هموم الأطفال أنفسهم والمرتبطة بهموم المجتمع، وأكثر ما يطفو على السطح في المرحلة المقبلة يحدد قضية العمل المسرحي المقبل. ثمة أفكار كثيرة ومشاريع متنوعة ولكن نختار الأولويات باستمرار. أعتقد أن كل شيء له علاقة بالاختلاف والطائفية، وهموم الأطفال تجاه القضايا الاجتماعية التي نواجهها حالياً سيكون لها مكان في عروضنا المقبلة.

- أين تقدمون عروضكم؟
نقدم كل سبت عرضاً أسبوعياً على مسرح «دوار الشمس» خلال موسم المدارس. وفي الصيف كل خميس من الأسبوع، بالإضافة إلى تقديم عروض في المدارس والجمعيات في كل المناطق اللبنانية، كما أننا نعرض مسرحياتنا خارج لبنان.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079