ابني لا يكترث لنجاحه المدرسي!
يفاجأ الأهل برسوب ابنهم في الفصل الدراسي الأول وينتابهم القلق على الفصل الثاني وما إذا كان ابنهم سيعيد صفّه أم لا. وفي كثير من الأحيان يلومون الابن لأنه لم يبذل مجهودًا ليدرس. وفي المقابل، قد يفاجأ الأهل بعلامات ابنهم المتدنية رغم أنه نجح في الفصل الأول. في كلا الحالين هناك قلق عند الأهل.
في الحالة الأولى إعادة التلميذ صفّه، وفي الحالة الثانية القلق من أن يكون تدني علامات التلميذ، أولى الخطوات نحو الرسوب. وفي بعض الأحيان يبدو التلميذ نفسه غير مكترث لتدني علاماته، مما يثير غضب الأهل.
فماذا يمكن الأهل القيام به مع الابن الذي يبدو أنه غير مكترث لنتائجه المدرسية؟
لا يجوز الحكم على أن التلميذ لا يكترث لنتائجه المدرسية، وإنما الذي يحدث خصوصًا مع التلامذة الذكور أنهم يدّعون أو يظهرون عدم اكتراثهم بالعلامات، ولكنهم في الواقع يخفون شعورهم بالأذى، فلا يوجد تلميذ لا يكترث للعلامات السيئة. إلا إذا أراد أن يلفت انتباه أهله إليه.
لماذا يريد لفت انتباه أهله؟
عندما يتكوّن لدى التلميذ انطباع بأن والديه لا يكترثان لنجاحه المدرسي، أو لوجوده، يحاول إيجاد الوسيلة التي تجعلهما يهتمان به، فيكون ادعاؤه بعدم اكتراثه لرسوبه إحدى الوسائل وكذلك في حالة وجود مشاجرات عائلية، أو مشكلة مع الشقيق الأكبر أو الأصغر ممكن أن تؤدي إلى تدني العلامات المدرسية.
لذا من الضروري أن تتطلع الأم عند عودة ابنها من المدرسة، على دفاتره أو مساعدته في التحضير للامتحان. وبعيدًا عن الظن أن المراهق يعتبر هذا التصرّف تدخلاً في شؤونه، فإنه على العكس من ذلك، يشعر بالطمأنينة وباهتمام أهله، خصوصًا حبهم له، وبالتحفيز والدافعية تجاه المدرسة.
إذًا من الطبيعي أن يظهر التلميذ انزعاجه بسبب تدني علاماته المدرسية؟
إلى حدّ ما. البكاء بسبب علامة متدنية رد فعل طبيعي لشعوره بخيبة الأمل. ولكن ليس صحيًّا أن يحوّلها الأهل إلى دراما. في المدارس المتوسطة والثانوية، بعض التلامذة يشعرون بأنهم فاشلون لمجرد تراجع بسيط في علاماتهم.
لتجنب التلميذ هذا الشعور بأنه دون المستوى، دور الأهل أن يكونوا واقعيين في توقّعاتهم وألا يطلبوا من ابنهم ما هو فوق طاقته، فهذا يسبب توترًا وضغطًا على التلميذ، لأنه ليس على قدر آمالهم.
كيف يمكن التعامل مع المشكلة؟
على الأهل أن يدركوا أن لا أداء مدرسيًا كامل، فلكل تلميذ زلاته، مهما بلغت درجة ذكائه. فإذا كان لدى الأهل انطباع قوي بأن ابنهم أو ابنتهم لم تبذل كل جهدها الممكن للحصول على معدّل جيد، لا يحوّلوا المسألة إلى دراما، فالتلميذ سوف يعيد النظر في علاقته بأهله ويفكّر بأن محبتهم وعاطفتهم مرتبطتان بالعلامة المدرسية.
ففي سن معينة، ولا سيما ما قبل المراهقة، يشكّ التلميذ في كل شيء، حتى في علاقته مع والديه، هل يحبانه فعلاً، وهل حبهما له مشروط بعلامات مدرسية وسلوك جيد! ويشكّ بنفسه وبقدراته، مما يسبب له انزعاجًا وعدم استقرار على المستوى العاطفي والنفسي.
وربما في المرة المقبلة، سوف يفعل أي شيء لنيل رضى أهله ومحبتهما، اللذين يظن أنهما مشروطان، مثلاً تزوير العلامات أو تزوير توقيع أحد والديه فقط كي لا يؤنَّب عندما يعود إلى البيت.
ما يجب فعله هو التعلم من هذا الرسوب، وتحديد المشكلة. هل السبب عدم بذل جهد، أم مشكلة في الفهم، أم التركيز؟ فالأساس هو عدم تكرار الأخطاء.
يرى اختصاصيو التربية أن هناك فارقًا بين رسوب التلميذ الشامل ورسوبه الجزئي. الرسوب الشامل يعني أن يكون التلميذ قد نال علامات دون المعدل في جميع المواد المدرسية، فيما الرسوب الجزئي هو التفاوت في العلامات بين المواد، فقد يكون التلميذ قد نال علامة جيدة في مادة، فيما نال علامة متدنية جدًا في أخرى، الأمر الذي أدّى إلى رسوبه.
وفي كل الأحوال التوبيخ واللوم وجعل التلميذ يشعر بالذنب لا يفيده ولا يحفزه على النجاح، بل يشعره بالإحباط والإذلال وعدم الثقة بنفسه مما يفاقم المشكلة. لذا على الأهل وقبل اطلاق حكم قاسٍ على ابنهم، أن يتحقّقوا من أسباب رسوبه.
أولاً: البدء بالتحقق من الأسباب.
ينال التلميذ 20/3 في معظم المواد، مؤشر الى أن المسألة ليست عابرة. فتراجع العلامات في جميع المواد يشير إلى أن التلميذ يعاني صعوبة ما.
مثلاً شعور التلميذ بالقلق والتوتر وغياب الأمان العاطفي قد يجعلانه يفقد مهاراته وما درسه أثناء قراءة أسئلة الامتحان. كما يمكن أن يكون متعبًا، وليست لديه القدرة على التركيز، أو أنه لا يرتاح لشرح الأستاذ أو يكون لديه انطباع بأن نتائجه المدرسية لا تهم والديه. وبالتالي يفقد الدافع لنجاحه!
ثانيًا: تحديد الأسباب.
هناك أسباب عدة تؤدي إلى رسوب التلميذ في الفصل الدراسي الأوّل أو تراجع علاماته في بعض المواد، وهي:
- تراكم الثغرات التعلّمية: فترفّع التلميذ من صف إلى صف يعني حكمًا أنه ناجح. ولكن في الوقت نفسه قد تكون لديه ثغرات تعلّمية. فمن المعلوم أن المواد الدراسية تتدرّج في الصعوبة مع تدرّج الصفوف، فإذا كانت لدى التلميذ مثلاً ثغرة في مادة الرياضيات ولم يتنبّه الأهل الى هذه المشكلة، وانتقل إلى صف ثانٍ فإنه يواجه صعوبة في فهم المادة بعدما ازدادت صعوبة، لأنه في الأساس لم يفهم المبادئ الأساسية للمادة. وبالتالي يحدث تراكم ثغرات يؤدي إلى فشله أو رسوبه.
- ضعف في اللغة: من المعلوم أن المواد العلمية تكون بلغة أجنبية، في حال كان منهاج المدرسة دوليًا، وبالتالي إذا كان التلميذ غير متمكّن من اللغة، فإنه يصعب عليه فهم المواد العلمية، مما يؤدي إلى تراجع أدائه الأكاديمي.
- صعوبات تعلّمية: كأن يكون التلميذ يعاني صعوبة تعلّمية مثل الديسبراكسيا أو الديسغرافيا أو الديسليكسيا، وهذه الصعوبة تظهر بشكل واضح عندما يصبح في الصفوف المتقدّمة.
- صعوبات نفسيّة: كأن يعاني التلميذ صدمة نفسية أو مشكلة عائلية أو عدم انسجام. كل هذا يؤثر في أدائه المدرسي.
- أن تكون لديه صعوبة في تكوين العلاقات. فقد يكون غير منسجم مع المعلمة أو مع زملائه في الصف، خصوصًا عندما ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، وهذا يؤثر في تركيزه في الصف.
- أن تكون لديه صعوبة نفس- حركية. كأن تكون حركة أعضائه الدقيقة بطيئة تعرقل أداءه المدرسي، مثلاً يتأخر في كتابة الإملاء.
ثالثًا: البدء باتخاذ الخطوات التي تؤدي إلى الحلول.
الخطوة الأولى هي تحديد السبب للعمل على معالجته. بالنسبة إلى الصعوبات النفسية والتعلّمية، إذا ما ثبت وجود إحداها، يجب التوجّه إلى اختصاصي بحسب الصعوبة، واليوم معظم المدارس لديها اختصاصيون في هذه المجالات يساعدون التلامذة على تخطّي هذا النوع من الصعوبات، وبالتالي يحصل تعاون بين المعلّمة والاختصاصي والأهل بحسب الصعوبة التي يعانيها التلميذ .
أما الثغرات الأكاديمية المتراكمة فلمعلّمة الصف دور كبير في مساعدة التلميذ شرط أن يكون هناك تعاون بينها وبين الأهل. فالمعلّمة من جهتها تلاحظ مستوى تفاعل التلميذ في الصف، وبالتالي تعرف مكمن الضعف لديه، وفي المقابل تتعاون مع الأهل، لا سيّما الأم، لوضع خطة تدريس عن كيفية ردم الثغرات إلى أن يصل إلى المرحلة التي يستطيع فيها اللحاق ببقية التلامذة. وهذا يحتاج إلى بذل مجهود مضاعف وجدّي. وعلى الأم ألا تخشى إذا لم تكن النتيجة كما كانت تتوقعها في الفترة الأولى، أي ألا تشعر بالإحباط إذا كان التقدّم بطيئًا، بل عليها أن تتذكر أن الثغرة تراكمت على مدى سنوات، وبالتالي ما فات التلميذ لا يمكن تعويضه خلال شهر.
إذًا هناك مزيج من عوامل عدة يمكن أن توقف زوبعة الرسوب هذه:
- الاهتمام بواجبات التلميذ المدرسية: مثلاً كأن تسأل الأم ابنتها أو ابنها عن يومه المدرسي كيف كان! وما إذا كان في حاجة إلى مساعدة في إنهاء واجباته. فهذا الاهتمام يشعر التلميذ بالطمأنينة وأن أهله حاضرون لمساعدته ويهتمون لأمره ولنجاحه المدرسي الذي يعود عليه وحده بالمنفعة.
- وضع النظام في إيقاع حياة التلميذ اليومية: مراقبة نظام التلميذ الغذائي، وما إذا كان ينال قسطًا وافرًا من النوم، وتوفير مكان هادئ للدراسة.
- تعليم التلميذ طريقة العمل: معظم التلامذة ولا سيما الصغار منهم لا يعرفون كيفية إنجاز وظائفهم. فمنهم من لا يعرف طريقة حفظ الدرس، أو تحليل النص. صحيح أن هذه مهمة المعلم، لكن من الصعب عليه التحقق مما إذا كانت توجيهاته التي أعطاها في أول العام الدراسي قد فهمها جميع تلامذة الصف.
- لقاء الأستاذة: فالأساتذة لديهم وجهة نظر في أداء التلميذ المدرسي غالبًا ما تكون مختلفة عن رأي الأهل. لذا فإن هذا اللقاء وجمع وجهتي النظر يساعدان الأهل في فهم ما يدور في رأس الابن.
- التحفيز: على الأهل ألا يتردّدوا في إظهار سعادتهم من تحسن أداء ابنهم المدرسي وإن كان طفيفًا. ولكن لا يجوز على الإطلاق مكافأته بالمال.
- الغضب: فقط عندما يكون الأهل متأكدين أن ابنهم، خصوصًا إذا كان في سن المراهقة لا يأخذ الدرس على محمل الجد. والغضب لا يعني الصراخ والشجار الذي لا طائل منهما، وإنما تذكير المراهق بأن رسوبه لن يجعله يبني مستقبله. وإذا لزم الأمر، يمكن معاقبته. فلا خروج مع أصدقائه إذا لم يعمل على فهم وحفظ الدروس التي رسب فيها.
ولكن كيف يمكن أن ينتقل التلميذ من صف إلى آخر من دون التنبه إلى الثغرة؟
في المرحلة الابتدائية، من النادر أن يرسب التلميذ، ولكن المشكلة قد تكون بدأت في مرحلة الحضانة التي يتعلم فيها التلميذ المبادئ الأولية من طريق اللعب والغناء والرسم، والأهل لم يتنبّهوا أو أنهم لم يأخذوا الموضوع بجدية.
في المراحل الأولى مثل الصف الأول الابتدائي، يبدأ التلميذ بالكتابة وتكون الأمور سهلة، ولكن عندما يصبح في الثالث أو الرابع الابتدائي ينتقل إلى مرحلة أكثر جدّية، فالمواد تصبح أكثر صعوبة إضافة إلى تعلم مواد أخرى مثل علوم الحياة والرياضيات والتحليل اللغوي والتعبير... فهو كلما انتقل إلى مرحلة، زادت الصعوبة، وكلما كان متمكنًا، لن يواجه مشكلة في ما بعد.
كيف يمكن حل مشكلة ضعف اللغة إذا كان الأهل لا يتقنونها، وبالتالي لا يمكنهم مساعدة ابنهم؟
هناك أمهات كثيرات لا يتقنّ اللغة الأجنبية وبالتالي لا يستطعن مساعدة أبنائهن، في المواد التي تدرّس باللغة الأجنبية مثل العلوم والرياضيات... ولكنْ هناك طرق عدة لحلّ هذه المشكلة، منها الاستفادة من الوسائل التكنولوجية، مثل الآيباد أو الكمبيوتر، وذلك بتنزيل تطبيقات تحتوي على الكثير من البرامج التربوية التي تجذب الطفل وتتضمن ألعابًا ترتكز على نشاط تفاعلي مع الطفل المشاهد، مثلاً قراءة الأرقام أو الأحرف والكلمات، وهذا يساهم في تطوير اللغة عند الطفل.
كما في إمكان الأم أن توفر لابنها قصصًا باللغة الأجنبية بسيطة وتحتوي على الكثير من الصور وتطلب منه قراءتها ويقارن بين الصورة والكلمة.
ماذا عن الأستاذ الخصوصي. هل يمكن أن يكون تعيينه حلاً؟
في المبدأ تعيين أستاذ خصوصي، قد يجعل التلميذ اتكاليًا، وبالتالي لا يعير اهتمامًا لشرح المعلمة في الصف، لأن لديه أستاذًا يشرح له، فلا يتفاعل ولا يشارك في الصف.
أما إذا نفدت كل الوسائل، يمكن تعيينه ولكن لمدة محدّدة. فعندما لا تكون الأم قادرة على متابعة ابنها بشكل مكثّف لمساعدته في سد الثغرات المتراكمة، يمكن الاستعانة بأستاذ خصوصي، شرط أن يكون الهدف من ذلك مساعدة التلميذ في الدروس التي لم يفهمها، وقد يضطر أحيانًا إلى مراجعة دروس العام الماضي ليفهم التلميذ المبادئ الأساسية.
ومن الضروري أن يكون الأستاذ الخصوصي على تواصل مع معلّمة الصف كي يعرف الأسلوب الذي تتعبه في شرح الدرس، وبالتالي لا يضيع التلميذ. فضلاً عن أن يكون الهدف من التعيين فقط لسد الثغرات المتراكمة ولمدة محدودة، ومن الضروري أن يدرك التلميذ هذا الأمر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024