تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

اللحظة الأخيرة

اللحظة الأخيرة

ربيع جديد يقترب. نتفق على أننا عدنا لا نحب الربيع. فقدت الكلمة معناها. ها هو الربيع يقترب حذراً بعدما خُطف اسمه واستُغلّ معناه، وارتبط بمآسي الخيبة وسرقة الأحلام. أمور كثيرة غير الجو الدافئ يكشفها الربيع. أمور ما عدنا نريد معرفتها ومتابعتها، لكنها تفرض نفسها علينا وتذكرنا كل لحظة بلعنة الجغرافيا التي لا تفارقنا. صحوت في صباح شتوي متنكّر بدفء الربيع وأنا أتمتم البيت الأول من أنشودة المطر. لا أدري ما الذي ذكّرني ببدر شاكر السيّاب وآلامه. كان الزمن أجمل والأمل أجمل والجوع أقلّ. كان الجوع مسيطراً ولا يزال، لكنه الآن مصحوب باللجوء والضياع. كيف تسلّلت كلمات السيّاب إلى نومي؟ «عيناك غابتا نخيل ساعة السحر»، أردّد قبل أن أصحو تماماً. مذهل عمل العقل. ما عدت أحلم بمقاطع مكتوبة. تدلّ أحلامي الجديدة على حنين إلى نفسي في مرحلة ما. وأنا أحاول أن أفهم عمل العقل، أقرأ هنا وهناك ما أستطيع فهمه منذ أصبحت مهووسة بأمراضه الوراثية. أخاف من الضغط عليه، وأحاول أن أوازن بين طموحي وقدراته. تحوي حياتنا، أفكارنا ولغاتنا ووعينا ومعارفنا وذكرياتنا وعواطفنا وانفعالاتنا، كتلة تزن كيلوغراماً ونصف كيلوغرام. أجمل ما في الإنسان عميق وكثيف وخفيف. بين عقلي والسيّاب ضاع الوقت. لا أحب أن أتأخر على مواعيدي ولا أتأخر. لكنني أعشق اللحظة الأخيرة. أنتظر أن تحرّك فيّ ما عجزتُ عن نبشه. أتحمّس للأمور في اللحظة الأخيرة. أكتب في اللحظة الأخيرة. أشتاق إلى الصور في اللحظة الأخيرة التي تسبق التخلّص منها. أصل إلى المكان المتفق عليه في اللحظة الأخيرة قبل أن يحين موعد اللقاء، ولا أتأخر.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079