تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

«البيت»... أو شقة السَّكن... من أصعب أحلام الشباب العرب

الشقة هي الحلم الصعب، إن لم يكن المستحيل، لدى الغالبية العظمى من الشبان المُقبلين على الزواج، في معظم بلداننا العربية، وذلك بسبب الغلاء الفاحش قي أسعار البيوت، التي يعجز كثيرون عن تأمينها، أو بسبب مغالاة أهل العروس في مواصفات الشقة التي يريدونها. وفي كل الأحوال، فإن العثور على مسكن مناسب رحلة شاقة للشبان لا تنتهي بالنجاح دائماً. وقد يشكل عدم توافر البيت خطراً على مستقبل العلاقة بين الشابين اللذين يتطلعان لتأسيس عائلة مستقرة. «لها» ترصد معاناة الشبان مع هذا الحلم الصعب في مصر والسعودية  ولبنان وسورية. ونبدأ من مصر.

 

حسين علي: أهل خطيبتي طالبوني بشقة إيجارها يفوق راتبي
يروي حسين علي قصته مع حلم الشقة، قائلاً: «كنت متفوقاً في دراستي، وارتبطت عاطفياً بزميلتي في الكلية، حيث كانت متفوقة مثلي، وبعد تخرجنا اتفقنا على أن نبدأ حياتنا في شقة صغيرة (استديو)، تبلغ مساحتها 36 متراً، كانت الدولة قد بنتها للشباب في مقتبل حياتهم الزوجية، حيث لا يحتاج الزوجان سوى غرفة نوم وصالة وحمام ومطبخ، لمدة تصل في المتوسط إلى عشر سنوات، يكونان خلالها قد كوّنا نفسيهما فيشتريان شقة أوسع مع وجود أولاد مستقبلاً». ويضيف: «نجحت بالفعل في حجز «شقة استديو» وفرحت كثيراً بها، ورأيت حلم حياتي قد أوشك على الاكتمال، ولتكن هذه الشقة الصغيرة البداية، وفرحت خطيبتي بها جداً، إلا أن المفاجأة كانت في أهلها، الذين رفضوا بشدة ما اتفقت عليه وخطيبتي... حاولنا إقناعهم، لكن بلا جدوى، حيث أصروا على ضرورة استئجار شقة واسعة بالقرب منهم، ونظراً الى حبي الشديد لخطيبتي، سألنا عن إيجار الشقة بهذه المواصفات، فوجدناه 1500 جنيه ومرتبي كله 1400 جنيه». ينهي حسين كلامه وهو حزين قائلاً: «تحطمت أحلامي بسبب الشقة، وفسخت الخطوبة، وأبحث حالياً عن شريكة حياة موظفة، يتصف أهلها بالقناعة والرحمة وتقدير ظروف الشبان، لأنني لن أتزوج إلا في «الشقة الاستديو»، وإن لم أجد فليس أمامي سوى الانتظار إلى ما لا نهاية والانضمام الى نادي العزاب».

إلهام محمود: التقاليد البالية أصابتني بلعنة العنوسة
تؤكد إلهام محمود فسخ خطوبتها أكثر من مرة، حيث رفض أهلها التنازل عن شرط الشقة الواسعة في منطقة راقية، وهذا أمر غير متوافر لدى الغالبية العظمى من الشبان، إلا إذا كان أهل الشاب من الأثرياء، وبالتالي فهو يبحث عن البنت الثرية مثله، بحيث لا يمثل لهم الأمر مشكلة. أما فتيات الطبقة المتوسطة فهن ضحايا تقاليد بالية، حيث تنظر الأسر إلى الزيجات المماثلة في محيط العائلة والجيران والأقارب، ثم تعقد مقارنات بينها وتسعى لأن تكون زيجة ابنتها أفضل من هؤلاء جميعاً.
وتضيف: «بالطبع، لست أنا الوحيدة التي اكتوت بنار مطالب الأسر من الشبان المتقدمين لخطبة بناتهم، وإنما عايشت عشرات القصص من قريباتي وزميلاتي وصديقاتي وجاراتي، اللواتي تحطمت أحلامهن على عتبة الشقة وتجهيزها، حيث يريد الأهل لابنتهم شقة واسعة و «سوبر لوكس» في تشطيبها وتكون في عمارة جديدة وفي دور متوسط الارتفاع، وفيها مصعد، حتى لا يتحملوا مشاق الصعود على السلّم في حال انقطاع الكهرباء أو تعطل المصعد، ثم يتفننون في «قائمة العفش» التي تعد بالفعل «خراب بيوت» إذ تفرض على الشاب أن يُثقل حياته بالديون التي تجعله عصبياً ويكره اليوم الذي تزوج فيه، وكما يقال: «الديون هم بالليل ومذلة بالنهار»، فكيف يشعر مثل هذا الشاب المُثقل بالديون بالسعادة الزوجية؟».

نيهال الباشا: دفعت ثمن مرونة أهلي مع زوجي
في المقابل، توضح نيهال الباشا أن مرونة الأهل قد تدفع ثمنها أحياناً الزوجة، وتروي تجربتها قائلة: «تقدم إليَّ زميلي في الكلية، الذي غادر مصر فور التخرج ليعمل في إحدى دول الخليج. في البداية أكد لأهلي أنه يمتلك شقة صغيرة جداً في مصر، لكنه يعمل جاهداً للحصول على شقة أكبر، وأنه يريد أن يصطحبني معه الى الخليج، فوافق أهلي إيماناً منهم بمعاناة الشبان، خاصةً أن لديَّ شقيقين ويتفهم أهلي المسؤولية التي تقع على عاتق الشبان».
وتتابع: «بعد الزواج، فوجئت ببيع زوجي شقته الصغيرة في مصر بحجة أنها لا تصلح للسكن، وأصبحت لا أجد مأوى لي ولأبنائي في الإجازات سوى بيت أهلي. كان زوجي بخيلاً ويسيء معاملتي، فاضطررت للعمل في الغربة، وبعد خلافات طويلة حول الشقة، ألزم خالي زوجي بحجز شقة بالتقسيط في مصر، وفي المقابل ألزمني زوجي بتحمل مصاريف المنزل وتعليم أولادي في مدارس الدولة. وبعد فترة من افتعاله المشكلات معي، خاصةً بعدما اكتشفت خيانته، أجبرني على العودة إلى مصر، وعندما ذهبت الى أهله لأعيش في شقتي مع أبنائي، قالوا لي إنها ليست ملكه وإنما مسجّلة باسم أبيه الذي كتب العقد أثناء غربتنا، لأدفع بذلك ثمن مرونة أهلي مع رجل لم يوفر لي مسكناً، خصوصاً أنني أقيم وأبنائي مع أهلي وأتكفل بكل مصاريفهم وحدي».

الدكتورة سهير عثمان: الشقة لا تضمن حق الزوجة في معاملة كريمة
تؤكد الدكتورة سهير عثمان مدرّسة الإعلام في جامعة القاهرة، أن التفكير العملي هو الحل لأزمة سكن الشباب على مستوى الوطن العربي، وتقول: «شقيقاتي تزوجن في شقق تمليك، لكن ظروف زوجي لم تكن تسمح بذلك، ولو كنا انتظرنا حتى يُكمل ثمن شقته التمليك، لما تزوجنا وأنجبنا ابنتنا، فوافقت على أن نبدأ حياتنا في شقة متواضعة، وفي المقابل لم يتعنت والدي ولم يغال في الطلبات، لأنه عمل بمبدأ أننا نشتري رجلاً يصون زوجته ولا نشتري مظاهر وتقاليد بالية». وتتابع: «المشكلة في ثقافتنا العربية أنها تميل إلى التسطيح وتقيِّم الشخص بما يملكه من مال ومظاهر، وهذا هو سبب أزمة السكن وارتفاع سن الزواج، فالشقة التمليك لا تضمن حق الزوجة في معاملة كريمة أو استمرار الحياة الزوجية». وتضيف: «هذا لا يمنع من أن نشتري شقتنا التمليك في المستقبل، فنحن نكون أسرة ونستمتع بحياتنا معاً، حتى نستكمل ثمن شقتنا حين تتاح لنا الظروف».

الدكتورة وفاء يسري: تقاليد بالية علينا تغييرها لمواجهة العنوسة
أما الدكتورة وفاء يسري، وكيلة كلية الخدمة الاجتماعية وأستاذة علم الاجتماع، فتشير إلى أن صعوبة الحصول على شقة الزوجية أصبحت السبب في عنوسة الفتيات والشبان على حد سواء، وتناسى أهل الفتيات الظروف الصعبة التي يعيش فيها الشبان، حيث بلغت نسبة البطالة بينهم أرقاماً مخيفة، ومن يجد منهم فرصة عمل يكون عمره قد شارف على الثلاثين، وغالباً ما تكون بمرتب بسيط في عمل غير مستقر وفي قطاع خاص عرضة لتقلبات السوق، مما يعرضه للفصل منه أو الاستغناء عنه مستقبلاً.
وتضيف: «للأسف الشديد، هذا ميراث أفكار قديمة وتعاني منه معظم الدول العربية التي تصر على العيش في الماضي حيث تغلب «المظاهر والوجاهة الاجتماعية» على الزيجات، لدرجة أن الأهل على استعداد لتزويج ابنتهم بكل من تتوافر فيه المواصفات الاجتماعية والاقتصادية السابقة، بصرف النظر عن سنّه أو أخلاقه أو حب ابنتهم له من عدمه، فهم بهذا يرون أنهم يؤمِّنون مستقبل ابنتهم من خلال مؤخر صداق كبير».
وتحذر الدكتورة وفاء من استمرار هذا الفكر في السيطرة على عقول الأسر العربية، لأن النتيجة مخيفة، أهمها الانفلات الأخلاقي، لأن الله خلق الإنسان وفيه غريزة إن لم يتم إشباعها بالحلال، فقد يكون البديل الانحراف لدى بعض الفتيات، ووقتها تجني الأسرة ثمار هذا التعنت المرّة، فضلاً عن انتشار العنوسة بشكل كبير، حيث يتجاوز متوسط سن الزواج للفتيات – خاصة في المناطق الحضارية – الثلاثين عاماً، مما يعني أنها بعد سنوات قليلة ستفقد القدرة على الإنجاب لتدني معدلات الخصوبة.
وتنهي الدكتورة وفاء كلامها بالمطالبة بتغيير مثل هذه الأفكار «الجاهلية»، عبر استراتيجية متكاملة تشارك فيها الأسرة والإعلام والتعليم ووسائل التربية والثقافة الأخرى.

أحمد محـمد: فسخت خطبتي مرات عدة بسبب الخلاف على مواصفات شقة الزوجية
أحمد محـمد، موظف، يروي مشكلته مع الشقة قائلاً: «خطبت أكثر من مرة، وكانت المشكلة الرئيسة تكمن في مواصفات بيت الزوجية، حيث نعاني نحن الشبان ضغوطاً مزدوجة، إذ تحلم الفتاة بأن تعيش في شقة فاخرة أو حتى فيلا، مثلما ترى في الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية، وبدلاً من أن يجعلها أهلها أكثر عقلانية وواقعية، يشترطون أن تكون شقتها مثل شقة قريباتها أو أخواتها أو صديقاتها، من دون مراعاة ظروف خطيب ابنتهم أو الجانب الأخلاقي فيه، لأنهم حولوا الموضوع إلى صفقة تجارية ووجاهة اجتماعية».
ويضيف أحمد: «أشعر حالياً بالإحباط النفسي والزهد، رغم رغبتي الشديدة بالزواج بحثاً عن الاستقرار الأسري والنفسي، لكن ماذا أفعل في مجتمع لا يحترم إلا الوجاهة الاجتماعية.

محمود مصطفى: أهل العروس رفضوا شقتي في منزل العائلة وطالبوا بأخرى مستقلة
رغم امتلاك محمود مصطفى شقة، إلا أنه واجه تعنت أهل العروس في شروط السكن، يقول: «ورثت وأشقائي منزلاً عن والدي، لكن أهل خطيبتي طلبوا شقة مستقلة بعيداً من أسرتي. ولأنني أحب ابنتهم تحملت ما يفوق طاقتي، ووافقت على استئجار شقة، لكنني فوجئت بهم يغالون في مواصفاتها، من حيث الموقع والمساحة والتشطيب وغيرها... وما أصابني بالذهول، موافقة خطيبتي على كل مطالب أهلها الظالمة. عندها أدركت أنها مريضة بالمظاهر الاجتماعية، مهما حمَّلني هذا من مشقة وديون». ويتابع: «بعد هذا الموقف الصادم من خطيبتي وأهلها، قررت الزواج في شقتي الموجودة في بيت والدي، حتى أعرف مدى حب خطيبتي لي، وجاءت المفاجأة المذهلة برفضها وتضامنها مع طلبات أهلها ففسخت الخطوبة، وقد عوضني الله خيراً، بأن تزوجت بمن رضيت بظروفي ونعيش اليوم سعيدين». وينهي محمود مصطفى كلامه، مؤكداً أن الشاب مظلوم ومكتوب عليه أن يعيش في شقاء دائم بحثاً عن شقة بمواصفات ترضي العروس وأهلها، الذين لا يبالون إلا بالوجاهة الاجتماعية.

أحمد شمس: تشاءمت من الزواج بسبب المغالاة في مواصفات الشقة وانضممت الى حملة «خلّيها تعنس»
يؤكد أحمد شمس تشاؤمه من الزواج، الذي بات حلماً بعيد المنال بالنسبة اليه، بسبب الأحلام الوردية وغير الواقعية للفتيات وتعنت أهلهن، الذين يتعاملون مع الشاب على أنه فريسة، ولا بد من الانتقام منه بالطلبات غير المنطقية، فيطلبون شقة شاسعة وفخمة، فضلاً عن تجهيزاتها اللازمة، بدلاً من الرفق والرحمة به، ولهذا يبدأ الشاب حياته وهو محبط وغير راغب بالزواج، بسبب المغالاة في الطلبات وعدم مراعاة ظروفه المادية الصعبة.
ويضيف: «ليس لديَّ أمل في الزواج قبل سن الأربعين، في ظل الأسعار الجنونية للشقق، ليس في القاهرة فقط وإنما في المدن الجديدة، رغم الركود في سوق العقارات، وبما أن راتبي كله لا يكفي لإيجار شقة متوسطة الحال، أرى أن العزوبية أرحم وأفضل».
ويلفت شمس الى أن الإحباط دفعه إلى الانضمام إلى حملات مناهضة للزواج على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «خلّيها تعنس».

الدكتورة عبلة الكحلاوي: الإسلام يسّر الزواج ولو في غرفة بأقل التكاليف
عن حكم الشرع في صعوبة حصول الشبان على الشقة المناسبة، في ظل تمسك أسر الفتيات بمواصفات معينة، تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد في جامعة الأزهر: «دعا الإسلام إلى تيسير الزواج بكل الوسائل حتى يكون مباركاً، لأننا إذا لم نيسر الحلال فإننا نفتح أبواباً للحرام، ولهذا حث الإسلام الشاب على الزواج الميسر، طالما توافرت لديه القدرة على الإنفاق على زوجته وتأثيث بيت بمواصفات بسيطة في ظل إمكانيات أسرته، سواء في شقة مستقلة أو شقة في بيت أسرته، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».
 وتوجّه الدكتورة عبلة نصيحتها الى كل الأمهات والآباء بألا يبالغوا في طلباتهم ويرهقوا الشاب المقبل على الزواج بابنتهم، بالنظر إلى غيرهم، والأفضل أن يجعلوا من الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) القدوة والمثل الأعلى لهم، ولينظروا ويتأملوا قوله لهم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

 وتدعو الدكتورة عبلة الكحلاوي، إلى إنشاء صناديق للزواج يتم تمويلها من أموال الزكاة وتبرعات أهل الخير، لإنشاء مساكن اقتصادية بسيطة للشبان والفتيات، ويتم تجهيزها بأقل الإمكانيات، ولا داعي للأفراح المبالغ فيها، فيمكن أن يتم الفرح بأقل التكاليف حتى نطبّق عملياً قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة»، وقد زوّج الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) أحد الفقراء من الصحابة بما يحفظ من القرآن، وقال لآخر: «التمس ولو خاتماً من حديد» ليتم له الزواج الشرعي الحلال.
وتنهي الدكتورة عبلة كلامها، مؤكدة أن كل من يتسبب في تعسير الزواج بسبب الشقة ومواصفاتها غير المنطقية يعد آثماً شرعاً، لأنه يحارب الحلال ويفتح الباب للحرام، وهذا ما نهى عنه الشرع الذي دعانا إلى التيسير حتى يكون الزواج آية من آيات الله، وكله حب ورحمة ومودة، فقال الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم». وعلينا أن نتأمل حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقد كان بمثابة رئيس الدولة الإسلامية، حيث كانت كل زوجة من زوجاته في مسكن بسيط، ويصل أحياناً إلى غرفة واحدة، ومع هذا كانت زوجاته أسعد الناس، فليس بالمواصفات الفاخرة للسكن فقط تكون السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية.

منيرة بخاري: الأسرة والإعلام يلعبان دوراً مهماً
«مشكلة حصول الشاب على شقة مناسبة ليست مصرية فقط، ولا تنحصر في المجتمعات الفقيرة»، هذا ما أكدته منيرة بخاري، باحثة الماجستير في جامعة الخليج العربي في البحرين، موضحة أنه رغم اختلاف الدخول والمستوى الاقتصادي للشباب العربي من دولة إلى أخرى، لكن تجمعهم تقاليد المغالاة في تكاليف الزواج، ويأتي في مقدمها مسكن الزوجية، سواء كان شقة صغيرة أو كبيرة أو فيلا أو قصراً، وفق تقاليد كل دولة، حيث تفوق طلبات المخطوبة وأهلها إمكانيات الشاب، الذي لم يمر على تخرجه سوى سنوات قليلة وغالباً ما يكون دخله بسيطاً.
وتشير إلى أن الشباب في منطقة الخليج العربي، ومنها البحرين، يعانون صعوبة توفير المسكن، بالإضافة إلى أساسيات الزواج وكمالياته، وهي في العادة أمور مبالغ فيها، ولهذا يكثر فسخ الخطوبة ويتأخر سن الزواج ويصاب الشبان قبل الفتيات بالعنوسة، مما يترك آثاراً سلبية على الأخلاق والتماسك الاجتماعي.
وتطالب منيرة بالتغيير في ثقافة «الصفقات والوجاهة» في مجتمعاتنا العربية، والتي تعد في الغالب ميراثاً جاهلياً توارثته الأجيال ويصعب تغييره بين ليلة وضحاها، وإنما يستغرق سنوات بل أجيالاً، لأنه وكما هو معروف في علم الاجتماع، من الصعب جداً تغيير العادات والتقاليد المترسخة في نفوس أبناء المجتمع بسرعة، ولا بد من استراتيجية طويلة الأمد تقوم بتنفيذها الأسرة والإعلام وقطاع التعليم، وغيرها من وسائل التغيير والتأثير الاجتماعي.


السكن في السعودية: قضية رهن المعالجة
لايزال السكن موضوع نظر ودرس، وعلى جميع المستويات، في السعودية لأنه، ومثلما هو عليه الحال في دول الخليج بوجه عام، لايزال عدد غير قليل من السعوديين لا يستطيعون تملُّك عقار خاص بهم، وللإطلاع على أسباب ذلك، التقت «لها» عدداً من السعوديين والسعوديات لمعرفة تجاربهم في هذا المجال، كما حاورت عدداً من أصحاب الإختصاص الإقتصادي والعقاري.


أم عمر: بحثنا عن الموقع الجيد سيجعلنا نواجه مشاكل كثيرة
تذكر أم عمر أنها اشترت منذ ما يقارب السنة ونصف السنة، شقة سكنية في مدينة جدة بمبلغ 660 ألف ريال سعودي، وتقول: «من أبرز المشاكل التي نواجهها أثناء البحث عن شقة للتملك في السعودية، أنه إذا أردنا السكن في موقع مميز، فلا بد لنا من أن نتنازل عن مساحة الشقة، والعكس صحيح. فكلما كان موقع السكن بعيداً، أو في حي جديد، أو منطقة نائية، من الممكن أن نجد المساحة التي نرغب بها، لكن عندها يتحتّم علينا تقبّل المسافة البعيدة عن جميع المرافق العامة. كما أن شقق التملّك ليست مساكن خاصة لنا بالكامل، فهناك مدخل العمارة المشترك مع باقي السكان، وصيانة المصعد التي يضطر أحياناً صاحب الشقة وباقي المالكين الى التكفل بها، خاصة في ظل عدم التزام شركات العقار المسؤولة عن البناء بالصيانة كما يجب، هذا فضلاً عن تخلّف قاطني العمارة عن دفع راتب الحارس، مما يؤدي الى حدوث العديد من الخلافات بينهم... وفي النهاية، السكن يعتمد على الحظ، فقد تجاورين أُناساً يتعاونون تلافياً للمشاكل، والعكس صحيح. ومن هنا ضرورة تنظيم كل هذه المسائل في العمارة».

وتضيف: «ومن مشكلات تملّك الشقق أيضاً، أن تسلّم شركات العقار المسؤولة عن بناء العمارة، المسكن من دون أن ينتهي بالكامل، أو حتى توضيح أي معلومة حول صندوق الكهرباء، أو تحديد خزان المياه... وما إلى ذلك من تفاصيل تهم صاحب الشقة. كما تبرز مشكلة التشطيب النهائي للشقة، حيث إن معظم الشركات تجارية، ولا تهتم باللمسات الأخيرة للمسكن، كالتأكد من أعمال السباكة، وعدم تسرب المياه، وجودة الأبواب والبلاط والجدارن والإضاءة... وبالنسبة إلي، لا أملك ميزانية لإصلاح كل هذه التفاصيل. هذا بالإضافة الى ارتفاع أسعار الشقق الجنوني، فمن يريد تملّك شقة في جدة، بإمكانه أن يشتري بسعر الشقة نفسه، فيلا خارج مدينة جدة. كما أن هناك مشكلة الأمانة، فعند شراء الشقة، يجب الحصول على عقد التملك، وهو قانونياً يعود الى صاحب الشقة، لكنني لا أملك الى اليوم صك مُلكية لشقتي، وعندما أسأل عنه يقولون لي إن التأخير من المعقّب، أو من الأمانة».
وتؤكد أم عمر: «ميزانيتي لا تسمح لي بتملّك عقار كبير مثل فيلا،  كما أن الشقق الكبيرة ستكون باهظة الثمن، وأنا أبحث عن شقة لي ولأبنائي في قلب المدينة، لأنني موظّفة، وأبنائي في المنزل، وأفضّل أن أضمن وجودهم في مكان تحيط به مرافق عامة كالمستشفيات، والمحال التجارية، والسوبرماركت».

«شراء مسكن في حي راقٍ وبمواصفات عالية حلم  أتمنى تحقيقه»
تقول هداية العبدالناصر إن امتلاك عقار يكفي عائلتها، ويحقق طموحها في «مسكن ذي مساحة كبيرة، وفي منطقة جيدة، يعتبر حلماً بالنسبة إليّ. فعندما قررت الخروج من عباءة السكن المستأجَر، إلى السكن التملكي، بدأت البحث عن منزل بمواصفات جيدة، ومساحة كبيرة، ويقع في منطقة راقية تحوي كل المرافق العامة، والخدمات... وتلك كانت المعادلة الصعبة، فأثناء البحث لم أكن أجد المنزل المناسب، وإنما أُوفّق بالسعر والمنطقة، والعكس صحيح. وعندما استشرت بعض أصحاب شركات العقار، كانوا يؤكدون لي أن المنزل الذي أبحث عنه بهذه المواصفات سيكون سعره مرتفعاً جداً، وقد يتجاوز المليون إلى المليوني ريال كحد أقصى، وفق المنطقة التي أريد العيش فيها، وبالطبع لا أزال مستمرة في البحث عن منزل، رغم أنني لن أستطيع اقتراض مبلغ من البنك قياساً بمستوى راتبي».

المبيض: علينا تعزيز ثقافة الادخار لدى الشباب السعودي
من جانبه، يقول المدير العام لشركة بصمة لإدارة العقارات خالد شاكر المبيض «إن صعوبة تملّك الشباب السعودي عقاراً أو أرضاً في بلادهم، تكمن في عدم وجود وحدات سكنية كافية، وصغيرة الحجم، ومناسبة لفئة الشباب. كما أن بعض الشباب لا يعتبر شراء المسكن في بداية مشواره العملي مهماً له ولضمان مستقبله، والسبب هو عدم انتشار ثقافة السكن في مجتمعنا. لذلك عندما يفكر الشاب في شراء مسكن، يكون الأوان قد فات نوعاً ما، لجهة عدم وجود مساحات أراضٍ كافية، أو لقلّة أعداد الوحدات السكنية، أو لغلاء الأسعار، وغيرها من الأمور».
وعن الآلية التي يجب اتباعها لمساعدة الشباب في الحصول على عقار، يشير المبيض إلى أنه «يجب تعزيز ثقافة الادخار وتفعيلها لدى الشباب أولاً، مع ضرورة توعيتهم في تحديد أولويات الإنفاق، والتي يأتي على رأسها تملك الأرض أو المسكن، وإن كنا قد فوتنا هذه الفرصة على أنفسنا فيجب ألا نكرر الخطأ مع أبنائنا، فنرسخ لديهم ثقافة التملك، ومنحها الأولوية بعيداً عن المكابرة، إذ نشجّعهم على  ادخار جزء من دخلهم الشهري مُبكراً، ليضعوه مع التمويل كقيمة عقار».
وبحكم عمله في شركة عقارية، يوضح المبيض أن «العقبات عديدة، ومما زاد في صعوبة حلها أنها نتيجة لتراكمات سابقة، ولكنها باعتقادي في طريقها الى الحل، بحيث جعلت الدولة حل أزمة السكن ضمن أولوياتها، وهي تعمل جاهدة في سبيل ذلك»... لافتاً إلى «أن وزير الإسكان عندما قال إن مشكلة الإسكان هي مشكلة فكر، لم يكن مخطئاً، ففي مثل هذه الأزمات يجب أن تتضافر جهود جميع الأطراف المعنية، ومن ضمنها المواطن نفسه، الذي يحتاج الى توعية ليكون جزءاً من الحل. والمشكلة ستُحل إذا تعاونت جهود الجهات الحكومية مع القطاع الخاص ووجدت التمويل المناسب».

البنوك لم تعد تساعد
ويشير الصحافي عبدالله عون الذي يملك شقة منذ سبع سنوات الى أن الصعوبات التي تواجه الشباب السعودي في تملّك عقار تتمثل في «مراعاة بعض النقاط. فمن يبحث عن شقة مميزة في موقع مميز، لا بد له من أن يدرك أن الأسعار ستكون مرتفعة جداً، كما أن البنك لم يعد يُساعد بالطريقة التي كنا نتوقعها، بل مساعدته تكون من خلال قروض طويلة الأجل، فأُصبح وكأنني مستأجر يستقطع البنك الإيجار من راتبي لتسديد القرض. كما أن تملك شقة في عمارة سكنية، يدخلنا في مشاكل مع الجيران، أو قد نُفاجأ بأعمال السباكة السيئة، والكهرباء وما إلى ذلك... ولأن ما يقارب الـ 70 في المئة من الشباب السعودي يسكنون بالإيجار، وفق بعض الدراسات، فعلى الحكومة توفير أراضٍ، وقروض مُيسرة، ووحدات سكنية للمواطنين ليتملّكوا في  بلادهم».

النميس: لحل مشكلة السكن، لا بد من مشاركة مثلث الاستدامة... الدولة والقطاع الخاص والمجتمع
منصور النميس موظف علاقات عامة في شركة خاصة يقطن في شقة بالإيجار، وعن تملّكه عقاراً في المستقبل، يقول: «نظراً الى ما يحدث في الآونة الأخيرة في السعودية، أرى أنني لا أملك الشجاعة لشراء شقة أو بيت مستقل، والسبب أن أصغر شقة في جدة في منطقة جيدة يكون سعرها مليوناً و200 ألف ريال سعودي، خاصة إن كان راتب الشخص 15 ألف ريال. فإذا أراد الادخار، عليه ألا يُنفق على نفسه لمدة ثلاث سنوات حتى يستطيع تأمين سعر الأرض أو العقار. وإن طلب قرضاً من البنك، فإن الأخير سيأخذ من راتبه الشهري ما بين 9 آلاف إلى 9500 ريال سعودي، في مقابل أن يحصل على شقة ربما لا تستحق هذه المبالغ الطائلة».
ويشير النميس إلى «أن حل مشكلة السكن يتطلب مشاركة مثلث الاستدامة، وعماده: الدولة، والقطاع الخاص والمجتمع نفسه، إذ يُشارك المجتمع في إيجاد الحلول، ويقوم القطاع الخاص بتحويلها إلى مشاريع، وتعمل الدولة على توفير مساحات واسعة للقطاع الخاص في ما يخص التصاريح وما إلى ذلك... وفي الوقت نفسه تحدد سقفاً للمبالغ المالية بحيث لا يكون هناك أي زيادة أو ارتفاع. فعلى سبيل المثال، رأينا منذ سنتين أراضي في شمال جدة ولم يُبنَ عليها شيئاً حتى اليوم، في مقابل مناطق أخرى من المدينة نفسها وصلت قيمة الأرض فيها إلى مليون و 900 ريال سعودي، وذلك رغم عدم وجود مرافق عامة حولها. وأجد أن الحلول لا بد من أن تأتي من الشباب أنفسهم الذين لا يملكون منازل، ويعانون مشاكل ولا يجدون لها حلولاً. وقد تكون هذه الحلول من خلال وزارة الإسكان بفتح مجال الاستشارات الالكترونية أمام الشباب لإبداء آرائهم ومقترحاتهم، ويأتون من ثم بجهات تناقش هذه الاستشارات وتعتمدها، ويستعينون بشركات تملك القدرة على البناء، حتى لو كانت من خارج السعودية».


بين هاوية القرض وتدني الأجور... شباب لبناني بلا منازل
تعاني غالبية الشباب اللبناني من مشكلة امتلاك الشقق، ولا سيما في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وغياب الاستقرار الأمني... ولعل الأزمة الاقتصادية العالمية التي شهدها العالم في العام 2008، كانت سبباً رئيساً في ارتفاع أسعار الشقق وغلاء المعيشة الذي رافقته زيادة في الحد الأدنى للأجور، إلا أنه لم يكن بمستوى الغلاء الذي شهدته البلاد. ويشكّل شراء الشقق وحتى استئجارها عائقاً أمام الشباب اللبنانيين الذين لم يهاجروا إلى بلاد الاغتراب لتأمين لقمة العيش، محاولين التأقلم مع الوضع الحالي، كلٌ وفق قدرته. لقد بات الزواج مشروعاً صعباً، وخطوة يُحسب لها ألف حساب، فمن دون مساعدة الأهل أو التنازل عن الميراث، والقروض التي تهدّ حيل مقترضها، لا يمكن أي شاب أن يمتلك شقةً. التقينا عدداً من الشبان اللبنانيين الذين تحدثوا عن الصعوبات التي واجهوها أثناء تملّكهم شقة.


هادي: أحلم بامتلاك سقف وأربعة جدران
هادي (42 سنة) متزوج ولديه ولدان. يعمل هادي في مؤسسة الدفاع المدني ويتقاضى راتباً ثابتاً قدره 550 دولاراً، ويدفع منه 300 دولار إيجار البيت الذي يعيش فيه مع عائلته منذ 18 عاماً. ويلفت إلى أن معظم راتبه يُدفع إيجاراً للمنزل. ويقول: «عندما تقدمت لطلب يد زوجتي، اشترطت عليّ عائلتها أن أمتلك شقة، ولم يكن في مقدوري ذلك، لكنهم بعدما تأكدوا من حسن أخلاقي وافقوا على تزويجي ابنتهم. وكنت قد فرشت بيتي في العام 1995 وتزوجت في العام 1997، ولم أغيّر للأسف فرش بيتي منذ ذلك الوقت. حلمي أن أمتلك سقفاً وأربعة جدران تؤويني مع عائلتي. ويتابع: «إلا أنني لم أفكر يوماً بتغيير عملي لأنني أشعر بالسعادة حين أساعد الآخرين».

فانيسا متى: لولا تنازل خطيبي عن حصته في منزل عائلته لما استطعنا
شراء شقة

فانيسا متى (25 سنة)، مخطوبة وتعمل مراسلة في إذاعة لبنانية. تقول: «في ظل الرواتب المتدنية، لم نعرف في البداية كيف نتدبر الدفعة الأولى من القرض الذي سنشتري به شقة. فكان استئجار شقة هو الخيار الأصوب. إلا أن خطيبي تنازل عن حصته في منزل والديه، وسدد بهذا المبلغ الدفعة الأولى من الشقة». وتتابع: «في بيروت سعر الشقق مرتفع جداً، وحتى في ضواحي بيروت لا نستطيع أن ندفع ثمنها، فاتجهنا إلى منطقة كسروان». وتلفت فانيسا إلى أن فوائد مصرف الإسكان خيالية، إذ يجب أن ندفع نحو 1000 دولار شهرياً على مدة تقارب الثلاثين عاماً. فلجأنا إلى شركة مقاولات واشترينا شقة من خلالها على أن ندفع لها مباشرةً. وتشير إلى أن المبلغ الذي تتقاضاه الشركة يُدفع خلال ثلاث سنوات ونصف سنة، يتسلّمان الشقة بعدها، وتضيف: «نتشارك أنا وخطيبي في دفع 1100 دولار شهرياً، وبعد أن نتسلم الشقة نكون قد دفعنا أكثر من نصف ثمنها، فيتحول باقي المبلغ إلى إسكان الدولة وبالتالي ندفع لمصرف الإسكان». وتختتم فانيسا حديثها بالقول: «لكن قبل أن نتسلم الشقة، سنستأجر أخرى إلى حين أن نتسلّمها من شركة المقاولات، وفي النهاية لا مفر من امتلاك الشقة، وكان هذا الحل الوحيد».

ماهر الدنا: لا أفكر في شراء شقة لأن العالم من حولنا غير مستقر
ماهر الدنا صحافي يبلغ من العمر 27 عاماً، يقول: «أنا شاب عازب، وقد استأجرت منزلاً لأسكن فيه مع عائلتي، ولا أفكر أبداً بشراء منزل، لأنني أعتبر نفسي في بلد غير آمن. ولدي قناعة تامة بأنني حتى لو حصلت على مبلغ 200 أو 300 ألف دولار ثمناً للشقة فلن أدفعه، لأنني لن أعمل طوال حياتي لأدخر مالاً لشراء شقة. وإذا امتلكت هذا المبلغ الضخم فسأودعه في أحد المصارف وبفائدته أستأجر بيتاً. وفي المقابل، إذا كان سعر الشقة 30 ألف دولار لفكرت جدياً في التملّك. أما في ما يتعلق بالزواج، فيشير ماهر إلى أنه لن يتزوج بفتاة لا تفكر بأسلوب تفكيره نفسه، مؤكداً انه لن يقسّط منزلاً من خلال مصرف الإسكان.

حسن عوّاد: أصحاب العقارات لا يفكرون ببناء شقق لذوي الدخل المحدود
حسن عوّاد (30 سنة) يعمل في حقل الإعلام، خاطب وسيتزوج قريباً، ولكن عدم امتلاكه شقة في ظل الظروف المعيشية الصعبة دفعه إلى تأجيل زفافه لأكثر من مرة. يلفت حسن إلى أنه واجه مشكلة في تملك شقة، أولاً في السعر وثانياً في جودة الشقق. فخلال جولته على عدد من الأبنية الحديثة، سأل عن سعر إحدى الشقق فأطلعه صاحب المبنى على سعرها، ويقول: «سألته عن مواد البناء، فأخبرني بأنها ليست بجودة عالية، فكل بمقدار ماله، مما يؤكد أن هناك تفاوتاً في جودة الشقق». ويتابع حسن: «الأمر لا يقتصر على الجودة، إذ يختلف سعر الشقق باختلاف المناطق. مثلاً سعر شقة مساحتها 120 متراً مربعاً في مدينة صيدا الجنوبية هو 130 ألف دولار، بينما يراوح سعر شقة في بيروت مساحتها 100 متر مربع ما بين 250 و300 ألف دولار». ويضيف: «عندما ذهبت لأشتري شقة، طلب مني صاحبها 25 ألف دولار كدفعة أولى، والباقي أقسّطه من طريق مصرف الإسكان، وإذا كان راتبي الذي أتقاضاه دون الـ700$ فلا يمكن مصرف الإسكان أن يقرضني مالاً. مثلاً مدخولي الشهري 1500 دولار، أعطاني مصرف الإسكان 67000 دولار، وترتّب عليّ فارق المبلغ الذي طالب به صاحب الشقة، وبالتالي هذا حقه، فإن عجزت عن ذلك، يسترجع بيته. فاتفقت مع المالك على أن أدفع له 1000 دولار شهرياً، وأقسط لمصرف الإسكان 460$. ولكنني اصطدمت بمشكلة مصروفي الشخصي ومصروف خطيبتي، بالإضافة إلى فرش البيت الذي لم أشتره بعد. كما يتوجب عليّ دفع قرض الشقة على مدى 30 سنة، فاتفقت مع مالك الشقة أن أدفع له 500 دولار شهرياً، لأتمكن من شراء أثاث المنزل بالتقسيط. مع الإشارة الى أنني من دون مساعدة عائلتي لا استطيع الارتباط، أو حتى التفكير بالزواج، كما أن أهل خطيبتي متفهمون جداً ويقدّرون ظروفي. فالمشكلة الأساسية، أن أصحاب العقارات لا يفكرون ببناء شقق لذوي الدخل المحدود».

رامي مسلماني: بالمستوى الذي أعيشه لن أستطيع شراء شقة
رامي مسلماني (31 سنة)، مهندس تليكوم، متزوج ولديه طفل في سنته الأولى. إلا أن رامي لا يمتلك شقةً بل يسكن بالإيجار، وذلك لعدم قدرته على شراء شقة لأن أسعار الشقق مرتفعة جداً. ويقول: «في ضواحي بيروت يبلغ سعر المتر الواحد نحو 1500 دولار، فإذا أردت شراء شقة من طريق الإسكان، عليّ أن أدفع دفعة أولى، وتراوح قيمة الدفعة الأولى ما بين 15 و20 في المئة». ويلفت رامي إلى أن سعر الشقة يُدفع في الـ15 سنة الأولى من القرض الذي يُسدد على مدى 30 سنة، وفي الـ15 سنة الأخيرة يُدفع المبلغ المتبقي، لكن مع انخفاض قيمة الدفعة الشهرية، وهذا المبلغ هو بمثابة الفائدة على المبلغ الذي تم اقتراضه. ويشير إلى «أن المبلغ الشهري الذي من المفترض أن ندفعه يمثّل نحو 45 في المئة من الراتب الذي نتقضاه، أي أنه إذا كان الراتب 2000 دولار أميركي، علينا أن ندفع نحو 900$، بالإضافة إلى التأمين على الحياة في حال وفاة المشتري. وبعد سداد سعر الشقة، على المشتري أن يدفع قيمة فرز الشقة لكي يحوز براءة ذمة من الدوائر العقارية تؤكد أن لا ديون مستحقة عليه، وبالتالي تنتقل ملكية البيت الى المشتري». ويتابع رامي: «يلعب السماسرة دوراً في ذلك إذ يصطحبون مخمّناً عقارياً من المصرف يرفع سعر الشقة لكي يتمكن المشتري من الحصول على أعلى مبلغ من مصرف الإسكان، رغم أن القيمة الحقيقية للشقة تكون أقل». ويختتم رامي حديثه بالقول: «أعلم أنني ومن خلال الراتب الذي أتقاضاه لن أتمكن يوماً من شراء شقة، وكذلك الموظفون الذين يعيشون بالمستوى نفسه، على الرغم من أن زوجتي تعمل أيضاً وتساعدني في المصاريف».

 

أزمة السكن في سورية تحولت إلى مشكلة كبرى...

توقف القروض المصرفية، والايجارات المرتفعة... تجعل الآلاف بلا منازل
تعد أزمة السكن من أبرز المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المواطن السوري منذ عام 2002 ولغاية اليوم. فغالبية الدراسات تشير إلى أن أسعار العقارات ارتفعت بنسبة  500%، وأزمة السكن تتفاقم في سورية يوماً بعد يوم، بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار، الذي تشهده السوق العقارية بشكل عام، أو بصورة أدق لعدم تناسب أسعار العقارات مع دخل المواطن، خصوصاً في ظل توقف المصارف الحكومية والخاصة عن منح القروض التي كانت سنداً رئيسياً لمختلف الشباب في الحصول على منزل.
وبينت إحدى الدراسات التي قام بها المركز الاقتصادي السوري عام 2011، أن توفير حوالى مليون ونصف مليون مسكن هو الحل الأمثل لأزمة السكن. أما الدراسة التي أُجريت في سورية عام 2009 فتشير إلى توافر ثلاثة ملايين وأربعمئة ألف مسكن في سورية، منها 46 % في الريف و54 % في المدينة، وأن الحاجة الفعلية هي 1,5 مليون مسكن لحل الأزمة. وقد ضاعفت الأزمة السورية أسعار الإيجارات 600% وارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير، حتى أنها تضاعفت أكثر من 600 % في بعض المناطق وبنسب أقل في مناطق أخرى، مما فرض أزمة جديدة حولت حلم شراء منزل الى امتلاك القدرة على تسديد إيجاره.

علي قاسم (طالب): أراهن على تحصيلي العلمي
يقول علي قاسم: «سأفعل المستحيل حتى أكمل دراستي، لأنني لا أملك شيئاً. فلعل شهادتي تنفعني مستقبلاً، سواء في إيجاد عمل أو قد تشق لي طريقاً في هذه الحياة، في سبيل تحقيق حلمي بشراء منزل. فهذا بمثابة حلم، أنتمي الى أسرة مؤلفة من ثمانية أشخاص ونعيش كلنا في غرفتين من دون أن نملك أي شيء آخر... فلا حل أمامي سوى التحصيل العلمي.

أحمد: أصبح الزواج حلماً بالنسبة إلي
أحمد شاب مقبل على الزواج، ويرى أن الأمور أصبحت أسوأ بكثير، بحيث بات الزواج حلماً لأي شاب لا يملك منزلاً، ويقول: «قبل الأزمة السورية، كنت أخطط للزواج وشراء منزل أستقر فيه. أما اليوم فأصبح الزواج حلماً، لأنه مرتبط بالشقة، فأول ما يطلبه أهل العروس هو المنزل، مما جعلني أعتكف عن الزواج. وعندما ألغيت فكرة شراء شقة، واستئجار بيت، وجدت أن إيجار منزل مؤلف من غرفة وصالون ومنافعهما يبلغ حوالى 25 ألف ليرة سورية، وهو ما يوازي مرتّب الموظف عن شهر كامل، فاضطررت الى إلغاء فكرة الزواج حتى إشعار آخر».

يونس السيد: قبل الأزمة كان الحال أفضل بكثير
قبل الأزمة، كان الحال أفضل بكثير من اليوم، فقد كانت  أسعار المنازل متدنية، خصوصاً في ظل توافر القروض من المصارف التي كانت تتنافس على إقراض المواطنين، فكان بإمكان صاحب الدخل المحدود، وبقليل من التدبير، أن يشتري منزلاً بحيث يدفع مبلغاً من المال كدفعة أولى، ثم يقسّط باقي القرض للمصرف الذي يُبقي المنزل مرهوناً لديه الى حين سداد المبلغ كاملاً. وكانت القروض الطويلة الأجل تمتد الى 25 عاماً.
لكن في ظل الأوضاع المأسوية التي تعيشها البلاد، وتوقف المصارف بالتالي عن تقديم القروض التي كانت سنداً لفئة الشباب العاملين والموظفين، أصبح حلم شراء منزل ضرباً من الخيال، فكيف يستطيع الموظف أو العامل أن يؤمّن سعر الشقة إلا من القروض التي بتوقفها توقف حال الكثيرين مثلي! لذا أعيش اليوم في غرفة استأجرتها مع مطبخ صغير وحمام بمبلغ 17500 ليرة سورية شهرياً.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078