تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

محمود شقير روائي الحكايات النسائية

في روايته «مديح لنساء العائلة» (وصلت إلى اللائحة الطويلة لجائزة البوكر العربية)، يطلّ الكاتب الفلسطيني محمود شقير على عالم القبائل البدوية عبر كوّة الحكايا النسائية. إنّه متيقّن من أنّ التاريخ الاجتماعي الدقيق لا يُحفظ إلاّ بلسان النسوة وحكاياتهن. ومن هذا الخيط ينسج شقير بأسلوب روائي سلس الجزء الثاني من رواية «فرس العائلة»، حيث يأخذ الابن محمد الأصغر مهمة السرد عن والده منّان محمد العبد اللات، الراوي في الجزء الأول منها.
يبدأ محمد الفصل الأول بحكايته هو مع زوجته وقرارهما المفاجئ بالعدول عن فكرة السفر للاحتفال بعيد زواجهما في بيروت. يُقدّم نفسه كمن يتقدّم للإدلاء بشهادة في محكمة: «أنا محمد ابن منّان العبد اللات. أنا...». ثمّ تدخل الشخصيات الأخرى (أمّه وأشقاؤه)، ويترك الراوي الرئيس «محمد» للشخصيات الأخرى أن تُقدّم نفسها وحكايتها بلسانها، وعلى طريقتها، مع المحافظة على الأسلوب نفسه في التعريف عن أنفسهم. «قالت أمي: أنا وضحا بنت عبدالهادي، زوجة منان محمد العبد اللات، يا حسرة راسي قديش تعبت وشفت ويلات». ويأتي هذا الشكل في تقديم الشخصيات متناغماً مع عمل «محمد» (الراوي) ككاتب يُدوّن محاضر في المحكمة الشرعية في القدس، حيث علمته مهنته فعل التدوين وتقديم الشخصيات بهوياتها واضحةً. ويذكر الراوي في مكان ما من الرواية أنّ عمله في تدوين المحاضر أوجد لديه رغبة في أن يدوّن سيرة عائلته التي عرفت تحولات جذرية بانتقالها من طور البداوة إلى الحياة القروية فالمدنية. وهو لا يحكي عن هذه التحولات متكئاً على وثائق تاريخية، وإن كان التاريخ حاضراً في الرواية، إنما يعتمد في المقام الأول على نقل التحولات البسيطة والدقيقة في ملبس نساء العائلة مثلاً وعاداتهن وعمل الأبناء وطباعهم. ومن يتابع سيرة هذه العائلة بمساراتها المتشابكة وتغيراتها، يمكن أن يقرأ أيضاً التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية التي طرأت على فلسطين وعائلاتها بعد النكبة، وطفرة الحداثة. فالكاتب يعمد إلى مزج الحكاية العائلية بالحكاية التاريخية، لتتبدّى الأزمات الصغيرة بالتوازي مع الأزمات الكبرى، وتأتي في طليعتها «نكبة فلسطين 1948/ تشتّت العائلة».
لم يكن سهلاً على الوالد منّان «البدوي» أن يرى تفكّك عشيرته الكبيرة، وتشتّت أبنائه بين أماكن وأفكار وأيديولوجيات مختلفة. أدرك الأب حجم الهوة التي باتت تُباعد بين الإخوة، فأوكل مهمة جمع شتات العائلة الى الابن الأكثر اتزاناً بين إخوته، وهو الراوي محمد الأصغر، الذي يُدرك في قرارة نفسه صعوبة، إن لم نقل استحالة هذا الأمر في ظلّ مستجدات طرأت على الحياة الاجتماعية وبدلّت مفهوم العشيرة التي سعى الأب منّان أن تظلّ راسخة في أذهان الأبناء رغم كلّ شيء. لكنّ الأب منّان يموت والابن يظلّ مدركاً قاصراً عن تحقيق ما أوصاه به والده.
«مديح لنساء العائلة» التي صدرت عن «دار نوفل- هاشيت أنطوان» هي الجزء الثاني من رواية، وقد تكون السابقة لرواية ثالثة يستكمل فيها شقير حكاية عشيرة عبد اللات التي تعكس بتفاصيلها حكاية فلسطين التائهة بين ماضٍ مشع ومستقبل غامض. ے

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078