تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

طفلي خجول... كيف أساعده؟

عندما يتحدث أحدهم إلى نديم، يحني رأسه فتبدو عيناه تحدّقان إلى الأرض، ويردّ بصوت خافت جدًا، وتحمرّ وجنتاه، فيبدو أنه غارق في خجله. تتلقف والدته الموقف وتقول «إنه خجول»، نعت تلصقه بهذا الطفل الذي لم يتعدّ السادسة من عمره من دون أن تكون حذرة مما تقوله. لماذا يشعر نديم بالخجل؟ وهل هذا خجل أم عدم ثقة بالنفس؟

يرى اختصاصيو علم نفس الطفل، أن الخجل يختلف باختلاف الطفل، ولكن يمكن القول إن الطفل الخجول هو ذاك الذي نجده دائمًا مختبئًا خلف والدته، ومن النادر أن يترك يد والده، بل يكاد يكون معلقًا به ويرفض الابتعاد عنه. وإذا سأله أحدهم يتهرّب من الجواب بالنظر إلى الأرض، ويتحوّل وجهه إلى كتلة حمراء. ومن المستحيل أن يبادر في الطلب من أحد الأطفال اللعب معه، خصوصًا إذا لم يكن على معرفة مسبقة به. أمّا التحدث بصوت عالٍ فهذا غير ممكن، ويصعب على المحيط فهم ما يقوله بسبب صوته الخافت جدًا. إضافة إلى أن بعض الأطفال الخجولين غير قادرين على توجيه الكلام إلى الراشدين.


 -متى يمكن القول إنه طفل خجول؟
هذا يعتمد على درجة الخجل. إذ يجب تقويم تصرّف الطفل في المدرسة وفي البيت ومع أصدقائه ومع الراشدين. وليس بالضرورة أن يكون الطفل خجولاً في كل المواقف التي يواجهها، فقد يكون الطفل مرتاحًا مع أقرانه، ولكنه متحفظ مع معلمته. واليوم ينظر إلى الخجل على أنه مسألة نسبية، فإذا لم يشارك التلميذ في الحوار الذي يدور في الصف، وإذا كان متنبهًا ومراقبًا، فإن هذا لا يعني أنه خجول. وفي المقابل، يطلب من الطفل الجريء ألا يكون صاخبًا، ثرثارًا، فيما يطلب من الطفل الخجول أن يكون مشاركًا ومثبتًا لوجوده، وهذا ليس سهلاً.

 -ما الأسباب المحتملة للخجل؟
للخجل أسباب عدة منها الخوف. غالبًا يخاف الطفل الخجول من كل شيء. فهو يتخيل الخطر يحدق به أينما ذهب، وإن لم يكن موجودًا فعلاً، فهو عندما يحني رأسه أو يختبئ خلف والدته، فإنه يشعر بالخوف من الغريب أو الشخص الذي يسأله. هذا الخوف طبيعي في مراحل الطفولة الأولى، فمن المعلوم أن الطفل الصغير يخشى الغرباء، ويتشبث بوالدته إذا ما حاول أحدهم التقرب منه أو حضنه أو تقبيله، ولكن هذا الخوف يتلاشى  مع الوقت، ولا سيّما عندما يذهب إلى الحضانة، وبعدما يتخلّص من قلق الانفصال عن والدته. ولاحقًا، وبدءًا من سن الخامسة، من المفترض أن يبدأ حاجز الخوف بالانهيار، ولكن الذي يحدث أن حرص الأهل على عدم تعريض ابنهم للألم، يدفعهم الى تجنيبه الأمور التي توتره، مثلاً تخضع والدة لعدم رغبة الطفل في الذهاب في رحلة مدرسية، لأنه صار يبكي بسبب شعوره بالخوف. ولكن ما لا يدركه الأهل أن تجنيب الطفل القلق، له ثمنه المكلف، ذلك أنه سوف يترسخ لديه اقتناع بأنه لا يمكن أن يتخطى مخاوفه، والدليل أن أهله جنّبوه إياها. وبالتالي فإنه يحدّد هويته: إن طفلاً خوّافًا كهذا ينحو سلوك الخجل، والأهل من دون قصد يعزّزون هذه الهوية، وفي المقابل يشعر على نحو متزايد بأنه عاجز عن مواجهة صعاب الحياة. الخجل إذًا هو نتيجة أسلوب تربوي يعتمده الأهل. فالمبالغة في حماية الطفل قد تجعله خوّافًا خجولاً.

هناك سبب آخر للخجل، وهو ضغط الأهل على الطفل الذي يجد أن عليه القيام بكل ما في وسعه ليكون على قدر توقعات أهله من دون أن يعبّر عن رغباته وإرادته، ويخشى الإعلان عنها أمام والديه، وبالتالي أمام الآخرين الغرباء عنه، فهو مثلاً إذا شعر بالعطش لا يجرؤ على طلب كوب ماء. فيما يصبح بعض الأطفال خجولين، لأنهم مرّوا بتجارب سلبية جعلتهم يشعرون بالخجل، مثلاً تعرّض الطفل للسخرية في الصف، وبالتالي يكون سبب خجله انطلاقة سيئة في المدرسة. وأحيانًا يقلد الطفل أهله بشكل أعمى، فإذا كانت والدته أو والده خجولاً، فإنه يتماهى بأحدهما، فمشاعر الأبوين وسلوكهما تنتقل إلى الأبناء وإن لم يقصدا ذلك، ولكن هذا ليس أمرًا ثابتًا، فبعض الأطفال لا يتأثرون بأهلهم.

 -إذًا هل الخجل هو الوجه الآخر للخوف؟ 
بعض الأطفال هم سجناء مخاوفهم التي تمنعهم من الانفتاح على الآخر ومواجهته والعيش بسعادة. غير أن صعوباتهم ليست فطرية، وهي أكثر تعقيدًا مما تبدو. فالخجل هو رهن ثلاثة أبعاد أساسية في حياة الطفل. وهي:

صورة الأنا : تبدو صورة الطفل عن ذاته في لا وعيه مشوّشة، مما يجعله غير راضٍ عن نفسه، وبالتالي غير قادر على التعامل مع الآخر ومواجهته، مما يدفعه للتصرف بخجل.

صورة الآخر: بما أن الطفل يخشى مواجهة الآخر، فإنه ينظر إليه على أنه شخص مخيف ويشكل خطرًا عليه. وهذه الصعوبة أو الخوف من الآخر سببه نظرة الطفل السلبية إلى نفسه وعدم ثقته بها، وهذا مؤشر الى أن تقييم الطفل لذاته ولقدراته لم يبنَ بشكل صحيح وإيجابي منذ البداية.

صورة الأهل: من البديهي أن يكون الطفل فخورًا بنفسه إذا كان الأهل فخورين بأنفسهم، بفضل ما يعنيه طفلهم بالنسبة إليهم. فعندما يعرف الطفل أنه مصدر سعادة أهله، فهذا كفيل بأن يكون رأسمال ثقته بنفسه، وبفضل التربية التي يتلقّاها، يكون واثقًا بنفسه لأنه واثق بقدراته. ولن يعي قدراته إلا إذا أتيحت له الفرصة لبلورتها وحصد النجاح بفضلها.

 -هل هذا يعني أن الطفل الخجول، لديه مشكلة ثقة بالنفس؟
ليس بالضرورة، عدم الثقة بالنفس هو أحد الأسباب التي تجعل الطفل خجولاً،  ولكنْ هناك أطفال لا يحبون الضجيج والصخب، وتصرفهم ليس سببه عدم الثقة بالنفس، وإنما هم في طبعهم متحفظون، فيما نجد أطفالاً آخرين يتكلمون كثيرًا وبصوت عال ويرغبون دائمًا في أن يلاحظ الآخرون وجودهم، من بين هؤلاء قد يوجد خجولون، فهم يختبئون خلف تصرفهم الصاخب، ولدى بعضهم صورة خاطئة عن تقييم الذات.

 -كيف يمكن تعليم الطفل أن يكون جريئًا واثقًا بنفسه؟
الحوار مع الطفل ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في التربية، فهو يسمح بفهم تصرفه أكثر، ويمكن الأهل أن يقترحوا على طفلهم شرح أسباب خوفه من الذهاب إلى النادي مثلاً. كما يمكنهم التحدث إليه عن طفولتهم، فهم أيضًا لا بد من أنهم شعروا بالخجل، فهذا يطمئنه لأن تصرفه هذا مألوف، وليس معيبًا.

ليس بالكلام وحده يشعر الطفل بالثقة بالنفس، وإنما بالإنجاز الذي يقوم به كل يوم. سواء انتصر على نفسه، أي مخاوفه، أو على الأشياء الملموسة، مثلاً ربط شريطي حذائه، فك أزرار القميص، فالطفل عندما يبالغ في حمايته، ويجد دائمًا من ينوب عنه في إنجاز الأمور، يشعر بأنه عاجز وغير مقدّر. وهذه المشاعر تؤثر في نظرته إلى الآخرين، وترهن علاقته بأقرانه، لأنه يشعر بأنه مختلف عنهم، وأن أداءه أقل منهم، وكذلك ترهن هذه المشاعر علاقته بالراشدين، لأنهم ينوبون عنه في الكثير من الأمور، ويبدون بالنسبة إليه أشخاصًا متفوقين، لديهم  قدرات سحرية لا يتمتع بها.

يتحقق فن التواصل والعلاقات عندما يساعد الراشدون الطفل، فهو في حاجة إلى أن يشرح له أهله، في قالب مسرحي الصعوبات التي يواجهها في الحياة مع أقرانه. يقولون له لماذا هناك شجار، وشد شعر، وتمزيق للدمى. انه يحتاج إلى السماح له بفهم أن من الصعب التعامل مع الآخر، بأن له أسلوبه في العيش، وذوقه الخاص، وتعاطفه مع الآخر. يحتاج إلى أهله لتكوين طرق التعامل في الحياة الاجتماعية، ومنحه المساعدة عندما يحتاج إليها ليتخطى خوفه، لتعليمه طرق التعامل في الحياة الاجتماعية.

 -متى يصبح الخجل معيقًا للطفل؟
عندما يجتاح يومياته، وعندما يشعر الأهل أن ابنهم يقيد مجالات حركته، أي ينطوي على نفسه. مثلاً لديه آلام في المعدة عند الذهاب إلى المدرسة، ويشعر بالتوتر بسبب الذهاب إلى حفل ميلاد صديقه، ولا يجيب عندما تسأله المعلمة رغم معرفته بالجواب، لا يجرؤ على الذهاب إلى النادي. لديه رغبة في القيام بكل هذه الأمور ولكنه لا يستطيع. لا يريد لأنه يخشى الرسوب أو إقامة علاقات صداقة أو مواجهة موقف صادم. إذًا لا يفعل شيئًا، يتكلم قليلاً، ولا يشارك في النشاطات اللاصفية في المدرسة. في هذه الحالة يكون الخجل عائقًا اجتماعيًا ومن الأفضل التدخّل، فهو في حاجة إلى مساعدة اختصاصي.

- هل يمكن أن يتحوّل الخجل إلى نعت لصيق بالطفل؟
صحيح أن عبارة «نديم خجول» قد تبدو بسيطة بالنسبة إلى الراشد، ولكن لها وقع وأثر كبير في شخصية الطفل. وإغفال الأهل لتأثيرها السلبي في شخصيته قد يجعله راشدًا خجولاً. فاعتقاد بعض الأهل أن الخجل طبع لدى طفلهم، يشعره بعبء ثقيل، لأن ظن أهله يضعه في مواجهة التناقضات، «كيف يطلبون مني ألا أكون خجولاً، ويصفونني أمام الجميع بالخجل».

- ما الحيل المقترحة لتجاوز هذه العقبات في الحياة اليومية؟
في معظم الأحيان، يكون تصرّف الطفل المتحفظ عادة اكتسبها أكثر منه خجلاً. هو ببساطة يفضل الانسحاب لأنه مريح بالنسبة إليه! ولكن باستطاعة الأهل مساعدته على اكتساب مهارات سلوكية أخرى. مثلاً تعويده على قول «مرحبًا» أو «شكرًا» للرد على الهاتف، أو التحدث إلى الطبيب أثناء معاينته بدلاً من والدته، كأن يؤشر الى موضع الألم، في المطعم أن يخبر النادل عن الوجبة التي يرغب فيها. وكذلك من خلال مواقف بسيطة يكتسب الطفل تدريجًا ثقته بنفسه، وتزول مخاوفه، مثلاً مرافقة شقيقه الأكبر منه لشراء لوح شوكولاته في المرة الأولى، ثم وحده في المرات التالية، يمكن الأم أن تقف خارج الدكان وتعطيه النقود لشراء ما يرغب فيه وحده.

عندما تتوّج هذه التجارب الصغيرة بالنجاح، سيعيد الطفل الكرّة، وسيكتشف أن في إمكانه التواصل مع الكبار من دون أن ينتج من ذلك كارثة، ويدرك أن تجنب الآخرين بشكل دائم مقلق أكثر مما هو في الواقع. ولكن هذا يتطلب من الأهل عدم الإجابة عنه عندما يسأل أو القيام بالأمور بدلاً منه، بل يجب إتاحة الفرصة له ليكون قادرًا على تدبّر أموره بنفسه.

- ما يجب قوله للطفل الخجول وما لا يجب قوله؟
يحتاج الطفل الخجول إلى الشعور بدعم والديه ومساندتهما له، وأنهما واثقان بقدراته، لذا من الضروري أن ينتبها إلى التعليقات التي يوجهانها إليه،  فعبارات مثل «لن تصل أبدًا إلى الهدف المنشود»، أو «ما زلت صغيرًا على القيام بهذا الأمر»، أو «لا تعرف ماذا تفعل»، يجب تجنبّها، بل على العكس يجب تشجيعه عندما يبذل مجهودًا، وتحفيزه، «هيّا حاول، أنا أكيد من أنك ستحقق الهدف». بهذه الكلمات الإيجابية يشعر الطفل بالدعم والمساندة. وهناك جملة على جميع الأهل تجنبها أو إزالتها من قاموسهم اللغوي، وهي «ابني طبعه خجول أو متحفظ»، فهذه الجملة تعزز شعوره بالخجل، إذا يكفي في بعض الأحيان مثلاً إضافة كلمة «لا يزال خجولاً» التي يفهم من خلالها الطفل أن في إمكانه التطور وأن خجله سيختفي.

  -ما هي النشاطات التي يمكن إشراك الطفل الخجول فيها؟
لا يجوز تسجيل الطفل الخجول في نشاط بهدف مساعدته في السيطرة على خجله. بل يجب سؤاله عن النشاط الذي يحب القيام به. ما هو النشاط الذي يستمتع به؟ الأشغال اليدوية، الرسم أو الغناء... ومن هنا على الأهل اختيار نشاط يضم عددًا قليلاً من الأطفال لتسهيل تكيفه واندماجه بالمجموعة. القيام بنشاط رياضي، أو المشاركة في نشاط المسرح تساعد كثيرًا ومفيدة. ولمَ لا تقوم الأم بألعاب جماعية في البيت، مثلاً يمكن الطفل لعب دور الأم أو الأب أثناء القيام بالتسوق، فبقدر ما يستطيع الطفل التعبير في إطار يبدو له رائعاً، يكون النشاط مفيدًا له.
 

نصائح لمساعدة الطفل على التخلّص من خجله

  • عدم إجبار الطفل على أن يكون صديقًا لطفل اختاره الأهل، بل يمكن الأم دعوة مجموعة أصدقاء في سنّه إلى البيت، فهذه استراتيجية سلسة ليبدأ الطفل ببناء صداقات.
  • عدم التردّد في تهنئة الطفل عندما يحاول النجاح في إنجاز أمر ما.
  • منح الطفل الفرصة للقيام بتجارب مختلفة ليكتشف مواهبه الخفية.
  • تجنب كل أنواع الضغوط على الطفل، فشعوره بالإرغام للقيام بشيء ما يخاف منه هو غالبًا يعيق تطوره وإنتاجيته.
  • الاقتراح على الطفل اتخاذ القرار، وهذا لا يتضمن قرارت كبرى بل واقعية، مثلاً ماذا تقترح أن نتغدّى اليوم، أو ماذا سنفعل بعد الظهر، فهكذا تعزز الثقة بنفسه.
  • ابتكار قصص لإخبارها للطفل حيث يمكنه إسقاط مكنوناته. مثلا قصة صبي يريد أن يلعب دائمًا وحده، أو قصة بنت شيّدت قصرًا من الرمال، فيما أراد طفل آخر تدميره، فإن الطفل سوف يتماهى مع هذا الطفل الخجول ويقترح حلولاً لمساعدته في القصة.
  • حيوان أليف يكون لديه تأثير إيجابي ويساعد الطفل على أن يكون مسؤولاً ويقوم بمبادرات. مثلا شراء سمكة يعتني بها وينظف كل فترة حوضها.
  • ليتأكد الطفل من أن والدته تحبه، عليها أن تصبر وتشجعه، وعلى الأم ألا تنسى أن مساندتها وحبها يمنحانه شعورًا أفضل ويعززان ثقته بنفسه.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079