تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

خبير العطور لدى دار Guerlain تييري واسر: Ambre Eternel يروي قصة عربية بامتياز

الزميلة كارولين كاسيا وتييري واسر

الزميلة كارولين كاسيا وتييري واسر

إنه أنف دار Guerlain وصانع العطور لديها منذ العام 2008. هو من ابتكر عطري Petite Robe Noire، وLHomme Ideal. يملك حساً شمياً طبيعياً أقوى من المعدل، لكنه لا يرغب في أن يتم اعتباره مجرد أنف للعطور. فثمة  عقل وراء ذلك، على حد قوله. اليوم، وبعد سلسلة Desert dOrient و Santal Royal، ها هو يبتكر مرة جديدة عطراً خاصاً بمنطقة الشرق الأوسط Ambre Eternel. لقاء مع خليفة سلالة غيرلان، والوحيد الذي لا يحمل شهرتها: تييري واسر.

-تقول إنك تروي قصة من خلال ابتكار العطر، لكن بدل استعمال الكلمات، تستخدم الروائح. هلا أخبرتنا قصة العطر Ambre Eternel؟
كلماتي هي المواد الأولية، لكن في مهنتنا لا توجد قواعد لغوية أو نحوية. لا بد من امتلاك محرك خيالي قوي لسرد هذه القصص. ثمة صديق عزيز التقيته في دبي قال لي ذات مرة: إني لا أتقن ابتكار العطور. أصغيت إليه بانتباه، ونجح هذا اللقاء في تبديل بعض الأشياء في كتابتي وفي طريقة صنعي للعطر. فكما توجد أنواع عدة في الأدب (روايات، شعر، قصص...) كذلك الأمر بالنسبة للعطور: كولونيا، ماء خفيف، عطر أنثوي جديد. وحين نتوجه إلى فئة معينة من الزبائن، مثل زبائننا في  الشرق الأوسط، علينا التفكير بهذه الطريقة. لا بل إن الشرق الأوسط هو المكان الوحيد الذي نبتكر له عطوراً لأن زبائننا هناك يعشقون العطور ويفهمونها. أشعر في هذه الحالة بذروة الارتياح ويسهل كثيراً سرد حكاية العطر Ambre Eternel. ففي أوروبا، العنبر هو نوع من السكر والفانيلا. لكني تعلمت أن الناس في الشرق الأوسط يحبون البخور، أو العنبر الرمادي الطبيعي. تعلمت أيضاً أن العنبر جاف ولا علاقة له أبداً بما عرفته قبلاً. لذا، فإن سرد هذه الحكاية أشبه بسرد حكاية خرافية. أقرأ قصص ألف ليلة وليلة. إنها حكايات صغيرة. والواقع أن Santal Royal يعتبر واحداً من تلك الحكايات، فيما Ambre Eternel فصل جديد منها. الأمر مشابه لما يحصل في مجموعة القصص، لكن القصص هنا عربية بامتياز. فالعطر Ambre Eternel هو لقاء بين مادتين، البخور والعنبر الرمادي، الشائعتين جداً في الشرق الأوسط وليستا من المواد التي أستعملها بشكل تلقائي. الحب والصداقة اللذان أحظى بهما في دبي يظهران جلياً في هذه الحكايات التي تعبّر عن نفسها من خلال كلمات وروائح.

-التفكير في عطر وابتكاره وإطلاقه لمنطقة الشرق الأوسط قبل فرنسا يظهر وجود علاقة قوية بين دار غيرلان والمنطقة...
قبل العطرين Ambre Eternel وSantal Royal، أطلقنا مجموعة من ثلاثة عطور Desert dOrient تم ابتكارها بعد أول لقاء لنا مع ذلك الصديق الذي أخبرتك عنه. ابتكار العطر لمنطقة الشرق الأوسط هو بالنسبة إليّ الامتحان الأصعب لأن أهل هذه المنطقة يملكون ثقافة واسعة مرتبطة بعالم العطور.

-تتحدث عن ابتكار عطر جديد مع الحفاظ على إرث الدار. ما المقصود في ذلك؟
الإرث هو ما علّمني إياه جان بول غيرلان عندما وصلت إلى الدار عام 2008. إنه سرّ الإبداع والتركيبات التي تتمتّع بها الدار. أملك علاقة قريبة جداً وحساسة جداً مع سلفي. لقد اعتدنا تماماً على بعضنا البعض، وكانت لحظة مؤثرة جداً يوم سلّمني مفاتيح الخزنة في المصنع حيث توجد كل مخطوطات التركيبات التي كتبها مؤسس الدار بيده، بالترافق مع أولى التركيبات منذ العام 1828 وحتى اليوم.
لست مسؤولاً فقط عن إنتاج عطوري، وإنما أيضاً عن عطور جان بول، وجاك، وأيميه، وكل أسلافي، فأقدم العطور التي أصنعها يعود إلى العام 1853: Eau de cologne Imperiale. لذا، ولضمان الحفاظ على نقاوة تركيبات أسلافي، توجّب عليّ فهم كل الخلطات المتبعة في الدار واستعمالها. هناك أيضاً المكونات التي تؤلف عطور أسلافي أو نوعية المواد الأولية التي أستخدمها. لماذا أشتري زهر الليمون من تونس وليس من المغرب أو بلد آخر؟ لأن جان بول غيرلان كان يقطّر زهر الليمون في تونس، وحرصت على استعمال الشيء نفسه لأنه توقيع غيرلان. لقد بدّلني تاريخ غيرلان، ولست أنا من بدّله.

-كم تقضي من الوقت في أسفارك للبحث عن المواد الأولية؟
أحب قضاء وقتي في الحقول أكثر من المختبرات. 25 في المئة من وقتي السنوي أمضيه خلال أسفاري. ثمة رحلات نقوم بها في الدار منذ أجيال عدة. كان جان بول غيرلان يعمل مع شريك للبرغموت، وها أنا الآن أتابع الأمر مع ابنه. ينطبق الشيء نفسه مع دار Robertet في غراس. ثمة معادلات تستمر لوقت طويل. لهذا السبب، ما كنت لأبتكر العطر Santal Royal لو لم أكن واثقاً من حصولي على الصندل. وما كنت لأبتكر العطر Ambre Eternel لو لم أكن واثقاً من حصولي على العنبر. أحرص على التحكم تماماً في مصادر الإنتاج والتخزين. لهذا السبب، من المهم جداً أن أقضي وقتاً طويلاً في الأسفار للبحث عما يلزمنا في الصناعة.

-هل يقوم عملك على الموهبة أم الدراسة؟
لا أؤمن بالموهبة. يأتي النجاح في العمل نتيجة الانكباب على التعلّم والجهود الشخصية. وللذاكرة دور مهم جداً.
لم أكن تلميذاً مجتهداً في المدرسة، ولم أعرف بعدها ماذا أفعل، ثم تسجلت في مدرسة صناعة العطور في دار جيفودان Maison Givaudan في جنيف. بعد شهر واحد، أدركت أن هذا هو الحلم الذي أردت تحقيقه. تعلمت أكثر من 3000 رائحة. لكن المسألة تحتاج إلى الجهد.

-هل أنت مخلص لعطر معين؟
Habit Rouge و Vetiver.

-هل من روائح تكرهها؟
حين تصادفين شخصاً لأول مرة يكون عطره أحد أساليب التعريف به. أنا أقيّم لكني لا أحكم. ولعل أروع مكافأة لأي صانع عطور هي اللقاء بعطر ابتكرته. لكن بالعودة إلى سؤالك، أنزعج كثيراً من رائحة مطبخ الجيران!

زيارة مصنع عطور Guerlain

يتم إنتاج كل عطور غيرلان في مصنع شيّد في أورفين عام 1994. ينتج في المصنع في غابة الغرانج (Bois de la Grange) أكثر من مليون ليتر من العطور كل سنة، ليتم تصديرها إلى العالم أجمع. أتيحت لنا فرصة زيارة المعمل لمدة ساعة كاملة، برفقة دليل، والدخول إلى قلب المعمل واكتشاف كل مراحل إنتاج عطور الدار: أسرار الإنتاج، منذ وصول المواد الأولية وحتى سكب العطر في القارورة الخاصة بالماركة الفخمة التي تأسست عام 1828.
يحرص تييري على زيارة العالم كله للعثور على 800 مادة أولية يتم استخدامها في العطور. يجري من ثم جمع هذه المواد كلها في أورفين، بدءاً من مراحل التحول في 163 أنبوب، وصولاً إلى السكب في القارورة، بطريقة صناعية أو فنية في القوارير الاستثنائية.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079