تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

'أوديسي' كارتييه Cartier -L'Odyssée de Cartier Parcours d'un style

ستانيسلاس دو كيرسيز

ستانيسلاس دو كيرسيز

نهر وبحر وشمس وشوارع تفاجئك مرتفعاتها. هدوء غريب في مدينة فتحت أبواب العالم. الانفتاح على المغامرة هو عنوان الرحلة إلى لشبونة عاصمة البرتغال حيث دعت دار كارتييه العريقة للجواهر إلى الكشف عن «أوديستها»: L'Odyssée de Cartier-Parcours d'un style مجموعتها الأخيرة الاستثنائية بمقاييس عدة... «لا أزهار قادرة على منافسة ومضة لشبونة في نور الشمس» كتب الشاعر البرتغالي الأشهر فرناندو بسوا.

التناقضات مبهرة. وبين قطع الدار المشهورة تطلّ قطع خاصة بالمجموعة الجديدة شارحة اختيار الأوديسة عنواناً لها. وقد يوحي هذا الاختيار أن زمناً جديداً انطلق في مسيرة الدار، لكنّ ستانيسلاس دو كيرسيز رئيسها الجديد، الذي تسلّم منصبه قبل أقلّ من عام خلفاً لبرنار فورناس، يوضح أن هذه المسيرة تتبع خطاً تصاعدياً، وأنّ «الأوديسي» ليست نقطة انطلاقة بل تراكم تجارب الدار الناضجة وخبرات مصمّميها والعاملين فيها، وهي خبرات موروثة تزداد، مع تقدّم الزمن، غنى ينعكس على ما تقدّمه كارتييه.

لماذا اخترتم «الأوديسي» اسماً للمجموعة الجديدة؟ ألا توحي رمزية الاسم بأن هذه المرحلة مختلفة في مسيرة الدار؟
هي «أوديسي» لأنها رحلة أسلوب الدار منذ ولادتها. والحياة في شكل عام رحلة، حياة كلّ منا رحلة. هذه العبارة هي الأكثر قدرة على وصف هذه الرحلة التي بدأت منذ أكثر من 160 عاماً مع كارتييه المؤسس والأخوين كارتييه. وهي رحلة بين بلدان وحضارات متنوّعة شكّلت مصادر إلهام الدار. الهند والشرق وإفريقيا وآسيا. نموذج لرحلة عبر الزمان، وهي رحلة مستمرّة.

كيف اجتمعت الجرأة التي تعلن دوماً أنّها أبرز صفات الدار والكلاسيكية التي يفرضها موقع الدار العريقة؟
الجرأة جزء من تراث كارتييه. هي جرأة التوق إلى البعيد، إلى ما يمكن أن نجده في «الخارج»، هي فكرة الخارج، ال«هناك»، العالمي، الوصول إلى القارات كلّها. والفن في الوقت نفسه يتجاوز الزمن. فالعمل الفني الحقيقي يبقى عملاً فنياً في أزمنة مختلفة، يورّث، ويعرض في متاحف ومزادات. وكارتييه هي الدار الأولى التي تشارك في المزادات منذ ستينات القرن الماضي. وأسلوب كارتييه يتميّز بأنّه عالمي بل كوني، ولا يحدّه زمان. كارتييه فن والفن هو كارتييه. وهذه الجرأة جزء من قصة هذه الدار. الأخوان كارتييه انفتحا على العالم، سافرا وطافا في الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا حاملَين اسم كارتييه. نتكلّم هنا عن جرأة السفر، الرحيل للقاء الآخر. فنحن نؤمن بلقاء الآخر والتقرّب منه، وتكمن الجرأة هنا. الصداقة والحب يتطلّبان جرأة أيضاً، وهما مغامرة. يجب أن تخرج من نفسك لتلاقي الآخر وتعطيه. تقوم بكلّ هذا محافظاً على هويتك.

لأنّها رحلة إلى قارات مختلفة، هي العالم كلّه، وصلت أصداؤها إلى إفريقيا وآسيا، وتحوّلت في أماكن كثيرة إلى رحلة مدينية بامتياز. هي أصداء رحلات نقوم بها في رحلة أوسع هي الحياة. من سفر إلى آخر نتغيّر، لا نعود الأشخاص أنفسهم، لكننا نحتفظ بجوهر هوياتنا. ومن هنا ولد اختيارنا لمدينة لشبونة كي نطلق «أوديسي دو كارتييه». وأسباب هذا الاختيار عديدة:
أولها أن جذوراً مشتركة تجمعنا، ففي لشبونة أعطى الملك كارل الأول عام 1905 الكفالة الملكية لكارتييه بعدما قال إدوارد السابع أنّ كارتييه ملك الجواهر وجواهري الملوك. هي جذور وقيم مشتركة. فالجرأة أيضاً تجمعنا لأنّ من هنا انطلق ماجيلان في رحلة اكتشاف جذور جديدة. ومن هنا أيضاً انطلق فاسكو دي غاما نحو اكتشاف حدود جديدة. هذه الرحلات التي غيّرت العالم هي رمز الجرأة التي سعت إليها كارتييه، جرأة الانفتاح على جذور جديدة والدعوة إلى سفر جديد وإلى اختبار تجارب جديدة. كفنانين يجب أن نبتكر ونتشارك، المشاركة أمر حيوي وأساسي بالنسبة إلينا. هنا قبل أعوام استضافنا متحف غولبنكيان لنتشارك مع الجمهور والاختصاصيين ابتكارات كارتييه. هذا ما فعلنا أيضاً في 26 متحفاً آخر في العالم.

تقول إن كلمة فن Art موجودة في قلب كلمة كارتييه Cartier، كيف يلتقي العمل على إنتاج قطعة فنية خالدة، والحرص في الوقت نفسه على أن تباع هذه القطعة لتحقّق الربح المطلوب؟
يريد الفنان أن يمتلك الآخرون قطعته الفنية. مهمة كارتييه هي مساعدة الأشخاص على التعبير عن مشاعر الحب والصداقة ومساعدتهم على إهداء قيم الجمال والفن في قطعة من كارتييه التي تتوارثها الأجيال. يسعد الفنان أن تجد ابتكاراته مالكاً، شخصاً واحداً يبحث عن تقديم قطعة من السعادة، أو ثنائياً سعيداً.

كأن الجواهر تخبرنا قصصاً، أي قصة تفضّل بين قصص هذه المجموعة؟
أحبّ هذه المجموعة، أحب أن ألمس أصداء القارات والإلهامات المختلفة. أحب النمر، وأحب أيضاً الروبي والماس والزمرّد.
نعم الجواهر تخبرنا قصة وتلهمنا قصصاً. لكن هنا أود أن أقول إنّه حتى يومنا هذا، 90 في المئة من مشتري الجواهر ما زالوا يشترون جواهر غير ممهورة بتوقيع صانعها، جواهر بلا أسماء. وهذا خطأ كبير، كأنك تشترين لوحة من دون توقيع الرسام.  يسمح الاسم بالحفاظ على قيمة القطعة التي يمكن أن تباع في المزادات بعد أعوام طويلة. إذا كانت بلا اسم تخسر قيمتها مع مرور الوقت وتبقى قيمة الذهب فقط.

أنت الآن على رأس دار ناجحة، فما هي التحديات التي تواجهها؟ ولماذا تقول إننا نعيش الآن عصر الجواهر الذهبي؟
يجب أن أكمل الرحلة. فهي رحلة مستمرّة ونحن نبحث دوماً عن التطوّر. أؤمن بأننا نعيش في العصر الذهبي للجواهر. لماذا  نتحسّر دوماً على الماضي ونصف بالذهبي ما مضى. نعيش الآن في العصر الذهبي للجواهر الراقية لأننا لم يسبق أن صنعنا وابتكرنا وحفرنا هذا العدد الكبير من الابتكارات والجواهر الجميلة والرائعة. لماذا؟ لأنها حرفة تراكم الخبرات. إذا سألتني كم من الوقت احتجتم لإنهاء العمل على هذه المجموعة، أقول 166 عاماً.
وهنا أيضاً يكمن التحدّي لأننا يحب أن نفاجئ الأوفياء لعلبة كارتييه الحمراء، يجب أن ننتزع منهم الدهشة.

هل ثمة مشاريع للتوسّع في العالم العربي؟
يميّز منطقة الشرق الأوسط تاريخ غني بالعمل الحرفي التقليدي المتقن، والجواهر مهمة جدا في حيوات الأفراد هناك. لقد افتتحنا أخيراً متجراً جديداً في ابو ظبي، ونحن موجودون في قطر والسعودية والبحرين ولبنان. ويهمّنا التوسّع في المنطقة.


سوار قوي تبرز فيه نقوش الحمار الوحشي التي تحاكي روعة جلد الزيبرا الحقيقي. شكل إفريقي تقليدي، ورمز حيواني يحاكي جوهر كارتييه، زادته الدار تألقاً بفضل حرفيتها وترصيفها المعقد للخطوط غير المنتظمة المصنوعة من الأونيكس وشبكات من الماسات اللامعة التي تم تثبيتها واحدة تلو الأخرى كقطع أحجية.

لو كانت هذه المجموعة قارة...
 تسافر دار كارتييه، لترسم حدود أرض تنبض بالخيال، وتتميز بالقوة والحيوية، بشعرية ألوانها وموادها. إفريقيا، لقاء جميل وسخي، نادر ومبهر. تعانق كارتييه لوحة الألوان الإفريقية لتعكس ألوانها في إبداعات ذات تألق مختلف.

لو كانت هذه المجموعة مدينة...
لكانت مدينة حديثة تشرق بالأنوار، يسكنها أناس عالميو التوجهات، سعداء مسكونون بالشغف... مدينة تتقاطع فيها الحضارات والثقافات، تحكمها السرعة والإيقاع والزخم. مركز للحداثة، تعمل دار كارتييه على استكشاف خطوطه وانحناءاته في مجموعات من المجوهرات ذات التصاميم الحادة.

لو كانت هذه المجموعة رحلة...
لكانت رحلة تتخطى الزمن، مستوحاة من طريق يلتف باتجاه إفريقيا عبر الهند والصين والشرق... آفاق متغيرة تعرفها دار كارتييه وتعشقها. خطوط متحركة، وألوان متفجرة، وحركة دائمة. كارتييه... وعالم جديد تماماً. هي رحلة أشبه بأوديسة للإبداع.

بعد مصادر الإلهام الشرقية، وتأثير الهند في أشهر تصاميم الدار، ظهرت في هذه المجموعة القارة الإفريقية في دور الملهمة. إفريقيا بطلة في هذه المجموعة، تيمة جديدة من تيمات كارتييه. وقد سمح غناها وقدرتها على الإدهاش بأن تقدّم الدار قطعاً مذهلة ووفية لأسلوبها. فالتقت في قطع المجموعة حضارات وأساليب، وحضن الكلاسيكي الجرأةَ عبر تداخل الألوان والأشكال. في قرط للأذن نرى الأفق خلال غروب الشمس، وفي سوار عريض يعانق الذراع نرى ألوان الحيوانات المفترسة. نكتشف في رقيّ الجواهر الطبيعة في قمة جمالها وقوتها وغناها. ثمة أحجار متلألئة بألوان إفريقيا، بألوان الضوء والحرارة، بألوان أرض غنية بالمواد الخام، بألوان الرمال الذهبية والبيضاء، وثمة قطع مستلهمة من الموتيفات الإفريقية التي تمتزج بتأثير مديني، تأثير الحركة والحداثة بكامل جنونها ووجوهها. فالهندسة المدينية أحد أهم تأثيرات أسلوب كارتييه الدينامية.

نُظّم المعرض، حيث اكتشفنا المجموعة في لشبونة، في مساحة لفّها اللون الأبيض. الجدران المركّبة والأرضية وبيوت الكنوز غابت عنها الألوان. هي قصور ورموز ومجسّمات ترسم معالم مدن العالم. الأبيض بحياده فجّر ألوان القطع الثمينة المتلألئة والثرية بمصادر الإلهام التي أدّت إلى ولادتها وبالعمل الحرفي المتقن الذي نفّذ روعتها. لقد سحبت ألوان الحجارة الثمينة من المكان ألوانه، وتربّعت داخل واجهات زجاجية تحكي حكايات مدن العالم. هو حوار مستمرّ بين العالم والدار العريقة: العالم يحكي حكاية كارتييه وكارتييه تحكي حكاية العالم.

أشار المدير الإبداعي للدار بيار رينيرو إلى تأثير الفن الإفريقي في الفن الحديث، وقال إن علاقة كارتييه وطيدة بالفن الحديث وبأشكاله وبتطورها، وأنها قد بدأت منذ زمن بعيد، «في أوائل القرن الماضي، في عشريناته الكل رأى في الأرت ديكو بداية، لكن بالنسبة إلى كارتييه معرض الأرت ديكو عام 1925 كانت نقطة وصول لأننا بدأنا نعمل على فكرة التجريد والأشكال والخطوط والأحجام منذ عام 1904، لذا نعتبر رواداً في الأرت ديكو، في هذا الوقت تحديداً وصلت الأقنعة الأفريقية إلى أوروبا». هنا الرابط بين التأثير الأفريقي والتأثير المديني، والفارق بينهما هو أنّ الألوان دافئة في الفن الإفريقي لكنّها باردة في الأعمال المتأثرة بالمدينة».

أما عن عمل مؤسسة كارتييه للفن المعاصر، الرائدة في دعم الفنون المعاصرة (تأسست عام 1984)، فأكد أنّ إدارتها مختلفة عن إدارة الدار ورأى أنّها نافذة على الإبداع في شكل عام، تسمح بالانفتاح على فنون العالم، وتبتكر عالماً جديداً وفرصاً جديدة. وشدّد على أنّ فلسفة المؤسسة ومبادئها تفصلها تماماً عن الدار. «الأمر واضح  لم نبتكرها للترويج لفناني تصاميم الدار، نروّج لفنانين من العالم نؤمن بأهمية أعمالهم الفنية».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079