تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

إيلي صعب بصمة على زجاجة EVIAN

الأناقة تنعكس في كل تفصيل من تفاصيل حياته. هي ليست مجرّد لزوم ما يلزم المنصّة لكنها ببساطة أسلوب حياة. في حديثه الخفر شفافية تشبه الدانتيل وانسيابٌ سلس كجريان مياه. بين يديه تحوّل الزجاج إلى قماش فكانت بصمته واضحة تختزن 30 عاماً من التجارب والنجاحات والأحلام المرصوفة في خزائن العمر تنتظر دورها كي تتحقّق... هو إيلي صعب، الرجل الذي أسقط المرأة من حساباته وأطلق العنان لشخصيّته لتكون بصمة على زجاجة Evian...


لماذا وقع اختيار إيلي صعب على Evian؟ وEvian على إيلي صعب؟
أرضية مشتركة تجمع بيني وبين Evian، ولا أخفيك أن هذا السؤال راودني بداية الأمر، وعندما وجهته للقيّمين، كانت الإجابة أن بين دار إيلي صعب وEvian نقاوة وشفافية متماهية، وهذا يبرز عندي  في التصاميم التي تنشد الأنوثة والقصّات المحدّدة الممنهجة التي تتسّم بالنقاء، فعلى الرغم من وجود تطريز ودانتيل وأقمشة متداخلة، تبقى القصّات محافظة على نقاوتها التي تريح العين وتضفي على جسد المرأة كثيراً من الأنوثة والأناقة والصفاء. هذه الصفات التي تميّز خطّي جذبت Evian وفي لقائنا الأول كان السؤال الأساسي من قبلهم: كيف يرى إيلي صعب نقاوة Evian وكيف سيترجمها على زجاجة؟ كانوا يبحثون عن البصمة الخاصة بي كي تطبع زجاجتهم التي تختلف طبعاً عن البصمات التي تركها مصمّمون آخرون قبلي.
أما بالنسبة إليّ فقد وجدت في طلبهم تحدياً لي، خصوصاً أننا نتحدّث عن ماركة مياه تعتبر من أفخر الماركات في مجالها، من حيث الاستهلاك، وجذبتني النقاط المشتركة بيننا فقررت خوض التجربة مع الحفاظ على بعض الأمور التي لا أفرّط بها.

وما الذي لا تفرّط به؟
هويّة Evian. عندما وافقت على خوض التجربة حرصت على المحافظة على طابع Evian وهويّتها التي ميّزتها لسنواتٍ. لم أكن أريد أن يطغى اسم إيلي صعب على Evian، ففي النهاية هذه ليست زجاجتي الخاصّة كالعطر مثلاً، هذه زجاجة Evian ويجب أن أحافظ على هوّيتها. هكذا احترمت تاريخ هذه الزجاجة ووضعت لمستي الخاصة عليها من دون أن أطغى على المنتج الأصلي.

لماذا تمّ استعمال الدانتيل؟
لأن الدانتيل يمتاز بشفافيّته التي تبقي على المياه داخل الزجاجة واضحة شفّافة. لم أرد أن أخفي أي جزء من أجزاء الزجاجة وأن أظهر نقاوة المياه داخلها. أردتها هي الأساس ولمستي فقط كانت مكمّلة تحترم المنتج الذي بين يديّ. في النهاية هذه الشراكة تستمر لأشهر قليلة فقط واسمي لن يرافق Evian طوال فترة إنتاجها.

هل من شروط وضعت عليك من حيث التصميم؟
أبداً، كان باستطاعتي تغيير اللوغو لو أردت، لكن هدفي كان إكمال ما بدأته Evian وليس تغييره جذرياً، لذا ألبستها الدانتيل الشفّاف الذي يتناسب مع روحها من حيث النقاوة والفخامة والأناقة. طبعاً لم أكن لأغيّر شكل الزجاجة لأن هذه الأمور تخضع لرقابة وزارة الصحة الفرنسية ولمعايير صحّية دولية من غير الوارد الخوض فيها.

أي امرأة تشبه زجاجة Evian؟
سوف أكشف لك أمراً خاصاً بشخصيّتي التي يُعتبر التخصّص عنوانها العريض. عندما أصمّم الأزياء أصبّ تفكيري على المرأة، هذا المخلوق الحسّاس الذي أريد إظهاره بأبهى حلله وأُبرز جماله وأناقته وأنوثته الداخلية قبل الخارجية. أما عندما أعمل في مجالات أخرى فالمرأة تكون خارج حساباتي تماماً. لذا كان تفكيري متمحوراً حول الزجاجة كزجاجة مياه فقط، بعيداً عن تأويلها وإسقاط صور نساء عليها.
بل أكثر من ذلك، هذه الزجاجة طبعتها بشخصيّة إيلي صعب الإنسان متناسياً إيلي صعب المصمّم. عندما أصمّم الأزياء، أفكّر في المرأة، كيف سأجعلها جميلة وأنيقة، كيف أجعلها تشعر أنها ملكة تشعّ في أزيائها، لكن عندما فكّرت بالزجاجة تركت العنان لشخصيّتي كإنسان من دون التفكير بأي شيء آخر، فجاء التصميم بسيطاً نقيّاً وغير صادم... يشبهني.

كيف استطعت أن تلخّص إيلي صعب ببصمة على زجاجة؟
بدأت العمل باستعمال مكوّنات أخرى غير الدانتيل. لكن عندما تمّ تنفيذها على مادة الزجاج  فقدت من قيمتها واتّسم بعضها بالقساوة وبعضها الآخر أخفى نقاوة Evian. جرّبت ما يقارب 26 رسماً، ونفّذنا منها 17 نموذجاً بثماني ألوان مختلفة، إلى أن اخترت الدانتيل وكانت هذه الزجاجة التي ترونها اليوم.

هل كان قرار الاختيار من بين هذه الرسوم الـ 26 لك وحدك؟
أكيد. منذ البداية لم يكن هناك أي متطلّبات، فقط طُلب مني أن أحترم شكل الزجاجة لأمور تتعلّق بالصحّة وبالمعايير الدولية، أما ما ينفّذ عليها فكان خياري ورؤيتي الشخصية. لذا بعد تنفيذ النماذج الـ17 اخترت من بينها ثلاثة، ومن ثمّ قرّرت هذا النموذج الأخير. وللأمانة لقد أخذ هذا التصميم الكثير من العمل من جانب Evian، فحفرت الزجاجة على ثلاث مراحل متفرّقة، في المرحلة الأولى حفر الدانتيل في الأعلى ثم في الوسط وفي المرحلة النهائية تمّ حفره في الأسفل، ثم تمّ تنسيق الزجاجة حتى تأخذ شكلها النهائي الذي لم يكن سهلاً البتّة. حتى أنهم شبّهوا تصميمي بأزيائي، فكان تعبير السهل الممتنع أكثر ما سمعت وصفاً لعملي.

- Christian Lacroix و Jean Paul Gaultier وPaul smith و Diane von Furstenberg أسماء سبقتك إلى عالم Evian، ما الذي يميّز تصميمك عن تصاميمهم؟
بالنسبة لي كل مصمّم من الذين ذكرتهم ترك بصمته الخاصة التي تميّزه، ونجح في جعل الزجاجة تشبهه. وهذا ما فعلته أنا وأترك للناس التقويم بين الاختلاف في التصاميم. في النهاية من يحبّ ستايل Gaultier سيحبّ زجاجته، وهكذا الأمر بالنسبة إلىDVF وPaul Smith وLacroix وإيلي صعب.

إلى أي مدى حملت موروث المصمم العربي الذي تحدّى الظروف المحيطة به، لتطبع به منتجاً أوروبياً وتعكس حضارة بلد تتالت عليه حضارات؟
هذا الموروث طبع حياتي بالمجمل فكانت شخصيّتي التي ترونها اليوم، طبعاً مع خليط حضارات وتجارب أغنت تكويني. عندما بدأت العمل على الزجاجة لم أفكّر للحظة كيف سأطبع هذا الموروث وأجعله واضحاً، بل صببت عملي على إظهار خطّي فقط، الذي هو في النهاية مجموع هذه الثقافات مجتمعة. وهذا ينطبق على عملي في تصميم الأزياء أيضاً، فعندما أصمّم لا أفكّر في المرأة العربية حصراً، بل أصمّم للمرأة ككائن بشري يتخطّى الإنتماء إلى بلد معيّن أو تاريخ محدد. ولا أخفيك أن Evian احترمت تفكيري هذا لذا حصل التعاون بيننا مع أنها لم تكن الماركة الأولى التي تطلب مني عملاً مشتركاً، عرض عليّ الكثير من الشراكات العالمية لكني رفضتها.

ولماذا رفضت؟
لأسباب متعدّدة، أبرزها غياب الأرضية المشتركة بيني وبين المنتج.

هل التعامل مع الزجاج كمادة للتصميم أصعب من التعامل مع القماش؟
أكيد. والمحاولات التي خضناها لتنفيذ الزجاجة خير دليل على ذلك. مع القماش الأمر أسهل لأنه يتآخى مع جسد المرأة، أستطيع أن أزيد حجمه وأعطيه أشكالاً مختلفة وأضع طبقات تنسدل وتتطاير مع الحركة. مع الزجاج كان الأمر جامداً، والتحدّي كان صعباً، لكني سعيد بالنتيجة.

ما نراه اليوم هو حلم الصبي ابن التسع سنوات الذي كان يصمّم فساتين أخواته؟ وإلى أين سيأخذك هذا الحلم في ما بعد؟
مذ كنت صغيراً، كان تفكيري يكبر تفكير من هم في عمري، وعندما كنت أجلس مع أطفال يجايلونني كنت أشعر أني أكبر منهم سناً واهتماماتي وتفكيري أكبر وأبعد من اهتماماتهم. 
في سن التاسعة كنت أفكّر في البصمة التي أريد تركها في هذه الحياة. ومن ثمّ، لعبت الظروف لعبتها وانخرطت في عالم الأزياء وصرت أتقدّم شيئاً فشيئاً ومع كل خطوة كان تفكيري منشغلاً في الخطوة التي ستليها. «رأسي» يعمل بشكلٍ متواصل، لا يعرف الراحة. فبعد كل نجاح المسؤولية تصبح أكبر والتفكير في الخطوة القادمة يصبح أصعب ويتطلّب مني مجهوداً أكبر. ودائماً أشعر أني ما زلت في بداية الطريق...

-بعد اليخت والآن زجاجة الماء، بماذا يعدنا إيلي صعب؟ أي مجال سيجتاح؟ وهل من عمل منفرد من دون شراكة كالعطر مثلاً؟
اليخت والزجاجة تعاون مشترك مع شركات أخرى، وليسا خاصّين بي وحدي. وعندما تأتي الفرصة الملائمة والوقت المناسب بالتأكيد سأفكّر بتعاون آخر مع علامات تجارية أخرى. أنا منفتح للتعاون على أصعدة كثيرة لأني أملك الطاقة، المهم أن تتناسب العروض مع الخطوط الحمراء التي رسمتها لنفسي ولخطّي وتكون الشراكة على قدر طموحاتي وتحترم المعايير التي رسمتها منذ انطلاقتي الأولى وأوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم.
أما عن مشاريعي الشخصية فأنا الآن أحاول تطوير ما بدأته، كالعطر الخاص بي، وخطّ الأكسسوارات وخطّ الأزياء الجاهزة وغيرها، أمامي الكثير الكثير من العمل، وكما قلت سابقاً: ما زلت في بداية الطريق...

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079