الطبيبة نور البار 'السرطان جزء من تكويني حالياً ومنحني القوة والعمق'
تعرّف الطبيبة نور البار عن نفسها على «تويتر» بأنها طبيبة وأم لطفلين وزوجة طبيب، ومعيدة في جامعة الملك عبد العزيز، ومبتعثة في الولايات المتحدة لإكمال تخصصها في الطب النفسي... لكنها تقول أيضا: «منّ الله عليّ بسرطان الثدي، فزادني تعاطفاً وإحساساً بألم الإنسان».
وعند سؤالنا لها لماذا كتبت ذلك، أجابت: «لأنني شعرت بأن السرطان كان نعمة منحتني الكثير، فكما منحتني كلية الطب أموراً جعلتني من خلالها طبيبة، منحني سرطان الثدي القوة والعمق والقدرة على مواجهة التحديات، وإحساسا كبيراً بالناس وآلامهم، لذلك شعرت بأنه جزء مهم من تكويني حالياً، ولا بد من أن يكون ضمن التعريف عن نفسي».
«لها» تحدثت مع الطبيبة نور البار عن تشخيص إصابتها بمرض سرطان الثدي أواخر شباط/ فبراير 2013، وأثر ذلك على جنينها، والتحديات التي واجهتها وما زالت تواجهها في رحلة علاجها.
بدأت قصتها «بكتلة صغيرة» لم تُعرها اهتماماً، خاصة أنها كانت في بداية حملها، وبعد فترة بسيطة قررت أن تراجع طبيبة الولادة التي أحالتها إلى جراحة الثدي وهي تبتسم لها وتخبرها بأنه و«بالنظر إلى عمرك ولكونك حاملاً، فأنا متفائلة، لكن فقط لنتأكد».
تقول:«عند جرّاحة الثدي لم تقل الطبيبة سوى: لنجرِ لك أشعة صوتية. كانت المخاوف تتزايد كل يوم وأنا أستعيذ بالله من الشيطان، ثم تحوّلت إلى خيالات أليمة تمثلت في الرحيل عن زوجي وابني... كنت أفكر مَن مِن صديقاتي يمكن أن أزوجها لزوجي لتعتني بابني بعد رحيلي.
من هذه التي أثق بها هذه الثقة؟ كان تفكيراً مؤلماً صاحبته الكثير من الدموع، ولم أستطع أن أشارك به أحداً لأنه بدا لي سخيفاً وغير منطقي، ولكنني عشت ذلك الجو لفترة ما».
ذهبت البار إلى موعد الأشعة في يومٍ من أيام العمل، وفي المستشفى ذاته الذي تعمل فيه. وهناك قالت لها طبيبة الأشعة أنها ليست مجرد حويصلة، وأن هناك كُتلاً في أحد جوانب الحويصلة، وأنها لا تستطيع التكهن بما يمكن أن تكون، لذلك يجب أخذ عينة لفحصها.
وبين ثقل الخبر وحبس الدموع وتمتمة البار بمشيئة الله أنها ستكون بخير، جاء موعد أخذ العينة سريعاً، وكان ينتابها إحساس غريب وهي تترقّب النتيجة وتشعر بعمق بأن ما يحدث معها هو سرطان، تقول: «شكله في الأشعة، وإحساسي به، الرسائل التي كانت تأتيني من غير مبرر، كأن أفتح تويتر بعد انقطاع أشهر فلا أجد إلا رسائل الدكتورة سامية العمودي لمريض سرطان الثدي، وكيف واجهت السرطان، وكيف أخبرت عنه أولادها.
لكني كنت أكذّب نفسي، وأحاول أن ألزم التفاؤل وأذكر قول الإمام علي «إني لأحسن الظن في الله فإن كان خيراً، فبفضل الله وإن كان غير ذلك فقد عشت بالتفاؤل زمناً». ثم جاء يوم الجمعة، يوم موعدي مع طبيبة الجراحة، ذهبت إلى غرفة المناوبة، ومن فرط الخوف تشابكت الأسطر أمامي ولم أعرف من أين أبدأ قراءة التقرير، قرأت في المنتصف، لم أفهم شيئاً، فطرت بعيني للأسفل، ورأيت ما فاق توقعي Invasive ductal carcinoma Stage 3/3 أي أنه سرطان متعدٍ من الدرجة الثالثة، أسوأ درجة وأسرعها انتشاراً.
تزغللت الكلمات أمام عيني، وسمعت صوتاً، تبيّن لي أنه صوتي، كنت أقول بصوت عالٍ شكراً يارب الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله».
وبعد دقائق من الحديث مع الله والمناجاة، اتصلت بزوجها وأخبرته بكل هدوء بأن النتيجة ظهرت وهي في حاجة إليه بجانبها.
تقول: «أذكر تلك اللحظة الآن، وأشكر الله عليها بعمق، أشكره أن أنطق لساني بالحمد بغير إحساس مني، فأنا لم أفعل، بل هو الذي فعل.
أشكره أن أعطاني هذه الفرصة لأتلقى الخبر وحيدة، في غرفة مغلقة، حيث أستطيع البكاء والدعاء من غير أن يراني أحد، ولو تأخرت النتيجة ساعة واحدة لاضطررت أن أتلقاها في عيادة الطبيبة، في وجودها أمامي لتقول لي أي كلام لتخفيف الموقف».
جاء زوجها، وأخبرته وارتسمت على وجهه علامات الدهشة حتى أنه طلب منها قراءة التقرير بنفسه، وعند سيرهما لملاقاة الطبيبة بكيا معاً... الطبيبة استقبلتها بابتسامة واستفسار عن الحمل، لتخبرها البار بأنها قرأت التقرير، ووفرت عليها نقل الخبر السيئ، لتبدأ الطبيبة بضرورة الاستعجال في القضاء على هذا الورم، وإخبارها بكل التفاصيل والعلاجات والخيارات المؤلمة التي سقطت على مسامع البار كالقذائف المتتالية.
لحظات الولا دة
أشارت عليها الطبيبة ببدء جلسات العلاج الكيميائي بصورة عاجلة، لتبدأ الأسئلة تدور في ذهن البار عن التأثيرات التي قد تصيب الجنين خاصة أنها كانت في الشهر الرابع من الحمل، إلا أن الدراسات التي أطلعت عليها مع الطبيبة المعالجة أكدت لها أن هناك عقاقير تم استخدامها لأكثر من سيدة حامل عانت من سرطان الثدي، ولم يتضرر الجنين أو يُصب بأي تشوهات، فشعرت بأنها لن تقتل جنينها بنفسها إن أراد الله له الحياة.
تقول: «بدأت تلقي العلاج الكيميائي، وكنت أراجع طبيبة الولادة لأطمئن على نمو الجنين بشكل طبيعي والحمد لله، إلا أنني كنت أفكر بقرارات مختلفة، منها أن أضع مبكراً في الشهر السابع وأُكمل بعدها جلسات العلاج الكيميائي.
وكنت قد سألت عدداً من أطباء الولادة، عن أكثر شهر آمن لولادة الجنين، فأخبروني وبالتنسيق مع طبيب الأورام أنه كان من المفروض أن آخذ أربع جرعات خلال الحمل وبينها ثلاثة أسابيع، لكن طبيب الأورام أضاف جرعة خاصة لتمديد الأسابيع.
وضعت في بداية الشهر الثامن، ورزقني الله طفلة سليمة ومعافاة بحمد الله، وبعد الولادة بأسبوعين عدت مباشرة لاستكمال جلسات العلاج الكيميائي».
الدعم الأسري
تحدثت البار عن الخوف الذي اكتنفها خلال البحث عن الطريقة التي ستخبر بها عائلتها عن إصابتها بسرطان الثدي، خاصة أنها الأخت الصغرى: «كنت أخشى من ردة فعل والدتي ووالدي، لكن وبفضلٍ من الله استقبلت والدتي الخبر بالثبات والحمد، وكذلك والدي الذي أشار عليّ لاحقاً بضرورة التخلص من الجنين خوفاً عليه من مضاعفات العلاج، حتى أنه استشار عدداً من الأطباء وأخبروه بضرورة التخلص من الجنين، لكني رفضت».
حظيت البار بدعم كبير من عائلتها: «دعم زوجي لا أصفه إلا بالمميز والمناسب لطبيعتي وشخصيتي، فبمساعدته استطعت الاستمرار في حياتي الطبيعية دون أن اشعر بالضعف أو العجز.
ومنذ اليوم الأول، وبعد تشخيصي ذهبنا إلى منطقة ألعاب الأطفال ليلعب ابننا هناك، واستطعنا رغم ثقل الخبر وكبر المصيبة، أن نضحك ونشاهد الأطفال وهم يلعبون.
وإلى اليوم نحن نتجاوز محنة المرض معاً، ونغض الطرف عن الحديث عنه، لنستمتع بيومنا كما هو مهما كانت الأحداث خلاله. ولم يحاول زوجي يوماً أن يشعرني بالشفقة، بل ظل يعاملني على أنني نور القوية التي يحتاج إليها كما تحتاج إليه».
تحديات العلاج
بعد إصابتها بسرطان الثدي، بدأت البار بقراءة عدد من المدونات لسيدات مصابات بهذا المرض «وكنت حزينة بما أقرأ، لأني عايشت تجارب سيدات أميركيات بكل ما كتبنه من تفاصيل شرحن بها مدى اهتزاز ثقتهن بأجسادهن التي باتت تُخبئ أعداء لهن، وإحساسهن ببشاعة جلسات العلاج الكيميائي، وماهية الشعور السيئ الذي يصلن إليه بعد انتهاء الجلسات.
هذا زرع بداخلي القلق من العلاج الكيميائي الذي لم أكن قد بدأته بعد».
وأشارت البار إلى أن أصعب تحديات العلاج الكيميائي كانت عندما بدأ شعرها بالتساقط، لتُدرك أن الشعر لا يعني جمالاً فقط للمرأة بل هو كبرياء، وأن تساقطه يذكر المرء بالمرض في كل لحظة.
أضافت: «لزوجي دور ممتاز في هذه المرحلة، ففي يومٍ من الأيام أخبرني بأنه يرغب في رؤية شعري، وكان قد بدأ التساقط قليلاً، فتمنعت عن إزالة الشال الذي كنت أخفي به ما تبقى من شعري، فما كان منه إلا أن ذهب إلى الحمام، وأخذ ماكينة الحلاقة الخاصة به وأزال شعره بالكامل، وخرج أصلع يبتسم، و ينظر إليّ. نظرت إليه وذهبتُ أيضاً إلى الحمام، وأمسكت بماكينة حلق الشعر، وأزلت ما تبقى من شعرٍ على رأسي، لأخرج له صلعاء. فبدأ الضحك من شكل رأسي، وضحكنا معاً، وضحك معنا ابننا الصغير».
مدونة « هل توافق؟» Do you Agree?
قالت البار إن الكتابة هي أفضل وسيلة تجد ذاتها من خلالها، فكتبت منذ بداية المرض، ثم رأت أن التجربة التي تمر بها ثرية حقاً على المستوى الإنساني، وأنها لا ينبغي أن تبقى حكرا على شخص واحد، فقررت مشاركة الناس تجربتها من خلال الكتابة والنشر في مدونة Do you Agree?، وهي تتمنى أن تكون كتاباتها عونا لكل إنسان يمر بمحنة وليس فقط محنة السرطان أو المرض، «ومن منّا لا يمر بمحنة؟!».
وقد فتح التدوين لها أبواباً للتواصل مع أشخاص كثيرين، فكانت تتلقى أسئلة من سيدات أصابهن القلق بسبب كتلة في الثدي فكانت تشجعهن على الفحص، ومن سيدات مصابات بالمرض فتتبادل معهن الخبرات والتجارب. ولفتت إلى أن الكتابة في المدونة أو على مواقع التواصل الاجتماعي جزء لا يتجزأ من المسؤولية التي تحملها على عاتقها، لكونها أماً وطبيبة، ومُصابة بهذا المرض.
تقول: «شعرت بأهمية التوعية لكل من يقرأ لي أو ممن حولي، فبدأت تدوين نظام الغذاء الصحي، ونوعية الطعام، وطبيعة العادات التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وليس فقط سرطان الثدي، لأننا بتنا نراه في كل الأعمار، وفي صفوف كلا الجنسين، و يُصيب مناطق مختلفة وغريبة في جسم الإنسان».
وأوضحت أنها كانت تكتب الأحداث لحظة بلحظة، بداية بتشخيص المرض، ومروراً بالعملية الجراحية، والخوف على الجنين، ومن ثم الوصول إلى جلسات العلاج الكيميائي.
موقع لمرضى السرطان
تبحث البار ومجموعة من الطبيبات والأطباء المتطوعين في إنشاء موقع لمرضى السرطان، تتلخص فكرته في توفير كل الخدمات غير الموجودة في العالم العربي مثل الملابس الخاصة بهم، والشعر المستعار، والماكياج، وغيرها من الأمور الواجب توافرها لإنعاش حياة مريض السرطان، بعيداً عن الحُكم المسبق عليه بالموت البطيء.
وسيوفّر هذا الموقع المعلومات العملية والعلمية لحياة مريض السرطان اليومية، كالأطعمة التي تساعد على مقاومة المرض والإرهاق والتعب بعد جلسات العلاج الكيميائي، كيفية ارتداء الشال، ومواضيع صحية أخرى تتضمن العناية بالجلد، ومعالجة التقرحات، أو الخشونة، وأيضاً توفير معلومات عن المرض. لكن سيبقى التركيز على الحياة اليومية لمريض السرطان.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024