ياسمين حمدان: أحب لحظة وجودي على المسرح...
«أنا امرأة. أقول ما أريد قوله، وأرتدي ملابسي بالطريقة التي أريدها، وأغني دوماً بالعربية على طريقتي»، تقول ياسمين حمدان، المغنية اللبنانية الموهوبة التي تشق مساراً جديداً في الموسيقى العربية العصرية عبر مزجها الغريب للأنغام التقليدية المطعّمة بأصوات البوب العصرية.
شاهدت ياسمين حمدان بالصدفة على التلفزيون البريطاني في برنامج يبث ليلة الجمعة. لا بد أن الصدفة تدخلت لاكتشاف شيء جديد يحصل في الشرق الأوسط.
ولدت حمدان خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، ووجدت نفسها تعيش حياة متنقلة مع أهلها وأختيها حين هربوا من لبنان وسافروا إلى أبو ظبي واليونان والكويت.
خلال إقامتها في اليونان، تعرفت إلى موسيقى البوب الغربية. تقول: «ترعرت على أنغام موسيقى البوب المصرية واللبنانية، وكذلك الموسيقى الخليجية. عندما عشت في اليونان، كنت معجبة بمادونا، ووام، وذا كيور وديبيش مود».
وجدت نفسها مفتونة بموسيقى البوب الغربية. وعندما عادت إلى لبنان، قررت حمدان التعرف أكثر إلى هذه التأثيرات الموسيقية المكتشفة حديثاً. «بدأت أغني بالانكليزية، بي جاي هارفي، وبوريتشيد، وفيونا آبل وبعض أغاني البيتلز. أحسست بتلك الأصوات، وتعمقت ببطء في موسيقاها. كنت أبحث عن معنى، ولذلك بدأت أثقف نفسي وأتعلّم الغيتار وأصغي إلى الكثير من الموسيقى. كنت في منتصف أزمة الهوية، وكانت مرحلة مربكة جداً».
الجمع بين محاولة إيجاد معنى في موسيقى البوب التي كانت تصغي إليها بنهم، والرغبة في الاتصال ببيروت التي عادت إليها حديثاً كمواطنة غريبة دفعا بحمدان مجدداً إلى موسيقى أيام صغرها من خلال المطربة المشهورة أسمهان. «أغرمت بصوتها، وجعلني ذلك الصوت القديم أتصل بأزمنة قديمة، وأعادني نوعاً ما إلى ذكرى شعرت أني أنتمي إليها وأرغب فيها». هنا، وجدت حمدان الهوية الموسيقية والسعادة التي كانت تتوق إليها. فإعادة اكتشاف الموسيقى العربية كانت بداية رحلة جديدة. «بدا جلياً أنه يجدر بي الغناء باللغة العربية. كنت مفتونة جداً بها». بدأت حمدان أبحاثها وجمعت الموسيقى العربية الكلاسيكية، التي صاغت هويتها كفنانة.
في الواقع، تذكر حمدان الآن لائحة من الفنانين العرب وأنواع الموسيقى التي تؤثر فيها. تقول عن عبد الوهاب إنه معلّمها. لقد أحدث ثورة باستعمال الإيقاعات الغربية والآسيوية في موسيقاه. ولذلك، باتت الموسيقى المصرية جزءاً من تاريخها. كذلك هي الحال مع عايشة المرطة، المرأة البدوية التي تستخدم رنّة صوتها بطريقة مذهلة، وتجد الموسيقى الخليجية قريبة إلى قلبها. إنها خطوة إلى الأمام نابعة من جذور شبابها.
في أواخر التسعينات، تعاونت حمدان مع زيد حمدان لتأليف ثنائي تكنو البوب «سوب كيلز»، مما عزز مكانتها كبطلة في ساحة الموسيقى المتنوعة. تذكر أن تلك المرحلة كانت يتيمة على الصعيد الموسيقي «حين بدأنا أنا وزيد في نهاية التسعينيات، في لبنان، كنا وحيدين جداً. كنت تواقة لمواجهة الصناعة والإحساس بالتحدي. ارتجلنا كل شيء».
غير أن هذا التوق للارتجال هو الذي دفع حمدان لتقديم أغان منفردة. أسطوانتها «يا ناس» التي أنتجها مارك كولن من الفرقة الموسيقية الفرنسية Nouvelle Vague، تجمع بين الموسيقى التقليدية والعصرية ضمن تداخل رقيق للأصوات والتأثيرات. فأنغام البوب تترافق مع إعادة توزيع لأغان عربية تقليدية.
الأغنية التي تحمل اسم الأسطوانة هي إعادة توزيع لأغنية كلاسيكية كويتية راجت في حقبة الستينيات. ”أخذت الأغنية وأعدت صياغتها بالكامل. أعدت ابتكارها بحيث أصبحت شيئاً جديداً تماماً، وإنما باحترام طبعاً. أعدت ابتكار الكورس، ودعمت الأصوات الملفوظة، وأعدت تنظيم كل البيئة مع مارك». تقول حمدان إن علاقتهما مبنية على الثقة. ”لا يفهم مارك أي شيء مما أقوله. إنه فرنسي مثلما تعلمين. وهذا مثير جداً، لأنه لا يملك أي خيار سوى أن يتكل على حدسه ويثق بي».
إنها ثقة نابعة من قضاء ثلاثة أشهر في استوديو للعمل على أسطوانة. لكن حين تتحدث معك، تشعر أن حمدان هي فنانة صاحبة حدس قوي تعرف تماماً كيف تريد أن تكون النتيجة النهائية. «أملك الأفكار والألحان والصورة لما أريده، وهذا متمحور حول الصوت واللحن وكلمات الأغنية».
عندما انتقلت حمدان للعيش في باريس بصورة دائمة للعمل في مجال الموسيقى، شعرت أنها تستطيع في هذا المكان بسط جناحيها بإبداع كبير. «بالنسبة إليّ، شعرت دوماً بالإحباط لأني غير محاطة بما يكفي من الموسيقيين، والمنتجين، والأشخاص الذين أرغب في لقائهم أو الحصول على حوافزهم». احتجت إلى النفاذ إلى العالم الأكبر والأوسع، ولذلك انتقلت إلى باريس. أعتقد أيضاً أني بدأت أشعر في لبنان بالرغبة في شيء آخر. أردت التغيير. أردت مساحة لي».
في باريس، حيث تعيش مع زوجها المخرج الفلسطيني، إيليا سليمان، وجدت بيئة إبداعية جعلتها تشعر أنها في وطنها. تتحدث بشغف وإنما باقتضاب عن سليمان. «وجوده مصدر إلهام وتحفيز لي في العديد من النواحي. إنه إنسان جميل. نحن محظوظان لوجود هذا التناغم الجميل بيننا».
على رغم عيشها في مدينة الأضواء، لا تزال حمدان تحب وطنها الأم وتشعر بالتفاؤل حيال المشهد الموسيقي الحالي هناك. تقول: «هناك بعض فرق الروك الجديدة الرائعة فعلاً. ثمة إحساس بأن أفراد الجيل الجديد نشيطون ويملكون أصواتاً قوية... ولم تكن الحال هكذا قبل أعوام عدة». لكن حمدان لا تدرك ربما أنها تعطي الموسيقى البديلة اللبنانية صوتاً وحضوراً على الساحة العالمية.
عند التحدث عن أدائها المسرحي المفعم بالطاقة والحميمية في الوقت نفسه، تقول: «أحب لحظة وجودي على المسرح رغم أني كنت أخاف أحياناً في السابق. إنها وسيلة لي لأعبّر عن نفسي خارج مساحتي المريحة، خارج عاداتي، خارج حدودي».
المشاريع المقبلة لحمدان تتضمن بعض العروض الأوروبية، وقد شاركت في أحدث أفلام المخرج جيم جارموش «وحدهم العشاق غادروا أحياء» (Only Lovers Left Alive). وبالنسبة إلى مستقبل موسيقاها، تأمل حمدان في شيء واحد فقط. «فلنأمل بأن أكون في مكان جميل وأحافظ على إلهاماتي. أثق في الحياة. وسأتدبر دوماً وسيلة لشق طريقي فيها... إنها مسألة ارتجال».
شكر خاص إلى فندق (St Pancras Renaissance Hotel London (www.stpancrasrenaissance.co.uk للسماح لنا بإجراء المقابلة مع ياسمين حمدان والتقاط الصور لها في الفندق.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024