قاموسنا
ما أصعب العتب في عينيّ طفلة. يبرق بقسوة. تلتمع البراءة فيهما أيضاً. تصبح النظرة صائبة. هل من ضمير تصيبه؟ غابت الكلمة من قواميسنا. «الضمير» كلمة تنتمي إلى القرن الماضي. «الحرب، البيوت المهجورة، التراب، الخيمة، البرد الموجع، ما سيأكله الأولاد، ما سيتعلّمونه». كلمات وعبارات ترددت في ما روته أمهات لاجئات لزميلتنا. لجأن إلى المجهول، إلى العراء المقنّع، إلى فقر أبشع وأقلّ رحمة. «ضاع مستقبلي» قالت صبية. «الغلاء كافر، كنا مكرّمين في بيوتنا، لكننا تركناها لنعاني، تركناها خوفاً من الموت، وعانقنا تراباً ليس ترابنا». قلق النساء أوسع. يغطي التفاصيل الصغيرة والكبيرة. وجع النساء أعمق، والثمن الذي يدفعنه في الحروب أغلى. وهنّ أكثر عرضة للعنف الاجتماعي والتمييز في ظروف التهجير وفي خيم الشتات. البرد لا يرحم، والأولاد يبتسمون رغم كل شيء. يلهون خارج الخارج، خارج «الشادر»، وبعيداً من سلطة «الشاويش» الذي نصّب نفسه مسؤولاً عن تجمّع الهاربين من قمع الحرب إلى ضروب مختلفة من القمع. يتجمّع الأولاد، يرحبون بالزائرة زميلتنا وبكاميراتها. أطفال جبابرة، يقاومون البرد واليأس، يأس الكبار. بعضهم ولد في المكان الموقت، وطنهم خيمة أو رصيف. بعضهم ما زال يتذكر طعم الأطباق المحضّرة في البيت، تحت سقف المطبخ، إلى جانب غرفة كانوا ينامون فيها. ما زالت البيوت الأصلية أحلاماً مستحيلة في بلداننا. يركض الزمن وتبتعد. متى نكتب عن الاستقرار والسلام بدلاً من الكتابة عن الشتات والحرب؟
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024