تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الإهمال يضرب حضانات الأطفال: طفل كاد يموت شنقاً وآخر دفع حياته ثمناً

طفل صغير تنير ابتسامته حياة كل من حوله، لكن فجأة انطفأت تلك الابتسامة، لتجد الأسرة نفسها في كارثة لا تقوى على تحمّلها، بعدما تعرض صغيرها الذي تجاوز الثالثة من عمره منذ أسابيع قليلة، للموت على يد طفلة تصغره بأيام معدودة.


مثل أي أم حلمت بمستقبل أفضل لأطفالها، اتخذت والدة محمد قرارها بإرساله إلى حضانة تكون بداية له في شق طريق العلم، يتعلم فيها أبجديات الحروف وتعاليم دينه، ويحفظ من الكلمات الإنكليزية ما يجعلها تتباهى به أمام صديقاتها، وربما تزداد درجة التباهي إذا كان ما يردده أغنية كاملة. بمثل هذه المفاهيم تنجح غالبية الحضانات، أو دور رياض الأطفال، في جذب الكثير من العائلات لإرسال أبنائهم إليها، خاصة قبل مرحلة التعليم التمهيدي، ليكون الطفل قادراً على تجاوز الامتحان الذي يخضع له لتقييمه في أي مدرسة قبل قبوله بها، وهو الأمر الذي بات يشكل عبئاً لا يوصف للكثيرين. لم تكن الأم تتوقف عن وصف مميزات الحضانة التي أرسلت ابنها إليها، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان، فتحول المدح إلى ذم، والحديث عن الإيجابيات إلى سلبيات لا تنتهي، من دون أن يطفئ ذلك النار التي اشتعلت في قلبها.

اتصال مزعج
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً، عندما رن هاتف الأم ووجدت مصدر الاتصال حضانة ابنها، فأسرعت بالإجابة، لتجد إحدى المعلمات تبلغها بضرورة الحضور لاصطحاب صغيرها حيث إنه مريض للغاية. خلال دقائق معدودة كانت المسكينة بصحبة زوجها داخل الحضانة، لرؤية صغيرها الذي بدا وقد فارق الحياة، بعدما أُغمضت عيناه وأصبح لا يقوى على التنفس، فانطلقت صرخاتها طالبة النجدة لإنقاذ صغيرها، الذي أوشك على الضياع منها. في المستشفى تم وضع الطفل محمد على جهاز التنفس الاصطناعي، وقام الأطباء بمحاولات عدة لإنعاش القلب، دخل بعدها في غيبوبة تامة، في الوقت الذي حاول المسؤولون في الحضانة إخفاء ما حدث تهرباً من المسؤولية.

تشنّج حراري
مديرة الحضانة قالت لأحمد شمة، والد الطفل، إن صغيره حضر إلى الحضانة في حال إعياء شديد، حيث كان يعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة، ولم يمكث إلا قليلاً حتى أصيب بتشنجات حرارية سقط على أثرها فاقداً للوعي. لم يصدق الأب ما يروى له من كلام غير منطقي، فالطفل خرج من منزله وهو لا يعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة، وجاء تقرير المستشفى ليؤكد تعرض الصغير للاختناق، مما أدى الى عدم وصول الدم إلى الدماغ فأُصيب بإغماء دخل على أثره في غيبوبة تامة. حالة من الذهول أصابت الجميع، فكيف يحدث هذا في حضانة وظيفتها الأساسية الاهتمام بالصغار ورعايتهم، ومن الذي أقدم على شنق طفله الى درجة جعلته يفقد الوعي، بل كاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، لولا أن القدر كان رحيماً بأسرته.

إخفاء الحقيقة
محاولات مستميتة قام بها المسؤولون في الحضانة لإخفاء الحقيقة، حتى خرجت بضع كلمات متلعثمة من طفلة صغيرة لتكشف المستور، إذ أكدت أن محمد قد تعرض بالفعل للشنق على يد طفلة تصغره بأيام قليلة. كان من السهل عدم تصديق هذه الطفلة، خاصة أن سنواتها القليلة تجعلها لا تدرك ما تقول، لكن كلماتها كانت كفيلة بتحريك المياه الراكدة، حيث بدأ الأطفال يتبارون لرواية تفاصيل ما حدث. قال الصغار إن مديرة الحضانة كانت تعقد اجتماعاً للمعلمات، فذهب الجميع وتركوهم يلعبون معاً في الحديقة، وفي تلك الأثناء كان محمد يتزحلق، فأرادت طفلة الإمساك به حتى لا يسبقها.

رباط الإعدام
لم تجد الصغيرة سوى رباط يتدلى من ياقة جاكيت يرتديه صديقها، فأمسكت به محاولةً منعه من النزول، ليتعلق الصغير وكأنه مشنوق بين يديها محاولاً الاستغاثة، إلا أنها لم تستوعب ما حدث في لحظة كاد المسكين يفارق الحياة فيها، غير مدركة سوى أنها نجحت في منعه من التغلب عليها في اللعب. سقط محمد على الأرض فاقداً الوعي، في الوقت الذي جاءت إحدى المعلمات وعلمت بما حدث، فأسرعت عندها لإبلاغ المديرة التي أدعت أن الطفل كان يعاني ارتفاعاً في درجة الحرارة سبّب له تشنجات حرارية دخل على أثرها في غيبوبة.

غيبوبة
أكثر من خمسة أيام قضاها هذا الملاك الصغير في غيبوبة كاملة، قبل أن يعود الى الحياة من جديد، ويؤكد رواية أقرانه، التي كانت بمثابة قنبلة أُلقيت في وجه والديه، ولتكشف كم الإهمال الذي كاد يغتال روحاً بريئة، ويحيل طفلة صغيرة إلى قاتلة من دون أن تدرك معنى القتل بعد.

تزوير
وأوضح الأب أن إدارة الحضانة حاولت إخفاء الحقيقة عنه، بل وصل بهم الأمر إلى دفع مبلغ مالي كبير لتزوير تقرير طبي صادر عن أحد المراكز الطبية المتخصصة، يفيد بتعرضه لتشنجات حرارية بسبب ارتفاع درجة حرارته، على غير الحقيقة التي أراد الله كشفها على لسان أطفال أبرياء لا ينطقون إلا بالحق.

طفل آخر
عاد محمد الى الحياة مجدداً، بعدما رأف القدر بحال أسرته، في حين كان أكثر قسوة مع زياد الذي راح ضحية للإهمال في حضانة أخرى، وكانت النتيجة سقوطه جثة هامدة بين عجلات الباص الذي يقوم بتوصيله الى منزله يومياً.

كارثة
في الساعة الثالثة عصراً، كانت شيماء الصادق تنتظر كالعادة أن يصلها اتصال من مشرفة الباص الذي يقوم بتوصيل صغيرها، لكنها تأخرت، وقبل أن تستطلع الأمر، وجدت الجيران يطرقون بابها ليخبروها بالكارثة التي لم تكن تتوقعها أبداً.
وجدت شيماء صغيرها جثة هامدة عند عجلات باص الحضانة، حيث أنزلت المشرفة زياد من الباص من دون أن يتسلمه أحد، وقبل أن يتحرك الصغير من مكانه عاد السائق الى الخلف ليدهسه غير مدرك ما حصل لزياد.
قد تختلف تفاصيل القصتين، لكنها تتطابق في الإهمال الذي تصدره دور رياض الأطفال لتغتال أرواح ملائكة صغار.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078