تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

مناهج التعليم العربية وتحدِّيات العصر

المدرسة هي محطَّة وجسر عبور إلى المستقبل، ففيها تتلقى الأجيال المعرفة التي تتيح لها الانخراط في عملية بناء المجتمعات والأوطان، وبقدر ما تكون مناهج التعليم في المدارس والجامعات سليمة وصحيحة، يكون إعداد الأجيال ناجحاً، وعندما تتخلَّف مناهج التعليم عن مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعصف بعالمنا، وبإيقاع متسارع، فإن مشكلة كبرى تواجهها المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة، وتدعوها للنظر الجدّي والسريع في موضوع المناهج. وهذا ما يحدث، وبدرجات متفاوتة، في مختلف أقطار العالم العربي. ولعل دراسة أحوال مناهج التعليم في  مصر والسعودية ولبنان تعطي فكرة عما هي عليه في عالمنا العربي بوجه عام. وهذا ما تقوم به «لها» في هذا التحقيق من مصر والسعودية ولبنان.

 

مناهج التعليم في مصر: مكانك راوِحْ!
لم يبدل التعليم المصري «ثوبه القديم» في المناهج الدراسية منذ عشرات السنين، وسط تجاهل كبير من المسؤولين لفكرة التطوير، رغم النفقات التي تقدر بالملايين في الموازنة السنوية لوزارة التربية والتعليم، ورغم إعلان وزير التربية والتعليم الأسبق محب الرافعي، عن إنشاء مجلس علمي من أجل تطوير المناهج الدراسية الجديدة، للعام الدراسي 2015 -2016، وفضلاً عن تصريح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الحالي الدكتور الهلالي الشربيني، في أولى مهماته في الوزارة، بأن الفترة المقبلة ستلحظ نتائج كبيرة في المناهج وصولاً إلى المعايير العالمية، لكنّ هناك أسباباً لجمود المناهج الدراسية في مصر يكشفها لنا أهل الاختصاص في هذا التحقيق.

الدكتور كمال مغيث: المناهج لم تتغير منذ سنوات وتقوم على الحفظ بدل الإبداع
يقول الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث: «أولاً، المنهج من وجهة نظر العلم ليس المقرر الدراسي أو الكتاب، بل هو يشمل المقرر والأنشطة والكتاب والأخلاق والعلم والعلوم التربوية والفلسفة والقيم والمهارات ونوع الامتحانات، كما يتضمن العملية التعليمية بشكل كامل. وإذا نظرنا إلى المشكلات، نجد أن أسبابها تتعلق أولاً بالشعور الدائم بأن المناهج الدراسية لم تتغير. والدليل على ذلك، أن ما تم تدريسه منذ عقود لأجيال سابقة في المرحلة الثانوية، لا يزال يُدرّس لأبنائنا الحاليين بالطريقة والنصوص والآليات نفسها ومن دون أدنى تغيير، بالإضافة إلى أن هذه المناهج تُطبّق بلا حماسة أو إبداع، بل يتم تدريسها من طريق الحفظ والتلقين فقط، مما لا يترك تأثيراً إيجابياً في الطلبة، كما توصف المناهج المصرية الحالية بأنها مناهج عقيمة لا تزال تعتمد على التكرار».
ويضيف: «شاهدت في أميركا نموذجاً ناجحاً وحيوياً وحماسياً في التدريس، تضع فيه الدولة عدداً قليلاً من المناهج التي يتم عرضها على الطلبة والمدرّسين، ولا تزيد درجاتها على الـ 30 أو الـ 40 في المئة من الدرجة الكلية، وتعتمد الـ60 في المئة المتبقية على إبداع الطلبة أنفسهم، إلا أن الأمر مختلف تماماً في مصر، بحيث تتفشى ظاهرة المناهج المتطرفة، وتغيب الموضوعية، ويسود التكرار والتطرف الديني إلى درجة المرض النفسي. فعلى سبيل المثال، يدرس الطلاب في المرحلة الابتدائية الحواس، مثل الشم والذوق والسمع والنظر، إلا أن المؤلف اعتمد طريقة غريبة في شرح تلك الحواس، كأن يشرح مثلاً حاستين لا تعملان جيداً لدى الفتيات، وحاستين تعملان بشكل جيد لدى الذكور فقط، مما يدل على التمييز في وضع المناهج».
ويشير الدكتور مغيث إلى «أن ما يحدث اليوم في المناهج الدراسية يؤكد أن التعليم في مصر يأتي في ذيل أولويات الدولة، وتحتل مصر مرتبة العشر الأواخر بين الدول بالنسبة الى التعليم، وفي بعض الحالات تسبقها اليمن وموريتانيا، والإدارة التعليمية تتجاهل ذلك، إذ تعمل على شغل الناس بقضايا جزئية، مثل «التابلت» الذي يعد انشغال الطلاب به عن الكتاب أمراً غير مقبول في التطوير، في ظل ظروف التعليم الصعبة في مصر، وحيث يعيش 50 في المئة من المصريين تحت خط الفقر، فكيف يتم تسليم «تابلت» الى الطالب الفقير بألف جنيه مصري فيبيعه للاستفادة من ثمنه! خصوصاً أن «التابلت» لن يغني عن الكتاب المدرسي، وما من منظومة أو دراسة تؤكد ذلك في الوقت الحالي، فلا بد من اختيار محافظات في البداية كنماذج لنجاح التجربة، ليتم تداولها من محافظة إلى أخرى بشكل كامل وجيد، هذا فضلاً عن المواكبة الصحيحة للتكنولوجيا وتدريب المدرسين على استخدام «التابلت».

الدكتور أحمد زكريا: مناهجنا مكررة ولا تتوافق مع الأفكار الحديثة
يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة عين شمس، الدكتور أحمد زكريا «إن المناهج الدراسية في مصر لم تنته من معاناتها بعد، وهي تنتظر التخلص من سلبياتها التي تكمن في عدم توافق هذه المناهج مع أفكارنا الحديثة، والهدف الأول من ذلك تحقيق مصلحة الطالب، بالإضافة إلى كثافة المواد التي لا تتضمن أي فائدة، لذا فلا بد من التخلص منها والابتعاد عن الدروس المتكررة، وإلغاء المناهج التي لا تلائم أعمار الطلاب، وحذف المادة التي فحواها العنف، وتعزيز المناهج بالمواد التي توسع مدارك الطلبة، وتغذي القيم ومفهوم الأخلاق لديهم».
ويضيف: «على المسؤولين وأهل الاختصاص تشكيل لجان خاصة بتطوير المناهج لوضع خطة واضحة لتجديد كل مرحلة تعليمية بشكل دقيق، ولا بد من تقرير مواد تؤكد حقوق الإنسان وملامح التعليم والعلم في المستقبل المنظور، وإعداد المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم، وسن التشريعات المختلفة في المناهج، وأبرزها التشريعات التربوية، والاهتمام باللغة العربية واللغات الأجنبية وتعلم لغة العصر وهي الكمبيوتر، وتغيير صورة الطالب النمطية من أن وجوده يقتصر على التلقي فقط، فلا بد من أن يكون متلقياً ومشاركاً في الوقت نفسه».

الدكتور حمادة إسماعيل: لا بد من تأهيل الطلاب للتكنولوجيا قبل فرضها عليهم
يؤكد أستاذ التاريخ في كلية الآداب في جامعة بنها، الدكتور حمادة محمود إسماعيل «أن المادة العلمية غير مكتملة في المناهج التعليمية، والصور التي تنشر في الكتب غير واضحة، والمعلومات منقوصة  والطباعة سيئة أيضاً، والشرح المتضمَن في الكتاب غير كافٍ لكي يتابع الطالب دراسته في حال غياب المدرس، لذلك يلجأ معظم الطلاب إلى الكتب الخارجية». ويضيف الدكتور حمادة إسماعيل «أن المناهج الدراسية تقدم بطريقة تقليدية، من دون النظر إلى تطورات العصر، كما أن هناك أخطاء تاريخية في الكتب لا بد من الوقوف عليها، فالمواد بائسة والتزوير التاريخي في الكتب ظاهر، إذ يتم تسجيل التاريخ على هوى المؤرخين الحاليين،
بعيداً من رصد الحقائق بشكل كامل». وعن تطوير المناهج يوضح: «لا بد من تقديم اقتراحات من المتخصصين لرصد التطور المطلوب في المناهج بشكل دائم، لأن التعليم قضية أمن قومي من الدرجة الأولى، ولا بد من الاطلاع على تجارب الدول الناجحة مثل موريتانيا». وتعليقاً على ظهور «التابلت» أخيراً في المدارس المصرية، يقول د. حمادة إسماعيل: «السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يتواصل الطالب مع التكنولوجيا الحديثة، في وقت لا يستطيع الكتابة والقراءة ويريدون منه التعامل مع آلة حديثة مثل «التابلت»؟ فهو يصل إلى الصف الرابع الابتدائي من دون أن يقرأ أو يكتب، كما لا يمكن نقل الطالب من الكتاب إلى «التابلت» بشكل مفاجئ، فهي منظومة لا بد من أن تكون مرتبة ومتكاملة للقيام بتلك الخطوة. وتطوير المناهج يجب ألا يكون بالشكل فقط، فنستخدم تكنولوجيا حديثة لنقول إن طلابنا يتعلمون بالتابلت، فلا بد من تأهيلهم أولاً لتلك التكنولوجيا، وهذا لن يحدث إلا بتطوير حقيقي للمناهج الدراسية العقيمة».

الدكتورة سناء جمعة: التطوير يتم تدريجاً
أما المشرفة على مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية التابع لوزارة التربية والتعليم، الدكتورة سناء جمعة فتشير الى «أن الوزارة تحرص كل عام على التطوير، وهي تتبع منذ سنوات عدة خطة لمواجهة التطوير القديم والبطيء. فالعام قبل الماضي طورنا مناهج الرياضيات للصف الأول الثانوي، والعام الماضي طورنا مناهج الصف الثاني الثانوي، وقد مر على تلك المناهج 15 عاماً من دون أن يطرأ عليها أي تغيير، وما يحدث يعد تقدماً فعلياً في تطوير آلية المناهج، وليس تطويراً شكلياً فقط، كما طورنا العام الحالي مناهج اللغة العربية ومنهج التربية الوطنية». وتكمل: «في العام المقبل سيتم تطوير مناهج الصف الثالث الثانوي في الرياضيات والعلوم، والتطوير الذي قمنا به تدريجاً مواكب للعصر، وقد أخذنا بتجربة سنغافورة في تطوير المناهج، وهي الأحدث إذ تواكب الاتجاهات العقلية الحديثة. وفي المرحلة الحالية يقوم مركز تطوير المناهج بتطوير مناهج العلوم في عدد من المراحل التعليمية للطلاب، وسنعلن عنها العام المقبل».
وتضيف «أن مركز تطوير المناهج سلّط الضوء على التطوير في عدد من القضايا المعاصرة الهامة، منها كيفية مواجهة الأزمات وإبراز التسامح في تلك المناهج والتعامل مع الآخر. وفي حال التطوير وتنفيذه، يبحث مركز تطوير المناهج عن الكفاءة بالتعاون مع المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية لمراجعة ما تم تنفيذه، والتأكد من المعايير الصحيحة، والبعد عن التكرار في المصطلحات، ويضم المركز نخبة من الأساتذة المتخصصين في عدد من الجامعات البارزة في مصر».
وتؤكد الدكتورة سناء جمعة «أن المشكلة التي تواجه التعليم في مصر، ليست في تطوير المناهج، بل في التطبيق العملي للتطوير والتكنولوجيا الموجودة في المدارس. وعلى سبيل المثال، لا تتوافر في المعامل إمكانات لمساعدة الطالب بالشكل المناسب على إقامة التجارب العلمية المطلوبة، وحتى إذا وجدت المعامل فهي لا تُستغل بشكل صحيح».


المناهج التعليمية في السعودية: مواكبة التقدم وتخريج الأجيال المناسبة لعالمنا الجديد


التقدم السريع والتطور الذي حدث في المجتمع السعودي في الفترة الأخيرة، استوجب إعادة النظر في المناهج لتواكب هذا التقدم. «فالمناهج الحالية أدت الغرض الذي وُضعت من أجله، وخرّجت أجيالاً خيّرة للبلد، غير أن هذه المناهج بحاجة إلى تطوير نوعي بما يتناسب مع التقدم العلمي، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، والتغيرات العالمية، فكان التركيز على تنمية المهارات العقلية العليا، مثل مهارات التفكير الناقد، ومهارات التفكير الإبداعي، ومهارات حل المشكلات».


علياء العودلي: مناهجنا تجاوبت مع مخططات التنمية الوطنية
تشير العودلي مديرة مدرسة رياض الأطفال الأهلية إلى أن تطوير المناهج يرتكز «على الأسلوب التكاملي في بناء المقررات الدراسية، معتمداً على تأكيد العلاقة الأفقية والعمودية، بين خبرات المناهج لمساعدة المتعلم على بناء نظرة أكثر شمولاً ووضوحاً، لتوجيه سلوكه وتعامله بفاعلية مع مشكلات الحياة. والمواد الدراسية تتبع أسلوب الحوار، والمناقشة والتحليل، وتوظيف مهارات التفكير، والمعارف وخبرات الطلاب في واقع الحياة العملية. كما أن هذه المناهج لبّت حاجات الطلاب، ومتطلبات خطط التنمية الوطنية، وحاجات سوق العمل المستقبلية. وأكسبت كذلك المناهج الجديدة الطلاب، المعارف والمهارات، والاتجاهات النافعة اللازمة للحياة والتعلم والتعايش الاجتماعي، لتقودهم إلى التفكير والتأمل والتعلم المستمر، واستخدام التقنيات الحديثة ومصادر التعلم المختلفة. واعتمدت المناهج الجديدة على تلبية حاجات الطلاب العقلية والنفسية والجسدية، وحاجات المجتمع، والتنمية وسوق العمل. واستندت المناهج الجديدة إلى نظام سياسة التعلم في السعودية أولاً ثم الاتجاهات والتجارب العالمية، ونتائج التقويم والبحوث والدراسات، وهي مناهج تحفز على الإبداع والتفكير».

مشاركة أكبر مع مراعاة للفروق الفردية
وفي ظل تطورات مناهج التعليم، تغيّر دور المعلمة في تلقين الطالبة المعلومة، وبات «يرتكز على التخطيط للعملية التعليمية ومعرفة أجزائها، فهي أصبحت المخططة والموجهة، والمرشدة والمديرة، والمقيّمة للعملية التعليمية، كذلك أتاحت الفرصة للطالبات للمشاركة بحرية أكبر مع إكسابهن مهارات أكثر، مما انعكس على قدرة الطالبات على الاتصال، وتفجير طاقاتهن وقدراتهن، وبناء شخصيتهن وإطلاعهن على أحدث ما توصل اليه العلم في شتى المجالات، وهذا يتطلب من المعلمة أن تكون على معرفة بخصائص الطالبات، ومراعاة الفروق الفردية، لأن طرق التدريس وأساليبه تعتبر من أهم ما ورد في المناهج المطورة»، على نحو ما قالت العودلي.

وبحُكم كونها معلمة سابقة ووفق خبرتها كمديرة مدرسة، ترى محدثتنا أن «تطوير المناهج الدراسية ساعد الطلاب على المضي قدماً في حياتهم العملية، وبناء شخصيتهم، وإكسابهم المهارات اللازمة للحياة والتعلم، كذلك وسّع مداركهم العقلية وساعدهم في حياتهم العملية».
وحول المعايير الواجب اتباعها في عملية التطوير الخاصة بالتعليم في السعودية، ذكرت العودلي: «المنهج العلمي وأهدافه، وأعضاء هيئة التدريس، والنظام الإداري، وأساليب التقويم، والتسهيلات المادية... لا يمكن هذه المعايير أن تتحقق إلا من خلال تأسيس المنهج الفكري السليم، الذي تسير عليه العملية التعليمية».
وأفادت مديرة إحدى المدارس الابتدائية الحكومية (محتفظة باسمها لنفسها) بأن مفهوم التعليم من مبدأ التلقين إلى مهارة التفكير جعل الطالبات، خصوصاً في المراحل الابتدائية، يُشاركون معلماتهن في المعلومة، لكن أجد أن الكتاب لا يزال مصدراً مهماً للمعلومات في المراحل الأساسية الابتدائية، ولا بد من الاستمرار على النهج القديم، لأن الطفل يُفضل أن يتلقى من المعلمة، فالأطفال في الصف الأول الابتدائي لا يملكون القدرة على البحث عن المعلومة. لكن المناهج تطورت كثيراً في السنوات الأخيرة، بل اجتاحها التغيير بمجملها، «فمن ناحية تقييم الطالبة، كان يصلني التقييم في نهاية العام، بحيث يجرى قياس مهارة إدراكها ومدى قدرتها على الحفظ، لكن الآن تقاس هذه المهارات بين كل فترة وأخرى. وهذه التغييرات لها إيجابيات وسلبيات، فمن إيجابياتها أن المعلمة التي تستعمل أدوات تلقين مناسبة، تخرّج طالبات مبدعات. أما إذا كانت هذه المعلمة تعتمد على أساليب قديمة فلن تخرج بأي نتيجة فعّالة. وبرأيي الشخصي، خصوصاً بالنسبة إلى المدارس الحكومية، فإن مسألة قياس المهارات للطالبات صعبة جداً، والسبب كثافة أعداد الطالبات في الفصل الواحد، حيث يتراوح ما بين 35 و37 طالبة. ولنأخذ مثلاً مهارات اللغة التي تحوي 60 مهارة، هل ستتمكن المعلمة من قياس جميع هذه المهارات على فصل يحوي 40 طالبة بمدة لا تزيد عن 45 دقيقة وهي مدة الحصة الواحدة! بالتأكيد لن تستطيع! فهناك خلل. وبالعودة إلى الإيجابيات، إذا تقننت المهارات، وقلّت أعداد الطالبات فسنخرج بتقييم جيد ومتوازن».

من أسلوب التلقين إلى اسلوب المشاركة
وفي ما يخص عدد المواد الدراسية الخاصة بالمرحلة الابتدائية، تؤكد: «في الأول والثاني ابتدائي تُدرّس خمس مواد، ثم تتدرج إلى سبع مواد، وصولاً إلى12- 14مادة. كما ركزت المهارات على اكتساب المهارة المعرفية والحركية أو المهارية، وهي التي تناسب طالبات المرحلة الابتدائية، كما أننا نعتمد على مهارتي القراءة والكتابة، اللتين منهما تستطيع الطالبة الانطلاق في مراحل حياتها الدراسية. وينصبّ التركيز أيضاَ على التقنيات الحديثة، حتى إن المعلمة مطالبة بأن تعتمد وسائلها التعليمية على التقنية مثل السبورة الذكية والبروجكتور، أكثر من اعتمادها على الأدوات التقليدية كالسبورة والطباشير، لذلك نجد أن الطالب يأخذ رسم الكلمة وشكلها حفظاً فقط، لكنه لا يمارس ولا يكتب للأسف إلا نادراً».
وحول مخرجات التعليم في المرحلة الابتدائية، أي التأسيسية، تقول: «الدور الأول والأساس للمعلمة، فقبل تطوير المقرر، يجب تطوير المُعلمة، إذ ينبغي توظيف معلمة قادرة على أن تُنشئ جيلاً يثق بنفسه، وبقدراته. لكن يجب أن نتخطى العقبات التي تعوّقنا والمتمثلة في  كثافة أعداد الطلاب، وعدم وعي الأهالي، كي نستطيع تخريج طلاب وطالبات مؤهلين للمراحل التالية في المتوسطة والثانوية، بسبب التأسيس الصحيح، والتركيز على مهارات كثيرة، منها القراءة والكتابة، وتحفيز سرعة البديهة، والمشاركة في الفصل والحصول على المعلومة بدقة. ولا بد من توضيح نقطة مهمة، وهي مميزات المناهج الجديدة التي من خلالها لم يعد الطالب متلقناً فحسب، بل صار مُشاركاً وبالذات في تطبيق استراتيجيات التدريس الحديثة، وهناك استراتيجيات إذا تمّ تطبيقها بنحو صحيح، فسيكون لدينا مخرجات تعليم متحدثة، ومُشاركة، وقادرة على إبداء رأيها، والمشاركة في العملية التعليمية».

مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام «تطوير» tatweer.edu.sa
هي مبادرة وطنية، وجدت لتحقق رؤية الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، لتطوير التعليم العام في السعودية. وبنيت الرؤية المستقبلية للتعليم في السعودية وفق منهجية منتظمة بدأت بتحديد الرؤية للمتعلم، ثم تحديد سمات المدرسة التي يمكن أن تحقق تلك الرؤية، بصفتها الحاضنة الرئيسية للتعلم. وبناءً على ذلك تم تحليل الوظائف والمهام التي يجب أن تقوم بها إدارات التربية والتعليم، لتمكين المدارس من التركيز على التعلم، والرفع من مستوياته، وبناء الشخصية المتكاملة. وبنيت على هذا التحليل الرؤية المستقبلية لإدارات التربية والتعليم.
وبناءً على الرؤى المستقبلية للمتعلم والمدرسة، وإدارة التربية والتعليم، تم أيضاً تحليل المهام التي يجب أن تقوم بها الوزارة من أجل التطوير أولاً، ثم تمكين إدارات التعليم والمدارس من القيام بما عليها تعليمياً، وإشرافياً ضمن منهجية منتظمة، تتيح للوزارة التحول إلى نظام اللامركزية الذي يتطلب بناء قدرات العاملين في المدارس وإدارات التعليم. وسيتم نقل الصلاحيات من الوزارة إليها وفق جاهزيتها من حيث النضج الإداري للقيادات وضمان مستوى متميز من التنفيذ والمتابعة والمحاسبة الفعالة في ظل منظومة من الحوافز.

نواتج الإستراتيجية
● تحسن أداء الطلاب في مواد التربية الإسلامية واكتسابهم القيم والمبادئ والسلوكيات الإيجابية والمعتدلة.
● تحسن أداء الطلاب في اللغة العربية وتوظيفها في الحياة.
● تحسن أداء الطلاب في العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات.
● زيادة التحاق الأطفال بمؤسسات رياض الأطفال وتحسين أدائهم واستعدادهم للمدرسة.
● تعزز قيم المواطنة والانتماء الى الوطن وحضارته لدى الطلاب.
● زيادة فرص التعليم للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والموهوبين والطلاب المعرّضين للخطر.
● تحسن مهارات الطلاب في اللغة الإنكليزية.
● رفع مستوى استعداد الطلاب للحياة وسوق العمل والدراسة ما بعد الثانوية.
● خفض نسب الرسوب والتسرب في المراحل جميعها، ورفع نسبة إكمال الطلاب للمرحلة الثانوية.
● تحسن مستوى الصحة العامة للطلاب وانضباطهم وخفض الممارسات السلبية.

تهاني المحمد: مناهجنا تساهم في عملية التعلّم الذاتي
بدورها، تقول تهاني المحمد، مديرة إحدى المدارس الحكومية ــ القسم الثانوي: «المناهج الحديثة تعتمد على مبادئ واتجاهات تربوية، أصبحت غالبية الدول تأخذ بها. وهذه المناهج توفر للطالبة فرصة للتعلم الذاتي، ولتطبيق المعرفة، وتعمل على تكامل خبراتها. كما تركز على إكساب الطالبة مهارات تعد ضرورية للفرد، كي يتفاعل بصورة إيجابية مع الآخرين، ويتواصل معهم، ويتكيف مع مستجدات مثل: مهارات البحث، وحل المشكلة، واتخاذ القرار، ومهارات التقييم الذاتي، وغير ذلك من المهارات التي تعد ضرورية لتحقيق هدف التطوير، إضافة إلى أن الثورة المعرفية وفرت مصادر تعلم كثيرة للطالب، فاستفادت المناهج الجديدة من ذلك، وعددت مصادر التعلم، بما فيها مجال التكنولوجيا». وتلفت تهاني إلى أن «الهدف هو تغيير آلية التعلم داخل المناهج، وتنويع مصادر المعرفة. فالمعلمة عضو في مجموعة اكتساب المعرفة، وإعداد الطالبة لتصبح مواطنة قادرة على التكيف مع أي متجدد ومستمر، من خلال اكتسابها مهارات تساعدها على ذلك، وقدرة المناهج على تنمية قدرات الطالبة إلى أعلى درجة ممكنة، ومواكبة العصر الذي نعيش فيه وإيصال المعلومات التي تناسب مناخ الطالبة وقدرتها على الدرس والتحصيل».

الدكتور زائري: تطوير المناهج ضروري لمواكبة التقنية الحديثة والإنترنت
استشاري الطب النفسي في مركز النخيل الطبي في جدة الدكتور علي زائري أفادنا بأن «تطوير المناهج التعليمية في السعودية مناسب جداً نظراً للمتغيرات التي يشهدها العالم أجمع، خصوصاً في ظل دخول التقنية الحديثة والإنترنت الى هذا المجال. لذلك لا بد من أن تواكب هذه المسائل التعليم القديم الذي اعتادت عليه الأجيال السابقة. ومن ناحية أثر التحديث في نفسية الطالب والطالبة، نرى أن الأثر الإيجابي أكبر من السلبي، ففي فترة التعليم التقليدي لم يكن يُطلب منه الاستنتاج أو الابتكار، بل الحفظ فقط بفهم أو بدون فهم. أما مناهج التعليم الجديدة فتُركز على مهارات فكرية كالبحث عن معلومة، أو استيعاب الأفكار الجديدة، أو الابتكار، وهذا ضروري جداً إذا كان هدفنا جيلاً مُبتكراً وغير تقليدي».  ويضيف: «لم يصل التعليم في السعودية وفي بعض دول العالم بعد، إلى ما وصل إليه في مناطق مختلفة من العالم، ففي أوروبا لم يعد التعليم يعتمد على الكتب المدرسية المقررة والمكررة، فالمناهج هي مجرد مواضيع يأتي بها الطالب من شبكة الإنترنت، أو من المكتبات الرقمية. وهناك جامعات حول العالم تُدرس من دون كُتب ورقية تقليدية أو كما يُطلقون عليها Paperless. كما أن هناك كليات طب لا يوجد فيها معلمون أو أطباء، فيذهب الطالب بنفسه ليجتهد ويبحث، ليتمحور دور المعلم حول الإشراف فقط. وهذا ما نعني به التعليم الحديث، الذي يجب على السعودية، والعالم العربي أن ينحو نحوه».
ويتابع زائري حديثه حول المشاكل التي ما زالت تواجه الطلاب والطالبات فيقول: «ما زلنا نرى أن الطلاب والطالبات يحملون كُتباً تزن نصف أوازنهم تقريباً، وهذا رمز من رموز الطريقة التقليدية السابقة للتعليم وله مساوئه الكثيرة. وكذلك لا بد من الإشارة إلى أن عدد الاختراعات في العالم يزداد لدى الدول التي تعتمد التعليم الحُر، والتعليم الابتكاري، ويقل في الدول التقليدية كالسعودية والبلدان العربية. ففي إحدى السنوات تم حساب عدد براءات الاختراع، وأظهرت النتائج، من جملة ما أظهرت، أن حصاد مجموعة كاملة من الدول العربية أقل من براءات اختراع إسبانيا. وهذا لا يعني أن هذه الدول تتفوق علينا بمستوى الذكاء، إنما يكمن السبب في المناهج التعليمية، فإن كنت تعتمد منهجاً تعليمياً تقليدياً قائماً على الحفظ والتلقين، فلن تحصد إلا طلاباً يتفوقون في الحفظ والتلقين. أما إذا كنت توفر منهجاً تعليمياً قائماً على الفن والابتكار ومهارات الاتصال، والتواصل والبحث عن المعلومة، والشخصية المُشاركة، فستُنشئ جيلاً يباري أرقى الدول في الابتكار والاختراع».

بوابة المحتوى الرقمي
دشنت وزارة التعليم السعودية بوابة المحتوى الرقمي للمناهج ebook.sa التي توفر مواد دراسية تفاعلية وإثرائية وتقييماً إلكترونياً، وتأتي هذه البوابة انسجاماً مع ما يشهده العالم من تقدّم متسارع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوسّع الشبكات العنكبوتيّة، فقد أصبح ارتباط التكنولوجيا بالعملية التعليمية ارتباطاً وثيقاً، حيث تعدّى الأمر تسهيل عمليتي التعليم والتعلّم إلى التوظيف الفاعل، في إطار السعي إلى بناء تعلُّم قائم على الاستيعاب المفاهيمي، وتطوير قدرات المتعلّمين في الاستكشاف والتفكير وحلّ المشكلات، والمشاركة في تحمّل مسؤولية تعلّمهم، والإسهام في بناء المعرفة بدلاً من تلقّنها.
كما تتضمّن هذه البوابة المحتوى الرقمي للمناهج الدراسية، في وزارة التعليم، ضمن المرحلة الثانية في سلسلة حلقات دمج التقنية في العملية التعليمية، بهدف تطوير المحتوى الرقمي التفاعلي للمقررات الدراسية للمشروع الشامل لتطوير المناهج ومشروع التعليم الثانوي (نظام المقررات)، وذلك لإنتاج كتاب تفاعلي وفق المواصفات التقنية والتعليمية مزود بالوسائط الداعمة لتلك المقررات.
وتمّ تضمين المحتوى التعليمي الوسائط المتعدّدة التي توفّر التفاعل النشط بين المتعلّم وخبرات التعلّم، ما ييسر عملية التعلم ويسهلها، ويوفّر عناصر الجذب والتشويق، ومن شأن ذلك توفير دافعية ذاتية نحو التعلّم، وتحقيق بيئات متعددة المصادر، وتوفير المناخات الشاملة التي تغطي جميع الاحتياجات التي تلبّي الفروق الفردية بين المتعلّمين. وقد تم السعي إلى توفير فرص تعلُّم كافية للاستكشاف والربط والإبداع، وبناء معرفة جديدة من خلال مواجهة مشكلة ما، والسعي إلى حلّها، بهدف تشجيع الطلاب على طلب المعلومة بشكل مستقل.
كما تمّ اعتماد «بيداغوجيا» التعلم البنائي، لمساعدة المتعلمين على دمج أفكار جديدة مع المعارف السابقة، لإعطائها معنى أو لإيجاد المعنى من طريق إثارة الفضول، مع توفير بيئة مناسبة للتشجيع على حرية الفرد في التحليل الذاتي، والتفكير الواعي. وقد تمّ إدخال التقييم الذاتي، وسرعة الوصول الى تغذية الرّاجعة الفورية والذي يعد بعداً مهماً في توجيه التعلّم وتطويره».

يهدف المحتوى الإلكتروني إلى:
● تحويل الكتب المدرسية الورقية إلى كتب إلكترونية تفاعلية، مزودة بالمواد والأنشطة الإثرائية لجميع المراحل الدراسية في مواد العلوم الشرعية، واللغة العربية، والدراسات الاجتماعية، والتربية الوطنية، والتاريخ، والجغرافيا، والتربية النسوية، والتربية الفنية، والتربية البدنية، وفق أحدث المواصفات العالمية والتقنية،
إعدادها لتكون قابلة للتوزيع والنشر بمختلف الوسائط التخزينية.
● نشر المحتوى الرقمي التفاعلي وما يحتويه من وسائط فائقة، على البوابة التعليمية على شبكة الإنترنت، والأقراص المدمجة DVD ، وأجهزة الهاتف الذكية التي تعتمد أنظمة التشغيل: «ويندوز»، و»أند رويد»، و»أبل» بشكل آني Online ، وبشكل غير آني Offline.
يستفيد من المشروع  كل من: الطلاب والطالبات، والمعلمين والمعلمات، والمشرفين والمشرفات، ومراكز مصادر التعلم، والمكتبات المدرسية، ومعامل الحاسب الآلي.
وتضمّن مشروع إنتاج المحتوى الرقمي لـ245 كتاباً، منها: كتب الطالب/ الطالبة، وكتب النشاط، حيث تتسم هذه الكتب بسهولة التنقل بين مكوناتها، مدعومة بالمواد الإثرائية من خلال الوسائط المتعدّدة الفائقة، وعددها 4337 وسيطة إثرائية.

عملية مستمرة
تحت عنوان خبر أوردته صحيفة «عكاظ» السعودية المحلية في بداية حزيران/يونيو 2015 يفيد بأن «الرياض تُجري تغييراً واسعاً في مناهج التعليم السعودية»، جاء في الخبر إعلان مسؤول في قطاع التعليم السعودي إجراء تغيير واسع في مناهج المرحلة الثانوية (النظام الفصلي) العام الدراسي المقبل، وتأكيده وجود كتب مدرسية جديدة، فضلاً عن التركيز على مواد المهارات التطبيقية.
ووفق ما نقلته صحيفة «عكاظ» عن وكيل وزارة التعليم للمناهج، محمد الزغيبي، فإن «عملية تطوير المناهج الدراسية عملية مستمرة، والكتب الحالية هي نتاج تطوير قريب، فمثلاً العلوم والرياضيات بدأ تطويرها جذرياً منذ ثلاث سنوات، وتم تغييرها بشكل كامل عن السنوات السابقة، وكذلك المواد الأخرى، وذلك في إطار مشروع مستمر، والاستطلاع الذي أطلقته وزارة التعليم للمجتمع ليشارك بآرائه حول المناهج الدراسية مفتوح على مدار العام ولجميع الفئات والشرائح. كما أن هناك طباعة كتب مدرسية جديدة للحاسب الآلي، في المرحلتين المتوسطة والثانوية للمرة الأولى، كما ستقدم للطلاب معلومات تتعلق بالروبوت وبرمجته وبرمجة الأجهزة الذكية».
وعن إدخال مادة الحاسب الآلي في المرحلة الابتدائية، فهو «بالنسبة إلى الابتدائي مرتبط بالقدرة على توظيف المعلمين والمعلمات، وبالتدريج سيتم إدخال مادة الحاسب الآلي، فعلم الحاسب الآلي أو تطبيقه موجود ومبثوث في المواد الدراسية، وفي المرحلة المتوسطة والثانوية تنتقل من مبثوثة في المواد إلى علم مستقل». وقال إن «مناهج اللغة الإنكليزية في المرحلة الابتدائية حديثة، وقد أعدّتها ثلاث شركات عالمية، وتدرس في الصفوف العليا في المرحلة الابتدائية وفي كل مدارس البنين والبنات. والبدء في تدريس اللغة الإنكليزية في الصفوف المبكرة، مرتبط بتوفر وظائف للمعلمين والمعلمات والقدرة على توظيفهم».


المناهج التربوية في لبنان: من أجل مواطن منفتح على العالم ومتمسك بهويته اللبنانية والعربية


مجلة «لها» زارت «المركز التربوي للبحوث والإنماء» في لبنان وأجرت لقاءً مع رئيسة قسم العلوم فيه السيدة ابتهاج صالح، وكان هذا الحديث الذي بدأته صالح بالقول:


المناهج التربوية في لبنان توضع من جانب المركز التربوي، وهي تنطلق عادة من مميزات المتعلم وصفاته المطلوبة، إذ تجري دراسة شخصية المواطن المستهدف وتحدد خصائصها التي على أساسها توضع المناهج والبرامج التعليمية. وتقول السيدة صالح: «نعمل عادة على وضع مقاربة تعليمية للبناء عليها، وننطلق من ملامح المتعلم حتى نصل إلى المنهج».
وضعت خطة النهوض التربوي في لبنان في عام 1994، وحُددت المرتكزات الأساسية لوضع المناهج الدراسية، وكان من أبرزها: الأهداف الرئيسية للمنهج، مرتكزات الخطة، أبعاد فكرية، أبعاد وطنية وأبعاد إنسانية... وتأسيساً على كل هذه النقاط، وضع المنهج التربوي، كما كانت تُجرى إعادة النظر في المناهج كل أربع سنوات وفق ما ذكر في خطة النهوض، وقد تمّ في عام 1997  تغيير المناهج على أساس مقاربة الأهداف. أما في السنوات اللاحقة فقد تعذر تعديلها وإعادة النظر فيها بسبب الأوضاع الأمنية المتردية التي عصفت بلبنان، وفق صالح التي توضح: «كنا نحاول التحسين قدر المستطاع، وحاولنا عام 2000 وضع دليل تقييم لنعرف مدى نجاح الخطة والمنهج، وتعاونّا مع اختصاصيين تربويين من بلجيكا قدّموا لنا برامج مقاربة على أساس الكفايات. وفي عام 2004 تعاونّا مع اختصاصيين تربويين كنديين قدّموا لنا مفهوم كفايات جديداً ومختلفاً عن المفهوم البلجيكي ويرتكز على المفهوم الاندماجي، وحاولنا العمل عليه وتطبيقه بمشاركة القطاعات الخاصة والرسمية. لكن، ولاعتبارات ما، أُوقف العمل به وجُمّدت كل التعديلات في المناهج. هذه المحاولات في التعديل والتغيير، تلتها محاولات كثيرة في الأعوام 2007 و2009 و2010، ولكن أوقفت جميعها بعدما كان من المقترح العمل على مفهوم الدمج، إذ كان من المقرر دمج بعض المواد في كتاب واحد مثل دمج كتب التربية وعلوم الموسيقى والمسرح والفنون والأنشطة في كتاب واحد».

الكتاب الرسمي والكتاب الخاص
وتتابع صالح قائلة: تعتمد المدارس الرسميّة اللبنانيّة الكتاب المدرسي الوطني الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء. أمّا المدارس الخاصّة اللبنانيّة فيمكنها اعتماد الكتب المستوردة المُقيّمة من أجهزة الأمن العام اللبناني، أو الكتب المدرسيّة الوطنيّة الصادرة عن «المركز التربوي للبحوث والإنماء»، أو الكتب المدرسيّة الصادرة عن دور النشر الخاصّة ي لبنان والمُقيّمة من جانب اختصاصيين في «المركز التربوي للبحوث والإنماء» والتي تُعمّم بعد الموافقة عليها. توضع المناهج التربوية عادة من قبل «المركز التربوي للبحوث والإنماء» ولا يحق للقطاعات الخاصة التغيير فيها إلا ضمن الإطار العام، لأن المركز هو المسؤول الوحيد عن وضعها، ولذلك لا يحق لأي مدرسة أو دار نشر إصدار الكتب الخاصة بها إلا بعد موافقة «المركز التربوي للبحوث والإنماء» وعليها التقيّد بالمحتوى والمنهج الموضوع من جانب المركز والالتزام بالإطار العام والمرتكزات الرئيسية التابعة له. وعادة، تعدّل المدارس الخاصة، كالإرساليات والمقاصد وغيرها، في جزء المحتوى كالصور وطريقة طرح الموضوع أو الوسائل من دون المساس بالجوهر.  وعن دور المؤسسات الخاصة في تعديل المناهج، تقول صالح: «عادة يقوم «المركز التربوي للبحوث والإنماء» بدعوة القطاع التعليمي الخاص إلى إعطاء رأيه في ما يتعلق بالتعديلات، لأن لهذه المؤسسات تجربتها العملية والميدانية، ولا بد من تعاون القطاعين الخاص والرسمي من أجل مصلحة التلميذ».

التربية الوطنية من أهم أهداف المدرسة في لبنان
وترى صالح أن متعلّم الغد هو ابن عصر المعلوماتية والتفاعل الرقمي، لذلك فإن ملامحه تتلاءم مع عصر التواصل والانفتاح والعولمة. «من هنا ينطلق تفكيرنا في رسم ملامح متعلّم عالمي مع المحافظة على الأصالة والقيم الوطنية، وترك المجال واسعاً للتحليل والاختبار والتعلّم مدى الحياة. شخصية متعلّم الغد تدعونا أيضاً إلى إعادة النظر بمعايير اختيار المعلّمين وإعدادهم وتدريبهم، كما تستدعي توفير تجهيزات تقنية في المدارس، إذ لم يعد مقبولاً أن تغيب التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي عن المدرسة، بل يجب استخدامها من جانب جميع هيئات الجسم التعليمي والتلامذة لتبادل الآراء والخبرات ولمزيد من التعمق وتوسيع الأفق ومواكبة كل جديد».
إن التغيرات المستجدة على صعيدي التكنولوجيا والعلوم تفرض على القيمين على المناهج مواكبة هذا التقدم بما يتلاءم مع متطلبات العصر وجديده، فدخول عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الجديدة وكل التطورات المتلاحقة على الصعيد التكنولوجي يجب ترجمتها في مناهج جديدة وفي ملامح المتعلم. ومن هذا المنطلق قرر «المركز التربوي للبحوث والإنماء» العمل على تحديث المناهج دورياً لمواكبة العصر، ودعا المسؤولين في القطاعين الخاص والعام إلى الانخراط في ورشة عمل تمت خلالها مناقشة ملامح المتعلم في القرن الـ 21، والأهداف المرجوة منه وسبل تحقيقها، وتحديث المناهج الدراسية. وعن ملامح المتعلم في القرن الـ 21، تقول صالح: «المواطن المتعلم في القرن الـ 21 يجب أن يتمتع أولاً بالانتماء الوطني، لأن من المهم بناء إنسان يعترف بلبنان بما هو وطن وليس موطناً للسكن فحسب. لذا نركز على التربية الوطنية ونعتبرها مهمة جداً في المدرسة وخارجها، ويجب العمل على هذا الموضوع بالذات في المنزل والمجتمع والمدرسة، وضمن برنامج تربوي توعوي تتشارك فيه كل الشرائح». وتضيف: «إن تعدد الطوائف في لبنان يجعل كل شخص فيه يرى الوطنية من منظاره هو، وهذا لا يعني أن هناك شخصاً مصيباً والآخر على خطأ، بل علينا تقريب وجهات النظر في ما بين شرائح المجتمع، كي يتعلموا قبول بعضهم بعضاً وصولاً إلى انصهار مختلف شرائح الشعب في بوتقة الوطن الواحد، وهذه بدون شك مهمة الجسم التعليمي، إذ لا يمكن العمل بمنهج علمي حديث وجيد من دون عناصر بشرية تجيد إيصال هذا المنهج إلى الناشئة. ولذا نركز على أهمية «دور المعلمين» ومهمتها في إعداد معلمين أكفّاء وتدريبهم ليربّوا جيلاً صالحاً».

خلاصة عمل المجموعات في وضع ملامح المتعلّم اللبناني


انطلاقاً مما ورد في خطة النهوض التربوي بعد تحديث الصياغة من قبل مجموعات العمل، نورد الملامح المقترحة للمتخرج اللبناني:
● الملتزم بالولاء لهويته اللبنانية وانتمائه العربي
● الواعي لواجباته والملتزم بها كما الواعي لحقوقه والمدافع عنها
● المحافظ على الذاكرة الجماعية والتراث الوطني
● المحترم للحريات الشخصية والعامة
● الملتزم بالأخلاق والقيم الإنسانية النابعة من الرسالات السماوية
● الممارس لقواعد العيش المشترك بالتعاضد والتكافل مع أبناء مجتمعه
● المنفتح والمتعامل إيجاباً مع التنوع الثقافي والاجتماعي
● المتقن للغتين أجنبيتين تفعيلاً للتواصل والانفتاح على الثقافات العالمية
● المتقن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات استخداماً وإنتاجاً
● المتعلم مدى الحياة والقادر على اكتساب المعرفة واستخدامها وإنتاجها
● الملمّ بالمفاهيم الأساسية لإدارة المال العام
● المتفاعل مع الآخرين، والقادر على التواصل الإيجابي وتقبل الاختلافات واستثمارها كمصدر غنى
● المتحلّي بالتفكير الناقد، والقادر على اتخاذ القرار
● المتمتع بشخصية متوازنة تمكّنه من اتخاذ القرارات والخيارات المناسبة
● المتبنّي لمفاهيم التنمية المستدامة والملتزم بأبعادها
● المعتمد على النهج التشاركي بعلاقاته مع الآخرين
● الممارس للقواعد الصحية السليمة المؤدية الى النمو السوي، جسدياً ونفسياً وخلقياً
● المحافظ على موارد لبنان الطبيعية واستثمارها بشكل متوازن في سبيل تنمية المجتمع مادياً ومعنوياً

دروس إلكترونية
وتؤكد صالح أن رئيسة مركز البحوث الدكتورة ندى عويجان تهتم كثيراً بالتكنولوجيا وتفعيلها في المجال التربوي، وهي ستعمل على تشكيل لجان خاصة لكل مادة تعليمية، وقد نظّمت لقاءات وعقدت اجتماعات مع كوادر القطاعين الخاص والعام من أجل تحديث المناهج وإصدار كتب جديدة تواكب العصر والتطورات المستجدة. وأبدت قناعتها وحماستها لطرح الدروس الإلكترونية في المدارس من أجل تخفيف حمْل الحقيبة المدرسية عن الطالب، لكن وضْع البلد وانقطاع الكهرباء وعدم توافر «النّت» في جميع المنازل وغيرها من الأسباب... تحول دون تحقيق ذلك في الوقت الراهن.
وتفيد صالح بأن أغلب الكتب الأدبية يجرى تحديثها وتغييرها وفق المستجدات الثقافية والأدبية الطارئة على الساحة، ولكن من دون إلغاء الماضي. أما في ما يتعلق بالمواد العلمية فهي شبه ثابتة ولا تتغير إلا من حيث إضافة جديد العلوم والاختراعات وأسلوب الطرح والشرح.
وعن وسائل التعليم الحديثة، تقول صالح: «إن العالم أصبح بمثابة قرية كونية واحدة، ولا يمكن الاستمرار بالأسلوب التعليمي القديم، إذ بات الولد يبحث بنفسه ويقرأ ويحلل ما يريد من معلومات، وصار من الصعب فرض المعلومات عليه وتلقينه إياها بعيداً عن المنطق والتحليل». وتؤكد صالح حرص المركز التربوي على الاهتمام باللغة العربية والتشديد على إجادتها وإتقانها، لأنها اللغة الأم، وحالياً تجرى دراسة وسائل تعليم حديثة تواكب شخصية التلميذ وتعمل على تدريسه المواد بعيداً عن الوسائل القديمة التي كانت معتمدة، كما سيتم التركيز على ترسيخ القيم واحترام النظام وتعليم التلميذ التعاون والمحبة والتعايش والتسامح وقبول الآخر... لأن هذه القيم الإنسانية باتت شبه معدومة في مجتمعنا، ولا بد من إعادة إحيائها عبر إعادة صياغة مناهجنا التربوية والتعليمية.
وتختتم صالح حديثها بالقول: «يتواصل المركز التربوي حالياً مع جميع المعنيين في قطاعات التربية والتعليم من أجل التعاون للنهوض بالوطن وإعادة بناء شخصية المتعلم الصالح وترشيده، ولدينا ورش عمل كثيرة تتناول مواضيع عدة كالبيئة والسلامة المرورية، وفرز المهملات وإعادة تدويرها... وغيرها من الموضوعات التي تساعد على بناء المجتمع اللبناني، والهدف إنسان منفتح على العالم لا ينسى وطنه ولا انتماءه اللبناني والعربي، يعرف كيف ينجح، ويتقبل كل الثقافات من دون أن يتبع ثقافة معينة ينغلق فيها دون غيرها».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078