تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

ابني ومصروف الجيب

كالين عازار

كالين عازار

«أدين لك بالمال، فأنت لم تردّي لي النقود التي اقترضتها مني». جملة قالها عمر (11 سنة) لوالدته، عندما كان يحصي ما وفّره من مصروف جيبه الذي يتقاضه أصلاً من والديه.
يخصص معظم الأهل مصروف جيب لأبنائهم، قد يتقاضونه يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا. ورغم كل ما يوفّره الأهل لأبنائهم يبقى مصروف الجيب عرفًا يلتزم به معظم الأهل.
ويكون المبلغ بحسب قدرة الأهل المادية. وفي المقابل، يرى الأبناء أن من حقهم أن يكون لهم مصروف جيب، وبعضهم يطالب بأن ترتفع قيمة المبلغ الأسبوعية أو الشهرية أو اليومية.
فما أهمية مصروف الجيب؟ وهل هو أمر ضروري؟ ومتى يبالغ الأهل في إغداق مصروف الجيب على أبنائهم؟
«لها» حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى الإختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار .

هل إعطاء الطفل مصروف الجيب مسألة مفيدة؟
يساهم مصروف الجيب في اكتساب الطفل مهارة التعامل مع الآخرين خارج إطار العائلة، وتحمّل مسؤولية إدارة نقوده، والحساب.
فهو عندما يعطيه والده أو والدته نقودًا يأخذها معه إلى المدرسة، حيث يشتري ما يريده وحده، سوف يتعامل مع البائع ويحتسب القيمة الشرائية للشيء الذي يرغب في شرائه ويفكر في ما إذا كان المبلغ مناسبًا أم لا، وهذا يشعره بالمسؤولية، ويعلّمه إدارة النقود.

في أي سنّ يسمح بمصروف الجيب؟
عندما يدخل الطفل المدرسة أي بدءًا من سن السادسة، ويكون إعطاؤه مصروف الجيب تدريجياً، أي يمكن الأم أن تعطيه مرة في الأسبوع ثم مرتين وهكذا. شرط أن يكون المبلغ مناسبًا لسنه، إذ لا يجوز إغراقه بالنقود، فهو في النهاية طفل وعندما يذهب إلى المدرسة، تكون والدته قد حضّرت له كل ما يحتاج إليه من سناك وشوكولا... أي يأخذ المصروف إذا رغب في شيء يمكنه أن يشتريه شرط أن يكون سعره مناسبًا للمبلغ الذي بحوزته.
وإذا لم يكن المبلغ كافيًا وجاء إلى المنزل متذمرًا يمكن الأم أن تقول له «كم سعره؟ فيجيب مثلاً 3 دولارات، فتقول ومصروفك اليومي دولاران.
يمكن أن تؤجل شراءه للغد لأنه سيكون معك أربعة دولارات، وبالتالي يمكنك شراؤه غدًا». فبهذه الطريقة تعلّمه أمرين، الأول كيف يوفر النقود، والثاني الحساب.

ما هو الأنسب، أن يكون مصروف الجيب يوميًا أم أسبوعيًا أم شهريًا؟
هذا يعتمد على سن الطفل، فإذا كان صغيرًا الأفضل أن يكون يوميًا، وإذا كان مراهقًا هو الذي يقرر.

من الملاحظ أن الأبناء يتذمرون حين يكون هناك فارق في قيمة مصروف الجيب في ما بينهم؟
من الطبيعي أن يختلف المبلغ من ابن إلى آخر بحسب السن، إذ لا يمكن إعطاء ابن الست سنوات المبلغ نفسه لإبن الحادية عشرة.
وعلى الأهل تفسير هذه المسألة. أخوك يحصل على مصروف جيب أكثر منك لأنه أكبر سنًا ولديه متطلبات مختلفة عنك، وعندما تكبر سوف تحصل مثله على مبلغ مصروف جيب أكبر.
فمن المعروف أن المراهق اليوم يخرج مع أصدقائه إلى السينما، أو لتناول الغداء... فيما الطفل الصغير لا يقوم بأمور كهذه، إذاً ليس من العدل أن يكون مصروف جيبه بالقيمة نفسها لمصروف جيب المراهق.

بعض الأطفال أو المراهقين يذكّرون أهلهم بضرورة رد المبلغ الذي اقترضوه منهم. هل يحق للأهل أن يقولوا إنها نقودنا في النهاية ونحن من أعطاك إياه؟
صحيح، هذا طبيعي وجيد في الوقت نفسه، أي حين يذكر الإبن أنه أقرض أمه مثلاً بعض النقود أثناء وجودهما في السوبرماركت، فهذا مؤشر لأنه أصبح حريصاً على نقوده، ويعرف كيف يطالب بحقه.
وفي المقابل، لا يحق للأم أن تقول إنها هي من أعطته إياه، لأنه في النهاية هذا حقه الذي اكتسبه منها. فمسألة مصروف الجيب بالنسبة إلى الطفل أو المراهق تشبه الراتب الذي يتقاضه الموظّف.

أحيانًا يحصل الطفل أو المراهق خلال الأعياد على « عيدية»، من الجد والعم والخالة... وتكون محصلة العيدية مبلغًا كبيرًا، فهل يحق للأهل أن يتدخلوا في طريقة الإحتفاظ به؟
هذا يعود إلى سن الإبن أو الإبنة، فإذا كان صغير السن أي دون العشر سنوات، يمكن الأم أن تقول له: «حصلت على مبلغ كبير جدًا من المال، ما رأيك أن تحتفظ به لأوقات الضرورة أي عندما تريد شراء لعبة؟ أو ما رأيك أن أفتح لك حساب توفير في المصرف؟» فهي بهذه الطريقة تعلّمه كيف يتعامل مع النقود ويدرك قيمتها.
أما إذا كان مراهقًا ففي إمكانها اقتراح دفتر توفير في المصرف، أو تدع له حرّية الإختيار في صرفه، ولكن في الوقت نفسه تلفت انتباهه إلى احتمال أنه قد يحتاج إليه في أمر مهم بالنسبة إليه في المستقبل، وعدم صرفه دفعة واحدة.
وهنا أنبه إلى أنه إذا كان المبلغ كبيرًا لا يجوز أن يوقف الأهل مصروف الجيب فهذا شيء مختلف.

أحيانًا يتذمر المراهق من أن مصروف الجيب لا يكفيه، خصوصًا أن كل مراهق صار لديه هاتف جوال وعليه أن يدفع ثمن البطاقة المسبقة الدفع. فهل يمكن أن تكون ضمن مصروف الجيب؟
على الأهل أن يعقدوا اتفاقًا بينهم وبين المراهق. إذا كانوا قد اتفقوا على أن يكون مصروف الهاتف الخلوي على عاتقهم عليهم أن يحدّدوا كم بطاقة يحق له، أي بطاقة واحدة وإذا ما نفدت منه الوحدات فعليه تحمل المسؤولية والشراء من مصروف الخاص به.
فبهذه الطريقة يتعلم المراهق الإقتصاد لأنه لن يغامر بمصروف جيبه، وبالتالي يتحمل مسؤولية إدارة مصروفه.
أما إذا اختار أن يكون شراء بطاقة التعبئة من مصروفه فهذا أيضًا أمر جيد لأن على الأهل زيادة المبلغ على أساس بطاقة واحدة. ففي كلا الحالين يتحمل مسؤولية مصروفه.

بعض المراهقين يشكون أن مصروف جيبهم غير كاف. فهل يجوز زيادته؟
على الأهل أن يسألوا ابنهم لماذا لم يعد كافيًا، ما هي المصاريف التي استجدت، هل ارتفع عدد مرّات خروجه مع أصدقائه؟ على ماذا ينفق نقوده؟ إذ لا يمكن أن يخضع الأهل لرغبة الإبن من دون أن يتحققوا من الأسباب التي دفعته للمطالبة بزيادة مصروف الجيب.
حتى وإن كانت قدرات الأهل المادية تسمح لهم بذلك، فعليهم أن يربوا أبناءهم على أن المال لا يأتي بسهولة. فمن الضروري أن يتعلّم الطفل والمراهق كيف يدخر نقوده للحالات الطارئة.

أحيانًا نجد بعض الأطفال أو المراهقين يدخّرون مصروف جيبهم كي يصلوا إلى مبلغ معين يشترون به شيئًا يرغبون في اقتنائه، وإذا لم يتمكّنوا يعرض الأهل أن يسددوا المبلغ المتبقّي. فهل هذا التصرف صحيح؟
يمكن الأهل القيام بذلك شرط أن يعتبر تسديد المبلغ قرضًا، أي أن يقول له الوالد مثلا: سوف أساعدك في شراء ما تريد شرط أن أحسم من مصروف جيبك الشهري 10 دولارات مدة ثلاثة أشهر.
فهو بهذه الطريقة يسد الباب أمام محاولات المراهق للإستفادة من الأمر فلا يعود يوفر من مصروفه طالما أن هناك من يسدّد عنه الفاتورة. بينما عندما يحسم من مصروفه سوف يفكر أكثر في إدارته. وبالتالي يتعلّم كيف يحدد أولوياته في المصروف.

في بعض الحالات يتذمر الطفل أو المراهق من أن مصروف الجيب لم يكفِه هذا الأسبوع لأنه دفع حساب صديقه. ماذا على الأهل أن يفعلوا؟
عليهم ألا يغطوا نقصه، بل عليهم التأكيد له أن عليه تحمل تبعات تصرّفه، وإذا ما أراد دعوة أحد أصدقائه تكون الدعوة من حسابه لا من حساب أهله. ويجب أن يكونوا حازمين مهما حاول استعطافهم.
الهدف من مصروف الجيب أولاً وأخيرًا هو تعلم الطفل والمراهق كيف يكون مسؤولاً عن مصروفه الشخصي.


درجت بطاقة إئتمان مصرفية Visa للأطفال والمراهقين، فهل تنصحين الأهل بمنح أبنائهم بطاقة إئتمان؟
بالنسبة إلى الطفل الصغير لا أحبذها إطلاقًا، فكيف يمكن للطفل أن يحتاج إليها ما دام طوال الوقت برفقة أهله، فهذا استباق لسنه.
أمّا بالنسبة إلى المراهق فلا بأس شرط أن تحل محل مصروف الجيب، أي بدل أن يحمل نقدًا يكون لديه بطاقة إئتمان بمبلغ محدد يكون موازيًا لمصروف الجيب الذي اعتادوا إعطاءه إياه.
إذاً على المراهق أن يدرك ذلك، لا أن نعطيه بطاقة سقفها المصرفي غير محدود أو كبير.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078