تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الأطفال في ظروف الحروب والكوارث

كارولين قرداحي تابت

كارولين قرداحي تابت

تجارب ظروف الحرب والدمار والتفجيرات والكوارث سواء كانت طبيعية أو لا صعبة على الكبار، فكيف بالأحرى إذا عاش أطفال هذا النوع من التجارب التي يشهدون فيها أموراً تتخطى سنيهم القليلة وقدراتهم على التحمّل؟ من الطبيعي ان تكون مشاهد الدم والحرب والدمار قاسية على اي كان، لكن تبقى قدرة الطفل على تحمّل ظروف مماثلة أقل مما يستدعي الكثير من الإحاطة والدعم سواء من الاختصاصيين أو من الأهل.
لا شك ان مرحلة ما بعد الحادثة التي يتعرض لها الطفل هي شديدة الصعوبة وتتطلّب الكثير من الحرص والدعم لإعادة الطمأنينة إلى الطفل والثقة بالنفس ليتخطى الظروف التي عاشها.
الاختصاصية اللبنانية في علم النفس العيادي للأطفال كارولين قرداحي تابت تحدثت عن الآثار النفسية لكوارث من هذا النوع ولظروف الحرب على الاطفال في المديين القريب والبعيد مع الطرق الفضلى لمساعدتهم على تخطي تلك التجارب الصعبة التي يمرون بها والتي تفوق قدراتهم على التحمل.
مع الإشارة إلى أن الأهل إلى جانب الاختصاصيين يلعبون دوراً أساسياً في دعم الطفل وإعادة الطمأنينة إلى نفسه التي تضطرب بفعل المشاهد التي رآها والتجربة التي عاشها.

 ما الأثر النفسي الذي تتركه الحوادث ومشاهد الدماء والتفجيرات على الاطفال؟
بعد مواجهة كارثة معينة، أبرز المشكلات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال تعرف باسم Post Traumatic Stress Disorder(PTSD)) الذي يلي عادةً حوادث معينة حيث يعيد الاطفال في الذاكرة مشاهد من الحادثة التي تعرضوا لها من خلال المشاهد المرتجعة Flashbacks والكوابيس والأفكار التي تعيدهم إلى الوراء. وتُرافق ذلك أحاسيس من اليأس والحزن الشديد.
كما يُظهر الاطفال حينها أعراضاً تعبّر عن خوفهم من الأماكن والاشخاص والظروف والأحاديث التي تذكرهم بالحادثة ويحاولون تجنبها. كما يبقون في وضعية الحذر والاحتراس كما لو أن الحادثة ستتكرر في اي لحظة.
مع الإشارة إلى ان أعراض الاكتئاب ورهبة الانفصال تبدو شائعة لدى الأطفال بعد التعرض لحوادث وكوارث.

 هل تظهر هذه الحالة مباشرةً بعد الحادثة؟
يظهر بعض الاطفال هذه المشاعر بعد الحادثة التي يتعرضون لها مباشرةً، فيما يظهر آخرون ردة فعل متأخرة.

ما الذي يمكن أن يفعله الأهل في إطار عملية إعادة الطمأنينة والارتياح إلى نفوس أطفالهم؟
ترتكز معالجة الطفل في هذه الحالة على إعادة بناء ما تم تدميره في نفس الطفل نتيجة الحادث الذي تعرض له، وذلك بما يسمح بعودته إلى الحياة الطبيعية بأسرع وقت ممكن وبأقل أضرار ممكنة وبشكل أقرب ما يكون إلى الروتين المعتاد الذي كان سائداً في حياته.
 إذ أنه ضمن إطار عملية العلاج، من المهم العمل على العودة إلى الأنشطة المعتادة للطفل، فيما تسنح له الفرصة في الوقت نفسه للتعبير عن مشاعره من خلال الكلام والكتابة والرسم ومختلف الأنشطة الفنية...

هل يخرج الطفل من الحالة النفسية التي تخلّفها الحادثة لديه بشكل مفاجئ ام يتم ذلك بشكل تدريجي؟
من الطبيعي أن يظهر الطفل في المرحلة الأولى بعد الحادثة التي تعرض لها بعض التراجع في عاداته المكتسبة، كأن يعود إلى النوم إلى جانب أهله والخوف من البقاء بمفرده ومحاولة جذب الانتباه باستمرار والبحث عما يطمئنه بوجود والديه وإظهار الارتباك والانزعاج بسرعة لأتفه الأسباب.
في هذه الحالة يحتاج الأهل إلى تحقيق التوازن ما بين التسامح مع الطفل ومبدأ طمأنته ومساعدته على استعادة الثقة، إلى جانب تحمّل المسؤوليات والواجبات.
من هنا تبرز الحاجة إلى المعالجة النفسية والدعم لأي فرد تأثر بالحادث ويعاني على أثره. لكن، تتحسن الأمور عادة بشكل تدريجي، خصوصاً فيما تحصل العائلة على المساعدات المادية اللازمة لتعويض الخسائر المادية الناتجة عن الحادث.

هل من أطفال يتأثرون أكثر من آخرين على أثر التعرض لكوارث معينة وحوادث؟
أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يخسرون فرداً من العائلة في الكارثة أو الحادث الذي يتعرضون له، يحتاجون إلى وقت أطول بأربع مرات لتخطيه مقارنةً بالذين يشهدون الحادث فقط ولا يتكبدون إلا الخسائر المادية.
كما تظهر الدراسات أن الأطفال الذي يحتاجون إلى وقت أطول لتخطي الحادث هم أولئك الذين لم يحصلوا على مساعدة ملموسة وعملية مع عائلاتهم للعودة إلى حياتهم الطبيعية وأولئك الذين لا يملكون القدرة الكافية على التأقلم مع الظروف والذين لم يحصلوا أصلاً على الحماية والإحاطة من العائلة قبل الحادث في مختلف الظروف، مما يجعلهم أكثر ضعفاً وأقل قدرة على مواجهة هذا النوع من الظروف.
كذلك بالنسبة إلى الأطفال الذين يتعرضون للعنف المنزلي أو يعيشون مع أحد الوالدين الذي لا يؤمن لهم حداً أدنى من الأمان والطمأنينة في إطار العائلة، هؤلاء يتخطون هذا النوع من الكوارث بشكل أصعب كونهم يتمتعون بثقة أقل بالنفس وبدرجات أقل من الاستقرار الذاتي.

هل ثمة أطفال ينسون هذا النوع من التجارب وآخرون لا يفعلون؟
يؤدي استمرار آثار ظروف الحرب، بحسب الدراسات، لوقت طويل، إلى تأثر شخصية الطفل بحيث تحدث تغيّرات ناتجة عن هذه الظروف، في الشخصية، يصعب تخطيها وتشكل جزءاً منها.
هذا إضافةً إلى أعراض الاكتئاب والقلق المرضي. لكن حتى الآن لا يعرف ما إذا كان هذا ينطبق على التعرض لحادثة منفردة كأن يشهد الطفل انفجاراً مثلاً.


آثار العنف في التلفزيون على الأطفال أضرارها وطرق الحماية منها

يمكن أن يكون للتلفزيون تأثير بارز على الاطفال لجهة تغيير طباعهم وتصرفاتهم وردود الفعل لديهم. وللأسف يبدو أن معظم البرامج التلفزيونية، وحتى تلك الخاصة بالاطفال، تحوي مشاهد عنف ورعب مما يؤثر سلباً على الاطفال ويدفعهم في اتجاه مختلف في الحياة.
بمشاهدة تلك البرامج يميل الاطفال والمراهقون أيضاً، شيئاً فشيئاً، إلى العنف كوسيلة لحل مشكلاتهم، فيقلدون مشاهد العنف التي يرونها على شاشة التلفزيون ويصبح العنف امراً طبيعياً لهم. كما أنهم بذلك يقتبسون من الشخصيات التي يرونها في هذه البرامج.
صحيح ان التلفزيون ليس السبب الرئيسي للتصرفات العنيفة وردود الفعل العدائية التي نراها لدى أطفالنا، لكن مما لا شك فيه أنه يشكل عنصراً أساسياً لا يمكن إهماله او التغاضي عنه. لذلك، يمكن أن يعمل الأهل على حماية اطفالهم منهم بالطرق الآتية:

  • من الضروري مراقبة البرامج التي يشاهدها الأطفال على شاشة التلفزيون ومشاهدة بعضها معهم.
  • يجب وضع حدود معينة لفترات مشاهدة الاطفال شاشة التلفزيون.
  • يجب عدم وضع جهاز تلفزيون في غرف الأطفال.
  • يجب لفت نظر الطفل إلى أنه صحيح ان البطل لم يقتل فعلاً أو يموت، إلا أن ما تعرض له يؤدي في الواقع إلى الألم والموت.
  • يجب منع الطفل من مشاهدة برامج يعرف عنها انها تشجع على العنف.
  • يجب تبديل القناة بسرعة عند رؤية مشاهد عنف مع تقديم تفسير للطفل عن المشكلة في البرنامج.
  • ينصح بالتواصل مع أهل آخرين ليتبعوا القواعد نفسها مع أطفالهم وإذا كانوا من أصدقاء أطفالكم.
  • يجب التركيز مع الطفل على فكرة ان العنف ليس الطريقة الفضلى لحل المشاكل.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078