لكل مريضة طريقة في التعاطي مع سرطان الثدي
ينظر الناس عامةً في مجتمعنا، إلى مريض السرطان بعين الشفقة والحزن والألم. هي نظرة المحيطين بالمريض ونظرة المجتمع الاوسع. لعل هذا ما يزيد تخوّف أي مريض يكتشف إصابته بالمرض، من الإفصاح عن ذلك خوفاً من تصويب هذه النظرات إليه. لكن في الواقع، وتحديداً في سرطان الثدي، يبدو من الصعب أن يفهم أياً كان حقيقة مشاعر وأحاسيس المريضة.
فقد تراوح بين الغضب واليأس والاكتئاب والقوة والرفض والتقبل...تختلف المشاعر تجاه المرض بين مريضة وأخرى سواء كانت في مراحل أولى أو في مراحل متقدمة، كما تختلف نظرتها إلى المرض والحياة، وذلك بحسب شخصيتها وطباعها وصلابتها. لكن في كل الحالات يبقى دور الأهل والعائلة أساسياً في تسهيل هذه المرحلة عليها وجعلها تمر بأفضل ما يكون.
وإذا كانت المريضة متزوجة، لا يخفى على أحد دور الزوج في دعمها وتشجيعها لتحافظ على ثقتها بنفسها، لكون هذا المرض يمس جانباً مهماً من أنوثتها.
وبالتالي فهي تنتظر من زوجها أن يقف إلى جانبها في هذه المرحلة لتتخطاها دون أن تتزعزع ثقتها بنفسها. طبيبة العائلة اللبنانية الاختصاصية بالعناية التلطيفية هبة العثمان، اكدت هنا على دور الزوج وأهمية العائلة في دعم المريض حفاظاً على ثقتها بنفسها في كل مراحل المرض.
فثمة تفاصيل كثيرة ترتبط بطريقة التعاطي مع المريض، قد لا نعيرها أهمية فيما تلعب دوراً كبيراً بالنسبة للمريضة في جعلها تتقبل مرضها وتكافحه بعزم أكبر أو على العكس في جعلها ترضخ وتضعف أمامه.
وأبرز هذه التفاصيل فكرة إبلاغ المريضة عن حقيقة حالتها، إذ نقدّر عادةً أنه من الأفضل ألا تعرف ما إذا كانت حالتها خطيرة، فيما قد لا يكون هذا الافضل دائماً بحسب د. العثمان. لذلك على المريض نفسه ان يختار وأن نحترم اختياره هذا.
الاستقلالية أولاً وآخراً
بشكل عام، عندما تصل المرأة إلى مراحل متقدّمة من سرطان الثدي، بحسب د.العثمان، يتحوّل دورها فجأة من الأم والزوجة والمسؤولة عن المنزل والعائلة والتي تتحمل المسؤوليات كافة إلى العكس تماماً بحيث تصبح بنظر العائلة أشبه بطفلة مريضة تحتاج إلى الرعاية تؤخذ القرارات عنها وتحتاج إلى من يطعمها.
حتى أنه في هذه الحالة يتحوّل أطفالها إلى المسؤولين عنها من النواحي كافة فهم يرعونها ويطعمونها ويقررون عنها بعد أن كانت تقوم هي بهذه المهمات.
عن هذا تضيف الدكتورة العثمان «من الصعب جداً على الأم والزوجة أن يتحوّل دورها بهذا الشكل مما قد يفقدها الثقة بنفسها ويدخلها في نفق الاكتئاب الذي تجهل كيفية الخروج منه. من الصعب جداً عليها أن تشعر بانتقال دورها إلى الآخرين مما يفقدها أي معنى لحياتها. من هنا اهمية ألا تأخذ العائلة هذا الدور من المريضة.
فيجب أن تعطى حق القرار أياً كان وضعها. يجب ألا يقرر أفراد عائلتها عنها في أمور تعنيها كمسألة تناول الأدوية. حتى في الأمور اليومية يمكن العمل على الحفاظ على استقلالية المريضة، كما في الاستحمام مثلاً، فحتى إذا كانت في مراحل متقدمة من المرض يمكن تسهيل الأمر عليها بوضع كرسي لها في الحمام لتستحم بنفسها قدر الإمكان.
كذلك إذا كانت تعجز عن النهوض لدخول الحمام ثمة وسائل عديدة أخرى لتسهيل عملية التبوّل عليها كي تشعر بالعجز والإحباط إلى أقصى حد.
وبالتالي يمكن العمل على رفع معنوياتها بوسائل عديدة. وبشكل خاص يجب ترك حق اتخاذ القرار لها لأنه أمر يعني لها الكثير ويأخذه منها أفراد العائلة مباشرةً عندما تمرض فلا يترك لها الحق في أخذه. هذا حق لها يجب ألا تحرم منه أبداً».
الدعم المعنوي ضروري أما الألم فلا
من المؤسف أنه في أذهان الناس ترتبط فكرة الإصابة بالسرطان بالألم والعذاب، فيما تعتبر هذه فكرة خاطئة لأن السرطان لا يعني الالم. فحتى عندما تكون المريضة في مراحل متقدمة من المرض، ثمة أدوية تخفف ألمها.
كما انه ثمة طرق عدة لمساعدتها على تخطي المرحلة الصعبة والآثار الجانبية للمرض والعلاج سواء كانت في مرحلة متقدمة أو في أولى مراحل المرض كالغثيان والانحطاط والتقيؤ.
أما بالنسبة للحالة النفسية للمريضة، فتتحدث عنها د. العثمان بالقول «من الضروري الاهتمام بالحالة النفسية للمريضة كونها تتأثّر إلى حدّ بعيد بحالتها الصحيّة وقد يصل بها الأمر إلى حدّ الاكتئاب.
لتجنّب ذلك، من المهمّ تشجيعها على أن تعيش حياتها بشكل طبيعي وأن تمارس أنشطتها العادية وتقوم بالاعمال التي اعتادت القيام بها، قدر الإمكان.
يجب أن تشجع على القيام بالأمور التي تزودها بالحماس وتعطيها اندفاعاً في العيش. فأصعب ما قد تعانيه المريضة هو أن تفقد الأمل بالمستقبل.
ففي حياتنا الطبيعية ما يزيدنا اندفاعاً ويعطينا دافعاً للعيش هي المشاريع المستقبلية والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها. فعندما نفقد هذه، نخسر الرغبة في العيش ونقع في حالة من الاكتئاب. ففي حالة المرض، وبسبب المرض تحديداً تشعر المرأة أنها عرضة للأذى وحتى إذا كانت حالتها قابلة للشفاء ترى أمامها خطر الموت.
ثمة خوف لديها يصعب التغلّب عليه، مما يقتل لديها الأمل بالعيش لعجزها عن التفكير بالغد، فتفكر أنه فجأة تبدلت الأمور و لن تتمكن من تحقيق تلك الأهداف التي كانت قد وضعتها لمستقبلها فتزول كل آمالها.
لذلك، من المهم العمل على جعلها تنتقل إلى آمال أخرى وأهداف من نوع ثان. يمكن أن يوضع أمامها حلم آخر يمكنها أن تحققه، مما يعطيها اندفاعاً وأملاً للعيش.
فوجود هذا الحلم يساعدها على النهوض من فراشها ويعطيها حافزاً مهماً لتقاوم المرض وتخضع للعلاج وتخرج من المنزل. بذلك، تستمر بممارسة حياتها اليومية كالمعتاد بدلاً من أن تخضع للمرض. وبالتالي لتستمر وتكافح المرض يجب أن تبدل في أحلامها لا أن تخسرها».
من جهة أخرى تشير د. العثمان إلى أن سرطان الثدي يمسّ جانباً مهماً في أنوثة المرأة مما قد يؤثر سلباً عليها وعلى حالتها النفسية. وهنا يبرز دور الزوج في مساعدتها ودعمها لتتخطى هذه الحالة لأن هذه المسألة في غاية الأهمية لها.
«يجب أن تتسم علاقتهما الزوجية بالوضوح أياً كانت الظروف والصراحة ضرورية لكي لا تزيد المشاكل وتزيد وطأة المرض على المريضة. يجب أن يشعرها زوجها بجاذبيتها ويجب أن تحرص على العناية بنفسها وبجمالها لتحافظ على تلك الأمور التي تشعرها بالثقة بالنفس والراحة النفسية لكونها تعجب ولا تأثير لمرضها على ذلك.
لكن يبقى الحديث الصريح بين الزوجين ضرورياً، فإذا كان الزوج يرغب بالابتعاد عنها لترتاح يجب أن يشرح لها ذلك أياً كانت الظروف حتى لا تشعر بأنه لا رغبة لديه بالاقتراب منها. تعتبر هذه المسألة في غاية الدقة في العلاقة الزوجية».
لكل مريضة شخصية ونظرة
من المتعارف عليه بين الناس أن السرطان مرادف للموت والخوف بالنسبة للمريض، لكن هذا ليس صحيحاً دائماً بل تختلف الأمور بحسب شخصية كل مريض. وكما في مختلف أنواع السرطان كذلك في سرطان الثدي، تختلف النظرة إلى المرض بين مريضة وأخرى باختلاف شخصيتها وحياتها وقدرتها على تقبل الأمور.
عن هذا تقول د. العثمان «أياً كانت الحقيقة لا يحق لنا أن نأخذ من المريضة حقّها بأن تعرف سواء كانت الحقيقة صعبة أو لا. فحتى إذا كانت في مرحلة متقدمة من المرض لن تتمكن من تخطيها، يجب الاستماع إليها للتأكد ما إذا كانت تحب أن تعرف هذه الحقيقة أو لا. فقد تحب أن تعرف لتنجز أموراً معينة مع عائلتها ولتتصرف في بعض النواحي بطريقة معينة.
لا يمكن أن نأخذ منها هذا الاختيار لأن هذا ظلم لها. هي تظهر ما تريد بطريقة واضحة وعلى هذا الأساس يجب التصرف. في كثير من الأحيان على الرغم من أن العائلة تفكر أنه من الأفضل عدم إخبار المريضة عن حقيقة مرضها، لكن في الواقع هذا ليس الافضل لها دائماً، فالعكس قد يكون صحيحاً. يمكن أن نعرف من حديثها ما إذا كانت تحب أن تعرف الحقيقة أو لا وتحديداً ما تحب أن تعرفه.
صحيح أن المرحلة الأولى قد تكون صعبة لها، لكن بعدها تتخطى هذه الصعوبة وتتحدث عن أمور لم نكن نسمح لها بالحديث عنها خوفاً عليها. ثمة تفاصيل كثيرة قد ترغب المريضة بالإفصاح عنها إذا كانت تعرف أن النهاية باتت قريبة، خصوصاً أننا نكون على علم بهذه الحقيقة لكننا نرفض الاعتراف بها».
سرطان الثدي في حقائق
- يزداد خطر الإصابة بسرطان الثدي مع التقدم بالسن وتعتبر كل امرأة عرضة للإصابة.
- سرطان الثدي هو السرطان الأكثر شيوعاً بين النساء أياً كانت السن أو العرق.
- يمكن أن يصاب الرجل بسرطان الثدي في أي سن، لكنه يعتبر أكثر شيوعاً لدى الرجال بين 60 سنة و70. لكن لا يعتبر سرطان الثدي عند الرجال شائعاً بحيث لا يتخطى عدد الحالات 1 من أصل 100 حالة سرطان ثدي.
- 77 في المئة من النساء اللواتي يصبن بسرطان الثدي تخطين سن الخمسين.
- يعتبر سرطان الثدي أخطر في حال الإصابة به قبل سن ال50 سنة.
- يظهر المرض 70 في المئة من الحالات لدى نساء لا وجود لحالات من المرض في عائلاتهن.
- يعتبر سرطان الثدي المسبب الرئيسي للوفاة بين النساء اللواتي هن بين سن 35 سنة و54.
- يتم تشخيص نسبة 90 في المئة من حالات سرطان الثدي في مرحلة متقدمة من المرض.
- يتطلب تزايد حجم معظم الأورام السرطانية بمعدل سنتمتر واحد 8 سنوات إلى 10، فيما يزداد الورم بمعدل 3،5 سنتمترات خلال السنة ونصف السنة التالية.
- تشفى تماماً نسبة 90 في المئة من النساء اللواتي يتم اكتشاف المرض في المرحلة الأولى لديهن، فيما لا تشفى إلا نسبة 58 في المئة من النساء اللواتي يتم تشخيص المرض لديهن في مرحلة أكثر تقدماً.
- تظهر أولى علامات سرطان الثدي لدى المرأة في الصورة الشعاعية للثدي قبل أن تظهر أي أعراض أو علامات تشير إلى احتمال الإصابة به.
- أهم عوامل الخطر التي تساهم في زيادة احتمال الإصابة بسرطان الثدي هي وجود تاريخ للمرض في العائلة وتأخير الحمل إلى ما بعد سن الثلاثين والبلوغ المبكر قبل سن 12 سنة وتأخر سن انقطاع الطمث.
- تصل نسبة النساء اللواتي يشفين تماماً من سرطان الثدي بعد خمس سنوات إلى 96 في المئة في حال الكشف المبكر والمعالجة في مرحلة مبكرة.
- نسبة 80 في المئة من الأورام في الثدي ليست سرطانية بل حميدة.
- لكن لدى وقف الحبوب خلال 10 سنوات يعود خطر الإصابة بالمرض إلى ما كان عليه قبل تناول الحبوب.
- يزيد العلاج البديل للهرمونات المتبع خلال أكثر من خمس سنوات خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة ضئيلة.
- يمكن الإصابة بسرطان الثدي في أي سن، لذلك يجب البدء بالفحص الذاتي للثدي من سن العشرينات.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024