تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

ندى عون بعد سنوات من 'أمامك 6 أشهر إلى سنة حداً أقصى لتعيشي'

ندى من اليمين مع صديقاتها

ندى من اليمين مع صديقاتها

كلّنا نفكر أن اللحظة الأصعب لمريض السرطان هي تلك التي يعلم فيها بإصابته. قد يكون ذلك صحيحاً أحياناً لكن من المؤكّد أنه ليس الواقع دائماً. في كل حديث لي مع مريضة تحارب المرض وتحديداً سرطان الثدي، أتأكد أكثر فأكثر أن لكل مريضة لحظة ضعف وأنه ثمة لحظة هي الاصعب لها وبنظرها.
ثمة نقاط مشتركة لا خلاف فيها بين المريضات عامةً أهمها أن المرض ليس ضعفاً كما يراه الآخرون وكما يصوّره المجتمع من خلال نظرات الشفقة القاتلة التي يوجهها إلى المريض، بل على العكس هو يمد من يعانيه بالقوة والطاقة لتكون المعركة أكثر سهولة.
وتنظر نسبة كبرى من المريضات إلى المرض في لحظات القوة التي يتمتعن بها، كنعمة من عند الله، خصوصاً أنه بعد المرض تختلف النظرة إلى الأمور وتبدو بعض التفاصيل سخيفة ولا أهمية لها.
والأهم أنه بعد المرض ما من مريضة تغلبت عليه إلا أصبحت أكثر قوة وصلابة... عندما أخبر الطبيب ندى عون عن إصابتها بسرطان الثدي، أصرّت على معرفة الوقت المتبقي لها لتعيش وعلى الرغم من رفض الطبيب الاعتراف في البداية، عاد وأقر لها أن أمامها 6 أشهر إلى سنة حداً أقصى لتعيش.
اليوم بعد مرور 7 سنوات على اكتشاف المرض تتحدث ندى بإرادتها الصلبة وشخصيتها القوية عن هذه التجربة التي مرت بها والتي زادتها قوة وحباً للحياة حتى بات المرض صديقاً لها بعد أن رافقها طوال الطريق فيما تخلّى عنها آخرون.


لطالما كانت ندى عون حريصة على إجراء الفحص الشهري للثدي نظراً لتعدد حالات الوفاة في العائلة جراء إصابات بالسرطان.
في عام 2006 شعرت بوجود دملة في أحد ثدييها، فتوجهت مباشرةً إلى الطبيب وأجرت صورة شعاعية للثدي ثم أخذت خزعة تبين على أثرها إصابتها بسرطان الثدي بدرجته الرابعة.


تقبّل ثم صدمة

عن أولى لحظات إبلاغها بإصابتها بالمرض تقول ندى: «عندما عرفت بإصابتي بسرطان الثدي تقبلت الأمر بشجاعة وتفاؤل  كون المرض كان مركزاً في ثدي واحد.
قلت في نفسي عندها إني سأخضع لعملية تجميل ليبقى الثديان متشابهين ثم أخضع بعد عملية الاستئصال والتجميل للعلاجين الكيميائي وبالأشعة. لم تكن عندي مشكلة وتقبلت الواقع جيداً إلى أن اقترب موعد العملية وتبين أن المرض منتشر إلى الرئتين.
عندها تبدّلت كل الأمور لي، وأيضاً تبدّلت نظرتي إلى الأمور فحياتي انقلبت رأساً على عقب. ومن فكرة سرطان محصور في ثدي واحد صرت في سرطان منتشر في جسمي .
صحيح أني أتمتع بشخصية قوية، ولطالما كنت أتحدث عن المرض دون خوف وأقول للكل إنه في حال اكتشاف إصابتي بالسرطان لا أريد الخضوع للعلاج الكيميائي بل أفضّل الموت على ذلك، لكن مع وقوعي في هذه التجربة، تبدّلت الأمور وتبدّلت نظرتي إلى الحياة حتى، ففكرت عندها إن الحياة جميلة وجميل أن نعيشها.

فقررت النضال من أجل العيش ومتابعة الحياة والتغلّب على المرض. لكن لا أنكر أنه عندما عرفت بانتشار المرض إلى الرئتين تبدلت الأمور وشعرت باكتئاب شديد، خصوصاً أني لطالما كنت حريصة على إجراء الفحص الذاتي الشهري وكنت أنتبه لنفسي فتساءلت عندها لمَ حصل معي ذلك وأنا أرقب جسمي طوال الوقت؟ حتى أن الطبيب نفسه سألني عندما اكتشف امتداد المرض إلى الرئتين ما إذا كنت قد عانيت ضيقاً في النفس يومياً فأجبته بالنفي لأني لم أشعر يوماً بأي عارض قد يشير إلى ذلك. لذلك حرصت على التأكد من صحة التشخيص وكان الأمر واقعاً».


«أمامي 6 أشهر إلى سنة لأعيش»

عند اكتشاف مرضها خوف ندى الأول لم يكن على نفسها في اللحظات الأولى بل على أهلها لقلقها حيال وقع صدمة من هذا النوع عليهم، خصوصاً أن والدتها في سن متقدمة وهي الصغرى في العائلة وفي سن 36 سنة .
كانت صدمة حقيقية وقاسية للكل، خصوصاً أنها محبوبة كثيراً في العائلة وتقدم المساعدة والعون للكل. لكن شيئاً فشيئاً صارت الأمور أسهل. إلا أنها في الوقت نفسه اكتشفت حقيقة بعض الأشخاص الذين تخلّوا عنها بعد إصابتها بالمرض كخطيبها الذي هجرها عندما علم بإصابتها فيما كانا سيتزوجان قريباً.

من الواضح أن ندى تتمتع بشجاعة نادرة، فعلى الرغم من رفض الطبيب إخبارها بالأمر، أصرت على معرفة المدة المتبقية لها لتعيش.
عن ذلك تقول: «لم أتراجع أمام رفض الطبيب إخباري عن المدة المتبقية لي لأعيش، فصرت أكثر إصراراً على معرفة الحقيقة لأتصرف وأعيش حياتي على هذا الاساس. في النهاية لم يتمكن من التهرب أكثر من إبلاغي فكان الخبر القاسي الذي عرفت فيه أن المدة المتبقية لي لأعيش تراوح بين 6 اشهر وسنة حداً أقصى.
عندها اتخذت قرارت مختلفة وتبدلت كثيراً نظرتي إلى الحياة وطريقتي في العيش لأنه لم يبق لي الكثير لأعيش. رحت أقوم بكل ما كنت أرغب في فعله وكنت أخشاه سابقاً من بينها الرياضات الخطيرة التي كانت تبدو لي مخيفة في السابق.
لكن في الوقت نفسه صرت أكثر تمسكاً بالحياة وأكثر إصراراً على محاربة المرض مهما كلّفني ذلك. علماً أني ممرضة وأعمل في هذا المجال واطّلعت كثيراً على هذا الموضوع».


«مرضي صديقي»

عانت ندى في مرحلة العلاج من مضاعفاته الصعبة كأي مريضة أخرى فتبدّل شكلها وقبل أن يتساقط شعرها ومن الجلسة الأولى عمدت إلى حلاقته كاملاً لكي لا تعيش اللحظات الصعبة التي يتساقط فيها. لكن على الرغم من كل ذلك تقبلت الواقع جيداً وبكل شجاعة، «سمّيت المرض صديقي لأسباب عدة.

فقد رافقني فيما تخلّى عني كثر وغادروني. ليس هذا فحسب، بل ساعدني لأعرف نفسي بشكل أفضل، عرفت من أنا. لم يعطني القوة فحسب بل صارت لي نظرة مختلفة إلى الأمور حتى أنه بفضلي، تبدلت نظرة كثر ممن يحيطون بي، إلى الحياة.
كافحت كثيراً ورفضت الاستسلام للمرض مهما كانت الظروف وها قد مضت 7 سنوات خضعت فيها للعلاج الكيميائي ولعملية تم فيها استئصال الورم وحده دون الثدي وأصبحت الرئتان أفضل . حتى أن الطبيب قال لي: على الرغم من خبرتي الطويلة في هذا المجال، أنت الحالة الثانية التي أصادفها وتبدّل نظرتي إلى المرض. أنت قلبت الموازين. مهما كانت الظروف واجهتها، ونجحت في التغلّب على كل الصعاب».

 من أكثر من شجعك في مواجهتك المرض؟
أعمل مع الأطفال الصغار في حقل التمريض، هم أكثر من دعمني وشجعني فقد كانوا لي قدوة. فإذا كانوا هم يتحملون كل الصعاب ويتخطونها ويختارون العيش، هل أستسلم أنا؟ من العيب أن أستسلم عندما أرى أطفالاً يواجهون الموت ويتحدونه بكل شجاعة.

 ما كانت أصعب لحظة عشتها؟
اللحظة التي عرفت فيها أنه لم يعد من الممكن لي أن أنجب. كانت هذه أكثر صعوبة بكثير من اللحظة التي أخبرني فيها الطبيب أني سأموت. أما العلاج الكيميائي فاعتدت عليه بعد أن خضعت له خلال 3 سنوات، فصرت أعتبره موعداً غرامياً لي ولم أعد أخشاه ابداً.

هل من أشخاص تبدلت نظرتك إليهم في هذه المرحلة؟
لا شك في أني اكتشفت حقيقة بعض الأشخاص في مرحلة المرض. المرض يكشف لنا من يحبنا ومن لا يفعل، خصوصاً عندما يكون صعباً فنعرف من خلاله الاشخاص على حقيقتهم، نكتشف من هو سطحي ومن هو تافه ومن يعجز عن المواجهة ومن يقدرك ويحبك لشخصك لا لأمور سطحية أخرى.

كيف اختلفت نظرتك إلى الأمور بعد إصابتك بسرطان الثدي؟
قبل إصابتي بالمرض كنت كأي شابة أخرى أخرج وأحب وأحلم بالزواج والإنجاب في المستقبل لتكون حياتي جميلة. أما بعد المرض فاختلفت نظرتي كثيراً إلى الأمور ولم تعد هذه وحدها أساسيات الحياة بالنسبة إليّ.
صرت أرى أموراً أخرى جميلة يمكن أن تدفعني للعيش، كمساعدة الآخرين. تعلّمت أيضاً النظر إلى الأمور بطريقة غير سطحية، صارت نظرتي أكثر عمقاً بعد أن أعطاني الله هذه النعمة التي بدّلت حياتي بالكامل.

رسالة ندى التي كتبتها بعد 7 سنوات من الكفاح وتصف فيها المرض بالصديق العزيز:

قبل 7 سنوات، التقيت صديقاً تحوّل إلى صديق بكل ما للكلمة من معنى
هو صديق لم يتخل عني يوماً
صديق عاش معي في كل يوم وليلة ، عرف أفكاري ومشاعري
هو صديق لازمني فيما تخلّى عني كثر من اصدقائي
دعوني أعرّفكم بصديقي:
اسمه سرطان من الدرجة الرابعة
عندما التقيتك للمرة الأولى، نظرت إليك كغريب، كشخص سيسرق مني حياتي. لذلك تحوّلت إلى عدو لي.
سمعت من الناس أن علاقتنا ستكون أشبه بحرب، ولا بد لي من الخروج منها بأقل كم من الخسائر والكلفة
تحوّلت إلى محارب وهرعت إلى ساحة المعركة. أخسر حيناً معركة وأحياناً أربح.
قالوا لي: لن تصمدي طويلاً..6 أشهر أو سنة كحد أقصى.
عندها قررت أن أتخذك صديقاً
مرت الأيام، وبعدها الأشهر والسنوات، 7 سنوات. مع الوقت صرت رفيقي وصديقي.
ولأن لكل شيء نهاية في الحياة، قررت أن أكتب لك هذه السطور لأتذكرك دائماً ولتعرف ما تعنيه بالنسبة إلي وما بدّلته فيّ.
عندما قررت، يا صديقي أن تأتي من خلف ظهري وتنتشر في رئتي، علمتني أن أقدّر كل نفحة حرية أتنفسها.
يا صديقي، عندما أضعفت قلبي، أعطيتني القوة لأعرف دفأه وعذوبته.
ياصديقي، عندما جعلتني أفقد شعري، أعطيت الحكمة لفكري.
يا صديقي، أخذت مني تضاريس جسمي الانثوية وفي المقابل سمحت لي بالنظر إلى أنوثتي الداخلية.
الآن بعد 7 سنوات، أدعك ترحل.
لذا، الوداع وشكراً لأنك جعلت مني ما أنا عليه اليوم.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077