تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

ماذا وراء الثرثرة المفرطة عند الأطفال؟

يا للإزعاج! يريد طفلك إبداء رأيه في كل شيء بسيل لا ينتهي من الكلام بحيث تشعرين في النهاية بالتوتر والإرهاق. لكن ماذا تخفي تلك الثرثرة المفرطة وكيف يمكن التفاعل معها؟

أسئلة من دون توقف، مبادرات عشوائية للكلام في كل المناسبات والظروف... ثرثرة طفلك باتت تشغل بالك، لا بل يغيظك إلى أقصى الحدود! هل يسعى طفلك إلى لفت الانتباه من خلال هذه الثرثرة، أم أنها وسيلته لطرد مخاوفه. هناك العديد من الاحتمالات الممكنة.
فالمسألة مرتبطة أساساً بشخصيته وبموقعه في مرحلة النمو التي يكون فيها. والواقع أن الطفل يستخدم الكلام لتكوين شخصيته والتواصل مع الآخرين.
لغته هي عبارة عن سياق مستمر، على صلة بالدينامية الإجمالية لشخصيته. ولا شك في أن الأطفال المنفتحين يعبّرون بسهولة أكبر عما يعتمل في نفوسهم.
الأطفال الذين هم في طور تعلم اللغة يميلون إلى الثرثرة، لاستكشاف هذه الوسيلة الجديدة للاتصال. ثم تتطور الثرثرة شيئاً فشيئاً مع نمو الطفل وتكوّن شخصيته.

ثرثرة مفرطة في المدرسة
لا يمرّ أسبوع واحد من دون أن تشتكي المعلّمة من تدخلاته الفجائية والمباغتة والتي ليست في وقتها. يقول علماء النفس إن المدرسة قد تكون مكاناً محبطاً جداً للأطفال، خصوصاً في المرحلة الابتدائية. ففيما يكون الجسم في عزّ النمو، يجبر الأساتذة الطفل على عدم التحرك في الصف والانتباه جيداً إلى شرح المعلمة والانتظار قبل الشروع في الكلام.
إلا أن الطفل الصغير يحتاج إلى الإحساس بأنه حيّ ويملك مساحة للتعبير عن نفسه. هكذا، يلجأ إلى الكلام بسبب عدم قدرته على التحرك مثلما يريد.
وحين يصبح مثل هذا التصرف متواتراً ومتزايداً، يمكن أن يخبئ أسباباً أعمق. فتلك الرغبة الكبيرة في الثرثرة ليست إلا الوسيلة المتاحة للطفل حتى يعبّر عن مخاوفه. ومن المهم إذاً معالجة مصدر تلك المخاوف.
يتوجب على الأهل التواصل مع الأساتذة قبل أي شيء آخر لمعرفة ما إذا كان الطفل الأكثر طيشاً أو تشتتاً للذهن في الصف.
وفي أي مادة. وفي الصباح الباكر أم في نهاية اليوم. من شأن هذه المعلومات أن تتيح معرفة ما إذا كانت الثرثرة ناجمة عن صعوبة في التركيز بسبب تعب عصبي، أو عن ضعف في مادة معينة.
فالطفل قد يلجأ إلى الثرثرة كي يأتي أحد ببساطة لمساعدته! لذا، لا تترددي في مساعدته في المادة التي لا يبرع فيها، واحرصي على أن ينام ساعاتٍ كافية كي لا يكون مرهقاً منذ ساعات الصباح الأولى فور وصوله إلى المدرسة.

الاستئثار بكل الانتباه
يستحيل توجيه دفق كلامه. وتمتد ثرثرته من أول لحظة يجلس فيها أمام المائدة وصولاً إلى تناول آخر لقمة من الوجبة. لكن في هذه الحالة، لا تجبري طفلك على السكوت. فخلف كلماته، قد تكون هناك رسالة مختلفة تماماً عن تلك التي يقولها.
بالفعل، قد تكون هذه الثرثرة وسيلة دفاعية، أو وسيلة لملء الفراغ، كي لا يجد نفسه وحيداً أمام عالمه الداخلي، الذي يجده خطراً جداً ربما.
في هذه الحالة، حاولي ربط الثرثرة بحدث معين أو توقيت بدايتها. فهل يسعى طفلك إلى لفت انتباهك لتفادي تناول طبق السبانخ مثلاً أم أن هناك مشكلة أخرى أكثر خطورة، مثل الطلاق أو الغياب.
إذا كان الطفل يحاول لفت انتباه أمه أو أبيه عبر توليه الكلام طوال الوقت، يعني ذلك وجود نقص من هذا الجانب.
ويجب ألا ننسى أن كلام الأهل مهم جداً بالنسبة إلى الأطفال لأنه يثبت لهم أن الأهل مهتمون فعلاً بهم.
فإذا التزم الأهل الصمت وعدم الرد، بسبب معاناتهم من الاكتئاب أو بسبب غيابهم، سيحاول الطفل أخذ كل المساحة عبر تجنيد أهله له. فإذا وجدت سيدتي أن طفلك يزعجك بكلامه، خذي وقتك في الاستماع إليه ومعرفة ما يريد فعلاً التعبير عنه.

إخبار قصة حياته لأصدقائه
يقال غالباً إن الثرثار يحاول لفت الانتباه وإبراز نفسه. والدافع وراء ذلك حاجة ملحة لأن يراه الآخرون ويسمعونه، بحيث ينسى تقريباً العالم المحيط به. لكن بسبب رغبته القوية في احتلال المساحة، قد ينتهي بتوليد الفراغ حوله.
فإذا وجدت أن تصرف طفلك مختلف عن تصرف إخوته أو رفاقه، حاولي تحديد مكانته وسط مجموعة الإخوة أو الرفاق.
فالطفل «المسحوق» بإخوته الأكبر سناً قد يلجأ إلى السيطرة في ملعب المدرسة عبر احتلال المساحة الصوتية.
وتكون ثرثرته نتيجة حاجة قوية إلى اعتراف الآخرين به.
فإذا وجدت أن طفلك يشكك في نفسه وفي قدراته، وفري له الطمأنينة والأمان وخصصي له وقتاً مميزاً وحصرياً. وعندما لا يعود للكلام مكان أو قيمة أو أهمية، قد يأخذ الجسم الدور ويقوم الطفل بتصرفات عنيفة. في أي حال، تذكري دوماً أن الطفل الثرثار أفضل كثيراً من الطفل الصامت.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078