تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

ليلى حمداوي: وراء كل هذا الجمال والجاذبية أمور كثيرة تجهلها العين

لا شك في أن فكرة أسبوع باريس للموضة هي حلم للكثيرين، وأنا محظوظة ربما لأنني محط إعجاب جميع أفراد عائلتي وأصدقائي والذين يتابعون أخباري عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيما أتابع عروض الأزياء طوال أسبوع كامل، بالترافق مع المعارض والاجتماعات وحفلات العشاء. لكن لا بد من التوقف هنا. فهذه ليست القصة الكاملة، لأن وراء كل هذا الجمال والجاذبية، أموراً كثيرة تجهلها العين.

مواهب في مدينة الأضواء

هناك مسألة الطقس الذي لا يمكن التنبؤ به، والاستيقاظ في الصباح الباكر، والنوم في ساعة متأخرة طوال 7 إلى 10 أيام متواصلة. وتصبح القروح والضمادات جزءاً أساسياً من عدّتك اليومية، إضافة إلى ضرورة اطلاعك على ما يحصل بين عرض وآخر لتغطيته بشكل كامل، وقد أصبح هذا جزءاً مهماً في أسبوع الموضة بقدر العروض نفسها، مما يحوّل مدينة الأضواء إلى مدينة الاستعجال.

لكن بعد أكثر من 20 عاماً على تغطية أحداث أسبوع باريس للموضة بصفتي محررة للموضة، لا شك في أنني أحظى بميزة مشاهدة أعظم المبدعين وهم يجتمعون معاً لعرض مهاراتهم وبراعتهم الحرفية. فقد شاهدت أول عرض لدار لويس فويتون عندما ابتكر مارك جاكوبس أول مجموعة للملابس الجاهزة، المجموعة التي لم تكن موجودة قبلاً في الدار الفخمة، وصولاً إلى مشاهدة عرض الموهوب نيكولاس جيسكيير (الذي أتحفنا بأول مجموعة له في آذار/مارس 2014) ونقل بها الدار إلى القرن الحادي والعشرين.

ساعات الصباح الأولى

أستيقظ عموماً في الصباح الباكر، ولذلك فإن الاستيقاظ في ساعات الصباح الأولى ليس بالأمر الغريب عليّ. لكن خلال أسبوع باريس للموضة، أحتاج إلى التحلّي باليقظة أكثر من المعتاد. لا أخطط مسبقاً لاختيار ملابسي، بل يكون الأمر عفوياً، لكنني أكون قد جمعت طلاّتي في لندن، وبالتالي فإن كل شيء جاهز للارتداء نوعاً ما. اخترت اليوم سروالاً جلدياً باللون البورغندي من Victoria Beckham، وبلوزة طويلة من الشيفون من Donna Karan، ومعطفاً من Nom Du Mode (مقره لندن)، وسترة جلدية قصيرة من Burberry، وحذاء باللون الذهبي الوردي منSophia Webster، وطبعاً حقيبة Capucines العملية من Louis Vuitton (إنها حقيبة أساسية بالنسبة إليّ، إذ تتيح لي وضع كل أغراضي الأساسية اليومية والمواد الصحافية الواجب حملها معي).

طلب سيارة أجرة الطريقة الأكثر فاعلية

قبل الانطلاق، أشرب قهوتي الصباحية (Grande Soya Vanilla Latte)، وأتناول الفطور بكميات كبيرة لأنني لا أعرف متى ستتاح لي فرصة تناول الطعام مجدداً. وإذا سمح الطقس والمسافة بذلك، أفضّل الذهاب مشياً إلى موعدي الأول أو عرضي الأول. لكن عليّ التواجد في عرض Louis Vuitton، الذي يقام على مسافة بعيدة نسبياً في مؤسسة لويس فويتون في الدائرة 16 في باريس. لذا، فإن طلب سيارة أجرة هو الطريقة الأكثر فاعلية. سائق اليوم، جيريمي، يعرف المكان بالضبط وأوصلني إلى هناك في الوقت المناسب لمراقبة وصول القادمين.

لا عجب في أن يكون الجميع هنا، من صحافيين، ومحررين، ومدوّنين (Bloggers)، ومتسوقين، ومصورين، وضيوف الدار وطبعاً المشاهير. ها هم يقفون جميعاً في رتل منتظم للدخول، لأنهم يعرفون تماماً أنه عندما تحدد دار لويس فويتون موعداً للعرض، من المستحسن الوصول قبل الموعد لأن الأبواب تغلق بعدها ويبقى جميع الواصلين متأخرين في الخارج.

إذا سألني أحدهم عن أكثر ما أحبه في باريس، أجيب فوراً «الهندسة المعمارية»، لأن جمال المباني، سواء كانت تاريخية أو جديدة، آسر فعلاً. لذا، عندما تم الكشف العام الماضي عن مؤسسة لويس فويتون الرائعة وبدأت عروض لويس فويتون تجرى هناك، لاحظت أن المكان هو دمج مذهل للابتكار في أزياء جيسكيير وروعة الهندسة المعمارية عند فرانك غيري. إنه فعلاً الفن في أرقى صوره.

ما من صح أو خطأ في ما يريد المصمم عرضه

التحديات التي تصادفها في هذه المهنة تكمن في فهم ما هو فريد في عروض الأزياء، وأن كل شخص يدخل إلى العرض يملك شخصية مختلفة وصوتاً مختلفاً. فنحن ننظر إلى المجموعة بطريقة مختلفة وما من صح أو خطأ في ما يعرضه المصمم. لكننا، في النهاية، نلتقي نحن المحررين والصحافيين على ما إذا كان يوجد اتجاه معين رائج في الموضة. والقراء متكلفون جداً، على الأقل في حالتي أنا، ويتابعون بشكل حثيث ما هو رائج أصلاً ويعرفون تماماً ما الذي يحبونه. لذا، أحاول إيصال الرسالة حول ما يمكن توقعه في الموسم المقبل وما هو رائج وغير رائج، وما هي أخبار الكواليس، وما الذي يتم ارتداؤه في الشارع، مع محاولة استكشاف ما أودّ تصويره في ملاحقنا الخاصة بالجمال والأزياء. لكن الأمر لا يتوقف عند العروض. فثمة جزء مهم يتمثل في تخصيص الوقت لصالات عرض الأزياء، حيث تتاح لك فرصة قضاء بعض الوقت مع تصاميمك المفضلة التي رأيتها على المنصة، وتصوّر حكاية لها في الأعداد المقبلة من المجلة. كما تعتبر عروض الأكسسوارات مهمة أيضاً، رغم أنه يتم تفويتها غالباً على المنصات، إذ لا يتم التركيز عليها لأكثر من جزء من الثانية.

باريس لا تنام أبداً...

لقد تبدل مفهوم حضور عروض الأزياء خلال الأعوام الماضية، وأصبح جزءاً أساسياً من حياتنا بفضل التكنولوجيا والتوق الكبير إلى معرفة الأشياء في اللحظة نفسها. بالفعل، يتم تزويد مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالأخبار الدائمة. وأستمتع فعلاً بهذه الإضافة إلى دوري المهني. التقاط اللحظة ومشاركتها فوراً هما الطريقة المثالية للسماح لقرائنا ومتابعينا بأن يكونوا عيننا على العالم من خلال ما نقدمه لهم. ولا شك في أنك ستراني أحمّل الصور وأشرطة الفيديو فور التقاطها. بعد انتهاء العروض، عليك الخروج باكراً وإيجاد سائق لإيصالك بسرعة إلى موعدك التالي. فسواء كان عرضاً أو اجتماعاً، عليك الالتزام بالمواعيد المحددة على جدولك خلال النهار لتفادي أي تشابك في المواعيد. تبقى السيارة مكاناً جيداً للتحقق من البريد الالكتروني، ورؤية ما أعجب قراءنا على موقع «انستغرام»، وتحميلات الـ «فايسبوك». كما أجري كل الاتصالات الهاتفية الضرورية. لا تنام باريس أبداً خلال أسبوع باريس للأزياء، إذ يوجد دوماً حفلات كوكتيل أو حفلات عشاء يتوجب عليك حضورها. إنه الوقت المثالي للقاء الزملاء، سواء كان ذلك في سهرات فرق العلاقات العامة في الشرق الأوسط، الذين يمثلون الماركات أو سهرات المصممين، وبالتالي فإن السهرة لا تنتهي أبداً قبل منتصف الليل.
أتطلع بلهفة للعودة إلى غرفتي في سان جيرمان للاستراحة والاستعداد لليوم التالي.

 

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078