تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

إلى زينب

إلى زينب

لا تغادرني صورتها. عيناها واسعتان جاهزتان للتحديق إلى مشاهد الحياة، تبرقان دوماً. ابتسامتها أصلية تعكس روحاً شفافة وحباً للدنيا وألغازها. تدلل نفسها وهي تمشي واثقة بأناقة جسمها وهندامها. امرأة مثلها تعانق الحياة، فكيف تخلّت الحياة عنها؟ أذكر أننا قصدنا كلّنا الاحتفال بتوقيع ديوان شعر كتبتْه وكانت بعد في أول صباها. حدث ذلك منذ أكثر من أربعة عشر عاماً. لا أدري. ذابت الأعوام كلّها وأصبحت كتلة واحدة. كأن الزمن يخدعنا. تركض الأيام، فنركض معها، وتختلط علينا الأشكال والألوان، فلا يتسنّى لنا إدراك التفاصيل ولا التمعّن فيها ولا فهمها. تماماً كمَن يطلق ساقيه للريح، يحس بما حوله ولا يراه تماماً، مسكوناً بالهدف الذي يسعى إليه. لكن أهدافنا في الحياة تتغيّر أو تختفي، يمكن أن ننساها أيضاً، أن تمحوها سرعة الأيام. وقد تكون أيامنا بلا أهداف، لكننا نعيش. أما خبر رحيل زينب كريّم، زمليتنا التي واكبت معنا بدايات مجلة «لها»، فيصعب تصديقه. كنت أفكر في أنني كلّما تذكرتها رأيتها مرتدية أزياء ملوّنة بالبنفسجي أو الوردي. هذان اللونان يرتبطان في ذاكرتي بصورة زينب واسمها. لقد أحبت الحياة وناسها وأخبارها وزحمتها وقصصها، وتلألأت عيناها وروحها حباً بها. وزينب الوفية لزملائها السابقين، لم تنقطع عن زيارتهم كلّما عادت إلى لبنان من الولايات المتحدة التي انتقلت للعيش فيها بعد زواجها. زارتنا منذ أعوام، ربما أربعة أعوام. كانت تلك زيارتها الأخيرة إلى المكاتب التي جمعتنا بها زميلة لطيفة مهذبة ذات أخلاق سامية أحبّت عملها وكانت علاقاتها طيبة بالجميع. بدت جميلة أنيقة كعادتها، ورافقتها طفلة ناعمة تشبهها، ابنتها التي بدت نسخة منها. يصعب استيعاب قسوة رحيل صبية مثل زينب، خصوصاً إذا اختلطت تلك القسوة بالشوق إلى ابتسامتها.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077