دور حضانة «تعتدي» على رُضّع! أم شريكة؟ومديرة متورّطة
يجد أهل في أطفالهم عبئاً يجب «التخلّص» منه في أقرب حضانة حتى وإن كانت عشوائية لا تخضع لرقابة الدولة. وقد ارتدت هذه التصرّفات اللامسؤولة نتائج كارثية على أسر كثيرة في تونس، بسبب حالات عنف مادي ومعنوي واغتصاب وصولاً إلى القتل. مآسٍ طالما تكررت في دور الحضانة من دون إيجاد حل جذري لها، ما شجّع على تكاثرها في حق أطفال ورضّع.
أم شريكة ؟
وما حدث في حضانة في محافظة صفاقس (جنوب شرق) اهتزت له أخيراً كل البلاد نظراً إلى بشاعة الجريمة. تحدثت الأمّ بكل ألم قائلة: «أنا السبب في قتل ابنتي، ليتني لم أصطحبها». وزادت بارتباك كبير، أنها كانت تودع ابنتها الرضيعة (6 أشهر) في الحضانة قبل الذهاب إلى عملها. لكن عند عودتها يومها لأخذها بدا تصرّف «المروّضة» غير عادي.
وشرحت: «أخبرتني بوقاحة شديدة وبأعصاب باردة أن ابنتي ماتت مختنقة. لنكتشف بعد ذلك أنها توفيت نتيجة جرعة زائدة من مادّة منوّمة». وأضافت بنبرة ملؤها ندم: «ليتني كرّست كل وقتي للعناية بها فأنا شريكة في الجريمة لأنني لم أتحمل مسؤولية تربيتها وإعطاءها الدفء والحنان اللازمين»، ناصحة الأمهات بأن يسخّرن وقتهن لأطفالهن ويحسنّ اختيار الحضانة المناسبة لهم.
... ومديرة متورّطة
فاجعة أخرى شهدتها منطقة المَرسى (ضاحية العاصمة) تتمثّل في اغتصاب طفلة لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات. تتذكّر الأم بسمة الكارثة والدموع لا تفارق عينيها: «عادت ابنتي إلى المنزل في حالة سيئة للغاية، لا تقدر على الوقوف ولا حتى على الحركة. وأخبرتني أنها تعاني من آلام على مستوى حوضها فنزعت ثيابها». وتابعت باكية: «صعقت لهول ما شاهدت حيث وجدت كامل منطقة أعضائها ملطّخة بالدماء». وعندما سألت الأم ابنتها عن الفاعل أجابتها أنه حارس الحضانة.
واتضح بعد تحريات أن هذا الوحش الآدمي هو من ارتكب هذه الجريمة النكراء، كما تبيّن أن مذكرات بحث وتحر بقضايا أخرى مسطّرة بحقه. واعترف أن مديرة الحضانة متورطة في أفعال شنيعة منها تصوير أطفال وهم عراة لأغراض خبيثة.
وتكاد هذه الجرائم أن تكون يومية في محافظة صفاقس خصوصاً، التي شهدت حادثتين أخيراً. وتتمثل الأولى في تعنيف «مروّصة» طفلاً لا يتجاوز عمره ستة أشهر، والثانية تعنيف توأم عمره تسعة شهور فأصيب بكسور على مستوى الساقين.
وقد دفع كل هذا العنف داخل دور الحضانة بالمجتمع المدني للتساؤل عن غياب دور الدولة من أماكن مخالفة وغير قانونية باتت تمثل خطراً حقيقياً يهدد حياة الأطفال.
تخلّي الدولة
وتؤكّد نبيهة التليلي، رئيسة «الغرفة الوطنية لرياض ومحاضن (دور الحضانة) الأطفال»، أن هذا القطاع هش ويحتاج إلى الكثير من العناية. وزادت: «الدولة متخلّية عن قطاع الطفولة والدليل أن 91 في المئة من رياض الأطفال ودور الحضانة بأيدي القطاع الخاص». ولفتت إلى أن الدولة لا تستثمر في قطاع الطفولة ولم تخصص له الموازنة اللائقة، وأوضحت: «يكفي القول إن هذه الموازنة تمثّل 0.25 في المئة وهو رقم مخيف وتنعكس نتائجه في الواقع المزري الذي نعيشه». وتابعت التليلي أن الجرائم المرتكبة في حق الطفل، لا سيما في دور الحضانة، سببه عدم رسم الدولة مشروعاً واضح المعالم، «ما شجّع على تفاقم ظاهرة دور الحضانة العشوائية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية بالطفل».
كما أشارت التليلي إلى مطالبتها منذ عام 2012 بتكوين لجان مراقبة على دور الحضانة وإغلاق غير المرخّص، ولم تبصر هذه اللجان النور إلا في عام 2014. وأضافت: «وجد كثرون من العاطلين من العمل في دور الحضانة فرصة لجني المال، أذ يكفي أن يكون لديك مكان رحب في البيت لاستقبال الأطفال والرضّع وتزيين المكان وتجهيزه بطاولات وكراسٍ وأسرّة ووضع لافتة في الخارج». وأكّدت أنه من الطبيعي أن تكون الكوادر المشرفة من غير الاختصاصيين نظراً إلى كلفتها الباهظة التي لا تقوى عليها دور موجودة في أحياء شعبية فقيرة ومهمّشة.
وشدّدت التليلي على ضرورة أن تتكفّل الدولة بـ 50 في المئة من الرسوم المتوجّبة على الأهل للحضانة وبالتالي تشجيعهم على اختيار الدور المستوفية للــــشروط القانونية، التي تضمن للأطفال حقوقهم.
ضعف القوانين
وأكّدت سميرة مرعي فريعة، وزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة، أن هناك 700 دار حضانة عشوائية غير مرخصّ لها من بين نحو 4 آلاف دار عاملة، مبدية الاستعداد للتصدّي للفوضى في هذا المجال الحيوي، على رغم أنه كلما أغلقت دار مخالفة فتحت أخرى في مكان آخر.
وأعلنت فريعة أن اللجنة القانونية في الوزارة تدرس المشروع النهائي لمراجعة دفتر الشروط الخاص بافتتاح حضانات ورياض للأطفال وتنظيمها، عازية ما يشهده هذا القطاع من إشكاليات إلى ضعف المنظومة القانونية المتعلّقة بمؤسّسات الطفولة. وقالت: «تجري الوزارة مراجعة للنظام الأساسي الخاص بمنشّطي رياض الأطفال، وقد بلغ تعديل المشروع مراحله الأخيرة». وأفادت بأن الوزارة أنشأت لجاناً مشتركة بين وزارة الدّاخلية ومجلس الدولة للطفولة مهمتها القيام بزيارات ميدانية لدور الحضانة ورياض الأطفال العشوائية. وناشدت الأهل «تحمّل المسؤولية واختيار الحضانة المناسبة لأطفالهم، والإبلاغ عن أي تصرّف لاأخلاقي صادر عن الإطار التربوي»، مذكّرة أن الوزارة «تنشر على موقعها الإلكتروني لائحة بأسماء رياض الأطفال ودور الحضانة المرخّصة والخاضعة بصفة مباشرة للرقابة، لمساعدة الأهل على اختيار المؤسسة الملائمة لاحتضان أطفالهم».
يذكر أن الطفل يعتبر العمود الفقري للمجتمع في البلدان المتقدّمة، وتصل عقوبة مغتصب الأطفال إلى الإعدام. وترصد لهذه الفئة نسبة مهمة من موازنة الدولة (فرنسا 4.5 في المئة، النروج 4،8 في المئة). في المقابل، تبقى حقوق الطفل في بلدان عربية مجرّد قوانين على ورق للتباهي بها في المحافل الدولية، وخير دليل الموازنات المرصودة لهذه الشريحة العمرية.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024