تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

طفلي والاستماع إلى الموسيقى

فرح تميم

فرح تميم

يبدو مشهد خالد (تسع سنوات) واضعًا سمّاعتي الأذنين يستمع إلى الموسيقى، كمن يستمع إلى مسألة تحدّد مصيره. فيما تتمايل رنا (عشر سنوات) على ألحان موسيقى، غير مكترثة لما يحدث حولها. طفلان يستمعان إلى الموسيقى بعدما أنجزا فروضهما، فيمضيان ما تبقى من يومهما الطويل بتنزيل أغنيات من تطبيقات الإنترنت، للاستماع إليها وترنيمها.
فهل يجدر بالأم أن تقلق؟ ولماذا يبدو بعض الأطفال في هذه السن مأخوذين بالاستماع إلى الموسيقى؟ وإلى ماذا يشير انشغالهم بالاستماع إلى الموسيقى؟  هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها الاختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم.


لماذا يبدو بعض الأطفال في سن ما قبل مرحلة المراهقة مأخوذين بالاستماع إلى الموسيقى؟
هذا يعود إلى أسباب عدّة أهمها المرحلة الانتقالية التي يمر بها الطفل. فمن المعلوم أن قبل البدء بمرحلة المراهقة، هناك مرحلة انتقالية دقيقة، إذ أن الطفل لم يعد طفلاً يريد اللعب طوال الوقت، ولم يصبح مراهقًا بعد. وبالتالي نلاحظ تقلبات في سلوك الطفل سببها التغيرات البطيئة التي تحصل على الصعيدين الفيزيولوجي والنفسي. فهو بدأ يدرك ذاته كشخصية فريدة ومستقلة تنظر إلى الأمور في شكل واقعي ومنطقي، ويحاجج الكبار أحيانًا، ويحاول أن يتكلم مثلهم ويستعمل منطقهم في النقاش.
والاستماع إلى الموسيقى يكون إحدى الوسائل التي يستعملها طفل ما قبل المراهقة أثناء بحثه عن هوّيته. فمن المعلوم أن الموسيقى قوّة موجّهة للعواطف الداخلية عند الإنسان. فالجنين مثلاً في رحم أمه يتفاعل مع الموسيقى التي تستمتع إليها والدته خلال شهور الحمل، وتترسخ في لا وعيه، لذا يلاحظ أن الرضيع يتفاعل مع الموسيقى التي كانت تستمع إليها والدته خلال الحمل.
إذًا الموسيقى مهمّة في حياة الإنسان، سواء كان رضيعًا أم مراهقًا أم راشدًا. وعمومًا جميعنا نستمع إلى نوع معيّن من الموسيقى وفق مزاجنا.
فإذا كنا سعداء، نستمع إلى موسيقى فرحة. وإذا كنا نشعر بالحزن، نميل إلى موسيقى تعبّر عن حزننا. وإذا كنا نشعر بالغضب، نستمع إلى موسيقى إيقاعها صاخب تعكس التحدّي. إذًا الاستماع إلى الموسيقى يعكس مشاعر الطفل ومزاجه المتقلّب.
ولا ضير في أن يستمع الطفل إلى الموسيقى طالما أنه لا يتخطى الحدود، أي أنه لا يفعل شيئًا آخر سوى الاستماع إلى الموسيقى.

أحيانًا نجد الطفل يستمع إلى نوع موسيقي أو أغنيات ليست موجّهة إلى من هم في سنّه. لماذا؟
هناك سببان. الأوّل يعود إلى المحيط العائلي، فالطفل يتأثر بوالديه فهما النموذج الأول الذي يحتذي به، ويقلّدهما في كل ما يفعلانه. إذًا سلوك الطفل وتصرفاته هي إلى هذا الحد أو ذاك انعكاس لسلوك الوالدين.
فإذا كان الوالدان قد اعتادا الاستماع إلى موسيقى كلاسيكية مثلاً، فإن الطفل يميل إلى الموسيقى الكلاسيكية. وإذا كانت الأم أو الأب أثناء وجود أطفاله معه في السيارة يشغّل موسيقى أو أغنية موجهة الى الكبار، فإن الطفل يرددّها من دون أن يفهم معناها.
على الأهل أن يدركوا أن الموسيقى والأغنيات تترسخ في لا وعي الطفل، وبالتالي تؤثر في نمط تفكيره، فذاكرته مثل الاسفنجة تمتص كل ما تتلقاه، والموسيقى من الأمور التي يحفظها الطفل في ذاكرته بسهولة ولوقت طويل، وبالتالي ليس مستغربًا أن يردّد أغنيات ليست موجّهة إلى عمره إذا لم يكن الأهل قد انتبهوا إلى نمط الأغنيات التي يُسمعونها إلى أبنائهم الصغار.
أما السبب الثاني، فهو أن طفل ما قبل المراهقة ربما يريد أن يقلد من هم أكبر منه سنًا، وتحديدًا الذين بدأوا سن المراهقة، أي في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، وهو يتطلع إليهم، لأنهم أقرب إليه من الطفل الصغير والمراهق الكبير، فيحاول تقليدهم ليبرهن لهم أنه مثلهم.
لذا نجده يضع السماعات في أذنيه ويُظهر اهتمامه بالأغنية التي يستمع إليها، ويردّدها... واللافت أن وقع الكلمة بحد ذاته يشعره بالقوة رغم أنه لا يفهم معناها إذا كانت أغنية أجنبية. ولكن أحيانًا يستمع الطفل إلى أغنية «للكبار» لأنه يريد فقط أن يقول أنا لم أعد طفلاً. وهذا لا يقتصر على نوع الموسيقى فقط، وإنما يمتد الى اختياره البرنامج التلفزيوني، فهو لا يعود يرغب في مشاهدة فيلم كرتوني مثلاً أو برنامج موجّه للأطفال يعرض الأغنيات البسيطة، أو الألعاب الطفولية، بل يلاحظ اهتمامه ببرامج موجهة الى المراهقين. كل هذا ليقول أنا لم أعد طفلاً

لماذا يتأثر الطفل بالمراهق الصغير؟
لأنه يتطلع إلى أن يصبح في هذه السنّ القريبة منه، «أي بعد سنتين سوف أصبح مثله»، خصوصًا إذا كانوا أقارب، ومن الطبيعي أن يتأثر به ويحب ما يحبه، فهو ينظر إليه بأنه الصورة التي سيكون عليها، خصوصًا أن لا فارق كبيرًا في السن بينهما، فهو قريب منه، ولكن في إمكانه القيام بأمور هو لا يستطيع القيام به الآن.

كيف يمكن الأم مراقبة الأغنيات التي يستمع إليها طفلها؟
بكل بساطة أن تطلب منه مشاركتها في الاستماع. فإذا لاحظت أن كلمات الأغنية فيها عنف أو غير لائقة، عندها يمكنها أن تناقشه في المسألة، وتشرح له أن هذه الأغنية غير مناسبة لسنّه ولا لبيئته الاجتماعية. خصوصًا إذا لم يكن يفهم معنى الكلمات. أن تجعله يتعلّم كيفية انتقاء الأغنيات. ولا ضير في أن تبدي الأم بعض الليونة.

من الملاحظ راهنًا أن الأطفال والمراهقين صار لديهم القدرة على الولوج إلى مواقع الأغاني على الشبكة العنكبوتية، فضلاً عن الفيديو كليب الخاص بالأغنية وتنزيله على الآيباد أو الهاتف الخليوي. كيف يمكن الأهل مراقبة ما يسمع طفلهم ويشاهده؟
عمومًا من الضروري أن يقوم الأهل بتنزيل تطبيق مراقبة المواقع الإلكترونية الذي يمنع الطفل والمراهق من الولوج إلى مواقع غير مرغوب فيها.
ومن الضروري عندما يستعمل الطفل هاتفه الخليوي أو الذكي أو الآيباد أن يكون الأهل حاضرين، ويكون ذلك بتحديد ساعات الاستعمال.
مثلاً أيام العطلة الأسبوعية، أو ساعة بعد الظهر عندما ينجز فروضه. ولكن يحدث أحيانًا أن تكون الأغنية جميلة جدًا ولا تحوي كلمات غير لائقة، ولكن الفيديو كليب جريء ولا يناسب سن الطفل، من هنا يمكن الأم أو الأب أن يعلم الطفل تقييم ما يشاهده بأنه غير ملائم للأغنية ويمكنه مثلاً أن يستهزئ بالفيديو، ويجعل الطفل ينفر منه بطريقة طريفة. أو بكل بساطة يمكنه أن يقول له إن تنزيل الفيديو يستهلك حجم الميغا بايت ومكلف.

لماذا نجد بعض الأطفال يحبون الأغنية التي تحوي مضمونًا عنيفًا، فيما آخرون يرغبون في الأغنية الرومانسية رغم صغر سنّهم؟
أعود وأكرّر أن هذا في البداية يعود إلى نوع الموسيقى التي اعتاد الأهل الاستماع إليها. فاليوم تصدر أغنيات مواضيعها فيها الكثير من العنف، سواء كانت عربية أو غربية.
فكم مرة نسمع على الراديو أغنية عربية تربط الحب بقتل فلان أو قلع عينه أو تعنيف الشخص الآخر. الراشد قد يستمزجها ويردّدها ولكنه لا يتأثر بها، بل يكون الاستماع إليها من باب الفكاهة أو الإعجاب بإيقاعها، بينما إذا استمع إليها الطفل يظن أنها تعكس الواقع الذي يعيش فيه، وبالتالي يترسخ في لا وعيه أن العنف مسألة اجتماعية عادية.
فيما إذا كان الأهل يستمعون إلى أغنيات رومانسية، فإن الطفل سيميل إلى هذا النوع من الأغنيات. وفي كلا الحالين، الطفل يقلد أهله. لذا أشدّد على ضرورة أن يتنبّه الأهل إلى هذه المسألة.

لماذا نجد بعض الأطفال يستمعون إلى الأغنية نفسها طوال الوقت؟
هذا يعود إلى شخصية الطفل، فبعضهم لا يمل الاستماع إلى الأغنية نفسها طوال الوقت، ذلك أنه ربما وجدها تعبر عن مشاعره وتعكس نمط تفكيره.
وهنا يجدر بالأهل مراقبته، فإذا كان الطفل يستمر بالاستماع إلى أغانٍ حزينة، على الأهل سؤاله ومعرفة سبب ميله الى هذه الأغنية الحزينة، فهو ربما اختار أغنية بعينها لأنها تعكس ما يشعر به، فتكون بذلك وسيلة لإسقاط قلقه أو حزنه.
ولكن أحيانًا قد لا يكون الطفل يعاني أي مشكلة، ولكنه يقلد شخصًا أكبر منه، يعجبه اللحن والكلمات فيتقمص الأغنية وكأن كلماتها تعنيه شخصيًا، حينها على الأم أن تسمعه أغنية فرحة تخرجه من مشاعر الحزن وتشاركه مثلاً الرقص على إيقاعها، أي تغيير مزاجه.
من الضروري تعليم الطفل طريقة التفكير المنطقي، وكيف يختار الصح من الخطأ، العالم صار مشرّعًا، وأهل اليوم يصعب عليهم حماية أبنائهم، ومهمتهم تعليم الأبناء المسؤولية والتفكير الصحيح، أي التمييز بين ما هو مقبول وما هو مرفوض

إلى أي مدى تساهم النشاطات الموسيقية في تعلّم القراءة والكتابة عند الأطفال؟
تساهم النشاطات الموسيقية في تنمية وعي الطفل ومهاراته الصوتية، إن لناحية القدرة على التلقي، وتقطيع الوحدات الصوتية للغة والتلاعب بها، مثل القافية، والمقاطع والصوتيات.
وتؤكد دراسة علمية أجرتها جامعة مونتريال الكندية، فوائد تعلّم الموسيقى وأثرها الإيجابي في ملكتي اللغة الشفوية واللغة الكتابية في مرحلتي الحضانة والابتدائي، لذا أوصت هذه الدراسة بضرورة جعل النشاطات الموسيقية من المواد الأساسية في المنهاج التعليمي، لما لها من فوائد كثيرة على صعيد تطوير مهارتي القراءة والكتابة عند التلامذة.

هل هذا يعني أن الغناء يجب أن يدخل ضمن النشاطات الموسيقية وكيف يستفيد التلميذ؟
بالتأكيد، ففي صف الحضانة يتعرّف الطفل إلى الأحرف والكلمات عبر الأغنيات التي يحفظها، فالموسيقى تعمل على الذاكرة السمعية عند الطفل، وبالتالي فإن لها تأثيرًا إيجابيًا في تطوير الوعي الصوتي عند الطفل.
ومن الناحية النفسية فالموسيقى هي وسيلة مثالية للأطفال الذين يشعرون بعدم الأمان بالنسبة إلى تعلم اللغة، قراءةً وكتابةً، ومن خلال الموسيقى تتعزز لديهم الثقة بأنفسهم وبقدراتهم التعلّمية، فهم من طريق الغناء والإنشاد، يتعلمون بشكل ترفيهي الكلمات والحروف، وكذلك يتعلّمون لغة ثانية بشكل سلس وممتع.
يمكن الأم استعمال وسيلة الغناء في تدريس ابنها، فمثلاً إذا وجدت لديه مشكلة في الحفظ، يمكن أن تحوّل الحفظ إلى أغنية.

ما النصيحة التي تسدينها إلى الأهل في تعاملهم مع ابنهم ما قبل المراهقة؟ 
أن يستفيد الأهل من هذه المرحلة بالتقرب من الطفل، فهو لا يزال هادئًا لا يطالب بما يطالب به المراهق كالخروج للسهر مع أصدقائه أو المطالبة بقيادة السيارة أو تدخين السجائر... فهو لم يمر بعد بأزمة مراهقة. صحيح أنه يثور أحيانًا ويعارض ويرفض تنفيذ بعض الأوامر، لكن ذلك سببه أنه ليس مرتاحًا لما يمر به من تغيرات على الصعيدين النفسي والجسدي.
فجسده لم يعد جسد طفل، ولكنه ليس جسد مراهق، وشخصيته لم تعد شخصية طفل ولكنها ليست ناضجة. فهو يريد أن يعرف مكانته. لذا لا يمكن مقارنة هذه المرحلة بالمراهقة، بل هو يعيش مرحلة هادئة ويحاول اكتشاف نفسه، وعلى الأهل التودّد إليه ومحاورته، لأن هذه المرحلة هي الأساس الذي ينطلق منه الطفل نحو المراهقة.
فإذا كان يستمع إلى الموسيقى، عليهم فقط مراقبة كلمات الأغنية، فإذا كانت حزينة أو ثائرة، عليهم أن يعرفوا سبب ميل طفلهم إلى هذا النوع من الأغاني. أما إذا كان طفلهم ينوّع بالأغنيات، فلا مشكلة على الإطلاق، خصوصًا إذا لم يكن لدى الطفل اختيار آخر، أي نشاط آخر.

      
الغناء والعزف على آلة وأثرهما الإيجابي
الغناء: تساعد التمارين الصوتية أو الفوكاليز التلميذ على التنفس، كما تساعد الطفل الذي لديه مشكلة في النطق، فضلاً عن أن التلميذ يحب هذا الأمر.
العزف على آلة: يفيد الطفل في المستقبل، لا سيما في سن المراهقة حيث ستكون لديه وسيلة آمنة للتخلص من التوتر الذي يعيشه في هذه المرحلة، فتعليم العزف على آلة معيّنة استثمار للمراهقة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079