انتقام
عرفتُها، بدت في المنام أصغر بنحو أربعين عاماً. أعدتُها في منامي إلى صباها، والغريب أنها ارتدت فستان امرأة غيرها جلست إلى جانبي في حفلة زفاف حضرتها أخيراً. رأيتُ صديقتي العجوز صبيةً، سعيدةً بفستانها الوردي. ولأنني قررت ألا أقرّر شيئاً لألزم نفسي بتنفيذه في العام الجديد، رأيت في المنام العجيب نفسه شخصاً أقدّره حاملاً في يد ورقة دُوّنت عليها قرارات أو أوامر، وفي اليد الثانية كوباً ممتلئاً قهوة.
غريبة «ألعاب» العقل، لا أريد أن أجهّز قائمة بأنشطة العام الجديد، فلم أحلم بلائحة ممزقة ولا بكلمات مكتوبة تمحو تفاصيلها خطوط وخربشات. حلمت بما أردت الهروب منه. لم أدوّن لائحة قرارات ومشاريع، لم أقسم العام إلى مراحل سرّية، لم أخطط، وما قلت إنني أخاف من التخطيط في مدينة مثل مدينتي. كتبت ما كتبته إلى كل ما لم أقم به، إلى وعودي (إلى نفسي) الذائبة مع الزمن، إلى إحساس بالذنب لأن الوجع أصاب غيري، إلى قبح لا أفهمه، إلى عجز أصبح دمنا، إلى صمت اخترعناه، إلى عام يجرّ نفسه ويتمدّد من الماضي إلى المستقبل، إلى الحب، إلى الثقافة المبدّدة على مذابح التكنولوجيا، إلى الكلمات المرمية في انتظار قارئ منقذ، إلى برامج مؤجلة ولقاءات لم تتم، إلى مشاهد بقيت أحلاماً، إلى منامات غامضة، إلى أمي، إلى مَن هو منطقتي ومرآتي، إلى كتب لم أقرأها، إلى أصدقاء أضعتهم. كتبت عن هجوم المنامات ولم أكتب القائمة. وأجمل خبر قرأته عن قرارات العام الجديد، بطله شاب يسعى إلى الهروب من العام 2016 عبر خوض مغامرة تجديف في المحيط الهندي، برغم أن خبرته في التجديف ليست عميقة.
«ما من هروب أفضل» قالب الشاب الذي سينتقم من الوقت ويستمع خلال رحلته إلى تسجيلات للكتب التي لم تتسنّ له قراءتها. سيهمل الالتزامات المكبِّلة وأكاذيب تحديد النقاط على الحروف، ويهرب إلى نفسه منفرداً بالمحيط الهندي!
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024