تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

إعلامية سعودية تطلق حملة 'حياة بلا خادمة أجمل' على الفيسبوك

تشكّل الخادمة في البيت السعودي مظهراً اعتاد على وجوده المجتمع منذ زمن طويل، وبروتوكولاً اجتماعياً يفرض نفسه في الحياة الأسرية لتنظيمها، أو هي كما جعلتها بعض الأسر «أماً بديلة» لأبنائها، في ظل انشغال الأب والأم والتزامهما العمل وغيره من متطلبات الحياة.  إلا أن المجتمع السعودي بات يدفع ثمن الحاجة إلى تلك العمّالة الوافدة، وذلك بسبب الجرائم المتكررة التي ترتكبها الخادمات، وأكبر ضحاياها هم الأطفال بالدرجة الأولى. فمقتل طفلة «ينبع» تالا الشهري التي لم تتجاوز الأربع سنوات على يد خادمتها، وفصل رأسها عن جسدها باستخدام آلة حادة (ساطور) في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، أثناء وجود والدتها المعلمة في المدرسة، كان الشرارة الأولى التي أزاحت الستار عن حلقات متسلسلة لسيناريو جرائم العاملات المنزليات تجاه كفلائهن أو أبنائهم.


وفي قرابة العام والنصف، شهد المجتمع السعودي وقرأ وسمع، عن تلك الجرائم التي تنوعت أحداثها وفصولها، بين سرقة وضرب وقتل وانتحار، وأساليب متعددة كالضرب بآلات حادة، أو دس السم في زجاجة حليب الأطفال، أو استخدام مواد حارقة، الأمر الذي دفع الأمهات العاملات لإطلاق حملات تدعو لوجود حضانة في كل مدرسة، لتتمكن الأم العاملة من توفير مكان آمن لأطفالها أثناء ساعات عملها. كما طالب بعض الأهالي والجهات المختصة بضرورة الكشف على الحالة النفسية والعقلية للخادم قبل وصولها إلى منزل مخدومها.

وبعد المطالبات بوقف الاستقدام من اندونيسيا عقب مقتل الطفلة تالا، جاءت المطالبات بوقف الاستقدام من أثيوبيا خاصة بعد تكرار جرائم الاثيوبيات تجاه الأطفال في الفترة الأخيرة. ويذكر أن السعودية شهدت أخيراً أكثر من جريمة قتل لأطفال كان آخرها ما فُجع به المجتمع  في أول يوم من أيام شهر رمضان الكريم، حين قتلت فتاة في العاشرة من عمرها نحراً على يد خادمة  أثيوبية في الرياض، وقد ألقت الجهات المختصة القبض على القاتلة بعد ارتكابها الجريمة مباشرة شرق العاصمة الرياض. يشار إلى أن الضحية من الجنسية السورية، واستعانت أسرتها بخدمات الخادمة قبل أشهر قليلة من كفيلها السعودي. وأفاد والد الطفلة بأن القاتلة ادَّعت أن سبب ارتكابها للجريمة هو الاستجابة لنداء خفي أمرها بتقديم الطفلة كـقربان لمعتقدها الديني. وفي حادثة أخرى وقعت في 22 تموز/يوليو 2013، دفعت عاملة  أثيوبية طفلاً يبلغ من العمر أربع سنوات في قدر بداخله حليب مغلي مما تسبب بإصابته بحروق نُقل على إثرها إلى المستشفى، وأوقفت الخادمة. وما زالت الأمهات يرتجفن والمجتمع يترقب، فحوادث القتل تتكرر والمطالبات بوقف مسلسل جرائم قتل الخادمات للأطفال مستمرة. ورغم المشكلات الكثيرة التي تسببها العمالة المنزلية، وتعدد القصص التي تنشرها الصحف عن جرائمها، إضافة إلى ارتفاع أسعار توظيفها وطول إجراءات استقدامها وتخليص أوراقها النظامية، فإنها تبقى مطلباً رئيسياً وملحّاً للكثير من الأسر في السعودية. فهل يمكن أن تتخلى هذه الأسر عن الخادمات في المنازل؟

انطلقت على موقع «فيسبوك» وبعض وسائل الإعلام حملة بعنوان «حياة بلا خادمة أجمل» تهدف إلى توعية الأسر للاستغناء عن الخادمات، والقضاء على الابتزاز المادي من جانبهن. «لها» التقت صاحبة الحملة الإعلامية السعودية منال الشريف التي دعت من خلال الحملة إلى التصدي للاعتماد الكلي على الخادمات «اللواتي اقتحمن حياتنا وخصوصياتنا، وكأن مصيرنا مرتبط بتلك الخادمة، فإما أن نقبل رفع أجرها، أو تذهب لنشعر بأن حياتنا بعدها انتهت. وهذا للأسف ما خلفه تقليد بعض الصديقات، والواجهة الاجتماعية التي يعيش عليها مجتمعنا السعودي». واطّلعنا على آراء مؤيدة ومعارضة لتلك الحملة.


تركي سـلطان: حاجة المرأة إلى الخادمة في المنزل بروتوكول اجتماعي وراحة بال للرجل

قال رجل الأعمال تركي سلطان إن وجود خادمة في المنزل يوفر له راحة البال ويُبعده عن كثرة الطلبات، واحتياجات المنزل والأولاد المُرهقة، خاصة أن عمله يتطلب السفر، وتتكفل زوجته والخادمة برفقة السائق بتلبية احتياجات المنزل.  أضاف: «نحن شعب كسول لا نستطيع الاعتماد على أنفسنا وتوفير طلباتنا الخاصة بسهولة، وأعتقد أننا بحاجة إلى وقت طويل لإبعاد العمالة عن حياتنا. إن تحمس بعض الأشخاص لهذه الحملة موقت. فالمجتمع يملك نسبة كبيرة من الترف الاجتماعي غير المبرر. وأنا أعرف أشخاصاً جعلوا الخادمة شرطاً أساسياً للزواج، وذلك ناتج عن بروتوكولات اعتدنا عليها منذ زمن طويل، فلا يكاد يخلو منزل سعودي من خادمة، خاصة في شهر رمضان. ومن الجانب الآخر تُستغل الحاجة إليهن، لنبدأ بسماع أرقام خيالية لخادمة قد يصل راتبها إلى 5000 ريال في الشهر. قد يكون باب التوفير في الاستغناء عنها أمراً جيداً، لكننا نوفر المال لنشتري آلاماً في الرأس قد تنتهي بوصول خادمة من بلدها إلى المنزل».


الطبيبة سلوى الرفاعي: هناك من تساعدني في أعمال المنزل وليست مقيمة بشكل دائم

رأت الطبيبة سلوى الرفاعي أن نظام الساعات مناسب جداً للأسرة السعودية، وهو مستخدم في الدول العربية والغربية، حيث تأتي الخادمة بعدد ساعات معين لتقوم بالعمل في المنزل وترتيبه، «وفي مناسبة معينة لدى الأسرة قد نخبرها بضرورة بقائها يوماً واحداً، والمغادرة في الصباح الباكر». وهذا النظام لا يحرم العاملة من ممارسة حياتها، والبقاء إلى جانب عائلتها أو صديقاتها في السعودية. وقالت: «هذا بالفعل ما بدأت تطبيقه في منزلي، فاستغنيت عن خادمتي، وبدأت العمل وتوزيع المهمات المنزلية على أيام الأسبوع بالترتيب لأن عملي يحتاج إلى البقاء في المستشفى ساعات طويلة. إلا أنني تمكنت قليلاً من التأقلم مع نمط الحياة الجديد، مع أنني أعاني مع أبنائي خاصة أنهم في أعمار صغيرة، إلا أنني أجد الوقت لمنزلي وعائلتي وعملي».
وتضيف مبتسمة: «علينا أن نفكر جدياً في الناحية الصحية التي سنجنيها من القيام بالأعمال المنزلية التي تمكننا حرق مئات السعرات الحرارية يومياً، بحيث نحصل على قوام ممشوق ونتخلص من السمنة». 


هديل سليمان: لا استطيع الاستغناء عن خادمتي، ولنبقِ الخيارات مفتوحة

الموظفة في القطاع الخاص هديل سليمان رفضت رفضاً قاطعاً مبدأ الاستغناء عن الخادمة، خاصة للسيدات العاملات اللواتي لا يجدن الوقت الكافي للاهتمام بشؤونهن الأسرية والمهنية في آنٍ واحد. وقالت: «لماذا لا نضع الحلول أمام الأسر السعودية ونتيح لها الاختيار، فمن ترغب في إبقاء خادمتها فلتفعل، ومن ترغب في إبدالها بخادمة لنظام الساعات فلتفعل، ومن أرادت الاستغناء عن الخادمة والاعتماد على نفسها وأفراد أسرتها فلها ذلك، لأنه من الصعب الاستغناء عن الخادمة في أي منزل تكثر فيه طلبات أفراد الأسرة، إلا إذا كانت المرأة ربة منزل ولا تعمل. كما أني لا استطيع التوفيق بين عملي ومنزلي دون خادمة. لا أخفيك أني عانيت مع مكاتب الاستقدام والأجور الباهظة للخادمات، لكني أرضخ لذلك الاستغلال لحاجتي الشديدة إلى خادمة، خاصة في شهر رمضان حين تكثر العزائم والولائم، ولا أستطيع أن أتحمل هذا العبء وحدي».

أم عبد الرحمن: نحتاج إلى تصحيح لنمط الحياة

أيدت أم عبد الرحمن حملة «حياتنا بلا خادمة أفضل» قائلة: «الأمر يحتاج إلى وقفة صارمة جراء ما يحدث لأبنائنا وعائلاتنا بسبب الخادمات، فجرائمهن لا تُعد ولا تُحصى، وبتنا نقرأها أخباراً عادية في صُحفنا المحلية، وهذا ما يضعنا أمام كارثة حقيقية، يجب معها إبطال مقولة «الاستغناء عنهن قد يُجلب التعاسة»، بل على العكس بت أجد أن عدم وجودها في المنزل فتح باباً من التواصل الاجتماعي المُغيّب عن أركان منزل الأسرة السعودية، والمحافظة على أرواحنا وخصوصيات حياتنا».
ولفتت إلى معاناتها مع مكاتب العمالة والاستقدام، ومنزلها لم يخلُ من تجربة خادمات من مختلف الجنسيات، «ويختلف الأجر بحسب الجنسية، ووصل آخرها مع الخادمة الفيليبينية إلى 3800 ريال، الأمر الذي لم أتحمله وعائلتي، وقررت الاستغناء عن الخادمات. واليوم، لا يوجد لدي خادمة في المنزل، وأُدير شؤون منزلي وعائلتي بنفسي. وبشكلٍ عام نحتاج إلى إعادة تصحيح لنمط الحياة للأسرة السعودية، فأفراد الأسرة الواحدة منعزلون كلٌ على حدة».


منال الشريف: حملة «حياة بلا خادمة أجمل» هدفها رفع الوعي

أطلقت الإعلامية منال الشريف حملة بعنوان «حياة بلا خادمة أجمل» على «الفيسبوك» وفي وسائل الإعلام، بهدف رفع الوعي بالمسؤولية والتعاون بين أفراد الأسرة، وإعادة النظر في طريقة حياة الأسرة السعودية والتغلب على النمطية المعيشية التي أفرزت العديد من السلبيات، ووضع حد للابتزاز المادي الذي تمارسه المساعدات في البيوت فقد تجاوز راتب الطباخة 3500 ريال، أي ما يعادل راتب موظف حكومي.
ووضعت الشريف على صفحة الحملة بعض الإحصاءات التي نشرتها الصحف المحلية، والتي تؤكد ازدياد معدلات الجرائم في السعودية بسبب الخادمات اللواتي يشكلن خطراً على المجتمع.

واوضحت أن فكرة الحملة بدأت من منزلها، حين فوجئت بمطالبة الطباخة المنزلية براتب هو ضعفا ما تتقاضاه، فلم ترضخ الشريف لهذا الاستغلال واستغنت عنها، «وبدأت الاستغناء عنهن الواحدة تلو الأخرى، ولم يتبقَ لدي في المنزل سوى واحدة سيتم الاستغناء عنها قريباً. وباشرت توزيع المهمات بين أفراد أسرتي المكونة من 10 أفراد، فمنهم من استجاب سريعاً لهذه الفكرة، وتحمس لها، ومنهم من لا يزال يعيد النظر في حياته والاهتمام بشؤونه الخاصة، مثل ابني الكبير الذي مازال يتباطأ قليلاً في تلبية احتياجاته بنفسه، كأن يذهب لشرب الماء وحده، أو ريما يُساعد في بعض الأعمال المنزلية. لكني على يقين بأنهم سيتخطون هذا الأمر عندما يجدون أن هذا الأمر أوجد روح الأُلفة بيننا، وبدأنا نتعاون على الاهتمام بالمنزل، محافظين على حياتنا وخصوصياتها بعيداً عن أعين الغرباء».

بدأت الفكرة تراود الشريف منذ ما يقارب العشر سنوات: «استحوذ الخدم على قدر كبير من حياتنا، والتدخل في خصوصياتنا ومعرفة أدق تفاصيل الأسرة في المنزل، ناهيك بتربية الأبناء وتعلق هؤلاء بهن. وطبعاً هناك مسلسل الجرائم المستمر الذي بات يحوم حول أطفالنا بشكل كبير، فلم يعد يغيب يوم حتى يأتي آخر بجريمة مفزعة، وتفاصيل مقززة، الأمر الذي يدعونا للتساؤل إلى متى سيبقى مصيرنا في أيدي هؤلاء الأشخاص... هنا يأتي دور الجميع في التصدي لهذه الظاهرة التي أرهقت الأسرة السعودية مادياً وأفرزت مشكلات اجتماعية واقتصادية، أثقلت عبء الدولة بأكملها، جراء استقدام الكم الهائل من العاملات المنزليات من مختلف الجنسيات».

وطالبت مكاتب وشركات الاستقدام بتوفير عمالة بنظام «العمل بالساعات»، فالسيدة لا يمكنها أن تقوم بكل شيء، وهذا حل وسط وموجود في كل العالم. وقد لاقت حملة الشريف تأييداً من الرجال بداعي التوفير المادي وامتعاضاً من النساء، خاصة العاملات منهن.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079