المعاني على السطوح
أحلم بأن أتخلّى عن كل ما عملت لأجله، عن حياتي التي أعرفها لأجل فكرة عن نفسي تتحدّى الفراغ الفكري المفروض عليّ. لا قرارات للعام الجديد. فليأتِ. وليرحل عام بلا لون أو طعم أو معنى. يرتفع الرقم وينخفض احترامنا لإنسانيتنا. يتقدّم بنا الزمن ونتدحرج إلى عصور الظلام. نتخبّط في عتمة حروبنا، في عمق جهلنا الذي يولّد كراهية قاتلة. نسعى إلى العيش في دول ركّبتنا، تاريخياً، وقسمتنا ومزجتنا. وما زال بعضها يتحكّم فينا. بعضهم هناك ضاق ذرعاً بادعاء الحساسية. هؤلاء يكشفون أن ثمة مبالغة في توقّع الرقّة في التعامل بين أعضاء المجتمع المنظّم الواحد، كالمدرسة أو مكان العمل أو التسوّق، في تشريح المواقف وتحليل ردود الأفعال والتعليق على العواطف. يشكون أيضاً من تبجيل الضحية، من اعتبار أي هفوة أو سوء تفاهم فخاً يولّد الوقوع فيه وجعاً نفسياً يتطلّب معاملة خاصة أو علاجاً، كأن يوشك زميلان على «التلاسن» لسبب ما. هذه مواقف محرجة لكنها تحصل ولا يتطلّب اختبارها الخضوع لعلاج نفسي. كل ما نقصده هو الإشارة إلى الفارق في نوعية الحياة بين الهنا والهناك، وفي توقع هدايا أيام السنة الجديدة هنا وهناك. إنه عصر المبالغات، عصر التطرّف. عصر الثورة التكنولوجية والانحطاط الفكري. نصفّق للتطوّر المستمر الذي سيحسّن نوعية حيواتنا، لكن لا بد من الاعتراف بأن طريقة تثقيفنا أنفسنا تغيّرت، حتى المقالات المكتوبة تحوّلت إلى فيديوات مصوّرة يهدف محتواها إلى جذب جمهور السهولة الفكرية. تقلّصت فرص التحليل وأسباب العمق، وضاق مجال طرح الأسئلة الكبرى ووجهات النظر الفلسفية. لا ننتظر مفاجآت سعيدة في بلداننا خلال الأيام المقبلة، لكننا نحلم بها ونبتكر أسباباً للاحتفال بالعام الجديد.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024