تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

متاهات

متاهات
بين الأصدقاء والمعارف ثمة مَن قرر أن يتبنى الجهل بما يحدث في البلد والمنطقة من تطوّرات سياسية وأحداث أمنية مشؤومة. هؤلاء يعانقون جهلهم بفرح، يربّونه ويستمدّون منه طاقة الاستمرار في العيش. وليست تربية الجهل بالأحداث سهلة في زمن الجرعات الزائدة من العناوين التي تطارد القرّاء «بالفعل» والقرّاء «بالقوة». وللتعامل مع هذا الإصرار على تغذية معرفتنا ثمة مَن باتوا يتفنّنون في أساليب الهروب، ويبرعون في الكذب على أنفسهم إذا تسرّب إليهم خبر مؤسف. قد يفسّر البعض هذا الهروب بأنه أنانية أو تخلّ عن مسؤولية إنسانية لأن المعرفة والاختيار بين المعسكرات والمواقف واجبان على أصحاب الضمائر الحيّة. لقد أدى قبح الواقع إلى تجاوز سؤال الالتزام هذا. التفكير في قسوة الخيبات التي تصفع المطّلع على أوضاع هذا البلد العربي أو ذاك، يجعل الهروب بهدف ادعاء اللامبالاة سلاحاً لحماية التوازن النفسي والعقلي. أما الهروب من المشاهد اليومية في البلد والتي تؤكد رغبة المجتمع في الاستفادة من النظام المتخلّف، فضرورة لا يمكن التخلّي عنها. وأحياناً حين تصفو سماء بيروت ويبدو البحر رفيقاً لطيفاً وممثلاً أساسياً في لوحة طبيعية زرقاء باهرة، نهمس بكل ما ادعينا الهروب منه. في مرحلة سابقة، وبعد التعب من الوقاحة والاستهزاء بالعقلانية وباحترام المواطنين، كانت تلوح فكرة الهجرة كالبطل المنقذ القادم من بعيد. كانت أفقاً مفتوحاً، «فشّة خلق»، فكرة مريحة، «تمثيلية». أما الآن، وبعد الغضب الذي أصاب العالم ما عادت اللعبة مريحة. حتى الألعاب التي نصبّر بها أنفسنا اضطررنا إلى تغيير قواعدها واختراع ما يمكن تسميته الكذب على الكذب على النفس. منذ ولدنا نعيش على إيقاع الحروب وعلى وقع صدمات أهلنا بسبب نكبات ونكسات ومصائب. «ما أجمل الجهل»، تقول مَن سمّيتها «رئيسة حزب الجهلة». مَن لا يريد أن يغمض عينيه أمام كل هذا السواد؟ فالسواد تحت العينين المغمضتين أقل قتامة ويحرّك الخيال والذاكرة. إغماض العينين لا يعني إغماض الإحساس والضمير. ليت الهروب ممكن فعلاً.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077