ملح الحياة
يجهّزون لمعرض فني في قاعة المعارض. ما زالت الجدران بيضاء عارية. أتخيّلها تصرخ من البرد في انتظار دفء الألوان وحرارة الرسائل. كل هذه المساحات البيضاء مخيفة، كورقة بيضاء على طاولة كاتبة تبحث عن الكلمات. ستدفئ الجدران أعمالٌ فنية مستوحاة من ماضٍ ما، من لقاءات حيوات في مراحل زمنية مختلفة. لن تقدّم الأعمال الفنية المستقبل، ربما تعرض رؤية تنبؤية، فكرة ضمن أفكار هي تراكمات مواقف وخبرات وحيوات. إذا قدّمت اللوحات إشارات إلى الغد، فتكون هذه الإشارات قد رُسمت بخطوط الماضي. أقرأ عن إحدى أيقونات الشهرة في القرن العشرين. عُرف عنها قتلها الماضي وتعبيرها باستمرار عن تعلّقها بالآن، باللحظة الحاضرة وتلك التي تليها. ولعلّها أدركت أنّ في تبنّيها هذا الموقف ضعفاً أو ابتعاداً عن المنطق وعن حقيقة التجربة الإنسانية. اليوم هو تراكم الأيام السابقة. واليوم يحتم علينا النظر إلى البارحة وفهمه وتقويمه. لا يمكن طمس ما جرى أو تجاهله وإن كانت ظروفه خارجة عن نطاق ما أردناه وسعينا إليه. في هذا الوقت من السنة نستحضر مشاهد الأيام الماضية، ونتحضّر لوداع ما اتُفق على أنها مرحلة زمنية محدّدة، قطعة من أعمارنا. الماضي جوهري، برغم أنه لن يوقف آلة الزمن الحيّة دائماً والتي لن تعطّلها حياة أو موت. لا يمكن ألا نلقي نظرة على أحداث عام مرّ، نستحضر عبرها مشاهد ومحطات ونقاط تحوّل وأزمات وانفراجات وقصصاً هي ملح الحياة ونكهتها. طبيعي أن نهاب الآتي، ويحقّ لنا الخوف من المساحات البيضاء ونحن نجهزها لتمتلئ بمحاكمات شخصية أو فنية أو أدبية، أو بكلمات لن يقرأها أحد، لكننا نخرجها منا.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024