تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

أوبرا في البلكونة وتمثيلية في حديقة الحيوان وعروض إيمائية في المترو: فنانون في الشارع!

قرروا النزول بمواهبهم وفنهم إلى الشارع، قدموا تمثيلية في حديقة الحيوان، وأوبرا في البلكونة، وعرض فانتومايم في المترو، وأغاني وموسيقى في الميادين. شباب اختاروا الشارع ليحوّلوه إلى مسرح ودار عرض يقدمون فيه فناً من نوع مختلف. من هم؟ وما الذي دفعهم إلى ذلك؟ وكيف وجدوا ردود أفعال الناس. 

 


ريم خضر: هدفنا إتاحة الفن للجميع باختلاف أعمارهم وإمكاناتهم المادية

إتاحة الفن للجميع باختلاف أعمارهم وإمكاناتهم المادية، هدف مبادرة «محطات للفن المعاصر»، الذي تؤكده ريم خضر، منسقة البرامج، لافتة إلى أن المبادرة تقدّم عروضاً فنية يطلقون عليها «فن ترانزيت» كل ثلاثة أشهر في شوارع أربع محافظات، هي: القاهرة ودمياط وبورسعيد والمنصورة.
وتتابع: «تُنفذ كل جولة فنية بالتعاون مع فرقة شبابية مختلفة، وآخر جولة كانت بالتعاون مع فرقة «أوطة حمرا»، وهم مجموعة من الشباب يقدمون اسكتشات كوميدية، ترافقهم آلات بسيطة مثل الـ«درامز»، والعرض أدائي موسيقي بسيط، الجمهور الأساسي المستهدف منه هو الأطفال، لكننا وجدنا الكبار أيضاً ينجذبون إليه.

تؤكد ريم خضر أن العرض الأكثر شعبية الذي أحدث ضجيجاً ولقي صدى واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي هو «أوبرا البلكونة»، الذي أقيم في إحدى البلكونات بالتعاون مع فرقة «تياترو للمسرح المستقل»، التي أسسها المخرج عمر المعتز بالله، حيث شارك في العرض اثنان من المغنين، هما لبنى عبدالعزيز، التي غنّت سوبرانو، بينما غنى الأغاني التراثية والشعبية أحمد صبري. أمّا العازفون فاثنان فقط، هما راجي عنايت وطارق عناني، بالإضافة إلى مسؤولة الديكور والإكسسوار سارة خليل، ومهندس الصوت ماجد حنا.
تضيف ريم أن عرض الأوبرا في الشارع كان مختلفاً للغاية، وكان المارة يتوقفون ليشاهدوه. وعن هدف هذه المبادرة الشبابية تقول: «العرض محاولة للارتقاء بأذواق الطبقة البسيطة بعيداً عن الأغاني التي أفسدت الذوق العام».

الارتقاء بالذوق العام الموسيقي والتذكير بجمال التراث، كررتهما مبادرة «محطات للفن المعاصر» أيضاً، مع فرقة «المزيكاتية»، وهم ثلاثة أشخاص يعزفون على آلات وترية مختلفة، وفي كل محافظة يزورونها يعزفون مع الموسيقيين المحليين، ففي بورسعيد مثلاً عزفوا مع عازفي «السمسمية».

تقول ريم إن أول عروض الشارع كان العام الماضي، مع فرقة «أوسكارزما» الموسيقية، حيث كان الناس يشاهدون ويستمعون بفرح وسعادة، خصوصاً أن العرض كان مناسباً لجميع الأعمار.

وتلفت ريم إلى أن «صندوق الدنيا» كان من العروض التي لا تنسى، وهو فكرة المخرجة عايدة الكاشف، في محاكاة لصندوق الدنيا التراثي، الذي كان يقدمه حكَّاء غنائي، ويقص فيه الملاحم البطولية، لكن عرضنا الحديث جاء بشكل معاصر، يقصّ حكايات سائقين وقصصاً في المواصلات العامة، وجميعها قصص بطولية فيها عنصر خيالي. في نهاية حديثها، تؤكد ريم أن مبادرة «محطات للفن المعاصر»، تبحث دائماً عن فرق شبابية جديدة تتعاون معها من أجل تقديم الفن إلى مختلف الجماهير بثقافاتهم المتعددة، ولا سيما البسطاء منهم.

 

عمر المعتز بالله: لا نبحث عن الربح ورسالتنا إسعاد الآخر 

أما المخرج عمر المعتز بالله، مؤسس فريق «تياترو للمسرح المستقل»، فيؤكد أن فرقته انطلقت إثر ثورة 25 يناير 2011، يقول: «بدأنا بمسرحية «مزيكا مستقلة» حيث أردت تقريب الجمهور إلى المسرح، فعملت على إيجاد عنصر جذب جديد يكون الأول من نوعه في الساحة، فقدمت مسرحية غنائية في الشوارع والمتاحف، علماً أن هذا النوع من الفن غير متاح إلا في الأوبرا المصرية وبأسعار تذاكر باهظة. قدّمنا مسرحية «باك استيدج ميوزيكال»، التي تدور أحداثها في العشرينيات من القرن الماضي، حول أربع فتيات لم تتجاوز أعمارهن العشرينيات، يقبعن في غرفة الملابس ويستعددن للخروج على المسرح، وهن كورال، وطوال مدة العرض وهي ساعة، تتحدث الفتيات عن أحلامهن وطموحاتهن في النجومية، لينتهي العرض بخروجهن السريع من الكورال».

ويتابع: «العرض ساعة من الأحلام، دمه خفيف ودمجنا فيه أغاني أوبرا».

يضيف عمر: «قدمنا العرض في «ساقية الصاوي» الثقافية، ولقي إقبالاً كبيراً جداً، فتوجهنا إلى مسارح الجامعة الأميركية، ثم تواصلنا مع الأوبرا لنقدم العرض في عقر دارهم، وطلبنا أن يكون سعر تذكرتنا رمزياً، فهدفنا غير ربحي... فقط نريد أن نقدم فننا الراقي. وبالفعل نفدت تذاكرنا قبل العرض بأسبوع، بعدها قررنا استثمار نجاحنا فقدمنا العرض في الشارع».

وعن تجربة أوبرا الشارع، يؤكد المخرج عمر المعتز بالله أن الفكرة بدأت في عرض في متحف الفنان محمود مختار، قدمته فتاتا سوبرانو، وكان الهدف حينها دمج جمهور المتحف في الموسيقى وجذب جمهور الموسيقى والغناء إلى المتحف، وبذلك يحدث دمج ثقافي بين نوعين من الجمهور.

ويتابع: «بالفعل قدمنا عرضنا الأوبرالي في المتحف مجاناً، وكان الإقبال خرافياً، ثم قدمنا العرض نفسه في منطقة شبرا الخيمة الشعبية، وكان في الشارع وسط الحارة والناس البسطاء حول البيانو. في البداية انتابهم الخوف لأن فكرة الأوبرا متشابكة مع مفاهيم كاريكاتيرية مغلوطة، لذا قررت تصحيح الفكرة أمام الناس، لكن الحفلة فشلت! وكانت هذه «الضارة النافعة» إذ أقمنا الحفلة في الشارع، وحضرته «هبة» من فريق مبادرة «محطات للفن المعاصر»، التي تحمست جداً للفكرة وتعاونّا معاً لتقديمها في أربع محافظات بعد تطويرها، لتكون أوبرا البلكونة بدلاً من أوبرا الشارع».

ويشير المخرج عمر المعتز بالله، إلى أن التحديات التي واجهته في الإعداد لعرض أوبرا البلكونة لم تكن متمثلة في الاختلاط بالجمهور كما حدث في أوبرا الشارع، وإنما في اختيار بلكونة مميزة في كل محافظة ذات طابع معماري قديم ومميز، خاصة أن أسرة عادية تستضيف أفراد العمل في بيتها، فهناك من رحّب ووافق، وهناك من أغلق الباب في وجوههم، لكن العرض في النهاية وجد قبولاً اجتماعياً وجماهيرياً غير مسبوق، ويقول عمر: «الإصرار على تقديم الفن والرسالة إلى البسطاء، كان هو سر النجاح».

ويضيف: «الفكرة من عرض أوبرا البلكونة أنني قررت الارتقاء بالذوق العام بمجهود ذاتي بحت، هدفه إسعاد الآخر، وتمرير فن راقٍ وسط فنون غير راقية، فجاءت ردود فعل الناس متفهمة ذلك تماماً، ففي محافظة دمياط سمعت شاباً يقول لصاحبه: «انظر! الأوبرا هنا في البلكونة، في القاهرة لا يمكنك دخولها بأقل من 100 جنيه»، فضلاً عن أن الجمهور كان مستمتعاً جداً والمارة يسألون: هل المشاهدة مجانية أم بمقابل مادي؟ لدرجة أن سيدة مسنّة في محافظة بورسعيد كانت تنظر إلينا على استحياء، وعندما طلبت منها حضور العرض موضحاً أنه مجاني، أصرت على أن تذهب إلى منزلها لتبدل ملابسها أولاً».

ويختتم عمر حديثه قائلاً: «رسالتنا الأولى والأخيرة إسعاد الآخر ومشاركته، فالفن ليس حكراً على الصفوة».

 

سماح حمدي: أربعة أطفال تأثروا بما فعلته في حديقة الحيوانات

قفص في حديقة الحيوانات يجلس فيه (رجل وامرأة)، ويقف على باب القفص حارس الحديقة ومعه عصا كبيرة، يقدم إليهما قطعاً من اللحم المدمم. هذا نوع مختلف من الفن يطلق عليه «فن الأداء»، قدمته الفنانة سماح حمدي إلى شريحة مختلفة من الجمهور في حديقة الحيوانات المصرية.

قدمت سماح عرضها إلى جمهور حديقة الحيوانات مجاناً من دون أي رسوم، وكان العرض موسيقياً يتخلله رقص معاصر والقليل من الكلمات. رسالة العرض أن الإنسان سينقرض يوماً مع إصرار البشر على الحروب وقتل بعضهم بعضاً والتخلي عن إنسانيتهم.

تقول سماح: «اخترت أن يكون مكان العرض في حديقة الحيوانات، لأنني تخيلت أننا كبشر ربما نوضع في مثل هذه الأقفاص حين نقترب من الانقراض وتتفرّج عاينا كائنات أخرى، فضلاً عن أن فكرة حديقة الحيوان بالنسبة إليّ تتعارض تماماً مع الإنسانية، التي تُلزم الشخص بالحفاظ على البيئة والكائنات الحية، لكن الإنسان يهدم البيئة، إذ بفكرة رأسمالية أنانية، يضع الحيوانات في أقفاص ليجني الأموال بدعوى الحفاظ على تلك الكائنات من الانقراض وتوفير بيئة أفضل للتزاوج واستمرار الحياة».

وتتابع: «فضلاً عن رسالتي والتحذير من انقراض النوع البشري، كنت أود أن أوجه رسالة الى جمهور الحديقة: تخيل لو الوضع معكوس، فهل تحتمل إزعاج الآخرين لك؟ لكن الحقيقة أن بعض الناس لم يفهموا الرسالة وتعاملوا معنا وقت العرض كحيوانات».

وتعلّق سماح على ردود أفعال الجمهور فتقول: «استهدفت جمهور حديقة الحيوانات للأسباب السابقة، فضلاً عن كونه جمهوراً متعدد الثقافات، منهم الأجانب ومنهم البسطاء ومنهم المثقفون». وتوضح: «بالفعل عاملنا البعض وكأننا حيوانات، فهناك من رآنا كمجانين، ومنهم من اهتم بالعرض وكانوا يسألوننا بعض الأسئلة، وهؤلاء تواصلنا معهم أثناء العرض وأجبنا عن أسئلتهم».

وتتابع: «ما أسعدني أن حوالى أربعة أطفال انتظروا حتى نهاية العرض وأصروا على التقاط الصور معنا، وطلبوا من زميلي حازم أن يقدم إليهم مشاهد الرقص المعاصر مرة أخرى، كما طلبوا أن يحصلوا على هدايا تذكارية من العرض، فقدمنا لهم بعض اللوحات التي رسمناها. أرى أنني حققت رسالتي من العرض وجنيت ثماره بأولئك الأطفال الأربعة، فإذا احترف أحدهم أو انجذب إلى الرقص المعاصر،  أصبح فناناً تشكيلياً بسبب اللوحات التي حصلوا عليها، يكون العرض قد أثر فيهم وأدى رسالته. كما أتمنى أن يظل التأثير حتى ينضجوا ويتحولوا إلى الفن بالهواية أو الاحتراف».

 

محمد شيتوس: البعض لا يفهم ماذا أفعل

محمد سعيد الشهير بـ «شيتوس»، 22 سنة، طالب في كلية الآداب - قسم فلسفة، يعتبر أن الفنون جنون ويمارس جنونه بالعروض الإيمائية في الشارع.

يقول شيتوس: «بدأت رحلتي مع فن الإيماء منذ خمس سنوات على مسرح الهواة لفريق الجامعة، في الصف الأول أعجبت به وكنت أحضر العروض. وفي الصف الثاني انضممت إلى فريق مسرح الجامعة وقدمت أول عرض، وحصلت على جائزة أفضل ممثل في جامعة حلوان، وبعدها صرت أتوجه إلى شارع الجامعة وأقدم عروضاً لزملائي، لكنني بعد فترة وجدت أن هدفي الأخير ليس زملائي، بل يجب أن أتوجه إلى آخرين لا يستطيعون الحصول على هذا النوع من الفن، فكان أمامي خياران، أولهما أن أقيم دعاية كبيرة لنفسي، ونظراً الى إمكاناتي المادية المتواضعة تغاضيت عنه واخترت الطريق الأصعب، وهو أن أتوجه بنفسي إلى الجمهور في الأماكن العامة، فهناك الكثيرون لا يملكون ثمن تذكرة المسرح ولو كان بسيطاً».

يتذكر شيتوس أول عرض له في مكان عام فيقول: «أول مرة نزلت الشارع كانت في حي الدقي، مع مبادرة شبابية يوزعون فيها «سمايل فيس» وخطابات مكتوباً فيها «اضحك»، بهدف نشر السعادة بين الناس، فتواصلت معهم من أجل مشاركتي في إسعاد الآخرين من طريق فن «الفانتومايم»، وجاءت ردود الفعل أن البعض لا يفهم ماذا أقدم، والبعض ينظر إليّ بانبهار، وطبعاً الأمر لم يخلُ من كوميديا الشعب المصري». قدم شيتوس أيضاً فن الفانتومايم في مترو الأنفاق، وفي الشارع بمفرده وبالتعاون مع مبادرات أخرى، فضلاً عن عروض «يوم اليتيم» في بعض المؤسسات في المحافظات، بالإضافة إلى عروض مختلفة في مستشفى علاج سرطان الأطفال.  وفي الختام يصرح: «طموحي أن أساهم في ازدهار هذا الفن ليدخل من جديد في مجال السينما، فضلاً عن مشاركتي في المهرجانات العالمية لفن الفانتومايم. وبالفعل بدأت أحقق خطوات على أرض الواقع وأقدّم ورش تعليم للمبتدئين».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080