تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

إلى روما

إلى روما

روما مجدداً. عادت إليّ الكلمات. أتعثّر بها، أعانقها، أحتفل بها وأرجوها ألا تتخلّى عني. يطاردني عنوان فيلم المخرج الأميركي وودي ألن “إلى روما مع الحب”، تحيّته إلى المدينة الساحرة. لا أتذكر أحداث الفيلم بالتفصيل. أحرص على متابعة أفلام وودي ألن، لكن ذاكرتي تتخلّى عن تفاصيلها، كأنّ تأثيرها ليس دوماً قوياً بالقدر الذي يسمح لها بالرسوخ في ذاكرتي. بقيت لي مشاهد قليلة جميلة والعنوان، “إلى روما مع الحب”، أردّد الجملة منذ وصلت. ولماذا الناس في منتهى اللطف هنا برغم معاناتهم الاقتصادية والفساد المتغلغل في الطبقة السياسية؟ لعلّ السبب هو جمال المدينة الذي لا يخفت، بل يقاوم بؤس الواقع. أتفرّج على المدينة التي أعرفها جيداً كأنني أتفرّج على حياتي من مكان ليس مكاني. أختبر شعور المنفيين الذين يعيشون واقعاً بديلاً، يحيون الحياة الجديدة من دون أن يخرجوا من الحياة القديمة، يتفرجون على أنفسهم من زاوية ما... ينهمر المطر وتمطر أنغام أغنية فاجأتني. منذ متى تحمل لي الأغاني معاني؟ لم أكن مراهقة يوماً، فهل أعيش الآن مراهقتي؟ تمطر في قلبي كلّما استمعت إليها. “منذ مليون سنة” (للبريطانية أديل أدكينز) أغنية بسيطة تلتقط تماماً ما نشعر به في محاولاتنا لفهم ما جرى خلال أعوام مرّت وتمرّ سريعاً، لندرك أننا تغيّرنا وما عدنا مَن كنّا في الماضي. تحرّك الكلمات مع اللحن الشوق إلى الشخص الذي كنته في مرحلة معينة، حين كنت تماماً مَن أردت أن أكون. ولم أستطع أن أحتفظ بتلك الحياة أو بتلك النسخة من نفسي. أليس هذا ما يحدث لكل منا؟ ألا يوجع الشوق إلى فكرة عن أنفسنا دفعتنا ظروف الحياة إلى التخلّي عنها؟ هل نشبه الصورة التي أردناها لأنفسنا؟ أعادتني روما إلى أسئلة ما قبل النضج، ولكن هل نضجت فعلاً؟ لعلّ التخلّي عن أسئلة من هذا النوع مهما كانت بسيطة أو “طفولية” استسلام يقترب من اليأس. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077