تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

في سجن الأحداث: قصة الصفعة التي حوّلت فتى إلى قاتل

في سجن الأحداث: قصة الصفعة التي حوّلت فتى إلى قاتل

داخل سجن الأحداث كان المشهد مثيراً، فتى في الرابعة عشرة من عمره، كان منكباً على كتبه الدراسية يذاكر دروسه باهتمام لفت أنظار الجميع. وتطور المشهد بشكل زاد اهتمام المودعين في السجن، فقد توقف الفتى عن المذاكرة ورفع رأسه إلى أعلى وكأنه يسترجع الذكريات المؤلمة، وانهمرت دموعه بغزارة وأجهش ببكاء مرير أثار تعاطف زوار السجن والضباط، فالفتى كان يعلم أنه محكوم على مستقبله بالموت، بعد حبسه منذ أيام بتهمة القتل العمد. حكايه ضياء ابن الرابعة عشرة من عمره كانت شديدة الإثارة، ترويها هذه السطور.


لم يكن قاتلاً أو عدوانياً بطبعه، بل كان فتى هادئاً، يحب المذاكرة، يعشق أسرته، باراً بوالديه، كان يقرأ كثيراً عن الجرائم التي ترصدها صفحات الحوادث في الجرائد، وأحيانا كان يتعجب من تفاصيل تلك الحوادث، ويظن أن هناك مبالغات في وقائعها، دون أن يتخيل أنه سيصبح يوماً بطلاً لأحدها ومثار حديث أقرانه وجيرانه، بعد أن تورط في جريمة قتل بشعة، هذا بالفعل ما حدث حينما اقتحمت الشرطة منزل ضياء في الساعات الأولى من الصباح وسط ذهول والديه اللذين لم يتخيلا أن ابنهما الصغير الطالب المجتهد تحول إلى قاتل. صرخت الأم وهي تتشبث بابنها وترفض أن يلقي رجال المباحث القبض عليه، وقالت: «ماذا فعل ابني؟، أرجوكم اتركوه، بعد أيام سيذهب إلى مدرسته، سيضيع مستقبله بهذه الطريقة!».

نظر إليها ضابط المباحث وقال لها: «ألا تعرفين ماذا فعل ابنك؟». وبسرعة ردت الأم: «لا، لكني أعرف أن ابني متديّن، مهذّب، ولا يمكن أن يفعل أي شيء مخالف للقانون».
وكانت الأم بالفعل لا تعرف ما فعله ابنها منذ أيام، وأدرك الضابط أنها صادقة في كل كلمة قالتها، وعاد ليقول لها: «ابنك ارتكب جريمة بشعة، وستعرفين كل تفاصيل جريمته في الموعد المناسب».
أسقط في يد الأم التي أدركت أن ابنها في خطر، وتشبثت به كأنها تحاول أن تنقذه، لكن بلا جدوى. ربت الضابط على كتف الأم، وطلب منها أن تكلف محامياً الدفاع عن ابنها المتهم في قضية قتل. 


الصدمة

عاشت الأم أسوأ لحظات عمرها وهي لا تصدق ما حدث، كانت تظن أنها تعيش كابوساً مروِّعاً. ابنها كان يستعد لسنة دراسية جديدة وتحدوه أحلام وطموحات، لكن الحلم انتهى فجأة بسبب لحظة غلبه فيها الشيطان.
أمام رئيس نيابة الأحداث وقف ضياء صامتاً، يحاول أن يبدو متماسكاً، لكن دموعه خانته وانهمرت بغزارة وهو يقول: «لم أقصد ما فعلت، كنت أحب ابنة خالتي نورهان، وأخشى أن يصيبها سوء، وخوفي عليها دفعني لأن أقتلها».
يكمل: «صدقني يا سيادة رئيس النيابة، أنا لا أقوى على قتل حشرة صغيرة، فأنا مرهف الحس، أحب الشعر والقراءة ولا أحب العنف، حتى الألعاب العنيفة مثل الكاراتيه والكونغ فو كنت أكرهها ولا أحب حتى متابعتها. صدقني أنا لا أعرف كيف أمسكت بالسكين، وكيف قتلت نورهان الرقيقة التي كنت أعتبرها شقيقتي الصغرى».


قبل الحادث

الأيام التي سبقت الحادث كانت تعكس الأحداث المثيرة التي شهدها أحد الأحياء الشعبية في القاهرة، العلاقة كانت تبدو متوترة في منزل العائلة، الذي يقع في أربعة طوابق، فالطابق الأول تسكنه أسرة ضياء، والده الموظف البسيط الذي يعمل في إحدى المصالح الحكومية، وأمه ربة المنزل التي تفرغت لتربية أبنائها الصغار ورعايتهم أثناء دراستهم الابتدائية. ابنها الأصغر ضياء كان محل اهتمامها، وكانت تراهن على أن ابنها النابه سيصبح الأول على مدرسته في المرحلة الإعدادية، وتمنت أن يصبح ابنها دبلوماسياً بعد أن يحقق حلمه بالالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

وكان ضياء يؤكد لأمه دائماً أنه سيكون عند حسن ظنها، وكان يمضي معظم ساعات اليوم في القراءة ولا يميل إلى اللعب مثل أقرانه، وكثيراً ما كان والده يتمنى أن يعيش حياته مثل أقرانه، لكن ضياء كان يبتسم ويؤكد لوالده أنه يميل إلى استثمار وقته ولا يميل إلى إهداره مثل بقية الأولاد. كان الأب يشعر بأن تفكير ابنه يسبق عمره بمراحل، ويتمتع بذكاء حاد يساعده حتى على تحليل الأحداث السياسية التي تعيشها البلاد، بل كان يشارك في الكثير من النقاشات السياسية التي كانت تجمع أعضاء العائلة لمناقشة الوضع الراهن في مصر.

ولم تنس الأسرة أن تزرع في ابنها النخوه وضرورة الاهتمام بشأن أبناء العائلة، وكثيراً ما كانت الأم تبث في ابنها ضرورة أن يهتم بشأن ابنة خالته نورهان التي لا تتجاوز أيضاً 14 سنة، وكان الفتى الصغير يستوعب سريعاً ما تقوله أمه التي كانت تحرّك بداخله قيماً يحبها كثيراً، فهو يرفض السلبية، لكنه في الوقت نفسه لم يستطع أن يسيطر على نفسه في لحظة أراد فيها أن يبدو مثل الأخ الأكبر، الذي يراقب ابنة خالته دون أن يدري أن هذا الحدث سيكون فارقاً في حياته.


مشاكل

بدأت المشكلات تتزايد بين ضياء وابنة خالته نورهان التي تكبره ببضعة أشهر، وكانت تشعر بأن تدخل ابن خالتها في حياتها أمر غير مقبول، فهي ترى نفسها كبيرة ولا تحتاج إلى وصاية من أحد، رغم أن والدتها كانت تثمن ما يفعله ابن شقيقتها الذي كان يسأل ابنة خالته دائماً عن أسماء صديقاتها مواعيد عودتها من دروسها، لكن نورهان كانت تغضب بشدة وتحتد على ابن خالتها وتطلب منه عدم التدخل في شؤونها، وهو الأمر الذي كان يرفضه ضياء الذي كان يخبرها أنه لن يتخلى مطلقاً عن هذا الدور.
وبدأ ضياء يذهب مع نورهان لإيصالها إلى دروسها، وذلك بفرمان من والدتها. وتذمرت الفتاة كثيراً من هذا الأمر الذي كان محل دعابة صديقاتها، لكن نورهان كانت تستشيط غضباً، وكثيراً ما نشبت مشاجرات بينهما بسبب تدخله في حياتها، لكن ضياء كان يحاول أن يحتفظ بهدوئه ويمتص غضبها ويحاول أن يفهمها أنه يبحث عن مصلحتها ويحاول حمايتها، لأنه ابن خالتها ومسؤول عنها.

خلال الأيام الأخيرة التي سبقت الحادث تفاقمت المشكلات بين نورهان وضياء، بسبب إصراره على إبعاد ابنة خالته عن صديقتها منى، حيث اعترض ضياء على هذه الصداقة، مؤكداً أن سمعة منى ليست على ما يرام، واعترضت نورهان بشدة على تدخلات ضياء وعنفته عدة مرات أمام أمها، التي انحازت إلى موقف ضياء، مما زاد من حنق نورهان، التي تحدت الجميع وقررت أن تستمر في صداقتها لمنى، لكن ضياء حذرها بشدة، وقال لها إنه لو اكتشف أنها ما زالت على علاقة بمنى سيحدث ما لايحمد عقباه. وفي يوم الحادث تأخرت نورهان كثيراً في العودة إلى منزلها، وقرر ضياء أن يتجه إلى منزل منى حتى يتأكد من شكوكه حول ابنة خالته.

وبالفعل لمح الفتى ابنة خالته وهي تغادر منزل صديقتها، وتابعها أثناء عودتها إلى منزلها وصعد إلى شقتها، طرق الباب وفتحت نورهان ولم يكن أحد في المنزل سواها، وبكل حسم أكد لها أنه لن يسمح لها بتكرار ما حدث. لكن نورهان فاجأته وصفعته على وجهه وطلبت منه ألا يتدخل في حياتها... تحسس أثر الصفعة ومن جنونه أسرع إلى الداخل واستل سكيناً وطعن ابنة خالته في كل أنحاء جسدها وتركها جثة هامدة وغادر المكان بسرعة دون أن يكتشف أحد أمره، وأخفى السكين في منزله. وبعد ساعة اكتشفت الأسرة الحادث وأبلغت الشرطة التي عثرت على بصمات القاتل وتم تفتيش منزله والعثور على السكين. واعترف ضياء أمام النيابة التي قررت حبسه وإيداعه مؤسسة الأحداث.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077