هناء نصور: الإصرار على إنتاج الأعمال الشامية لم يكن بريئاً
هناء نصور فنانة تحمل في قلبها عشقاً للفن، لما فيه من رسالة نبيلة تحتاج إلى كل جهد وعمل دؤوب، سعت عبر ما تقدم من أعمال إلى تحقيق حضور متفرد يترك بصمة واضحة لتحتل مساحة أكبر من محبة الجمهور لها.
وعلى الرغم من تنوع ما جسّدت من أدوار، لكنها كانت تطبع دائماً الشخصيات التي تؤديها بفيض من الشفافية، فيغلب عليها الطابع الإنساني الأقرب إلى أحاسيس الناس، مما يمدّها بنبض الحياة ويجعلها الأصدق والأعمق... وهي اليوم إلى جانب التمثيل تدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق... معها كان لنا هذا اللقاء.
البعد الإنساني
- ما الذي جذبك إلى شخصية سماح التي جسدتها في مسلسل «دامسكو»؟
تحمل سماح بعداً إنسانياً، فهي الأم ضمن عائلة مؤلفة من ابنتين وأب تقليدي كان يطمح لأن يكون له ولد ذكر كي يرفع رأسه في الحارة، لكن الله لم يرزقه إلا بفتاتين، الأمر الذي شكّل لديه معضلة وبات يرى أن من حقه الزواج بأخرى ليحقق حلمه بإنجاب الصبي.
وفي حين يُعتبر الأب الوجه الشرير الذي يكيد المكائد، تمثّل زوجته سماح الوجه الخيّر والإيجابي في العائلة، فقد ربّت ابنتيها بشكل جيد على القيم والأخلاق رغم ما تعانيه من حسرة، وهي امرأة طيبة بالفطرة وقوية وصبورة، لا تغضب وتتحمّل كل القهر والألم، في وقت تكون ابنتها طالبة جامعية ومن المُفترض أن تدرس الطب تحقيقاً لحلم والدها ونيّته بأن يفخر بها أمام الناس، ولكنها في الحقيقة لم تدخل كلية الطب وإنما درست التمثيل، ما يؤدي إلى انكسار والدها بحيث شكّلت نقطة ضعف لديه، لكنها تصارح أمها بأنها فعلت ذلك انتقاماً من ظلمه لها... وضمن مجريات العمل، تكتشف سماح أنها مصابة بالسرطان، الأمر الذي لم يُعره الزوج أي أهمية، ولم يتعاطف معها، لا بل يبتعد عنها خوفاً من أن يكون مرضها معدياً! وعندما تسوء حالتها ويحين موعد أخذ الجرعات، تفضل أن تعيش ما تبقى لها من أيام بفرح لأن الموت لا يعني لها شيئاً، وتصر على عدم تناول العلاج، فبذلك يمكن أن تُسعد ابنتها العروس بثمنه.
- إلى أي مدى يمكن أن يتعامل الجمهور مع الشخصية الحقيقية للفنان استناداً إلى الدور الذي يؤديه، أكان خيّراً أم شريراً، فيحبونه أو يكرهونه؟
الجمهور يحب الخير دائماً ولكنه يفضل القوة أكثر، لذلك أجعل أدواري قوية غالباً بقدرتها على العطاء وتخطي الأزمات.
- قدّمت في «سوق الورق» شخصية امرأة تهوى شاباً أصغر منها سناً، وإلى أي مدى كان فاعلاً رغم صغر مساحته؟
هي امرأة قوية، فرغم طلاقها من زوجها، لم تحبطها الظروف، وحبها للشاب الأصغر منها وُلد من كونها امرأة حيوية، فلم ترَ مشكلة في ذلك من مبدأ التحرّر الذي كانت تعيشه في أميركا والذي يتنافى مع القيود الاجتماعية الموجودة هنا... هي إنسانة فاعلة في مجتمعها وتدافع باستماتة عن المرأة.
حرارة الواقع
- إلى أي مدى لامست الأعمال التي تناولت موضوع الأزمة الوجع الحقيقي للناس؟
مسلسلات الأزمة لامست هموم الناس، لكن ظلت حرارة الواقع أكثر حرقاً للأعصاب والأكباد.
- في رأيك، ألا يزال الجمهور بحاجة إلى مسلسل ينقل وجعه أم مسلسل يحاول إخراجه من ألمه كالعمل الكوميدي على سبيل المثال؟
هل الهدف مما أقدم إخراج الناس من آلامهم وجعلهم ينسون ما يعانونه؟ ما أريده هو أن يكابروا على آلامهم ويتخطوها فأمدّهم بجرعة من القوة، ولا أهدف إلى إضحاكهم بينما أموت من الداخل، لأن الفن الناجح هو الذي يعرف المطلوب.
- هل المشكلات التي تعانيها الدراما السورية حالياً تعود أسبابها إلى الأزمة والحرب، أم أنها مشكلات قديمة طفت على السطح خلال هذه المرحلة؟
مما لا شك فيه، أنه عندما تكون الظروف سانحة يأتي العمل السوري في المقدمة، إلا أن الظروف الصعبة التي نعيشها قد تؤثر في النوعية، ولكنها لا تؤثر في الابداع. وقد قدّمت الدراما السورية قبل الأزمة مسلسلات هامة جداً وصلت فيها إلى القمة، منها أعمال لحاتم علي والليث حجو وهيثم حقي الذين حافظوا على نوعيّة ما يقدمون. أما الأعمال المُسفّة والتجارية والمادية فكان مآلها إلى الحضيض، وبالتالي كان يُنتج النوعان معاً، ولكن الذي حدث أن هناك من دفع المال من الخارج لتكثيف إنتاج الأعمال السخيفة والساذجة.
الشامي
- كيف تنظرين إلى واقع أعمال البيئة الشامية؟ ألا يزال لها جمهورها؟
لم تكن لدي مشاركات كثيرة في أعمال البيئة الشامية، وأعتبر أنها نمط كان من الضروري طرحه على الشاشة، ولكن يكفي أن يكون هناك عمل شامي واحد على مدار العام، لأن الجمهور أحب هذه النوعية.
أما أن تقوم غالبية الإنتاج السوري على البيئة الشامية، فهذا بحد ذاته كارثة، وأرى أن الإصرار على إنتاج هذه الأعمال لم يكن بريئاً، إذ يعيدنا بعضها إلى عصر الانحطاط والاستعمارين الفرنسي والعثماني ويقدم المرأة جارية وتابعة فقط، ولكننا لسنا كذلك، لأن المرأة كانت ولا تزال عنصراً فعالاً في المجتمع.
السينما
- بعد «المتبقي» و«المصير» والفيلم القصير «وراء الوجوه»... أين أنت من السينما، خاصة أنه ازداد في الأعوام الأخيرة عدد الأفلام المنتجة في سورية؟
كنت سعيدة كثيراً بمشاركتي في هذه الأفلام، ولكن هذا السؤال يقض مضجعي بالنسبة إلى السينما السورية، ولا أعرف لمن أهتف ولمن أناجي وسيبقى حلمي أن أعمل في السينما السورية التي تنأى عنا وكأننا لسنا أهلاً لها.
سأصرخ الآن وأقول يا صناع السينما متى ترون أن بإمكاننا الوقوف أمام كاميراتكم؟ وصلنا إلى الثلث الأخير من عمرنا وبتنا ناضجين للوقوف أمام تلك العدسة الدقيقة، وآن لنا أن نبوح للكاميرا بكل ما لدينا من صدق في هذا العمر، بعدما ظلمتنا السينما.
قلة الوفاء
- في لقاء أجري معك منذ خمس سنوات قلت «نعاني قلة الوفاء في الوسط الفني»... ألا تزال على رأيك حتى اليوم... ولماذا؟
لا يزال قولي سارياً لأنه ينطلي على كل شيء في الحياة، فالبعيد عن العين بعيد عن القلب، ويبدو أن الحياة هكذا فيها قلة وفاء، ولكن الذي تغير أنني اعتبرت هذا الشرط موجوداً وتعاملت معه بإيجابية، أي أن أحترم الجميع وأحترم خيارهم، وحاولت التواجد حينما ينبغي عليّ ذلك، لا بل وجّهت التهمة إلى ذاتي أيضاً بأنني قد لا أكون وفية لنفسي أو لشروط العمل الفني، الذي يتطلب الوجود المستمر والاتصال المباشر، فزادت فرص مشاركتي قليلاً ولكنها بقيت في معدلها الطبيعي لأنني لا أقبل بأي شروط.
شخصية سماح
- كثيراً ما يسندون إليك أدوراً إيجابية تشبه في سماتها العامة شخصية سماح... فما سبب ذلك؟
للأسف، في الوسط الفني إذا نجحت فنانة في تجسيد دور الأم (على سبيل المثال) فغالباً ما يحصرونها ضمن هذا الإطار ويقولون إنها الأفضل لهذا الدور. وبالنسبة إليّ، فقد حاولت اللعب على العديد من الشخصيات منذ مسلسل «خان الحرير» و «الثريا» و«الأيام المتمردة»... ولكن في الدراما يبحثون دائماً عن وجه درامي صادق ليلبسوه كل آلام الدراما... وهذا بالتحديد ما يحصل معي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024