تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

تعلّمي النوم الهانئ

استيقاظ في ساعات الفجر الأولى، صعوبات في النوم، نوم متقطع مزمن... إنها مشكلات شائعة يواجهها العديد منا في النوم. لكن يكفي فهم أسباب تلك المشكلات للاستمتاع مجدداً بنوم هانئ طوال الليل.

يتحدث الكثير من الأشخاص عن نوعية نوم سيئة أو عن نوم قليل جداً، أو حتى عن أرق حقيقي، رغم أن النوم الجيد ضروري لصحة الجسم. ففي حال المعاناة من قلّة النوم، تتأثر سلباً العديد من الجينات، ولاسيما تلك المرتبطة بالعمليات الالتهابية وتنظيم أيض الجسم (داء السكري، الوزن الزائد...) وإنتاج التوتر المؤكسد. والمؤسف أن 85 في المئة تقريباً من مشكلات النوم لا يتم ذكرها أمام الطبيب، وتبقى بالتالي من دون معالجة.
نقدم لك في ما يأتي مجموعة من الحلول الطبيعية التي تساعدك على النوم جيداً خلال الليل وتفادي اللجوء إلى الحبوب المنوّمة، علماً أن الأطباء يحذرون كثيراً من مخاطر تلك الحبوب.
لذا، لا تتناولي الحبوب المنومة إلا لفترات قصيرة جداً واستثنائية (أقل من 28 يوماً) بسبب تأثيراتها الجانبية وخطر إدمانها.

التقلّب في السرير لساعات طويلة
إذا كنت تتقلبين في السرير لساعات طويلة من دون التمكن من النوم، فإن المشكلة هي مشكلة قلق على الأرجح. بالفعل، يعتبر القلق مسؤولاً عن 50 في المئة من حالات الأرق واضطرابات النوم.
فالضغوط الكثيرة المفروضة على الدماغ خلال النهار لا تجعله في حال مرتاحة، وتستمر بالتالي حال اليقظة. الهدف إذاً الغفو من دون تأخر مع الإحساس بسكينة كاملة.
قبل أربعين دقيقة تقريباً من موعد النوم، جربي هذا التمرين الذي يساعدك على الاسترخاء، وينسيك هموم النهار، ويفرغ كل التوترات العضلية والنفسية.
إجلسي على كرسي، وظهرك منتصب، واستنشقي الهواء بعمق مع مدّ الذراعين والساقين إلى أقصى حدّ. شدّي من ثم قبضتَي اليدين واجعلي عضلات الذراعين والساقين تنقبض لبضع ثوانٍ. استرخي مع إخراج الهواء من داخلك بهدوء. كرري هذا التمرين ثلاث مرات متتالية.
من جهة أخرى، لا تنامي وأنت تشعرين بالبرد في يديك وقدميك لأن هذا يمنع التبادلات الحرارية ويعرقل بالتالي النوم. انتعلي الجوارب قبل الخلود إلى النوم، وحضري لنفسك غرفة مثالية.
احرصي على تهوئة الغرفة لمدة 10 دقائق على الأقل، واجعلي حرارة الغرفة ما بين 18 و20 درجة مئوية. خففي قدر الإمكان من مصادر الضوء لأن العتمة تحفز النوم العميق.
تخلصي أيضاً من كل مصادر الضجيج. يمكنك أيضاً ممارسة الرياضة ثلاث مرات أسبوعياً لأن الرياضة محاربة للقلق والاكتئاب وتنظم إيقاع الجسم. لكن عليك ممارسة الرياضة قبل ثلاث ساعات من موعد النوم.
وإذا لم يكفِك كل ذلك، راجعي المعالج النفسي الذي قد يساعدك من خلال العلاج الإدراكي على معالجة الأرق الناجم عن القلق.

عدم الإحساس بالنعاس ليلاً
في حال عدم الإحساس بالنعاس ليلاً، أو الإحساس به في ساعة متأخرة جداً من الليل، قد تعانين من تناذر «تأخر المراحل»، وهو خلل بسيط في الساعة الداخلية للجسم، يؤخر ساعة النوم وساعة الاستيقاظ.
فإذا مارست الرياضة مثلاً قبل ساعة واحدة من موعد النوم، أو إذا أخذت حماماً ساخناً عند انتهاء يوم العمل، فإنك تحرضين إشارة الاستيقاظ في الدماغ من دون أن تدركي ذلك. لماذا؟ لأن هذه النشاطات ترفع حرارة الجسم، علماً أن حرارة الجسم هي واحدة من المكوّنات الأيضية للاستيقاظ.
ثمة أمر آخر يجدر بك تفاديه قبل النوم وهو استعمال الآيباد أو اللوحات الالكترونية المماثلة. فديودات LED في هذه الشاشات تصدر ضوءاً أزرق يحدث اضطراباً في إفراز الميلاتونين، أي هرمون النوم. بالفعل، يمكن أن ينخفض إفراز الميلاتونين بنسبة 22 في المئة خلال ساعتين. وفي أية حال، يبقى التعرض للضوء في نهاية اليوم سبباً من أسباب تأخير النوم.
عليك إذاً إعادة ضبط الساعة البيولوجية الداخلية لجسمك و/أو إعادة تعلم الإحساس بإشارات النوم. يقول الأطباء إن المرحلة الممهدة للنوم تستمر عشر دقائق. تعرفي إلى علاماتها (مثل انخفاض اليقظة، والاسترخاء والخدر...) أو خذي حماماً منعشاً لتحفيز تلك المرحلة.
بعد ذلك، أخلدي إلى السرير فوراً خشية تأخير النوم حتى المرحلة التالية، أي تأخير ساعة ونصف الساعة. وإذا كنت تحبين المطالعة قبل النوم، إقرأي الكتب الورقية، وخففي النور في الغرفة، ولا تمارسي الرياضة بعد السابعة مساء. امتنعي أيضاً عن شرب الشاي أو القهوة أو الكولا بعد الساعة الرابعة بعد الظهر. إشربي شايات الأعشاب المسكنة، مثل شاي البابونج ورعي الحمام وزهرة الآلام...

الاستيقاظ مرات عدة في الليل
التوتر والهموم المهنية تجزّئ النوم. وإذا كان طبيعياً الاستيقاظ لبضع ثوانٍ مرات عدة في النوم، يتحول الأمر إلى مشكلة حقيقية عندما يتعدى ذلك 10 في المئة من وقت النوم الإجمالي، بسبب حدوث بطلان في التعويض النفسي والجسدي.
عليك إذاً إعادة تعلم النوم بأكبر سرعة ممكنة وعدم المعاناة من أي تقطعات في دورة النوم. عند الاستيقاظ ليلاً، لا تنظري إلى الساعة وركزي على جسمك عبر إجراء «مسار عقلي» من قدميك إلى رأسك. تجنبي أيضاً العشاء الدسم أو الغني جداً بالبروتينات، لأنه يميل إلى تحفيز اليقظة. تناولي بدل ذلك السكريات البطيئة، مثل الحبوب الكاملة (المعكرونة والأرز والبرغل...)، والبقول (الفاصوليا والبازيلا والعدس...) والأطعمة الغنية بأحماض أوميغا 3 (مثل التونة والسلمون والرنكة والسردين والجوز...) ومشتقات الحليب.
وعند الفطور، تناولي البروتينات (مثل البيض واللحم والسمك ومشتقات الحليب). فهي تحتوي على التريبتوفان، وهو حمض أميني ضروري لإفراز السيروتونين (الناقل العصبي)، الذي يحفز إنتاج الميلاتونين. تجدر الإشارة إلى أن الموز والأرز الكامل والشوكولا واللوز تحتوي أيضاً على كميات كبيرة من التريبتوفان.

الاستيقاظ في أولى ساعات الفجر وعدم التمكن من النوم مجدداً
في حال المعاناة من تناذر «تقدم المراحل»، يعني ذلك أن ساعتك الداخلية متأخرة بحيث تنامين وتستيقظين باكراً جداً. يمكن أن تكوني حساسة أيضاً لنقص الضوء، وهي مشكلة شائعة من الخريف إلى الصيف، فتعانين بالتالي من اكتئاب موسمي. وإذا كان اضطراب النوم جديداً عليك، وإنما استمر لأكثر من خمسة عشر يوماً، من دون سبب خارجي (طلاق أو موت قريب أو مرض أحد الأولاد...) يمكن أن يكون ذلك دليلاً على الاكتئاب. في هذه الحالة، يستيقظ المرء عموماً بصورة مفاجئة قرابة الساعة الرابعة أو الخامسة فجراً، ويستحيل عليه النوم مجدداً بسبب خضوعه لإحساس القلق والخوف من النهار المقبل.
في هذه الحالة، عليك السعي للحصول على نوم مرمم وهانئ ليلاً. لمعالجة الاكتئاب الموسمي، يمكنك اللجوء إلى العلاج الضوئي، الممكن ممارسته كل صباح، لمدة 30 إلى 60 دقيقة، على مدى ثلاثة إلى أربعة أسابيع، ثلاث أو أربع مرات سنوياً.
وفي حال الاكتئاب الحقيقي، راجعي الطبيب من دون أي تأخر. لا تسمحي لذلك الاستيقاظ المبكر أن يسيطر عليك ويوقع الخلل في إيقاع نومك.

عدم تحمل فارق التوقيت
كلما ازداد عدد المناطق الزمنية التي يتم عبورها، يزداد الخلل في الإيقاع البيولوجي للجسم ويحدث بالتالي اضطراب في النوم. فور الهبوط من الطائرة، أضبطي ساعتك على التوقيت المحلي لمقصدك.
إذا سافرت شرقاً، بالتالي نحو اتجاه شروق الشمس، ضعي نظارات شمسية داكنة بعد الظهر للتخفيف من التقاط الضوء الذي تنقله شبكية العين إلى الساعة الداخلية للجسم. خذي أيضاً حماماً منعشاً قبل الخلود إلى النوم.
وإذا سافرت غرباً، عليك تأخير ساعتك البيولوجية. حاولي الحصول على أكبر قدر ممكن من ضوء النهار خلال فترة بعد الظهر، وذلك عبر ممارسة الرياضة أو المشي... وإذا كانت أشعة الشمس قوية جداً في الصباح، ضعي نظارات شمسية فور الاستيقاظ من النوم، ومارسي نشاطاً جسدياً في المساء. وفور الإحساس بالنعاس، خذي حماماً ساخناً.

                                                                      

النوم صيانة يومية والحلم يطهّر الدماغ


بات الحلم في هذه الأيام ظاهرة كاملة ومستقلة. في الواقع، يتم تحليل الأحلام ودراسة معانيها الرمزية. وأصبح باستطاعة العلماء تتبع ما يجري على مستوى الدماغ في كل لحظة من لحظات الحلم.
والأهم من ذلك أنه بات بالإمكان دراسة نوم الإنسان والقول: كان جائعاً أو غاضباً في الحلم.... استخدم هنا يده اليمنى وهنا يده اليسرى.. تجدر الإشارة إلى أن الحلم يحدث بين فترة اليقظة والنوم، في ما يعرف بمرحلة النوم المتناقض.

النوم المتناقض
من أين جاءت تسمية النوم المتناقض؟ تعتبر مرحلة النوم المتناقض مرحلة أساسية من الليل، لكنها ليست ضرورية! وتؤدي بعض الأدوية المضادة للاكتئاب إلى قمع الأحلام- كلياً أو جزئياً- من دون حدوث أية تقاعلات طويلة الأمد نتيجة ذلك.
كما أن هذه المرحلة من النوم الغريب والثقيل تترك الجسم من دون أي دفاع، وتصبح العضلات مرتخية تماماً. والواقع أن هذا الأمر لا يخلو من الأخطار عند التواجد في مكان عدائي.
وعلى الصعيد التطبيقي، لم يكتشف العلماء هذا الأمر عند الحشرات والأسماك، وإنما فقط عند الحيوانات الأكثر تطور، أي الطيور والثدييات. واللافت أنه كلما كان الدماغ غير ناضج أثناء الولادة عند هذه الفئة الأخيرة من الحيوانات، ازدادت كمية النوم المتناقض.
من هنا جاءت النظرية التي تمنح النوم المتناقض وسلسلة أحلامه وظيفة «الرصد»، إذ يهدف هذا النشاط الدماغي المكثف إلى الحفاظ على الإثارة بهدف التفاعل أمام الخطر.
وثمة تفسير بيولوجي آخر لمرحلة النوم المتناقض. فهذا النوم يحافظ على سلامة دوائر الخلايا العصبية، ولاسيما تلك التي نستعملها نادراً خلال النهار، أي أنه يجري نوعاً من الصيانة اليومية. أما الحلم فيأتي بمثابة «علاوة». ونظراً إلىغياب الضغوط الخارجية، يشعر الحالم غالباً بالعنصر الخيالي في أحلامه.

تطهير الدماغ
ويرى اختصاصيون آخرون أن الحلم يؤدي دوراً في التذكر والتعلم. ويقول علماء آخرون إن الحلم «يطهّر» الدماغ من خلال دمج الأحداث الحاصلة خلال النهار، أو على العكس، التخلص من الذكريات التافهة.
ولا يخلو هذا الأمر أحياناً من المشاكل. فالأوضاع النفسية الصعبة، التي يصعب حلّها خلال اليقظة، تتجلى في كوابيس متكررة تدفع النائم إلى العيش مجدداً مع الوضع الذي يصدمه، مع إحساس مريع بالعجز.
وقبل عشرة أعوام تقريباً، طوّر الأطباء تقنية الأحلام الواضحة التي تساعد هؤلاء المرضى في مواجهة كوابيسهم. إنها تجربة مزعجة، ومحيرة أحياناً، لكنها غير متوقعة في أغلب الأحيان.
والواقع أن نصفنا عاش هذه التجربة، أو سيعيشها يوماً ما، مرة على الأقل في حياته: الحلم مع الإدراك أننا نحلم. يطلق على ذلك اسم الحلم الواضح، وتتوافر منه أشكال عدة. يتيح الشكل البسيط من هذا الحلم للنائم قطع الكابوس من خلال القول «إن هذا مجرّد حلم» والاستيقاظ بعد بضع ثوانٍ. وفي الطرف المقابل، نجد بعض الأشخاص القادرين على تعديل محتوى أحلامهم، بحيث يستطيعون تغيير مواقعهم حسب رغبتهم، والعثور على نتيجة إيجابية، وما إلى ذلك.
وفي العام 1991 ظهرت نظرية تقول إن الحلم لا يرتكز فقط على الماضي وما عشناه خلال النهار، وإنما يكون أيضاً بمثابة انعكاس في المستقبل. ويسمح لنا ذلك بإعادة تنشيط التصرفات الخاصة بنا وجعلنا مميزين عن الآخرين. هكذا، تعاد برمجة دماغنا ليلة بعد ليلة.
لكن في كل هذه النظريات سلبية أساسية، إذ لم تثبت أي منها في تجارب مخبرية. ولا يوجد إذاً أي إثبات أو إجراء أو عنصر مقنع.
يمضي المولود الجديد نصف نومه تقريباً في مرحلة النوم المتناقض (مقابل خُمس فقط عند الراشدين). خلال هذه الفترة، نجد الطفل الرضيع وهو ينجز سلسلة من الإيمائيات في وجهه (دهشة، اشمئزاز، غضب، سرور) تحت أعين أهله المسرورين بمشاهدته وهو يضحك فيما لا يفعل ذلك بعد أثناء اليقظة. ويقول علماء النفس إن الطفل يجرّب نوعاً ما كل تعابير المشاعر الإنسانية، من دون أن يعرف معناها فعلاً.
يوضح ذلك أننا لا نحلم دوماً أثناء النوم المتناقض. فهذايكون بمثابة إطار أو شاشة تعرض عليها صور الحلم.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080