بيتي توتل: «مسرح الجريمة» عمل نضالي في ظل عدم الاستقرار الذي نعيشه
بألم ووجع ناشدت الجمهور ارتياد المسرح، في سبيل الحفاظ على واجهة لبنان الثقافية... لكن الكاتبة والمخرجة والممثلة وأستاذة المسرح بيتي توتل تأسف لتحول لبنان إلى «مسرح جريمة» بدلاً من أن يكون مسرحاً للفن والإبداع... وإذ تعتبر أن Star Academy ساهم في انتشار اسمها عربياً وعالمياً، لكنها لن تكتفي بتجربتها في البرنامج، لأن شغفها بالمسرح ونضالها يجب أن يستمرا من خلال الأعمال المسرحية التي تقدمها سنوياً.
وتطالب شاشات التلفزة ومعدّي البرامج بالكف عن «استهبال» الجمهور لأنه ليس غبياً... عن «مسرح الجريمة» وتجربتها مع «ستار أكاديمي» تتحدث بيتي توتل في هذا الحوار...
- ماذا عن «مسرح الجريمة» وتوقيت إطلاقها؟
التحضير لعمل مسرحي في هذا الوقت بحد ذاته إنجاز. لن أطلق على هذه الحالة صفة الانتحار، لكن المخاطرة في الإقدام على عمل مسرحي في ظل الأوضاع غير المستقرة التي نعيشها، أعتبرها عملاً نضالياً.
هناك من نزل إلى الشارع للتظاهر بسبب استيائه من الوضع، بينما طريقتي في التعبير هي العمل المسرحي، وأصرّ على متابعته، خصوصاً «مسرح الجريمة»، وهو عنوان مسرحيتي، فهي مسرحية كوميدية تعالج موضوعاً حساساً جداً، وهو افتقادنا المسرح والثقافة في لبنان لكن بطريقة كوميدية.
في تفاصيل العمل، أن باحثاً فرنسياً يزور لبنان ويُعد بحثاً عن صالات المسرح التي لا تزال موجودة في بيروت، لأن جدّته كانت أول ممثلة مسرحية.
لكن ليلة وصوله، يقع انفجار في شارع «مونو»، أحد شوارع بيروت، تُقتل فيه سيدة مسنّة ويهتز الوضع العام. على أثر ذلك، يُتهم الباحث مع خمسة لبنانيين آخرين بزرع العبوة الناسفة. وأتناول من خلال العمل إقفال المسارح في لبنان، مما يعبّر عن فقدان الجمهور، وتحوّل بلدنا لسوء الحظ إلى مسرح للجريمة بدلاً من أن يكون مسرحاً للفن والإبداع.
عندما يُتهم هذا الشاب ويُقاد إلى المخفر مع خمسة مواطنين أبرياء، نشاهد عبثية إدارة المخفر، التي تشبه عبثية البلد. إلا أننا باستمرار نحمّل المسؤولية للمواطن اللبناني، من دون أن نبحث عن الأسباب التي أوصلت اللبناني إلى هذا الوضع، أي المسؤول عن إدارة البلاد.
- ألا تعتقدين بأن جزءاً من المسؤولية يقع على عاتق المواطن؟
المواطن ضحية. ففي المسرحية، المتهم مواطن فرنسي، فيتم التعامل معه بطريقة مختلفة عن التعامل مع اللبناني، لأن للفرنسي دولة تدافع عنه.
ومن هنا تنطلق الكوميديا السوداء، حول ماهية الإجراءات التي تتخذ عندما يتم توقيف مواطن فرنسي من طريق الخطأ، «تقوم الدنيا ولا تقعد» داخل لبنان وخارجه. ولكن مئة جريمة تُرتكب يومياً بحق اللبناني، ولا يجد من يدافع عنه.
- نلحظ أخيراً عروضاً مسرحية متعددة، هل نشهد نهضة في المسرح اللبناني؟
ثمة محاولات، وأن أعمل مع عدد من الفنانين، يعني أننا نسعى الى هذه النهضة، وأتمنى أن تكون نهضة فعلية. مثلاً «بستان الكرز» توقفوا عن عرضه المسرحي قبل الوقت المحدد، وذلك بسبب غياب الجمهور. من ناحيتي مددت عرض المسرحية لشهر إضافي.
فنحن كفنانين، نعبّر بالمسرح عن امتعاضنا من الوضع، مثلاً أنا لا أعرف التظاهر، وربما لم أعد أثق بجدوى هذه التحركات، وُلدت في زمن الحرب وعايشته، علماً أنني أقدّر جهود الشباب في التحركات التي يقومون بها، ولكننا أُحبطنا.
طريقتي في النضال هي المسرح، ومهما حصل سأستمر في عملي لهذا البلد. منذ فترة قصيرة وقع انفجار في بيروت، ولكنني استمررت في عرض مسرحيتي، لأنني أقدم ثقافة، ولأنني لا أريد للفن أن يموت بقتلنا، فهم يهدفون إلى قتل الناس والحياة والثقافة والمسرح الذي هو نبض حياة المدينة.
فإذا كان المسرح بخير، يعني أن المدينة بخير، والشعب بخير. وبدورنا نقول إن المسرح اليوم بألف خير لكي يشعر المواطن اللبناني بوجوب بقائه واقفاً على قدميه، فلا يصيبه الإحباط. رسالتنا أن نقدم شيئاً جميلاً وفناً وكوميديا، وأصر على تقديم كوميديا هادفة وتحمل رسالة. والجمهور يحضر لكي يضحك ويعبّر عن وجعه.
- ماذا عن نسبة الإقبال؟
مددت المهلة المحددة للعرض بسبب إقبال الجمهور، كما أن جمهوري كبير ويتراوح بين طلاب المدارس والجامعات والناضجين والمسنّين، إذ أحاكي في عملي كل الأعمار. أدرك أن في ظل الأجواء التي يعيشها لبنان، سيتأثر الإقبال على المسرحية، ولكن ثمة 15 شخصاً تشكّل هذه المسرحية مصدر عيش لهم، كما أنني دفعت إيجار المسرح سلفاً.
- لكن إقبال الجمهور على المسرح يعني أن ثمة شعباً مثقفاً وليس كما يتم تصويره من خلال ما يُعرض على شاشة التلفزيون.
تستخفّين بجمهورك وتقولين هذا مستواه. هذا اعتقاد خاطئ والدليل الأعداد التي ترتاد المسرح لمشاهدة «مسرح الجريمة». يقولون إن اللبناني يحب أن يشاهد أعمالاً تافهة ويقدمون له ما يريد وفق آرائهم، وهذا أيضاً مفهوم خاطئ، لأنه يتقبل ما تقدمينه له.
اليوم تعرض التلفزيونات أعمالاً تافهة للجمهور، أي أن عدد البرامج التافهة والكوميديا المبتذلة والايحاءات الجريئة في هذه الكوميديا البشعة يفوق بكثير الكوميديا الراقية التي نشاهدها. وأصرّ على أن نحافظ على مستوى راقٍ في المسرح.
فجمهور المسرح هو الذي يبحث عنك، والإنسان هو الذي يبحث عن الثقافة، وثمة سعي وجهد من الجمهور المتعطش الى الكوميديا النظيفة والمسرح الجميل.
- كيف تقيّمين المسرح اللبناني؟
أشكر ربي أننا ما زلنا موجودين ونعمل على المسرح في لبنان. وطالما أن هذا الجهد موجود، فهذه علامات عدم الاستسلام، وهذه النتيجة تفسر أننا مؤمنون بإيجاد نهضة مسرحية، ونتمنى أن نساهم جميعاً فيها، ولكن النهضة بحاجة إلى زمن ليحددها إن كانت بالفعل نهضة للمسرح أم لا، وأؤكد أن الجمهور ليس غبياً، وكفى «استهبالاً» للجمهور. وفي مسرحيتي أتحدث عن رفضي إقفال ما تبقى من مسارح، المسارح في بيروت باتت تُعد اليوم على أصابع اليد الواحدة.
«مسرح الجريمة» نضال ثقافي وسياسي ودعوة للسياسيين كي يهتموا بالثقافة والكف عن المشاجرات بينهم، ونضال من أجل بقاء هذه المسارح.
- ماذا عن تجربتك في Star Academy وتفاعلك مع الطلاّب؟
«ستار أكاديمي» مختلف تماماً عن عملي. تفاعلي مع الطلاب جيد جداً، والدليل السنوات التي أمضيتها في هذا البرنامج، حتى لو غبت لفترات ولكنهم عاودوا الاتصال بي مجدداً لكي أكمل مسيرتي في البرنامج، وهذا دليل على الاستمرارية.
مع اختلاف الثقافات بين الطلاب في البرنامج لكن العالم العربي كله موجوع كما أن الفن موجود في كل مكان، «ستار أكاديمي» يوحّد الفن ويوحّد الوجع. المسرح يقوم على علاقة مباشرة مع الجمهور، ومجرد وجود هذه العلاقة المباشرة يعني أن الجمهور لا يزال موجوداً ومهتماً والفنان كذلك، عندما تفقدين هذه العلاقة المباشرة وهي الموجودة على مسرح «ستار أكاديمي» أو على مسرحي ومسرح الآخرين، يعني أن الفنان غُيب والجمهور كذلك.
اليوم علاقتي جيدة بالبرنامج، أحلم بأن ينتشر اختصاصي المسرحي كـ «فن» مثل الغناء، علماً أن الغناء انتشاره أسرع، فالأغنية يمكن الاستماع اليها في السيارة والطائرة على عكس العمل المسرحي، والفرقة تواجه صعوبة في الانتقال من بلد إلى آخر لتلعب المسرح، ولكن يمكننا أن نزرع شغف المسرح من خلال التلفزيون، فندفع الناس لزيارة المسرح ونشر الأعمال المسرحية من خلال الشاشة، فالتلفزيون وسيلة مهمة جداً للمساهمة في انتشار المسرح، لا لقتله.
- ذكرت أنكم تلعبون المسرح، هل ثمة اختلاف بين لعب المسرح والتمثيل؟
نلعب مسرحية ونمثل في مسرحية، لا فرق بينهما، المسرح هو لعبة الواقع، لأننا دائماً نحاول أن نجمّله ونغيره ونضيف إليه، إذ ثمة لعبة مسرحية.
- ماذا أضاف لك «ستار أكاديمي»؟
أعتبر أن اسم بيتي توتل بات مشهوراً عربياً بسبب «ستار أكاديمي»، وأشكر بالطبع البرنامج الذي قدم لي هذه الفرصة، لكن نوعاً ما لم أكتف بالبرنامج فقط، لذلك أقدم كل سنة عملاً مسرحياً جديداً، وإن لم يكن في لبنان ففي الخارج، مثلاً مسرحية «باسبور 10452» عرضتها في عدد من البلدان، وينتظرني عرض في شباط/فبراير 2016، وعندما تدعوني إحدى الدول لعرض عملي المسرحي، فهذا نتيجة ظهوري في التلفزيون الذي ساعدني في الانتشار وعرّف العالم إليّ، كما باتت لدي سيرة ذاتية على الهواء، فأنا أقضي ساعات طويلة من النقل المباشر، حتى أن ثمة من يتابع التمرينات والتدريبات التي أعطيها للطلاب.
ساهم البرنامج في تعريف الناس بأن هناك ساعات من العلم والدراسة والجهد المبذول والعمق والتمرينات في المسرح، ثمة من لم يكن يعلم أن هناك تخصصاً في دراسة المسرح، إذ يعتقد البعض أنها موهبة فقط، لكن الدراسة هي التي تنمّي هذه الموهبة وتضعها على الطريق الصحيح وتصل بصاحبها إلى طريق نظيف وجميل.
وهذا ما نقوم به في الأكاديمية، نحاول أن نضع الطلاب على الطريق الصحيح. إلى جانب الشهرة التي حصلت عليها في «ستار أكاديمي»، كم من تلميذ في البرنامج اتجه نحو التمثيل؟... ثمة تدريبات خلال صفوفي أتاحت للطلاب أن يبرزوا طاقاتهم ويكتشفوا موهبتهم في التمثيل، كما أنهم حسّنوا أداءهم في الغناء. بالإضافة إلى ذلك، العلاقة التي يبنيها أي انسان على المسرح مع الجمهور تقوّي شخصيته، إن كان فناناً أو محاوراً أو مقدماً.
دراسة المسرح كمادة تصقل الشخصية، وتزيد القدرة على الارتجال، إذ خلال العمل المسرحي لا يوجد Stop لإيقاف الكاميرا في حال الوقوع في الخطأ، فعلى الممثل أن يتجاوز الأخطاء بأسلوبه الارتجالي لئلا يشعر الجمهور بأنه أخطأ.
- ما الرسالة التي توجهينها الى الجمهور؟
رسالتي بسيطة جداً، جميع الفنون باستطاعتها أن تكمل وتستمر وتعيش إذا لم يكن هناك مشاهد يتابعها، فالأغنية تعيش ضمن الاسطوانة، اللوحة تعيش والمسلسل يُشاهد أكثر من مرة من خلال الإعادة، المسرحية لا تعيش إذا لم يكن هناك جمهور يتابعها على المسرح.
رسالتي الوحيدة، لكي نستمر بهذا النضال، ولكي يبقى المسرح واجهة البلد الثقافية ولكي نحافظ عليه، أن تأتوا إلى المسرح، لأن عملنا سيتوقف. فالممثل المسرحي لا شيء من دون جمهور، لذلك تلمسين أنه إنسان متواضع ولا يعتبر نفسه نجماً.
فعلى الجمهور أن يسعى ويبذل مجهوداً لكي يشاهد المسرحية. ونتمنى أن يبقى لبنان ملتقى الحضارات والثقافات كما جمع «ستار أكاديمي» طلاباً من أنحاء الوطن العربي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024