الصفحة الأخيرة
خلال دقائق تفصل بين يومها الطويل ويوم جديد، في صمت ليل صريح، تدرك أنّ كلّ ما عملت لأجله لا يشبهها، فتقرّر أن تبدأ من جديد.
تحكي قصّةٌ أخرى عن فتاة أميركية هربت من والديها المدمنين إلى الشارع وتمسّكت بتحصيل علمها الذي تحصّنت به وقاومت عبره اليأس حتى تمكّنت من انتزاع قبول جامعة هارفرد بها تلميذة متفوّقة. أما مخرجة فيلم عن تاريخ نضال المرأة في بلادها لنيل حقّها في الانتخاب، فتحكي بشفافية عن رحلة تحوّلها إلى مهنة الإخراج من خلال سرد يوم في حياتها. تعرّفتُ إلى مئات النساء عبر ما كتبنه أو كُتب عنهن في الصفحة الأخيرة من ملحق أسبوعي بريطاني يصدر في شكل مجلة غنية بالتحقيقات المعالَجة بعمق وبالصور الناجحة في تعرية الحقيقة.
تروي الصفحة الأخيرة يوماً نموذجياً كاملاً في حياة أشخاص حقّق كلّ منهم إنجازاً واحداً على الأقل في حقل من الحقول. تهمّني حيوات النساء التي تُرسم بوضوح في هذه الصفحة كخرائط عالم سحري. يغني الصفحة يوم في حياة امرأة منجزة خصوصاً إذا كانت كاتبة تتلاعب بالكلمات وبمصائر شخصياتها في إحدى المدن القريبة البعيدة الشبيهة بمدينتي حيث الحياة تحدٍّ ممتع وحقّ يجب القتال كل لحظة لانتزاعه. التفاصيل أجمل ما في هذه الصفحات، تفاصيل الحياة العادية التي تتشابه بين تجارب امرأة وأخرى.
وبين سطر وآخر تطلّ فروق صغيرة تجعل كل تجربة قصة فريدة ملهمة. فهناك مَن تركض فجراً قبل أن تنكبّ على كتابة خطاب رئيس الوزراء، وهناك من تمشي قبل النوم آملة أن ترى في مناماتها نصوصاً مكتوبة فتستلهم منها قصّة قصيرة. التفاصيل المروية في الصفحة الأخيرة تدلّ على أنّ طموح المنجِزات لم يخمد بعد، بل ما زلن يركضن للحفاظ على ما حقّقنه. تختصر الصفحة أحداث يوم تعيشه امرأة لامعة. وأجمل ما فيها أن هذا اليوم يسمح لنا بالتلصّص من نوافذ أحلامنا على حياة غير عادية تماماً.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024