فلسطينيات قصف الاحتلال الإسرائيلي بيوتهن: نكبتنا كانت بعد هدم بيوتنا
ماذا لو فقدت المكان الذي يحمل كل تفاصيل ذكرياتك الجميلة وأصبحت في الشارع من دون مأوى، أو أُصبت بفيروس بفعل التجمعات الكبيرة ممن فقدوا بيوتهم، أو أصبحوا يسكنون بالإيجار في جانب بيتك الذي تعرض للقصف؟ حكايات موجعة ومبكية روتها لنا نساء من غزة فقدن بيوتهن وأصبح الانتظار رفيقهن الدائم في حلم العودة إلى بيوتهن مجدداً بعد إعادة بنائها، ولكن حتى اليوم لم تحصل واحدة منهن على فرصة لترميم منزلها، إذ لا تزال أسماؤهن على قائمة الانتظار الطويلة.
ميسرة الكفارنة: أخاف أن يعاد بناء بيتنا بعد أن يتوفى والدي
أولى الحكايات كانت مع ميسرة الكفارنة (31 عاماً)، التي تعمل في مجال التدريب والاستشارات وتعيل جميع أفراد عائلتها بعدما تعرض منزلها للقصف من جانب الاحتلال الإسرائيلي. وتصف بيتها قبل تعرضه للقصف فتقول: «كان بيتنا عبارة عن بنايتين مؤلفتين من سبعة طوابق ويسكن فيهما أكثر من 52 شخصاً، أي 10 عائلات، لأن الطوابق كانت عبارة عن شقق سكنية. وقبل العملية البرية وإخلاء بعض المنازل، قمنا باستضافة أشقائي مع نسائهم وأطفالهم وبذلك أصبح عددنا 77 شخصاً».
وتتابع: «شنّ جيش الاحتلال عملية برية على بيت حانون في شمال قطاع غزة حيث نسكن، وكنا نتوقع ان تنتهي في غضون ساعتين، ولكن بينما كنا نحضّر وجبة السحور لشهر رمضان في عام 2014، أُطلقت باتجاه منزلنا الكثير من قنابل الغاز المسيل للدموع، ولم نستطع ترك البيت لأن عددنا كان كبيراً جداً، واعتقدنا أن الهدوء سيعود مجدداً».
وتسترجع ميسرة ذكرياتها لتروي لنا قصة أول صاروخ أصاب بيتهم، فتقول: «أطلقت قوات الاحتلال صاروخاً تحذيرياً على بيتنا كي نخرج منه، وفي الوقت نفسه سمعنا صراخ أخي وعائلته الذين يسكنون في منزل قريب منا. كانوا يركضون باتجاه منزلنا، وعندما فتحنا الباب، سقطت زوجته الحامل في شهرها التاسع على الأرض مغمياً عليها».
وتتابع: «عندما خرجت مع عائلتي من البيت لم أر أحداً، وكأن حظراً للتجول قد فرض على المنطقة بكاملها. وعندما وصلنا إلى الشارع العام، شاهدنا الناس يركضون في اتجاه المستشفى، وآخرين يركضون باتجاه المدارس في منطقة غربي بيت حانون، التي تحولت في ما بعد إلى مراكز إيواء. كنا نريد الذهاب إلى المستشفى، لأننا سمعنا بأن كل أقاربنا هناك، لكن جيش الاحتلال كثّف إلقاء الصواريخ علينا، فركضنا نحو المدارس، وكان الناس يصرخون علينا بسرعة... بسرعة لأن جيش الاحتلال كان يقترب منا. وعندما وصلنا إلى مركز الإيواء الأول، وجدنا عدداً كبيراً من الأسر تحتمي من صواريخ الاحتلال في مدرسة بيت حانون المشتركة «ب»، وكانت كل عائلة تختبئ في صف، ولم نجد مكاناً يؤوينا، فجلسنا إلى جانب الحمّامات. وعند الغروب فقدنا الأمل في العودة إلى بيوتنا».
وعن توافر الاحتياجات للجميع في مراكز الإيواء، توضح: «كان وضع الأطفال من ناحية الطعام والمرافق الصحية سيئاً جداً، وقد انتشر نوع من الفيروسات بين أكثرهم، وبقينا ثمانية أيام في المدرسة، ومن ثم أخبرتنا وكالة الغوث الدولية بأنهم غير مسؤولين عن توفير الاحتياجات، فتجمع الناس في ساحة المدرسة لمغادرة المكان».
وتتابع ميسرة: «مكان الإيواء الثاني كان في جباليا، حيث بقينا لمدة 27 يوماً، وكانت أعداد الناس كبيرة، والخدمات المقدمة شحيحة، ومرة أخرى أبلغونا بأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين غير مسؤولة عن سلامة المواطنين داخل مدارس الإيواء، فلجأنا إلى مدرسة حلب الحكومية وبقينا فيها 17 يوماً كنا نعاني خلالها المشاكل السابقة نفسها».
صدمات متتالية تعرضت لها ميسرة الكفارنة عندما عادت إلى حيث كان بيتها، فتشير قائلة: «بعد مضي 17 يوماً، أخبرونا بأن بيتنا قد تعرض للقصف، ومن ثم كانت هناك هدنة قصيرة عدنا بموجبها مع إخوتي إلى بيوتنا. لم أكن لأتخيل مشهد الحارة، فقد كانت البيوت المهدمة تمنعنا من إكمال المسير نحو بيتنا، وكان الناس يصرخون ويبكون على بيوتهم المهدمة وأولادهم الذين استشهدوا أثناء القصف، فعدنا مجدداً إلى مراكز الإيواء في بيت حانون، وبقينا هناك شهرين ونصف شهر، بعدما وجدنا صعوبة في استئجار أي منزل، إذ كان شرط المالك ألا يكون معنا أطفال».
تعول ميسرة الآن ما تبقى من عائلتها التي تفرقت بعد هدم منزلهم من جانب الاحتلال، وتقول: «أنا وأمي وأبي وأخي وأختي نسكن في منطقة جباليا شمالي غزة، وأعمل على توفير احتياجات البيت، فوالدي مسنّ ومريض. في البداية نمنا على الحصيرة، وحتى الآن نقوم بدفع جزء كبير من أجرة البيت لأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تدفع الشيء البسيط، لكن ليس باستمرار، ولا نزال في انتظار دورنا كي يتم بناء منزلنا، وأخاف أن ينجز هذا البناء بعد أن يتوفى والداي».
وتنهي ميسرة الكفارنة حديثها بقولها: «المرأة التي تخسر بيتها تخسر كرامتها وتصبح جسداً بلا روح، نحن النساء بدأت نكبتنا بعد الحرب، كما أن هناك تبعات اجتماعية تظهر عندما يتغير مكان السكن، فثقافة المنطقة الأخرى مختلفة تجاه النساء».
ريما محمود: أتمنى أن أعرف لماذا قصفت الإسرائيليون بيتي؟ وما أصعب الشعور بفقدان الخصوصية!
لم يكن حال المخرجة ريما محمود أفضل من حال ميسرة الكفارنة، لأنها فقدت والدها أثناء قصف بيتهم! تقول: «قصف الاحتلال الإسرائيلي بيتنا بالطائرات في حرب عام 2014، وكان جميع المواطنين مستهدفين في ذلك الوقت، وحتى الآن أتمنى أن أعرف لماذا قصفت الإسرائيليون بيتي؟».
وتابعت: «تعرض بيتنا للقصف ثلاث مرات، في البداية تم قصف بيت عمي المقيم في إسبانيا، وكان بجانب منزلنا، فهربنا من البيت، وبتاريخ 22/7/2014 قُصف منزل آخر لعمي قريب من منزلنا بأربعة صواريخ من نوع أباتشي، فاستشهد والدي محمود سلايمة أبو صبحة وأصيب 12 شخصاً من العائلة».
وأضافت: «قصف منزلنا للمرة الأولى بتاريخ 23/7/2014 أثناء سيرنا في جنازة والدي، وفي اليوم التالي تم إخلاء جميع البيوت فذهب الناس إلى أماكن للإيواء في خان يونس. وكنت أذهب خلال فترة الهدنة إلى بيتنا لمعرفة ما أصابه، وبعد مضي شهر تقريباً عاد جميع الناس إلى منازلهم. أما القصف الثاني لمنزلنا فقد حدث بعد الهدنة الأولى بيومين، حين غادرنا البيت وقصفوه. ثم تعرض للقصف للمرة الثالثة».
وتصف ريما شكل بيتها قبل أن يتعرض للقصف فتقول: «كان بيتنا مكوّناً من أربع غرف وصالون كبير وثلاثة حمامات ومطبخ، وتحيط به الأشجار. لقد تعب والدي كثيراً حتى تمكن من بناء المنزل، وكنا نسكن فيه خلال إكمال بنائه بسبب سوء وضع العائلة الاقتصادي».
الحرب على غزة تركت أعباء نفسية ثقيلة على ريما، عن ذلك تقول: «أصعب شعور أحسست به هو الحزن على بيوتنا التي سُلبت منا. لقد استأجرنا خمسة منازل حتى الآن، وما أصعب الشعور بفقدان الخصوصية! هذا فضلاً عن القيود التي تفرض عليك والمضايقات بسبب تحكّم البعض».
وتابعت: «بقينا عند إحدى العائلات لمدة 40 يوماً، وبعد الحرب بأسبوع رحلنا إلى بيت خالي، ثم استأجرنا منزلاً آخر منذ عام. عائلتي مكوّنة من شقيقتي المطلّقة وبناتها الثلاث، وأشقائي الثلاثة، وأختي وأمي، ونحن مهددون بإخراجنا من المنزل، لأن صاحب البيت يريد أن يبيعه، وبذلك نعود مرة أخرى إلى الشارع».
وحتى الآن، تقول ريما «ما زلت أبحث عن جواب للسؤال الذي يضطهدني، وقد تقدمتُ بدعوى لدى مركز حقوق الإنسان الفلسطيني كي أفهم لماذا تم قصف بيتي؟». وتتابع متسائلة باستنكار: «لدينا اسم في قائمة إعادة تعمير البيوت من المنح القطرية التي توزع من خلال لجنة إعمار غزة، ولكن حتى الآن لم يأت دورنا».
جهاد أبو زنيد: قيمة البيت ليست بجدرانه وإنما بجمع العائلة التي حلمت بأن تكمل حياتها فيه
الناشطة النسوية، عضو البرلمان في القدس، وعضو المجلس الثوري جهاد أبو زنيد، تحدثنا عن الوضع الاجتماعي السائد وعما تعانيه النساء عندما يفقدن بيوتهن، توضح: «في اللحظات الأولى، تكون المرأة التي تعرض منزلها للهدم من قبل الاحتلال الإسرائيلي مشحونة بعنفوانها الوطني، ويكون ذلك عاملاً مساعداً في تقوية عائلتها، وبعد أن تفيق على ما يدور حولها تعود الى كيانها الأساسي، وواقعها، كونها أصبحت تعيش صدمة الحماية وتغضب وتبكي لأنها هي من يعرف قيمة البيت، فهو ليس بجدرانه وإنما بجمع العائلة التي حلمت بأن تكمل حياتها فيه».
وتتابع: «وتتعرض المرأة للصدمة كونها أصبحت تعيش حياة مغايرة للتي ألفتها، بالإضافة إلى الظروف الصعبة جداً، وحينها تشعر وكأن الدنيا فوق رأسها، لكن ما يحدث في فلسطين يجعل المرأة الفلسطينية تتناسى مصابها، فالأحداث في فلسطين متواصلة من دون توقف ولا تترك مجالاً للأحاسيس».
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024