الطفل الأعسر: من هو؟
يُمسك نبيل بقلم التلوين بيده اليسرى ويبدأ الخربشة، فتحاول أمّه أن تصوّب حركته وتُرغمه على إمساك القلم بيده اليمنى، ولكن نبيل يصرّ على إمساكه بيده اليسرى. فهل هو طفل أعسر؟
تقلق بعض الأمهات حين يمسك أطفالهن القلم أو الملعقة باليد اليسرى خوفًا من أن يصبحوا عسرًا، فيعملن جاهدات لجعل أطفالهن يمّنًا ولكن عبثًا يحاولن.
وهذا الخوف من أن يكون الطفل أعسر مردّه إلى المفاهيم الاجتماعية الخاطئة التي تقول إن استعمال اليد اليسرى غير مستحب، أو أنه يؤثر في صحّة القلب، أو انه مؤشر الى أن الطفل أقلّ ذكاءً من أقرانه. فهل هذه المقولات الشعبية صحيحة وكيف يردّ عليها أصحاب الاختصاص؟
ما أسباب ولادة الطفل أعسر؟
من المعلوم أن 90% من الناس يولدون ويستعملون اليد اليمنى، و10 % فقط يولدون عسرًا. عادة عندما نتكلّم على مركز الحركة في الجسم نعني العين واليد والقدم، ولكن ليس من الضروري أن يكون استعمال هذه الأعضاء متلازمًا.
فمثلاً، إذا كان الطفل يكتب بيده اليمنى، فهذا لا يعني أن العين التي يصوّب بها هي اليمنى، والقدم التي يركل بها الكرة هي أيضًا اليمنى. ولكن عمومًا هذه الأعضاء تلازم بعضها في الحركة.
أما أسباب العسر فأوّلها وراثي، فهناك احتمال 15% أن يولد الطفل أعسر إذا كان أحد الوالدين أعسر. وتزيد النسبة إلى 25 % إذا كان كلا الوالدين أعسر. وتشكل نسبة الأطفال العسر 10% في المجتمع.
وفي المقابل، هناك دراسات طبيّة تشير إلى أن وضع الجنين في رحم الأم له أثر في احتمال ولادة طفل أعسر، فإذا كان موضعه طوال شهور الحمل في الجهة اليسرى في رحم الأم، قد يولد الطفل أعسر، لكن هذا ليس مؤكدًا.
وهناك عوامل أخرى نادرة عندما تحدث مشكلة في تكوين الدماغ، إذ إنه وخلال تكوّن الجنين اذا تعرضت الجهة اليسرى من الدماغ لعطب لسبب أو لآخر، فمن المؤكد أن يولد الطفل أعسر. ذلك أن الجهة اليسرى هي التي تحرّك الجزء الأيمن من الجسم والعكس صحيح. وعندما تتعرض جهة الدماغ اليسرى للعطب، فإن جهة الدماغ اليمنى هي التي تتحكم في حركة أطراف الجسم، وبالتالي يولد الطفل أعسر. وكذلك التوائم إذا كان أحدهما أعسر فهناك احتمال أن يكون الشقيق التوأم الثاني أعسر.
كيف يعرف الأهل ما إذا كان طفلهم أعسر؟
لمعرفة ما إذا كان الطفل أعسر أم أيمن، هناك أمور كثيرة في حركته اليومية يمكن مراقبتها وتكون مؤشرًا لما إذا كان أعسر أم لا.
لذا يمكن الأم أن تقوم باختبارات بسيطة تساعدها في ذلك. مثلاً عند صعود الطفل السلّم، يمكنها ملاحظة ما إذا كان ينطلق من قدمه اليمنى أو اليسرى، وبالطريقة نفسها يمكنها أن تراقب بأي قدم يركل الكرة، وعليها التنبّه إلى حركته خلال النهار، بأي يد يمسك الملعقة، أو اللعبة والقلم وفرشاة الأسنان. فإذا كان يستعمل الجهة نفسها من الجسم، في كل حركة يقوم بها، فإن هذا مؤشر لتثبيت مركز الحركة.
ورغم ذلك لا يجوز أن يصل الأهل إلى حكم مبرم بأن طفلهم أعسر، إذ من المحتمل أن الطفل لم يحدّد مركز حركته بشكل قاطع، وإذا كان أعسر فلا يجوز إطلاقًا تغيير ميله الطبيعي. وإن كان يقوم ببعض الحركات من الجهة اليسرى وأخرى من الجهة اليمنى، يمكن إعادة الاختبارات التي ذكرناها بشكل دوري.
فبعض الأطفال يتأخرون في تحديد مركز الحركة لديهم حتى السادسة وأحيانًا العاشرة. ويمكن أن يكون الطفل «أضبط»، أي أنه قادر على استعمال يمينه ويساره بلا تمييز. وإذا لم يتأكدوا فهناك فحص يخضع له الطفل.
لماذا يخشى الأهل من أن يكون طفلهم أعسر؟
يفضّل الأهل استعمال اليد اليمنى نظرًا إلى المقولات الشعبية التي ترى أن استعمال اليد اليمنى فيه بركة.
في الماضي كانوا يضربون الطفل على يده اليسرى إذا استعملها بدل اليد اليمنى، وهذا لا يجوز، لأن تكوين الدماغ تطوّر بهذه الطريقة ويجدر احترام التكوين الفيزيولوجي الطبيعي للدماغ.
هل صحيح أن الطفل الأعسر أقل ذكاءً من الطفل الأيمن؟
لا. وهذا من المفاهيم الشعبية الخاطئة، فالطفل الأعسر يملك نسبة الذكاء نفسها التي لدى الطفل الأيمن، غير أن بعض الدراسات الطبيّة بيّنت أن من الممكن أن يواجه الطفل الأعسر مشكلات في القراءة والكتابة «ديسليكسيا»، أي عسر القراءة، و «ديسغرافيا»، أي عسر الكتابة.
يعني إذا أخذنا 100 طفل يعانون عسرًا في القراءة والكتابة، نجد أن هاتين المشكلتين موجودتان بنسبة أكبر لدى الأطفال العسر. ولكن لاحظت الدراسة أن نسبة الأطفال العسّر البارعين في الرياضة البدنية تفوق أقرانهم اليمّن.
لماذا نجد أطفالاً عسرًا لديهم القدرة على استعمال الجهة اليمنى واليسرى في الوقت نفسه؟
عندما يبدأ الطفل بإدراك الأشياء حوله، لا يهتم بما إذا كان عليه استعمال يده اليمنى أو اليسرى. وهذا طبيعي لأن الطفل قبل السنتين يبدأ باكتشاف حاسة اللمس لديه، ويريد أن يكتشف كل ما تقع عليه عيناه، ويبدأ بتنسيق حركة جسمه تبعًا لرغبته في الاكتشاف من دون أن يحصل تمركز في الحركة، فيستعمل يديه معًا.
فإذا ناولته والدته شيئًا ما بيده اليمنى يتسلّمه، وكذلك يفعل إذا ما ناولته بيده اليسرى. وبعد الثالثة يبدأ ظهور علامات تحوّل الاستعداد الحركي نحو أحد الشقين، الأيسر أو الأيمن من جسمه، ويثبت مركز الحركة تدريجًا ويصبح مؤكداً تبعًا لاستعداد الطفل لاستعمال إحدى يديه. لذا على الأم أن تترك لطفلها حريّة التبديل في استعمال يديه ولا تحاول أن تعارض ميوله الطبيعية، كما عليها أن تتركه يحدّد بنفسه اليد التي يستعملها أكثر.
وعمومًا قبل الثالثة يصعب الحكم بما إذا كان الطفل أعسر أم أيمن، وأحيانًا لا يثبت هذا الأمر إلا عند بلوغ العاشرة.
ماذا على الأهل القيام به إذا كان طفلهم يكتب باليد اليسرى؟
احترام اختياره. فكون الطفل أعسر لا يشكّل مشكلة، ولا سبب لمنعه من أن يكون أعسر. صحيح أن المحيط الاجتماعي والأشياء التي نستعملها في حياتنا اليومية مصممة لليمّن، لكن الطفل الأعسر يتكيف مع هذا المحيط من دون أن يسبب له ذلك مشكلة.
ولمساعدته في التعلّم، على الأهل ان يختاروا له الأدوات المصممة للطفل الأعسر، مثلاً مقص للعسر. ولا بد من الإشارة إلى أن المشكلة قد تظهر إذا عارض الأهل ميل الطفل الأعسر الطبيعي عندما يرغمونه على الكتابة أو الرسم باليد اليمنى، مما يجعله لا يدرك مفهوم المساحة، ويواجه مشكلة في تعلّم الكتابة وأحيانًا يبدو خطه شبيهاً بـ «خربشة الدجاج» كما نقول بالعامية.
واليوم تحترم معظم المدارس التوجه الطبيعي للطفل الأعسر، وهناك تعليمات للمعلّمات بالتعامل مع التلميذ الأعسر بشكل علمي.
ماذا يجدر بالأهل القيام به، في حال كانوا يشكّون في أن طفلهم أعسر؟
إذا بدا طفل في السادسة أنه متردّد بين أي يد يستعملها، فإن على الأهل استشارة اختصاصي نفس- حركي يحدّد مركز الحركة عند الطفل من خلال فحص يقوم به. فإذا كان الطفل يواجه صعوبة في الكتابة، فإنه سيخضع لجلسات عدة لتقويم الخط Graphotherapy، وبمساعدة المعلمة سيشعر أكثر بالراحة، ويجد الوضعية الصحيحة لجسمه وحركة يده، وكتابة الأحرف في شكل صحيح. فعدم إدراك الطفل الحركة الصحيحة في استعمال يده، قد يؤثر سلبًا في أدائه الأكاديمي.
كيف يمكن الأهل تشجيع طفلهم الأعسر في أدائه المدرسي؟
منذ دخول المدرسة، عليهم أن يخبروا معلمة الصف بأن طفلهم أعسر. وفي المقابل على الأهل والمعلمة أن يشجعوا الطفل الأعسر على بذل مجهود، ودعمه عندما يتردّد، فهو يحتاج إلى وقت كي يكيّف طريقة حركته مع محيط الأكثرية فيه يمّن. ومساعدة التلميذ على قبول اختلافه عن أقرانه في مسألة الكتابة، يكون لها تأثير إيجابي في قدراته وتصرفاته.
ما هي التدابير التي على الأهل القيام بها؟
في الصف يجب أن يجلس التلميذ الأعسر على يسار اللوح. والمكان المثالي يكون بالقرب من النافذة كي يدير رأسه نحو اليمين، مما يريح حركة عنقه.
وإذا كانت طاولة الصف يجلس عليها تلميذان، عندها يجلس التلميذ الأعسر إلى يسار زميله الأيمن في الصف، أو إلى اليسار إذا كان زميله أعسر، كي لا يصطدم مرفقاهما أثناء الكتابة... وأن يكون موضع الدفتر أو الورقة التي يكتب عليها نحو اليسار لأجل إبقاء يده اليسرى مفتوحة ومرتاحة عندما يكتب، فالورقة تكون على مدى الساعد حين يكتب... والتنبه إلى أن ظهر التلميذ يجب أن يكون مستقيمًا، وأن كتفيه موازيان للطاولة التي يكتب عليها.
- التحقّق من طريقة إمساك الطفل بالقلم: الأقلام التي تأتي على شكل مثلث تجعل الطفل يكتب بها بشكل جيد، لأنه يتحكم في الإمساك بها بشكل مريح. فقبضات القلم تسمح للأصابع باتخاذ الوضعية المثالية في الإمساك.
- وضع نموذج الكتابة على جهة اليمين: وأحيانًا في الوسط كي يتمكن الطفل من النظر إلى الدفتر من دون أن يرفع معصمه مرات عدة، ووضع سهم في أعلى الصفحة أو عند بداية السطر يسمح له بالاحتفاظ باتجاه الخط في ذاكرته.
- رصد اتجاه الكتابة العادية عند التلميذ: ويكون ذلك بالتأكد من أنه لا يكتب على عكس الاتجاه، فأحيانًا يطوّر الطفل الأعسر نظام كتابة مرآة، أي أن الأحرف وترتيب الكلمات في الجملة تكتب بشكل معاكس تمامًا. إذا لاحظت الأم هذه الظاهرة عند طفلها فمن الضروري جدًا استشارة اختصاصي نفس- حركي.
تزويد الطفل الأعسر بقرطاسية مناسبة مثل المقص ومبراة الأقلام والمسطرة، والسماح له باختيار ما يناسبه بشكل أفضل، سواء أكان أعسر أم أيمن. - استعمال اللغة الإيجابية: إذ لا يجوز إطلاقًا التعليق بشكل سلبي على استعمال التلميذ يده اليسرى كالقول بأنه يستعمل اليد الخطأ، فهذا يحبطه ويجعله يفكّر بأنه مختلف في شكل سلبي.
مساعدة الطفل الأعسر على الاسترخاء. قد يستغرق تعلّم الطفل الأعسر الكتابة وقتًا أطول من قرينه الأيمن. لذا لا يجوز استعجاله بل مساعدته، ويمكن تعليمه أوضاع الكتابة من طريق اللعب، وجعله يدرك أي وضع يناسبه.
هل تتأثر حركة الطفل الأعسر سلبًا؟
لا. هناك نوعان من الأطفال العسر: الذي يكون 100 في المئة أعسر، أي مركز حركته كله يدور من خلال أطرافه اليسرى، أي العين والقدم واليد.
والأعسر بين – بين، أي الذي يستعمل يده اليسرى فقط، وهذا النوع هو الغالب بين الأطفال العسّر، فقد يكتبون بيدهم اليسرى ويأكلون بيدهم اليمنى، وهؤلاء في حاجة إلى التمارين قبل القراءة والكتابة.
هل صحيح أن استعمال اليد اليسرى يؤثر في عمل القلب؟
لا كل هذه مفاهيم لا أساس لها من الصحة على المستوى الطبي.
ما هي النشاطات الرياضية التي يكون فيها التلميذ الأعسر أكثر براعة من أقرانه اليمّن؟
الرياضة هي مجال للانفتاح بالنسبة إلى الأعسر، وهناك 30 إلى 40 في المئة من أبطال العالم ممن هم عسر. والرياضة المناسبة للأعسر هي تلك التي تشوّش رد فعل المنافس، مثل الرياضات التي تتطلب لاعبين أو رياضات المواجهة، حيث يلعب المنافسان على مسافة قصيرة جدًا، وتستند إلى مفاجأة الخصم، مثل المبارزة وكرة الطاولة والملاكمة.
ويحدث أحيانًا أن لاعبي التنس والمبارزة اليمن يمرّنون يدهم اليسرى إذا ما تعرّضوا لإصابة، ويصبحون عسّرًا في الرياضة. فالرياضة تسمح باكتشاف أن استعمال اليد الأخرى ممكن وأحيانًا جيد.
ولكن في الحياة اليومية يغلب استعمال اليد اليمنى في الكتابة، بينما في الرياضة تستعمل اليد التي تعمل بشكل أفضل.
ما هي الديسليكسيا
الديسليكسيا خلل في وظائف بعض الأعصاب الدماغية، مع اضطراب الاتصال في المراكز المتخصصة بقدرتي القراءة والكتابة. فلا يقدر الطفل المصاب بالديسليكسيا على الربط بين ما يراه وما يجب قوله أو كتابته، وغالبًا ما يلاحظ أنه أقل من مستوى أقرانه في التعبير اللغوي مع أن مستوى ذكائه يكون طبيعيًا.
وتختلف درجة هذه الإعاقة من شخص إلى آخر. وتعدّ صعوبة نمو النطق وغياب الطلاقة في صياغة وصفٍ لما يراه أو يريده في كلمات وجمل صحيحة، القاسم المشترك بين جميع الذين يعانون الديسليكسيا Dyslexia.
ما هي الديسغرافيا Dysgraphia
تمثّل الديسغرافيا خللاً في وظائف الأعصاب الدماغية المتصلة بالعضلات الدقيقة المسؤولة عن تعلم مهارة الكتابة. وتعرف بالإعاقة الكتابية أو ما يسمى عسر الكتابة.
وأعراضها هي عدم قدرة الطفل على الكتابة في شكل مستقيم بل يكون الخط إما مائلاً إلى الأعلى أو إلى الأسفل. ويكتب الأحرف ضمن الكلمة الواحدة في أحجام مختلفة، أو يترك بينها فراغًا كبيرًا أو لا يكتب الكلمة في تهجئتها الصحيحة.
ولكن هذه الأعراض يجب أن تكون متكررة في شكل ملحوظ، لكي نشك بإصابته بالديسغرافيا. ومن المعلوم أن الطفل قد ينحرف خطه أو أو يكرر الأخطاء الإملائية، عندما يبدأ الكتابة، وهذه الأمور طبيعية.
من الشخص المخوّل في تشخيص الديسليكسيا والديسغرافيا؟
اختصاصي في علم النفس التربوي هو القادر على تشخيص ما إذا كان الطفل يعاني ديسليكسيا أم لا. ويقوم بدوره في التعرّف على تاريخ الطفل. ويجري اختبارًا لقدراته على القراءة والكتابة والاستماع ومعرفة الاتجاهات.
ويفحص القدرات السمعية، أي كيف يفهم دماغ الطفل ما يسمعه. ولا بد من التعاون بين الأهل والمعالج والمدرسة. وقد لا يقوم المعالج بأي جلسة علاجية، بل يعطي المدرسة والأهل الإرشادات التي يجب التقيّد بها حتى يتمكّن التلميذ من النجاح. فالجلسات العلاجية لا تشفي ولكنها تعلّم التلميذ كيفية التكيف مع هذه المشكلة.
الأكثر قراءة
أخبار النجوم
ياسمين عبد العزيز تضع حدّاً لتعليقات منسوبة إلى...
أخبار النجوم
خبيرة أبراج تثير الجدل بعد تنبؤاتها لمصير ثلاث...
أخبار النجوم
فاتن موسى تتذكر لحظات ممتعة مع الراحل مصطفى...
أخبار النجوم
أمل كلوني تثير الجدل بنحافتها بالشورت القصير
أخبار النجوم
رانيا يوسف تتحدث بصراحة عن زيجاتها وابنتيها...
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024